* مواقف الإمام عليه السلام في مراحل القمع
لو قام الإمام السجاد عليه السلام في تلك الظروف بتحركات علنيّة وواضحة، لكان ما بقي لأتباعه من باقية، ولما بقيت الأرضية، أو فسح المجال لاستمرار ونمو مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ونظام الولاية والإمامة فيما بعد. لهذا نجد أنّ الإمام السجاد عليه السلام في قضيّة المختار لم يعلن التعاون معه، بل كما ورد في بعض الروايات أنّه عليه السلام كان يذمُّ المختار(3)، فالإمام عليه السلام لم يُظهر أي نوع من الارتباط العلني معه. وجاء في إحدى الروايات، أنّه عندما دخل مسلم بن عقبة إلى المدينة في واقعة الحرة، لم يشكّ أحد على الإطلاق في أنّ أول شخص سيقع ضحيّة نقمته هو علي بن الحسين عليه السلام، لكن الإمام بتدبيره الحكيم، استطاع دفع هذا البلاء عنه، وحافظ على استمرار المحور الأصلي للتّشيع. في تلك الفترة ساد حكم عبد الملك - الذي شمل أكثر مراحل الإمام لمدة تجازوت الثلاثين سنة - وكان نظامه يقوم بالإشراف التام والمراقبة الدائمة لحياة الإمام السجاد عليه السلام، ويستخدم الجواسيس والعيون الكثيرة التي كانت تنقل إليه أدقّ التفاصيل، حتى المسائل الداخلية والخاصة، عن الإمام.
* على طريق الحكومة الإسلامية
بدون شكّ، كان الهدف النّهائي للإمام السجاد عليه السلام إيجاد الحكومة الإسلامية، التي يحتاج قيامها إلى عدة أمور:
1- تدوين وتدريس ونشر المدرسة الإسلامية الحقيقية التي يحمل علَمَها الأئمة عليهم السلام. وهذا من أعظم الأدوار التي مارسها الإمام السجاد عليه السلام وهي أنّه دوّن الفكر الأصيل للإسلام: كالتّوحيد، والنّبوة، وحقيقة المقام المعنوي للإنسان، وارتباطه بالله، وأهمّ دور كان للصّحيفة السّجادية هو في هذا المجال.
2 - تعريف النّاس على حقّانية أولئك الذين ينبغي أن يتسلموا زمام الحكم، في ظل هذا الجو الذي ظهرت فيه الأحاديث الموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وآله، والتي تخالف حركة أهل البيت عليهم السلام.
3 - كان على الإمام عليه السلام أن يؤسّس بعض الأجهزة والتشكيلات التي تشكّل منطلقاً أصلياً للتحركات السّياسية المستقبلية، في وجه هذا الظلم، والاضطهاد السّائد وقتها.
* دور الإمام السجّاد عليه السلام
لم يكن باستطاعة الإمام السّجاد عليه السلام أن يقوم وحده، أو مع جماعة قليلة وغير منظمة, بالثورة والمواجهة. لهذا كان همّ الإمام السجاد عليه السلام أن يبدأ بتشكيل هذه التنظيمات التي كانت، برأينا، موجودة منذ أيام أمير المؤمنين عليه السلام، غير أنّها ضعفت وتلاشت إثر واقعة عاشوراء، والحرّة، وواقعة المختار. إلى جانب هذه الأعمال توجد تحرّكات أخرى قام بها الإمام عليه السلام وأتباعه، لأجل اختراق ذلك الجوّ المرعب والقمعي؛ ففي ظل الإجراءات الأمنيّة المشدّدة التي كان يفرضها الحكم نلاحظ مواقف عديدة للإمام أو أتباعه، خاصة مع الأجهزة الحاكمة، أو التابعة لها، مثل المواقف التي حدثت بين الإمام عليه السلام وعبد الملك عدة مرات، أو الأمور التي جرت مع العلماء المنحرفين، والتابعين لعبد الملك (مثل محمد بن شهاب الزهري)، كل ذلك لأجل خرق ذلك الجو المتشدد.
إن الإمام السجاد عليه السلام لم يكن يرى أنه سيتم تحقيق الحكومة الإسلامية في زمانه؛ لأنّ الأرضية لم تكن معدة لذلك، فقد كان الظلم والقمع والجهل أكبر من أن يزول خلال هذه السنوات الثلاثين. لقد كان الإمام السجاد عليه السلام يعمل للمستقبل وللمدى البعيد.
(*) مقتبس من كتاب (الدروس العظيمة من سيرة أهل البيت عليهم السلام) للسيد القائد علي الخامنئي دام ظله.
3.سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج 4، ص 397.