ماذا نستفيد - هذه الأيام الصعبة - من سيرة الإمام السجاد؟ وما هي الدروس التي نتعلمها من نفحات حياتهم العطرة المباركة في هذه الظروف وهذه الأزمات الخانقة؟
هناك ثلاثة دروس نستفيدها ونستقيها من هذا العملاق العظيم:.
الدرس الأول: الدعاء.
كلنا سمع من المختصين والأطباء أن أقوى مقاومة لهذا الفيروس الخطير هي المناعة، وأقوى مظاهر المناعة: المناعة النفسية، واقوى درجات المناعة النفسية: زوال القلق والاكتئاب والاضطراب من النفس، هنا تتأكد الحاجة إلى عالم الغيب، وهنا ينكشف كيف يقاوم الإنسان الأمراض الجسدية والأوبئة المادية بالسلاح الغيبي وبارتباط الوثيق بعالم الغيب، فأقوى مناعة أمام تسرب هذا المرض الخطير: مناعة النفس، وأقوى طريق لمناعة النفس: الاتصال الغيبي بعالم الغيب وعالم الملكوت، وأقوى وسيلة للاتصال بعالم الغيب: التوكل على الله، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾، وفي موضع آخر: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾، وقال تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.
وإن الطريق الرحب لتحصيل التوكل على الله والثقة بالله من أجل اقتلاع شرارة القلق والاضطراب من أعماق النفس: هو الدعاء، هو أن تجلس في ظلام الليل بينك وبين ربك لتدعو، هو أن تستثمر صلاتك ومناجاتك في دعوة صادقة من أعماق القلب نحو السماء، نحو عالم الملكوت، نحو الغيب، نحو الله الذي لا ملجأ إلى غيره، وقد ورد في الحديث الشريف: من أعطى ثلاثا أعطي ثلاثا، من أعطى الشكر - على النعمة - أعطي الزيادة، ذلك قوله تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾، ومن أعطى التوكل - على الله - أعطي الكفاية، ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾، ومن أعطى الدعاء أعطي الإجابة، وذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾، وهنا الإمام السجاد يعلمنا كيف نلجأ إلى الله: ”يا مَنْ تُحَلُّ بِهِ عُقَدُ الْمَكارِهِ، وَيا مَنْ يُفْثَأُ بِهِ حَدُّ الشَّدائِدِ، وَيا مَنْ يُلْتَمَسُ مِنْهُ الَمخْرَجُ اِلى رَوْحِ الْفَرَجِ، ذَلَّتْ لِقُدْرَتِكَ الصِّعابُ، وَتَسَبَّبَتْ بِلُطْفِكَ الْأَسْبابُ،...، وَألَمَّ بي ما قَدْ بَهَظَني حَمْلُهُ، وَبِقُدْرَتِكَ أوْرَدْتَهُ عَلَيَّ، وَبِسُلْطانِكَ وَجَّهْتَهُ إلَيَّ، فَلا مُصْدِرَ لِما أوْرَدْتَ، وَلا صارِفَ لِما وَجَّهْتَ، وَألَمَّ بي ما قَدْ بَهَظَني حَمْلُهُ، وَبِقُدْرَتِكَ أوْرَدْتَهُ عَلَيَّ، وَبِسُلْطانِكَ وَجَّهْتَهُ إِلَيَّ، فَلا مُصْدِرَ لِما أَوْرَدْتَ، وَلا صارِفَ لِما وَجَّهْتَ، وَلا فاتِحَ لِما أغْلَقْتَ، وَلا مُغْلِقَ لِما فَتَحْتَ، وَلا مُيَسِّرَ لِما عَسَّرْتَ، وَلا ناصِرَ لِمَنْ خَذَلْتَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وآلِهِ، وَاْفْتَحْ لي يا رَبِّ بابَ الْفَرَجِ بِطَولِكَ، وَاكْسِرْ عَنّي سُلْطانَ الْهَمِّ بِحَوْلِكَ، فَقَدْ ضِقْتُ لِما نَزَلَ بي يا رَبِّ ذَرْعاً، وامْتَلأتُ بِحَمْلِ ما حَدَثَ عَليَّ هَمّاً، وأَنْتَ الْقادِرُ عَلى كَشْفِ ما مُنيتُ بِهِ، وَدَفْعِ ما وَقَعْتُ فيهِ، فاَفْعَلْ بي ذلِكَ“.
آية الله منير الخباز