هناك فرق بين العمل المستحب وبين الشعيرة، ليس كل عمل مستحب فهو شعيرة، فمثلًا: صلاة الليل أمر مستحب، لكنها ليست من الشعائر، استخدام السواك بعد الصلاة أمر مستحب، لكنه ليس من الشعائر. الشعائر جمع شعيرة، والشعيرة أُخِذ فيها الجنبة الإعلامية، الشعيرة أُخِذَت من الشعار، فالشعيرة هي الوسيلة الإعلامية، كل وسيلة إعلامية للدين أو للمذهب أو لمشروع الحسين فهي شعيرة من الشعائر، الشعيرة أُخِذَت من الشعار - أي: من الإعلام - فكل وسيلة إعلامية فهي شعيرة من الشعائر. أنت عندما تكتب كتابًا في الحسين فهذه شعيرة من الشعائر، عندما تفتح قناة تتحدث عن الحسين فهذه شعيرة من الشعائر، كل وسيلة إعلامية تحمل اسم الحسين فهي شعيرةٌ من الشعائر الحسينية.
✬السؤال الثاني: ما هي أقسام الشعائر؟✬
الشعائر على قسمين: شعائر ثابتة، وشعائر متغيرة. الشعائر الثابتة هي الشعائر التي ورد بها النص، أي: ورد عن أهل البيت نصوصٌ فيها بعنوانها، باسمها، هذه نسميها شعائر ثابتة، وهي ثلاثة أقسام:
الشعيرة الأولى: ✬ المأتم الحسيني.✬
مسألة المأتم الحسيني من أهم الشعائر الثابتة التي ورد النصُّ فيها، كما ورد عن الإمام الباقر مخاطبًا الفضيل بن يسار: يا فضيل، أتجلسون وتتحدثون؟ قلت: بلى سيدي، قال: ”إني أحب تلك المجالس، فأحيوا فيها أمرنا، من جلس مجلسًا يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب“. هذا النص يدل على أن إحياء الأمر مطلوبٌ بأي وسيلة كان، ولكن من أفضل وسائل إحياء الأمر هي هذه المجالس الحسينية، إحياء أمرهم هو المطلوب، ولكن مصاديق إحياء الأمر تختلف، فمن مصاديقه المأتم الحسيني، الموكب الحسيني، التمثيل المسرحي للحسين، هذه كلها مصاديق لإحياء الأمر، فتدخل ضمن استحباب وضمن رجحان إحياء الأمر. طبعًا إحياء الأمر لا ينحصر بالخطيب، بل يشمل الخطيب والمستمع، كل من يساهم في مجلس الحسين بكلام، بلطم، بحضور، فهو يشارك في إحياء أمر أهل البيت .
الشعيرة الثانية:✬ البكاء.✬
ورد عن الأئمة روايات كثيرة تحث على البكاء، فعن الإمام الباقر : ”من ذُكِرْنا عنده فسال من عينه مقدار جناح ذبابة غفر الله له ذنوبه ما تقدّم منها وما تأخّر“، وهنا تصوّران: هناك تصوّرٌ يقول: البكاء كان راجحًا ومحبوبًا في زمان أهل البيت «صلوات الله عليهم أجمعين» لا في جميع الأزمنة؛ لأنه في زمان أهل البيت لم تكن هناك وسيلة إعلامية لإعلان قضية الحسين، ولترويج مبادئ الحسين إلا الوسيلة العاطفية، وهي وسيلة البكاء، نتيجة ظروف التقية التي كانت تحيط بأهل البيت وبشيعتهم، وأما بعد أن تغيّر الزمان، وانفتحت الوسائل، وتعددت وتطورت، فالبكاء في نفسه ليس أمرًا راجحًا، وليس أمرًا مستحبًا.
هذا تصور مطروح، لكن هناك تصورًا آخر - وهو ما نراه تصورًا صحيحًا - أن الرواية مطلقة، الرواية ما خُصَّت بزمان أهل البيت ، ”من ذُكِرْنا عنده“ في أي زمان، في أي مكان، الرواية مطلقة، فتدل على استحباب البكاء مطلقًا وفي كل زمان ومكان.
الشعيرة الثالثة: ✬شعيرة اللطم.✬
اللطم لم يرد فيه نصٌ بعنوانه، ولكن دليل اللطم دليلٌ إمضائيٌ - كما يعبّر عنه الفقهاء - وليس دليلًا تأسيسيًا، ما ورد في الحث على البكاء دليل تأسيسي، ما ورد في الحث على المجلس والمأتم دليل تأسيسي، ولكن ما ورد في اللطم دليل إمضائي. أهل البيت لما قُتِل الحسين ندبوا ولطموا بمرأى وبمسمع من الإمام زين العابدين ، فلم يردعهم، وعدم ردعه لهم دليلٌ على مشروعية اللطم، هذا يسمى دليلًا إمضائيًا، أهل البيت لما قُتِل الحسين اجتمع النساء والأطفال حول جسده، وندبوا ولطموا، والإمام المعصوم - الذي من وظيفته أن يصوّب وأن يخطّئ - لم يردعهم عن ذلك، فعدم ردعه استفيد منه الإمضاء لهذه الشعيرة، ألا وهي شعيرة اللطم.
وهنا أيضًا تصوّران: هناك تصور يقول: سكوت الإمام عن الردع لا يدل إلا على الجواز، هذا الأمر جائز، لكن لا يدل على أنه راجح ومستحب، وهناك تصور آخر يقول: هذا العمل لو فعله إنسان عادي لأمكن لنا أن نقول: سكوت الإمام عنه يدل على جوازه، وأما إذا صدر من أهل البيت الذين يفترض فيهم أنهم في كمال الأدب، وأنهم في كمال الفعل، وأنهم مؤدبون بآداب الأسرة العلوية الفاطمية، فحينئذ فعلهم بمرأى ومسمع من الإمام يدل على الرجحان والاستحباب لا على مجرد الجواز والمشروعية.
هذه شعائر ثابتة، لا تقبل التغيير، لا يمكن أن يأتي شخص يومًا من الأيام ويقول: ليس هناك بكاء ولا لطم! هذه شعائر ثابتة، وفي مقابلها توجد شعائر متغيرة، وهي التي تختلف باختلاف الثقافات، وباختلاف الأزمنة، وباختلاف الأمكنة. هناك مجتمعات ترى أن من الشعائر الحسينية مثلًا تعليق الزينة في المآتم، وهناك مجتمعات لا ترى أن هذا من الشعائر، هناك مجتمعات ترى أن من شعائرها أن تمشي على الجمر ليلة الحادي عشر من المحرّم تأسيًا بأطفال الحسين ، وهناك مجتمعات لا ترى ذلك، هذه ليست شعائر ثابتة، ليست شعائر ورد فيها نصٌ أو روايةٌ، وإنما هي شعائر نبعت من ثقافة المجتمع، المجتمع أحيانًا عندما يمتلك ثقافة معينة، ويمتلك رؤية معينة، رؤيته وثقافته قد تقوده إلى نوع من الشعيرة لا يوجد لدى مجتمع آخر. إذن، اختلاف ثقافات المجتمعات يقتضي أحيانًا اختلاف الشعائر، لأن الشعيرة - كما ذكرنا - هي وسيلة إعلامية لا أكثر ولا أقل، هناك مجتمع يرى أن هذا العمل وسيلة إعلامية، وهناك مجتمع يقول: هذا العمل ليس وسيلة إعلامية، فتختلف المجتمعات في الشعائر نتيجة اختلاف ثقافاتها، ونتيجة اختلاف رؤاها، فهذه شعائر متغيرة قابلة للتغير والتطور، وليست شعائر ثابتة.
آية الله السيد منير الخباز