لو كانت لحادثة كربلاء مثل هذه المعطيات ، وقد أدّت إلى قوّة شوكة الإسلام وانهيار دعائم الظلم والجور ، لم اصطلح الأئـمّة (عليهم السلام) عليها بالمصيبة ؟
فقد ورد في زيارة عاشوراء
«يالها من مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيّتها في الإسلام»(1) .
الجواب :
طبعاً مصيبتها في أنّها لِمَ حدثت وأَوْدت بحياة هؤلاء الفتية وبتلك الطريقة البشعة التي تدمي القلوب ، أمّا ثمرتها فلولا وقوعها لما بقي للإسلام اليوم من أثر ، وبتعبير أوضح: مرض عضال مميت ، وقد شخّص الطبيب علاجه بقطع الساق اليسرى للمريض وبخلافه يموت ، فما عسى أن يشعر به والد المريض ووالدته؟
ليس سوى الحزن والسرور ، فالحزن لقطع ساق ولدهم والسرور لعدم موته ، فشجرة الإسلام كانت تشهد الذيول والتآكل بسبب حكومات الجور والفساد ، وقد اجتهد يزيد وعبيدالله على اقتلاع شجرة الإسلام المباركة ، وليس هناك من وسيلة لحفظها سوى دم الحسين (عليه السلام) ، كانت هذه الأفكار لا تفارق ذهن الإمام التي جعلته يتّجه لعدّة ليال إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
ليس هنالك من سبيل سوى
«لا أرى الموت إلاّ سعادة»(2)
وإلاّ مات الإسلام ، آنذاك ستقطع تلك الأيادي الأثيمة التي تنوي العبث بعروق شجرة الإسلام ، وهنا تبلورت حادثة كربلاء ، وعلى الإمام أن يُمارس دوره في هذه التربة .
ولم تكن هذه الفكرة مقتصرة على الإمام (عليه السلام) ، فقد تكهّن بها مسبقاً ، لابدّ أن تشهد هذه التربة سفك الدماء المقدّسة لاُولئك الفتية ، ليستعيد الإسلام حيويّته ، فلتسفك الدماء ، وليقف يزيد عند حدّه . ويشاهد اُمناء الإسلام وحماة العقيدة ـ الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) ـ هذه الصورة ، فهم مسرورون لبقاء القرآن وديمومة الإسلام ، وفي ذات الوقت محزونون لهذه الحادثة والمصاب الجلل .
لِمَ بلغت الاُمور بالإسلام في ظلّ هذه الحكومات الفاسدة هذا المأزق ، ولم تعد هنالك من وسيلة لعلاجه وبعث الحياة فيه سوى سفك دم الحسين (عليه السلام) ؟
لم كان الثمن دم هؤلاء الصبية وبتلك الطريقة المروّعة؟
لِمَ كربلاء؟
فالحادثة مصيبة وأعظم مصيبة ، وهل من مصيبة أعظم من تلقّي الإسلام للضربات تلو الضربات أو الحيلولة دونها بإراقة دماء الطهر والعفّة والفضيلة بأيدي السفّاحين المتعطّشين للدماء؟
إذن ، فكربلاء إذا نظر إليها من تلك الزاوية فهي مصيبة جلل ، إلاّ أنّها بالنظر إلى هذه الزاوية فتح وانتصار ، يوم سرور الإسلام الذي التقط أنفاسه إثر هذه الحادثة .
إذن ، يمكن النظر إلى هذه الحادثة من زاويتين:
1ـ النظر إليها من ذلك الجانب الفاسد الذي يسدّد الضربات الموجعة والمؤلمة ، والتي لا يمكن تفاديها إلاّ من خلال تضحية الإمام!
2ـ النظر إلى المعطيات الدائمة التي أفرزتها النهضة وتمخّضت عنها تلك الحادثة .
فالحادثة على ضوء النظرة الاُولى مصيبة ورزيّة ، بينما على أساس النظرة الثانية نعمة وسلامة ، وعليه : فالأئـمّة (عليهم السلام) إنّما يستندون إلى النظرة الاُولى ـ لا الثانية ـ في وصفهم لتلك الحادثة بالمصيبة .
وعليه : فلا منافاة بين نعتها بالمصيبة من قبل الإمام مع تلك المعطيات التي لم تفرزها سوى طبيعة تلك الحادثة ، وأمّا على ضوء النظرة الثانية فكربلاء لوحة عشق تفيض عذوبة ورقّة ونوراً ، ستسطع أشعّته إلى الأبد ، وقد أشرقت في أُفقها شمس الإمام لتُنير كلّ دياجير الظلام ، الأمر الذي يجعل الأئـمّة (عليهم السلام) ينظرون إليها بعين الفرح والسرور .
ولا بأس هنا بسماع الكلمات الناطقة بإسم أهل البيت ، مخدّرة حيدر وبطلة كربلاء وزعيمة ركب الاُسارى ، وهي تذكّر الاُمّة بصولات علي (عليه السلام) وخطبه في الكوفة ، ولا عجب فقد رضعت هي الاُخرى من ثدي الوحي ، الأمر الذي جعل لها مكانة خاصّة عند الحسين (عليه السلام) ، لقد تمثّل الملعون يزيد بأشعار ابن الزبعرى مسروراً بدرك ثأره من تلك المعارك ولاسيّما موقعة بدر ، على أنّه قتل القوم من ساداته وعدله ببدر فاعتدل ، فلمّا سمعت زينب مقالته ردّت عليه قائلة بعد أن حمدت الله وأثنت عليه:
«أظننتَ يا يزيد حيث أَخَذْتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا ، نُساق كما تُساق الأُسارى ، أنّ بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة؟ وأ نّ ذلك لعظم خطرك عنده،... فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك جذلاً مسروراً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والاُمور لك متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، مهلا مهلاً! أنسيتَ قوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لاَِنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}(3) . . .
وسْعَ سَعْيَكَ وناصِبْ جَهدك ، فوالله لا تمحونّ ذكرنا، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا، ولا ترضى عنك عارها، وهل رأيك إلاّ فندا ، وأيّامك إلاّ عددا ، وجمعك إلاّ بددا ، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين»(4) .
ونلاحظ كيف نظرت ربيبة علي (عليه السلام) من خلال اعتماد الزاوية الثانية للحادثة ، لتميط اللثام عن وجه يزيد ونيّاته المبيَّنة للإسلام والقرآن ، فهي تبطل تصوّره الفاسد بالقضاء على الإسلام ، وتقول له: هل يمكن إماتة الوحي ، فليس للقرآن من زوال ما دام في أهل البيت عرق ينبض ، إنّ الحسين (عليه السلام) هو الذي قضى عليك وأفشل مخطّطاتك .
وعليه : فمراد الأئـمّة (عليهم السلام) بكون الحادثة مصيبة هو ما مرّ سابقاً ، وإلاّ فحادثة كربلاء كانت بمثابة الدم الذي يجري في العروق بالنسبة للإسلام والقرآن .
___________________________
(1) كامل الزيارات: 330 ح 556 .
(2) حلية الأولياء 2: 39، وعنه مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 4: 68 .
(3) سورة آل عمران: الآية 178 .
(4) الملهوف: 215 ـ 218، وعنه بحار الأنوار 45: 133 ـ 135 .
آية الله الشيخ الفاضل اللنكراني
فقد ورد في زيارة عاشوراء
«يالها من مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيّتها في الإسلام»(1) .
الجواب :
طبعاً مصيبتها في أنّها لِمَ حدثت وأَوْدت بحياة هؤلاء الفتية وبتلك الطريقة البشعة التي تدمي القلوب ، أمّا ثمرتها فلولا وقوعها لما بقي للإسلام اليوم من أثر ، وبتعبير أوضح: مرض عضال مميت ، وقد شخّص الطبيب علاجه بقطع الساق اليسرى للمريض وبخلافه يموت ، فما عسى أن يشعر به والد المريض ووالدته؟
ليس سوى الحزن والسرور ، فالحزن لقطع ساق ولدهم والسرور لعدم موته ، فشجرة الإسلام كانت تشهد الذيول والتآكل بسبب حكومات الجور والفساد ، وقد اجتهد يزيد وعبيدالله على اقتلاع شجرة الإسلام المباركة ، وليس هناك من وسيلة لحفظها سوى دم الحسين (عليه السلام) ، كانت هذه الأفكار لا تفارق ذهن الإمام التي جعلته يتّجه لعدّة ليال إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
ليس هنالك من سبيل سوى
«لا أرى الموت إلاّ سعادة»(2)
وإلاّ مات الإسلام ، آنذاك ستقطع تلك الأيادي الأثيمة التي تنوي العبث بعروق شجرة الإسلام ، وهنا تبلورت حادثة كربلاء ، وعلى الإمام أن يُمارس دوره في هذه التربة .
ولم تكن هذه الفكرة مقتصرة على الإمام (عليه السلام) ، فقد تكهّن بها مسبقاً ، لابدّ أن تشهد هذه التربة سفك الدماء المقدّسة لاُولئك الفتية ، ليستعيد الإسلام حيويّته ، فلتسفك الدماء ، وليقف يزيد عند حدّه . ويشاهد اُمناء الإسلام وحماة العقيدة ـ الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) ـ هذه الصورة ، فهم مسرورون لبقاء القرآن وديمومة الإسلام ، وفي ذات الوقت محزونون لهذه الحادثة والمصاب الجلل .
لِمَ بلغت الاُمور بالإسلام في ظلّ هذه الحكومات الفاسدة هذا المأزق ، ولم تعد هنالك من وسيلة لعلاجه وبعث الحياة فيه سوى سفك دم الحسين (عليه السلام) ؟
لم كان الثمن دم هؤلاء الصبية وبتلك الطريقة المروّعة؟
لِمَ كربلاء؟
فالحادثة مصيبة وأعظم مصيبة ، وهل من مصيبة أعظم من تلقّي الإسلام للضربات تلو الضربات أو الحيلولة دونها بإراقة دماء الطهر والعفّة والفضيلة بأيدي السفّاحين المتعطّشين للدماء؟
إذن ، فكربلاء إذا نظر إليها من تلك الزاوية فهي مصيبة جلل ، إلاّ أنّها بالنظر إلى هذه الزاوية فتح وانتصار ، يوم سرور الإسلام الذي التقط أنفاسه إثر هذه الحادثة .
إذن ، يمكن النظر إلى هذه الحادثة من زاويتين:
1ـ النظر إليها من ذلك الجانب الفاسد الذي يسدّد الضربات الموجعة والمؤلمة ، والتي لا يمكن تفاديها إلاّ من خلال تضحية الإمام!
2ـ النظر إلى المعطيات الدائمة التي أفرزتها النهضة وتمخّضت عنها تلك الحادثة .
فالحادثة على ضوء النظرة الاُولى مصيبة ورزيّة ، بينما على أساس النظرة الثانية نعمة وسلامة ، وعليه : فالأئـمّة (عليهم السلام) إنّما يستندون إلى النظرة الاُولى ـ لا الثانية ـ في وصفهم لتلك الحادثة بالمصيبة .
وعليه : فلا منافاة بين نعتها بالمصيبة من قبل الإمام مع تلك المعطيات التي لم تفرزها سوى طبيعة تلك الحادثة ، وأمّا على ضوء النظرة الثانية فكربلاء لوحة عشق تفيض عذوبة ورقّة ونوراً ، ستسطع أشعّته إلى الأبد ، وقد أشرقت في أُفقها شمس الإمام لتُنير كلّ دياجير الظلام ، الأمر الذي يجعل الأئـمّة (عليهم السلام) ينظرون إليها بعين الفرح والسرور .
ولا بأس هنا بسماع الكلمات الناطقة بإسم أهل البيت ، مخدّرة حيدر وبطلة كربلاء وزعيمة ركب الاُسارى ، وهي تذكّر الاُمّة بصولات علي (عليه السلام) وخطبه في الكوفة ، ولا عجب فقد رضعت هي الاُخرى من ثدي الوحي ، الأمر الذي جعل لها مكانة خاصّة عند الحسين (عليه السلام) ، لقد تمثّل الملعون يزيد بأشعار ابن الزبعرى مسروراً بدرك ثأره من تلك المعارك ولاسيّما موقعة بدر ، على أنّه قتل القوم من ساداته وعدله ببدر فاعتدل ، فلمّا سمعت زينب مقالته ردّت عليه قائلة بعد أن حمدت الله وأثنت عليه:
«أظننتَ يا يزيد حيث أَخَذْتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا ، نُساق كما تُساق الأُسارى ، أنّ بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة؟ وأ نّ ذلك لعظم خطرك عنده،... فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك جذلاً مسروراً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والاُمور لك متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، مهلا مهلاً! أنسيتَ قوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لاَِنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}(3) . . .
وسْعَ سَعْيَكَ وناصِبْ جَهدك ، فوالله لا تمحونّ ذكرنا، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا، ولا ترضى عنك عارها، وهل رأيك إلاّ فندا ، وأيّامك إلاّ عددا ، وجمعك إلاّ بددا ، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين»(4) .
ونلاحظ كيف نظرت ربيبة علي (عليه السلام) من خلال اعتماد الزاوية الثانية للحادثة ، لتميط اللثام عن وجه يزيد ونيّاته المبيَّنة للإسلام والقرآن ، فهي تبطل تصوّره الفاسد بالقضاء على الإسلام ، وتقول له: هل يمكن إماتة الوحي ، فليس للقرآن من زوال ما دام في أهل البيت عرق ينبض ، إنّ الحسين (عليه السلام) هو الذي قضى عليك وأفشل مخطّطاتك .
وعليه : فمراد الأئـمّة (عليهم السلام) بكون الحادثة مصيبة هو ما مرّ سابقاً ، وإلاّ فحادثة كربلاء كانت بمثابة الدم الذي يجري في العروق بالنسبة للإسلام والقرآن .
___________________________
(1) كامل الزيارات: 330 ح 556 .
(2) حلية الأولياء 2: 39، وعنه مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 4: 68 .
(3) سورة آل عمران: الآية 178 .
(4) الملهوف: 215 ـ 218، وعنه بحار الأنوار 45: 133 ـ 135 .
آية الله الشيخ الفاضل اللنكراني