في كيانيتها الصالحة ورامزيتها للنساء أجمعين
(( زيـنـب/ع/ هي ثـمـرةُ الــزهــراء/ع/))
((الفصل الأخيرفي حياة زينب عليها السلام ))
ثقافتها الإعلامية وصبرها وإنتصارها كإمرأة :
إنّ المرأة بشكل عام هي إنسانة مساوية للرجل في بشريتها وكرامتها وربما في تكليفها
فقد تفرض عليها أحيانا قواهر الحياة مهمة صعبة جدا قد لاتقدر على تحملها بحكم تركيبها الجسمي والعاطفي وقلما نجد من النساء من تصمد أمام فاجعة تُفجع فيها بقتل أخوتها وبنيها وسبيها ، ولكن مع السيدة زينب (ع) الأمر يبدو مُختلف تماما ،
فقد ضربت رقما صعبا في صلابتها وصبرها وثقافتها ثقافة المواجهة الواعية إعلاميا مع الخصم الذي يمتلك أدوات القمع والتنكيل ضد خصمه ولا يتورع عن إستعمالها تجاهه .
فأول موقف شجاع لزينب عليها السلام أن شقت صفوف الأعداء الأمويين من قتلة الحسين عليه السلام وهي مجللة بالحزن والأسى على حصل مع الحسين عليه السلام ، فوقفت عليها السلام على جسد أخيها الشهيد عليه السلام وجلست عنده ومسحت الدماء الجامدة عليه وأزالت عنه بقايا السيوف وركام الرماح والنبال ثم رفعت يديها ورمقت السماء بناظريها ونطقت وملء شفتيها الإيمان وقالت عليها السلام :
(( أللّهُمّ تقبل منا هذا القربان . ))
انظر/حياة الإمام الحسين/ع/ /باقر شريف القرشي/ج2 /ص300.
ولسان حالها عليها السلام يقول ففي سبيل دينك ضحى بنفسه وأهل بيته وأصحابه ؟
فبهذه المقولة الإعلامية والإيمانية الأصل والتي سمعها الأعداء من فم زينب عليها السلام تكون قد أسست لمفهوم الشهادة والفداء في سبيل العقيدة وصححت مزاعم الأعداء بأنّ الحسين قد خرج على ما يُسمى بخليفة المسلمين .
وإنما أراد ت أن تقول لهم إنّ الحسين عليه السلام جاهد أعداء الله تعالى وهم أنتم فنال الشهادة وصيّر من نفسه الشريف قربانا لله تعالى وإبقاءاً لدينه العزيز.
وعند أخذ زينب عليها السلام سبية الى الكوفة من بعد انتهاء واقعة الطف فقد إنبرت عليها السلام وبقوة لفتت إعجاب المؤالف والمخالف ، فخطبت خطبتها الشهيرة والصحيحة والتي تضمنت ثقافة الصمود والوعي والتحفيز لمواجهة الظالمين وعدم الخنوع لهم والتستر بلباس الإيمان فقالت عليها السلام فاضحة المنافقين والناكثين من مجتمع الكوفة آنذاك والذين أظهروا البكاء والتعاطف الأجوف مع سبي الحرائر والنساء من أهل بيت الوحي المحمدي الشريف.
(( أما بعد : يا أهل الكوفة ))
(وتقصد المجموعات البشرية المتواجدة في الكوفة آنذاك والذين كان أغلبهم خانعين لحكومة يزيد وابن زياد ) والذين تسببوا في قتل مسلم بن عقيل من قبل وخذلوا الإمام الحسين عليه السلام ولم ينصروه إلاّ القلة )
(( يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت منكم الرنةإنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون إيمانكم دخلا بينكم ، أتبكون وتنتحبون أي والله فإبكوا كثيرا واضحكوا قليلا فقلد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا وأنّى لكم ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة ومدار حجتكم ومنار محجتكم وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم وسيد شباب أهل الجنة ألا ساء ما تزرون. ))
إلى أن قالت عليها السلام
(( فلا يستخفنكم المهل فإنه لايحفز البدار ولايخاف فوات الثأر وأنّ ربكم لبالمرصاد . ))
انظر/ الأمالي/ الطوسي/ ج1/ ص 91.
وهنا تبث زينبٌ عليها السلام وعيا جديدا يجب أن يأخذ طريقه الى الميدان تطبيقا وهو أنّ العلاقة الحرارية العاطفية أو مقولة أنّ قلوبنا معك وسيوفنا عليك هذه من الخدعة بمكان لاتنطلي على الله ورسوله والمعصومين ،فخذلان المعصوم /ع/ هو عين العار والفضيحة في الدنيا والآخرة ولن يستطع أحد أن يغسل هذا العار الفضيع .
(( ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا . ))
وإنما المطلوب وعي المعية القلبية والسلوكية مع المعصوم عليه السلام وعيا بحيث يُسجل حامله معه موقفا مشرفا وصالحا ومعبرا عن حقيقة إخلاصه. فزينب عليها السلام نبهت ناصحة القوم بأنّ المعصوم عليه السلام هو مدار الحجة الوجودية في هذه الحياة وليس الطغاة وهو عليه السلام منار المحجة أي طريقا منكشفا وموصلا بإستقامته الى الله تعالى ورضوانه.
فزينب عليها السلام أيضا تركت وقعا بليغا في نفوس من حضر مجلس عبيد الله بن زياد في الكوفة حينما شمت بها وقال الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم .
فلم تتركه زينب عليها السلام يتم كلامه بل قاطعته بشجاعة قديرة قائلة له عليها السلام :
(( الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد/ص/وطهرنا من الرجس تطهيرا , إنما يُفتضح الفاسق ويُكذب الفاجر وهو غيرنا يا ابن زياد. ))
وهذه صاعقة كلامية نزلت على رأس ابن زياد . فزينب عليها السلام عرّضت به ووبخته علنا وجعلته فاسقا فاجرا بحكم قولها:
(( إنما يُفتضح الفاسق ويُكذب الفاجر وهو غيرنا ياابن زياد.))
فإشتاط ابن زياد غضبا فقال لها : كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟
فردت عليه عليها السلام بكل إيمان وقوة قائلة:
(( كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاجون إليه وتختصمون عنده وانظر لِمَن الفلج يومئذ ثكلتكَ امّكَ يابن مرجانة . ))
انظر/الأرشاد /المفيد /ج2/ ص 115..
وهذه صاعقة اخرى انزلتها زينب عليها السلام لتحرق وتحطم طاغوتية ابن مرجانة فتوصيف زينب عليها السلام لأبن زياد بابن مرجانه فيه من الغايات ما لاتخفى على احد . والعرب إذا أرادت أهانة احدٍ أو تعريف بأصله فتذكره بأمه كي يعي حاله وما هو عليه.
واخيرا إنّ زينبَ عليها السلام عاشت مفردات شهادة الحسين عليه السلام بوعي وصبر وحكمة ,وتكملة للمسيرة وتحقيقا لأهداف الحسين عليه السلام وهي الأصلاح والوعي والرجوع الى الصراط الحق.
ورغم هذا وذاك لم تستسلم زينب عليها السلام بل قويت على امر الله تعالى وانتفضت واسقطت الطاغية يزيد (لعنه الله ) /وتــحــدتـــه.
مرتضى علي الحلي