لا يمكن وأنت تعيش شاهد على حوادث لا مثيل لها إلا ان ترضخ للإرادة الإلهية التي احتبت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) بهذه الكرامات وجعلت في تربة ولده الشفاء وفي زيارته استجابة الدعاء، وفي ذريته ملاذ الفقراء المحتاجين إلى الغفران، ومنار الهداية إلى طريق الرضوان..
والكرامة التي عشناها في هذا الموقف هي لأب قد اصابته الحرقة على وليده الاول الذي رزقه الله تعالى له، وهو يشاهد مولوده وهو يشارف على الموت، وهو لا يستطيع ان يفعل شيئاً ليدرأ عنه هذا المصير.
نعم انه ثامر عباس محمد الكعبي والد الطفلة (فاطمة) التي اصيبت بمرض مجهول بعد شهر من ولادتها تقريباً، فكانت علامات هذه المرض تنذر بأن مصيرها المحتوم هو الموت، وسط عجز الاطباء والاختصاصين من معرفة هذا الداء فضلاً عن إيجاد العلاج له..
ووصلت مشاعر الأب إلى ذروتها عندما اخذ طفلته إلى مستشفى الزهراء في مدينة النجف الأشرف لتدارك نوبة المرض الخطير الذي اصابها، وها هو الطبيب المعالج يعزي الأب بطفلته الوحيدة، ويعزيه بأن يرزقه الله تعالى طفلاً آخراً غيرها يكون خير العوض عن ابنته(فاطمة)..
لم يتمالك الاب هذا المنظر، وسط بكاء الأم وحرقتها على طفلتها الوحيدة والجديدة التي طالما انتظراها لسنوات عدة، ومن لوعة ما جرى وبعمل لا شعوري اسرع والد فاطمة بأخذ ابنته من المستشفى ومتوجهاً إلى ذلك المكان الذي يتيقن بأن الشفاء لابنته فيه عندما يعجز عن علاجها اطباء الجسد، ويكل الدواء من ان يعطي مفعوله تجاه المرض، ولا يبقى سبيل إلا من جعلهم الله تعالى باباً لرحمته وعرصة من عرصات استجابة الدعاء..
نعم توجه أبا فاطمة إلى مرقد امير المؤمنين(عليه السلام) وهو يحمل ابنته، ودموع الرجاء تنهمل من عيونه لتسقط على وجنتيه ممزوجة بحرارة اللوعة لهذا المصاب المنذر بفقد عزيز قد أُنتظر لسنوات طوال، والأم قد خالطها ذلك الشعور المقدس، الشعور بإن تلك فلذة كبدها سوف تغادرها من غير رجعة، فكانا كفرسا رهان يتسابقان إلى الوصول إلى ذلك المقصد الكريم..
وصلت عائلة الطفلة (فاطمة ثامر عباس محمد الكعبي) إلى الصحن الحيدري الشريف، واسرع الوالد المفجوع مهرولاً إلى الضريح المقدس حاملاً ابنته في حضنه، وآلامه في صدره، لا يرى سوى الرجاء من شفاء ابنته، ويوحد الله تارة، ويمجده تارة أخرى، ويؤمن ان خالقه هو الوحيد الكفيل بشفاء ابنته، ولكن أنى يكون ذلك من دون ان يسلك الباب الصحيح للدخول إلى فضاء تلك الرحمة الإلهية، ويلج في ساحة استجابة الدعاء من لدن قدير عليم، ولكنه يعلم في الوقت نفسه انه لا يأس مع العزيمة في ذات الله، ولا خذلان مع صحة الطريق، فدخل إلى الضريح الشريف باكياً، متوسلاً، ومستغيثاً بوصي رسول الله(صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وابنة نبي الرحمة فاطمة الزهراء(عليها السلام) حبيبة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وتوسل بأهل بيت النبوة (عليهم السلام) عنوان الكرامة، وراح في غيبوبة البكاء والدعاء والحزن ساعة من الزمن، بعدها حمل وليده مودعاً صاحب المرقد، متيقناً أنه قد أدى الأمانة وطرق الباب المنشود، وأقفل مغادراً تلك الحضرة المطهرة، ولكن لم يفقد الأمل بشفاء ابنته، فعرج على والدة الطفلة التي لاحت بشائر الخير تظهر على ثنايا وجه الأب وهو يسلّم ابنته(فاطمة) إلى أمها، فها هي الأبنة المشرفة على الموت قبل ساعة من احضارها إلى مرقد أمير المؤمنين(عليه السلام) قد بدأت علامات الشفاء تظهر على ملامحها، وها هي الأم تتلقى ابنتها لتحتضنها بدورها وتأنس بها وتباشر رضاعتها بصورة تدريجية، وكأنها قد شفيت من علتها شفاءً لا رجعة للمرض معه، وتحقق للوالدين يقينهما بقصد باب الرحمة وعنوانها، وببركة القرب من الوصي شفيت الطفلة تماماً من علتها..
فكان اليوم التالي لتلك الحادثة وفيها أخذ الأب ابنته(فاطمة) إلى طبيب الاختصاص(فؤاد البهاش) من اجل اجراء الفحص الطبي لها، ولكن فوجئ الأب برفض الطبيب من فحصها، ولكن اسباب المفاجئة زالت لدى الأب عندما اخبره الطبيب انه لا حاجة لفحصها فالطفلة سليمة معافاة، وليس فيها اي مرض يذكر..
فما كان من الاب أن يكبر الله تعالى لهذه النعمة العظيمة التي منّ بها عليه، وأيقن ان هذا الشفاء هو هدية وهبها الله تعالى له لقصده باب علم الرسول وزوج البتول الإمام علي بن ابي طالب(عليه السلام)، فما كان منه إلا ان يقصد صاحب المرقد الطاهر، والمفضي له بكرامة الشفاء، ولكن هذه المرة ليشكره على الشفاعة لابنته عند الله تعالى في شفائها من مرضها.. .
مع أريج الفائزين بكرامات أمير المؤمنين. العتبة العلوية