أﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﺑﻨﺘﻲ ﺯﻳﻨﺐ..
ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻣﻀﻰ ﻋﺪﺓ ﺃﻳﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺍﺟﺪﻩ ﻭﺭﻓﻴﻘﻪ ﻓﻲ ﻧﻘﻄﺔ ﺭﺻﺪ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺟﺪﺍً ﻋﻦ ﺳﻄﺢ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻓﻲ ﺇﻗﻠﻴﻢ ﺍﻟﺘﻔﺎﺡ.
ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺍﻧﻄﻠﻘﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ، ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﻜﻔﻬﺮﺓ ﻗﺪ ﻛﺸﻔﺖ ﻋﻦ ﺃﻧﻴﺎﺏ ﻋﺎﺻﻔﺔ ﻗﻮﻳﺔ. ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﻟﺮﻓﻴﻘﻪ : ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻗﺪ ﻏﻴّﺮﺕ ﺭﺃﻳﻬﺎ ﻭﺳﻴﺘﺴﺎﻗﻂ ﺍﻟﺜﻠﺞُ...
ﺯﺍﺩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭُ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻄﺎﻳﺮ ﻣﻦ ﻓﻢّ ﺭﻓﻴﻘﻪ ﻭﻫﻮ ﻳﺮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻌﻮﺭﻩ ﺑﺎﻟﺒﺮﺩ: ﺑﻞ ﺑﺪﺃ ﺑﺎﻟﺘﺴﺎﻗﻂ...
ﺍﺳﺘﻮﻟﻰ ﺍﻟﺒﺮﺩُ ﻋﻠﻰ ﻛﻴﺎﻧﻬﻤﺎ، وﺃﺑﺎ ﺗﺮﺍﺏ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﺑﺎﺕ ﻋﺎﺟﺰﺍً ﻋﻦ ﺗﺤﺮﻳﻚ ﻗﺪﻣﻴﻪ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻗﻴﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ.
ﺟﺮّﺏ ﺍﻹﻳﺤﺎﺀ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻘﺪﻣﻴﻪ، ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﻧﻪ ﻟﻮ ﻓﺼﻠﺘﺎ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ، ﻟﻤﺎ ﺷﻌﺮ ﺑﺄﻧﻪ ﺧﺴﺮ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺟﺴﺪﻩ! ﺣﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﺰﻉَ ﻗﺪﻣﻴﻪ ﺍﻟﻠﺘﻴﻦ ﻏﺮﺯﺗﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻠﺞ، ﻓﻠﻢ ﻳﻔﻠﺢ ﺑﺬﻟﻚ..
ﺻﺎﺭ ﺭﻓﻴﻘﻪ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻳﺤﺮﻙ ﻟﻪ ﻗﺪﻣﻴﻪ ﻟﺘﻨﺸﻴﻂ ﺍﻟﺪﻭﺭﺓ ﺍﻟﺪﻣﻮﻳﺔ، ﻓﻲ ﻭﻗﺖٍ ﺑﺎﺕ ﻫﻮ ﻳﺤﺘﺎﺝُ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻟﺪﺭﺀ ﺍﻟﺠﻠﻴﺪ ﻋﻦ ﻣﻔﺎﺻﻠﻪ..
ﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﻳﺠﺮُّ ﻧﻔﺴﻪ ﺟﺮﺍً ﺗﺎﺭﻛﺎً ﺧﻠﻔﻪ ﺧﻨﺪﻗﻴﻦ، ﻓﻠﻢ ﻳﻘﻮ ﻋﻠﻰ ﺭﻓﻊ ﻗﺪﻣﻴﻪ ﺃﺑﺪﺍً، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺃﻥ ﻳﻜﻤﻞ...
ﻭﻗﻒ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻗﺎﺋﻼً ﻟﺮﻓﻴﻘﻪ : ﺍﺫﻫﺐ ﻭﺍﺗﺮﻛﻨﻲ ﻫﻨﺎ.. ﻟﻦ ﺍﺳﺘﻄﻴﻊ ﺫﻟﻚ..
ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﺭﻓﻴﻘﻪ ﻣﺤﺎﻭﻻً ﺣﺜّﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﺍﻻﺳﺘﺴﻼﻡ : ﻻ ﺗﻘﻞ ﺫﻟﻚ.. ﻓﻴﻤﻜﻨﻚ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻲ.. ﺛﻢ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﺮﺗﺎﺡ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻌﺒﺖَ ...وعندما نصل سيكون المسعف مع المجموعة ...
ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺃﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﺗﺬﻛّﺮ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻬﻀﺎﺏ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﺀ، ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺇﻥ ﻭﺻﻠﺖ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﻥٍ ﺑﺎﻧﺖ ﻓﻴﻪ ﺃﻏﺼﺎﻥ ﺍﻟﺸﺠﺮ ﺣﺘﻰ ﺍﻧﻬﻤﺮ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﻏﺰﻳﺮﺍً ﻓﻮﻕ ﺭﺅﻭﺳﻬﻢ ﻓﺒﻠﻠﻬﻢ، ﻓﺸﻌﺮ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺑﻠﻤﺴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻑﺀ ﺃﻋﺎﺩﺗﻪ ﻗﻠﻴﻼً ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ .
ﻓﻲ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺍﻟﺪﺍﻓﺌﺔ ﺍﻗﺘﺮﺏ ﺍﻟﻤﺴﻌﻒُ، ﻭﺑﻤﻘﺺٍ ﻗﻮﻱ ﻗﺺّ ﺍﻟﺤﺬﺍﺀ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺎﺻﺮ ﻗﺪﻣﻲ ﺃﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ.. ﻛﺎﻥ ﺳﻠﺦُ ﺟﻠﺪ ﺍﻟﺤﺬﺍﺀ ﻋﻦ ﺟﻠﺪ ﺃﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﻣﺆﻟﻤﺎً ﺟﺪﺍً، ﻭﻗﺪ ﻓﺎﺣﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺭﺍﺋﺤﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻔﻦ... ﺑﺪﺃ ﺍﻟﻤﺴﻌﻒ ﺑﺼﺐّ ﻛﻤﻴﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ ﺍﻟﻤﻄﻬّﺮ ﻭﺍﻟﻤﻌﻘّﻢ، ﻭﺃﻋﻄﺎﻩُ ﺍﺑﺮﺓ ﻣﻦ ﻣﺴﻜﻦ ﺍﻻﻟﻢ ﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻤﻮﺩ ﺭﻳﺜﻤﺎ ﻳﺼﻠﻮﻥ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ...
ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻬﻤﺲُ ﺣﻮﻝ ﺃﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﻭﻧﻈﺮﺍﺕ ﺭﻓﺎﻗﻪ ﺗﺸﻲ ﺑﺄﻥ ﺛﻤﺔ ﺷﻴﺌﺎً ﺧﻄﻴﺮﺍً ﺑﻪ، ﻭﻗﺪ ﻣﻨﻌﻮﻩ ﻣﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﻗﺪﻣﻴﻪ ﺍﻟﻠﺬﻳْﻦ ﺗﺤﻮﻻ ﺑﻔﻌﻞ ﺍﻟﻮﺭﻡ ﻭﺍﻟﻌﻔﻦ ﺇﻟﻰ ﺟﺒﻠﻴﻦ ﺗﻤﻠﺆﻫﻤﺎ ﺍﻟﻨﺘﻮﺍﺀﺍﺕ، ﻓﻐﻄﻮﻫﻤﺎ ﺟﻴﺪﺍً ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻧﻘﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ..
ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺨﻀﻮﻉ ﻟﻠﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻹﺷﻌﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﺤﻮﺻﺎﺕ ﺍﻟﻤﺨﺒﺮﻳﺔ، ﻭﺍﻟﺮﻓﺎﻕ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻳﺘﺤﺪﺛﻮﻥ ﻣﻌﻪ
ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﺻﺎﺭﺕ ﺃﻛﺜﺮ ﺑﺮﻭﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻄﺐ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻲ، ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻗﻠﻴﻢ ﺍﻟﺘﻔﺎﺡ ﻓﺤﺴﺐ.. ﻭﺃﻣﺘﺪ ﺍﻟﺼﻘﻴﻊ ﻭﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ ﻣﻦ ﻗﺪﻣﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﺷﻞ ﺟﺴﺪﻩ ﻭﻗﻠﺒﻪ.. ﻓﻤﺎ ﺍﻧﺘﻈﺮ ﺳﻤﺎﻋﻪ.. ﺳﻤﻌﻪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺳﻤﺎﻉ ﻣﺎ ﺗﻨﺘﻈﺮﻩ ﻳﻈﻞّ ﻗﺎﺳﻴﺎً..
- ﺇﻧﻬﺎ ﺍﻟﻐﺮﻏﺮﻳﻨﺎ...
ﻟﻘﺪ ﺗﺴﺒﺒﺖ ﺑﻤﻮﺕ ﺍﻟﺨﻼﻳﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﻣﻴﻦ ﻭﺍﻧﺴﺪﺍﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﺍﻳﻴﻦ، ﻓﺒﺪﺃﺗﺎ ﺑﺎﻟﺘﻌﻔﻦ.. ﻭﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﺻﺮﺗﻬﺎ ﺑﻘﻄﻌﻬﺎ ﺧﻮﻓﺎً ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﺒﺪﺃ ﺑﺄﻛﻞ ﺍﻟﺨﻼﻳﺎ ﺻﻌﻮﺩﺍً...
ﺳﻴﻄﺮﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺮﻭﺩﺓ ﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻏﻄﺎﻩُ ﺍﻟﺜﻠﺞ ﻻﻳﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻻﻗﻠﻴﻢ.. ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﻟﻠﺘﺨﻔﻴﻒ ﻋﻨﻪ، ﻟﻢ ﺗﻔﻠﺢ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺗﺼﻴﺐ ﻫﺪﻓﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ.. ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﺩﺍﺋﻢ ﺍﻻﺑﺘﺴﺎﻡ ﺑﻮﺟﻬﻬﻢ ﻭﺣﺮﺹ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺆﺫﻱ ﺃﻳﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﻤﻊ ﻣﻦ ﺗﻤﺘﻤﺎﺕ ﺍﻟﺸﻔﺎﻩ ﺷﻴﺌﺎً...
ﻓﺒﺘﺮ ﻗﺪﻣﻴﻪ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﺘﺮ ﺃﺣﻼﻣﻪ.. ﺑﺘﺮُ ﺗﻮﺍﺟﺪﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭ.. ﺑﺘﺮُ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ.. ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ﺷﺪﻳﺪ؛ ﺑﺘﺮﻩ ﻋﻦ ﺃﺻﻞ ﻭﺟﻮﺩﻩ...
ﺭﺑّﺖ ﺭﻓﻴﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ ﻭﻗﺪ ﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ ﺍﻟﺴﺮﻳﺮ ﻟﻴﺼﻴﺮ ﻗﺮﻳﺒﺎً ﻣﻨﻪ، ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﺑﺤﻨﺎﻥ : ﻻ ﺗﺘﺤﺴﺮ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ.. ﻓﺄﻧﺖ ﺍﻵﻥ ﺟﺮﻳﺢ ﺗﻮﺍﺳﻲ ﺃﺑﺎ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻻ ﺗﺰﺩ ﻣﻦ ﺃﻭﺟﺎﻋﻚ ﺑﺎﻟﺘﺤﺴﺮ ﻭﺍﻟﺘﻤﻨﻲ، ﻓﻤﻬﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖَ ﻓﻠﻦ ﻳﺼﻴﺒﻚ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻚ..
ﺗﻨﻬﺪ ﺃﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ، ﻭﻛﺄﻥ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﻻﻣﺲ ﻣﺎ ﻳﻌﺬﺑﻪ.. ﺑﻠﻰ .. ﺇﻧﻪ ﻳﻌﺮﻑ ﻭﻳﺪﺭﻙ ﺟﻴﺪﺍً ﻣﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻳﺼﻴﺮ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪ ﺟﺮﻳﺤﺎً ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ..
ﻣﺎ ﺇﻥ ﺧﺮﺝ ﺭﻓﻴﻘﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﻭﺻﺎﺭ ﻭﺣﻴﺪﺍً، ﺣﺘﻰ ﻓﺎﺿﺖْ ﺑﺤﻴﺮﺓ ﺧﺪﻳﻪ ﺍﻟﻤﺎﻟﺤﺔ ﻓﻐﺮﻗﺖ ﺿﻔﺎﻑ ﻟﺤﻴﺘﻪ ﻭﺍﺑﺘﻞَّ ﻋﺸﺒﻬﺎ، ﻭﻛﺎﻥ ﻗﻠﺒﻪ ﻳﺘﻠﻮﻯ ﻓﻲ ﺻﺪﺭﻩ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺴﺘﺠﺪﻱ ﺭﻭﺣﻪ ﺃﻥ ﺗﺴﻠﻢ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺍﻟﺮﺣﻤﺎﻥ.. ﻓﻤﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﺳﺎﻋﺎﺕْ ﻭﻳﺤﻴﻦ ﻣﻮﻋﺪ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ...
ﻋﻘﺮﺏُ ﺍﻟﺴﺎﻋﺎﺕ ﻳﺘﺤﺮﻙ ﺑﺒﻂﺀ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﺴﻜﻮﻥ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ.. ﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻴﻦ ﻏﻔﻮﺓ ﻭﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻗﺪ ﺳﻜﺖَ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻜﺎﺀ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺗﺠﻠﺒﺐ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺴﻜﻴﻨﺔ ﻭﺩﻑﺀ ﻏﺮﻳﺒﻴﻦ.. ﻓﺎﻧﺘﺒﻪ ﺃﻥ ﺻﻤﺘﺎً ﻏﺮﻳﺒﺎً ﻋﻢّ ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ..ﺃﺻﺎﺥ ﺍﻟﺴﻤﻊ ﺟﻴﺪﺍً ؛ ﻻ ﺷﻲﺀ.. ﺳﻜﻮﻥ ﻻ ﺗﻘﺮﺑﻪُ ﻭﺣﺸﺔ ﺧﻴّﻢ ﻋﻠﻴﻪ.. ﺷﻌﺮ ﺑﻬﻴﺒﺔ ﻭﻛﺄﻥّ ﺃﻭﺻﺎﻟﻪ ﻛﻠﻬﺎ ﺍﺳﺘﻨﻔﺮﺕ ﻟﺸﻲﺀ ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﻳﺠﻬﻠﻪ..
ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺃﻥ ﻳﻤﺪّ ﻳﺪﻩ ﻟﻴﻀﻐﻂ ﻋﻠﻰ ﺟﺮﺱ ﺍﻟﻤﻤﺮﺿﺔ.. ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻧﻔﺎﺳﻪ ﻣﺘﺴﺎﺭﻋﺔ ﻣﻊ ﻧﺒﺾ ﻗﻠﺒﻪ، ﻭﻗﺪ ﺳﻄﻊ ﻧﻮﺭ ﺑﺎﻫﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﻭﺳﻤﻊ ﺻﻮﺗﺎً ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻪ:
- " أﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ أﺑﻨﺘﻲ ﺯﻳﻨﺐ.. "
ﺳﻮّﻯ ﺍﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﻪ ﻭﺷﻬﻖ ﺷﻬﻘﺔ ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻑ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻫﺸﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﺰﻉ! ﻛﺎﻥ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﻓﻲ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﻣﻌﻪ.. ﻫﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺭﺅﻳﺎ؟! ﺃﻡ ﺃﺿﻐﺎﺙُ ﺃﺣﻼﻡ.. ﻭﻟﻜﻦ ﻻ .. ﺍﻟﺼﻮﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻤﻌﻪ ﻻ ﻳﺰﺍﻝُ ﺭﻧﻴﻨﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ.. ﻻ ﻳﺰﺍﻝُ ﺻﺪﺍﻩ ﻓﻲ ﻣﺴﻤﻌﻪ: ﺍﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﺑﻨﺘﻲ ﺯﻳﻨﺐ...
ﻣﺎ ﺇﻥ ﺍﻧﺒﻠﺞ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﺣﺘﻰ ﻃﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﺭﻓﺎﻗﻪ ﺣﻤﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺎﻡ..
- ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﺫﻟﻚ ؟ ﻓﻘﺪ ﺣﺪﺩ ﻣﻮﻋﺪ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ؟
- ﺳﻨﺄﺧﺬﻙ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺎﻡ، ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻧﻄﻤﺌﻦ ﻋﻠﻰ ﻧﺠﺎﺡ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ..
ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻫﻠﻪ ﺍﻭ ﺭﻓﺎﻗﻪ ﺛﻨﻴﻪ ﻋﻦ ﻣﺎ ﻋﺰﻡ ﻋﻠﻴﻪ.. ﻟﻘﺪ ﺟﺎﺀﻩ ﻧﺪﺍﺀ ﻭﺳﻴﻠﺒﻴﻪ.. ﺇﻧﻪ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻤﺎ ﺳﻤﻌﻪ.. (ﻣﺎ ﻛﺬﺏ ﺍﻟﻔﺆﺍﺩ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ.. ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻨﺠﻢ
- ﺳﺄﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﻗﺪ ﺍﻟﺴﻴﺪﺓ ﺯﻳﻨﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ.. ﻟﻦ ﺃﺧﺴﺮ ﺷﻴﺌﺎً ﺣﺘﻰ ﻭﺇﻥ ﻋﺪﺕ ﻭﻗﻄﻌﺖ ﻗﺪﻣﻲّ.. ﻭﻟﻜﻦ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺃﺫﻫﺐ؛ ﻓﺴﺄﺧﺴﺮ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ...
ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﺑﻴﻦ ﺑﻴﺮﻭﺕ ﻭﺍﻟﺸﺎﻡ ﺍﺧﺘﺼﺮﻫﺎ ﺃﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﺑﺮﻓﺔ ﺟﻔﻦ ﻭﻧﺒﻀﺔ ﻗﻠﺐ.. ﻭﻋﻠﻰ ﻛﺮﺳﻲ ﻣﺘﺤﺮﻙ ﺗﻨﺎﻭﺏ ﺭﻓﺎﻗﻪ ﻋﻠﻰ ﺩﻓﻌﻪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﻮﻉ. ﺍﻟﺒﺎﻋﺔُ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻳﺘﺪﺍﻭﺭﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺟﺬﺏ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ.. ﻛﻞ ﻳﺼﺮﺥ ﺑﺼﻮﺕ ﻟﻴﻌﺮﺽ ﺑﻀﺎﻋﺘﻪ، ﺍﻟﻨﺎﺱُ ﺗﺰﺍﺣﻢ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎً ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﻼﺕ، ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻜﺎﺩ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺃﻥ ﻳﺠﺪ ﻣﻮﻃﺊ ﻗﺪﻡ ﻟﻪ..
ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﻭﺻﻠﻮﺍ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺒﻮﺍﺑﺔ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﺍﻧﻬﻤﺮﺕ ﺩﻣﻮﻋﻪ، ﻭﺧﻴّﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﻥ ﻫﺐّ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻳﺤﺒﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻼﻁ ﻭﻫﻮ ﻳﺼﺮﺥ : ﻳﺎ ﺯﻳﻨﺐ..
ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻀﺮﺓُ ﺍﻟﺴﻴﺪﺓ ﺯﻳﻨﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺗﻌﺞّ ﺑﺎﻟﺰﻭﺍﺭ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺣﺪﺏٍ ﻭﺻﻮﺏ..
تﺤﺮﻛﺖ ﻋﺠﻼﺕ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﻭﺃُﺩﺧﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ.. ﻟﻢ ﻳﻨﺒﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﺑﺒﻨﺖ ﺷﻔﺔ، ﻛﺎﻧﺖ ﺩﻣﻮﻋﻪ ﺗﺤﻜﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ.. ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﻤﺸﺘﻌﻠﺔ ﻓﻲ ﺻﺪﺭﻩ ﺗﺸكي ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻩ.. ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻴﻨﺎﻩ ﺗﻨﻈﺮﺍﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻔﺺ ﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﺗﻘﻮﻻﻥ : ﻟﻘﺪ ﺟﺌﺖُ...
ﻓﻲ ﻟﻘﺎﺀ ﻻ ﻳﺸﺒﻪُ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀﺍﺕ.. ﻣﺪّ ﺃﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﻳﺪﻩ ﻭﺃﻣﺴﻚ ﺣﺪﻳﺪ ﺍﻟﻘﻔﺺ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﺤﺎﻝ ﺳﺎﺧﻨﺎً ﻣﻦ ﺣﺮﺍﺭﺓ ﻗﺒﻀﺘﻪ.. ﺑﻜﻰ ﺑﺤﺮﺍﺭﺓ ﻭﺍﻧﻔﺼﻠﺖ ﺭﻭﺣﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻓﻤﺎ ﻋﺎﺩ ﻳﺴﻤﻊ ﺃﻭ ﻳﺮﻯ ، ﻓﻠﺬﺓُ ﺍﻟﻮﺻﺎﻝ ﺃﻧﺴﺘﻪ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.. ﻫﻮ ﺍﻵﻥ ﻃﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ، ﺇﻥ ﺃﺭﺍﺩﺗﻪ ﺳﻴﺪﺗﻪ ﺯﻳﻨﺐ ﺃﻥ ﻳﻬﺒﻂ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻼﻁ ﻫﺒﻂ، ﻭﺇﻥ ﺃﻣﺮﺗﻪ ﺃﻥ ﻳﻄﻮﻱ ﺍﻷﺭﺽ ﺑﺠﻨﺎﺣﻴﻪ ﻃﻮﻯ.. ﻟﻘﺪ ﺟﺎﺀ ﻟﻴﺮﺑﺢ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻣﺎ ﻫﻤﻪ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺇﻥ ﺧﺴﺮ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﻟﻴﺲ ﻗﺪﻣﻴﻪ ﻓﺤﺴﺐ!
- ﻗﻢ ﻭﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻴﻚ ..
ﺟﺎﺀﻩ ﺻﻮﺕ ﻋﻤﻴﻖ.. ﻓﻬﻤﺲ ﻗﻠﺒﻪ ﻟﻬﺎ: ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺪﺭﻱ ﺃﻥ ﺃﻇﻞّ ﻋﻠﻰ ﻛﺮﺳﻲ ﻣﺘﺤﺮﻙ، ﻓﺈﻧﻲ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻴﻢ ﻧﻌﻤﺘﻪ، ﻭﻟﻜﻨﻲ ﺃﺑﺚُّ ﺇﻟﻴﻚ ﺣﺰﻧﻲ ﻭﻭﺟﻌﻲ، ﻓﻤﺎﺫﺍ ﺃﻓﻌﻞ ﺑﻘﻠﺒﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻔﺘﺄ ﻳﺘﻤﻠﻤﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻬﺮ ﻛﻠﻤﺎ ﺭﺍﻭﺩﺗﻨﻲ ﻓﻜﺮﺓ ﺃﻧﻲ ﻟﻦ ﺃﻗﺎﺗﻞ ﺑﻌﺪ ﺍﻵﻥ.. ﺃﻧﻲ ﻟﻦ ﺃﻛﻮﻥ ﻧﺎﺻﺮﺍً ﻷﺧﻴﻚ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ.. ﺃﻧﻲ ﺳﺄﻇﻞُّ ﻋﺎﺟﺰﺍً ﻋﻦ ﺩﻓﻊ ﺣﻴﺮﺗﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺮﻡ..
ﺯﺍﺩﺕ ﺳﺨﻮﻧﺔ ﺩﻣﻮﻋﻪ، ﻭﺷﻌﺮ ﺑﻨﻴﺮﺍﻥ ﺗﻠﺘﻬﻢ ﻛﻴﺎﻧﻪ.. ﺭﻓﻊ ﺃﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﺭﺃﺳﻪ ﻭﻧﻈﺮ ﺣﻮﻟﻪ .. ﻓﻠﻢ ﻳﺮ ﺃﺣﺪﺍ.. ﻇﻦّ ﻟﻮﻫﻠﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺧﻴّﻢ ﻭﺍﻧﻔﺾ ﺍﻟﺰﺍﺋﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ، ﻭﺃﻥ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻛﺎﻥ ﻳﻄﻠﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﺘﻬﻴﺆ ﻟﻠﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ..
- ﻗﻢ ﻭﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻴﻚ..
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﺛﺎﻧﻴﺔ.. ﺻﻮﺕٌ ﻟﻴﺲ ﻛﺎﻟﺼﻮﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻤﻌﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ.. ﺇﻥ ﻓﻴﻪ ﻣﺰﻳﺠﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻭﺍﻟﺼﻼﺑﺔ ﻭﺍﻟﺮﻗﺔ ﻭﺍﻟﺤﻨﺎﻥ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺨﻄﺮ ﻓﻲ ﺑﺎﻝ ﺑﺸﺮ.. ﻓﺸﺪّ ﻗﺒﻀﺘﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻔﺺ ﻭﻭﻗﻒ ﺻﺎﺭﺧﺎً:
ﻳﺎ ﺯﻳﻨﺐ ..
ﻋﻠﺖ ﺍﻟﺘﻜﺒﻴﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ، ﻓﺎﻧﺘﺒﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺍﻗﻔﺎً ﻭﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﺭﻓﺎﻗﻪ ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻴﻦ ﺑﺎﻙٍ ﻭﺷﺎﻙٍ، ﻭﺳﺎﺩ ﺣﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﺮﺝ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺝ ﻭﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻌﺪْ ﺑﻌﺪُ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﻣﻌﻪ، ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻏﺎﺏ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻓﺠﺄﺓ ﻋﺎﺩ ﺇﻟﻴﻬﺎ..
ﻓﺎﻟﺤﻀﺮﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﺰﻭﺍﺭ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻛﻤﺎ ﺭﺁﻫﺎ ﻗﺒﻞ ﻗﻠﻴﻞ.. ﻓﺄﺻﺎﺑﺘﻪ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻫﻮﻝ ﻭﻫﻮ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻴﻪ ﻣﻤﺴﻜﺎً ﺑﺎﻟﻘﻔﺺ.
ﻟﻘﺪ ﺣﺪﺛﺖ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﻟﺘﻮﻫﺎ ﻣﻌﻪ، ﻭﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻴﻪ.. ﻟﻘﺪ ﺻﺪﻗﺖ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ.. ﺻﺪﻗﺖ..
ﻋﺠﺰ ﺍﻷﻃﺒﺎﺀ ﻋﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ، ﻭﻟﻜﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺑﺘﺮ ﺍﻟﻘﺪﻣﻴﻦ ﺃُﻟﻐﻴﺖ.. ﻭﻋﻮﻟﺠﺖ ﺍﻟﻐﺮﻏﺮﻳﻨﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﺍﻟﻌﻘﺎﻗﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺮﻑ ﺃﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺷﻔﺎﺋﻪ.. ﻓﺎﻟﻌﺸﻖُ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺮﻳﺎﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﺷﻔﻰ روحه ...
ﺻﺎﺭﺕ ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﺗﺘﻨﺎﻗﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﻓﺎﻕ.. ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺑﺎ ﺗﺮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﻘﺬﺗﻪ ﺍﻟﺴﻴﺪﺓ ﺯﻳﻨﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻣﻦ ﺑﺘﺮ ﻗﺪﻣﻴﻪ، ﺑﺘﺮ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻔﺺِ ﻭﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.. ﻓﺼﺎﺭ ﻻ ﻫﻨﺎ ﻭﻻ ﻫﻨﺎﻙ..
ﺭﺟﻊ ﺃﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭ، ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺳﺆﺍﻻً ﻭﺍﺣﺪﺍً ﻟﻢ ﻳﺒﺎﺭﺣﻪ ﻭﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻟﻪ ﺟﻮﺍﺑﺎً : ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻟﺴﻴﺪﺓ ﺯﻳﻨﺐ؟
ﻭﻋﻠﻰ ﺣﻴﻦ ﻏﺮﺓٍ ﺫﺍﺕ ﻧﻬﺎﺭ.. ﻭﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﻛُﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﺟﺪﺍﺭِ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴﺪﺓ ﺯﻳﻨﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺎﻡ : ﺳﺘﺮﺣﻠﻴﻦ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ..
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ ﺧﺎﻟﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺪﻣﺎﺭ ﻳﺘﺰﺍﺣﻢُ ﺣﻮﻟﻪ.. ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺤﻤﺎﻡ ﻫﺠﺮ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺻﺎﺭ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﻟﻠﺮﺻﺎﺹ ﻭﺍﻟﻘﺬﺍﺋﻒ.. ﻳﻮﻣﻬﺎ، ﻭﻗﻒ ﺃﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺒﻮﺍﺑﺔ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﻟﻠﻤﺮﻗﺪ ﻣﺘﻘﻠﺪﺍً ﺳﻼﺣﻪ.. ﻳﺤﻤﻞ ﻗﻠﺒﻪ ﻭﺭﺩﺓ ﻟﻴﺮﻣﻴﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺃﻋﺘﺎﺑﻬﺎ.. ﺧﻨﻘﺘﻪ ﺍﻟﻌﺒﺮﺍﺕ ﻭﻗﺪ ﺭﺃﻯ ﻭﺷﺎﺡ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﻭﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻗﺪ ﺃﻟﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺠﺎﺭﺓ . ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺛﻤﺔ ﺯﻭﺍﺭ.. ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺻﺎﺭﺕ ﻓﻘﻂ ﻟﻠﻤﺘﻘﻠﺪﻳﻦ ﺳﻼﺣﻬﻢ..
ﻧﻈﺮ ﺃﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺒﺔ ﺑﻌﻴﻨﻴﻪ ﺛﻢ ﺭﻣﻖ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ، ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻟﻘﻮﻝ : ﻟﻘﺪ ﺟﺌﺖُ.. ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺟﺌﺖُ ﺇﻟﻰ ﺍﺑﻨﺘﻚ ﺯﻳﻨﺐ..
ﻭﺍﻧﻜﺸﻒَ ﺍﻟﺴﺮُّ ﺃﻣﺎﻡ ﻗﻠﺒﻪ..
ﻫﻨﺎ ﻣﺼﻴﺮﻩُ.. ﻫﻨﺎ ﺑﺰﻍَ ﻓﺠﺮ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻴﻨﻪ، ﻭﻟﻦ ﻳﻐﻴﺐ.. ﺍﻵﻥ ﻫﻮ ﻳﺤﻤﻞ ﺳﻼﺣﻪ ﻟﻴﺪﺍﻓﻊ ﻋﻦ ﺳﻴﺪﺗﻪ، ﻓﺎﻟﺰﻣﻦ ﻟﻦ ﻳﺘﻜﺮﺭ، ﻭﻟﻦ ﺗﺴﺒﻰ ﺯﻳﻨﺐ ﻣﺮﺗﻴﻦ..
ﻗﺎﻡ ﺍﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﻭﺭﻓﺎﻗﻪ ﺑﺘﻨﻈﻴﻒ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ، ﻭﺻﻌﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺒﺔ ﻭﻣﺴﺤﻬﺎ، ﻭﺭﻓﻊ ﺍﻟﺮﺍﻳﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺻﺎﺭﺧﺎً: ﺑﺰﻳﻨﺐ ﺣﻔﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ، ﻭﺑﺎﺑﻨﺔ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻜﺮﺍﺭ، ﻭﺑﺎﺑﻨﺔ ﺍﻟﺰﻫﺮﺍﺀ ﺍﺑﻨﺔ ﺍﻻﻃﻬﺎﺭ، ﻧﺤﻦ ﻗﻮﺓ ﺣﻴﺪﺭﻳﺔ ﺣﺴﻴﻨﻴﺔ ﻟﻦ ﺗﻨﻬﺎﻥ ﻟﺒﻴﻚ ﻳﺎ ﺯﻳﻨﺐ..
وﺭﻓﻊ ﺍﻟﺮﺍﻳﺔ ﺍﻟﺤﻤﺮﺍﺀ..
ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺑﻘﻲ ﺍﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﺍﻳﺎﻣﺎً ﻭﺷﻬﻮﺭﺍً، ﻭﻛﻴﻒ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻐﻴﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ، ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﻫﻮ ﻣﺤﻮﺭﻩ؟! ﻛﻴﻒ ﺗﻐﻔﻮ ﻋﻴﻨﻪ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺮﺳﻪ..
ﻟﻜﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﺍﻟﺮﺣﻴﻞ ﻗﺪ ﺃﺫﻧﺖ..
ﻓﺎﺳﺘﺄﺫﻥ ﺍﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﻣﻦ ﺳﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ..
ﻓﻘﺪ ﺁﻥ ﺍﻷﻭﺍﻥ ﻟﻴﺮﺗﺎﺡ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﻏﺮﺑﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.. ﻓﻄﻠﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﻃﻠﺒﺎً ﺃﺧﻴﺮﺍً، ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻳﻮﻡ ﺭﺣﻴﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺮﻡ، ﻭﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺣﻀﺮﺗﻬﺎ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ..
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺗﻤﺮّ، وهو ﻭﺭﻓﺎﻗﻪ ﻗﺪ ﺃﻋﺎﺩﻭﺍ ﺍﻷﻣﻦ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺴﻴﺪﺓ ﺯﻳﻨﺐ، ﻭﺿﺠّﺖ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﺰﺍﺋﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺣﺪﺏ ﻭﺻﻮﺏ.. ﻓﺰﻳﻨﺐ ﺑﻘﻴﺖ ﻭﺳﺘﺒﻘﻰ ﺣﻴﺚ ﻫﻲ!
ﺣﻞ ﺍﻟﻤﺤﺮﻡ، ﻭﺍﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﻗﺪ ﺃﺳﺮﺝ ﺟﻮﺍﺩﻩ ﻟﻠﺮﺣﻴﻞ، ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﻋﺪ، ﻓﺎﻟﻌﺎﺷﺮ ﺍﻗﺘﺮﺏ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻋﺎﺩ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﺃﻛﺜﺮ، ﻭﺻﺪﻕ ﺣﺪﺳﻪ، ﻓﺎﻟﺮﺻﺎﺻﺔ ﻋﺎﺟﻠﺘﻪ ﻏﺪﺭﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺮﻡ..
ﻧﻘﻞ ﺟﺮﻳﺤﺎً ﺍﺑﻮ ﺗﺮﺍﺏ ﺇﻟﻰ المستشفى وفي اليوم التالي يوم العاشر ارتفع ابو تراب إلى الملكوت الأعلى ، كفن ووضع طوال الليل بالقرب من المقام...
موقع آية الله بهجت