بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْسَّلامِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الْلَّهِ وَبَرَكَاتَةَ
مقام العمل والعامل (يوم العمال العالمي)
كل يوم هو يوم العاملإن اختصاص يوم بالعمال لعله بلحاظ التكريم والتعظيم، وإلا فإن كل يوم هو يوم العمل والعمال، بل العالم قد تشكل من العمل والعامل. إن تخصيص يوم للعامل كمن يخصص يوماً للنور، تخصيص يوم للشمس، إذ النور موجود في كل يوم، والنهار نور. كل يوم هو يوم الشمس، ولكن لعل ذلك كان من أجل التعظيم والتكريم، ولهذا فلا يوجد إشكال في هذا الأمر، ولكن إذا أردنا الواقعية فإن العمل والعامل موجودان في جميع عوالم ما قبل الطبيعة وفي عالم الطبيعة وفي عوالم ما بعد الطبيعة. فالعمل والعامل موجودان في كل مكان، وجميع موجودات العالم سواء موجودات ما قبل الطبيعة، أم الموجودات الطبيعية أم موجودات ما بعد الطبيعة فإن جميعها قد تحققت بسبب العامل. فالعمل نظير (الوجود) حاضر في جميع شؤون العالم.
عظمة ومنـزلة العمل والعامل
لقد وجد العالم من فعالية الله، ووجدت أجزاء العالم من الفعاليات لبعض الموجودات. إنكم لا تستطيعون العثور على موجود إلّا والعامل والعمل موجودان فيه، بل هو بنفسه عمل، العمال أيضاً هم بأنفسهم عمل، وقد وجدوا من العمل.
إن ذرات الكائنات في العالم - في عالم الطبيعة - فعالة من أجل إيجاد جميع كائنات هذا العالم حتى الجمادات والأشجار جميعاً حية، جميعها عاملة، فالعمل محيط بكل العوالم، ومنذ البداية إنما وجد العالم بالعمل، فالعامل مبدأ جميع الموجودات. إن الحق تعالى هو مبدأ العمل، والعامل، وكائنات عالم الغيب التي تحققت بالفعالية الغيبية هي عاملة. إن كائنات عالم الطبيعة، أينما نظرتم، وأية فئة من الفئات لاحظتم سواء الكائنات التي هي بنظرنا في أدنى مراتب الوجود مثل المعادن والأرض والجمادات، أو الكائنات الموجودة فوق هذه المرتبة - مثل النباتات والأشجار، أو التي تليها في سلّم الوجود مثل الحيوانات، أو التي أرقاها مثل الإنسان - هي جميعها مظهر للعمل، وجميعها عاملة. العمال هم الذين أوجدوها. فالعمل محيط بجميع الكائنات.
إن عالم ما بعد الطبيعة - الجنة والنار - أيضاً قد ظهر بالعمل، الجنة والنار تتحققان من عمل الإنسان. فعمل الإنسان إما عمل صالح وعمل حسن وهو مبدأ تحقق الجنة، وإما عمل غير صالح وفاسد وهو مبدأ النار. لا ينبغي لنا تخصيص يوم فقط بالعامل باعتبار أن هذا اليوم حظ العامل. نعم، لا مانع من اختيار يوم للعامل من أجل أن نبين للعالم أن كل شيء إنما هو من العمل.
الله تعالى مبدأ العمل
إن العمل مثل جلوة الله تعالى سرى في جميع الكائنات. فالعمل موجود في جميع الكائنات، وبالعمل قد وجدت. إن جميع ذرات الوجود عاملة، إنها عاملة ومدركة. جميع ذرات العالم فعّالة ومدركة ولكننا نظن أنها غير مدركة: (وإن من شيء إلّا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)[1]. فالجميع يسبح الحق، الجميع عاملون لله، الجميع مطيعون للحق تعالى، والعمل موجود في كل مكان. والعالم من أوله إلى آخره هو (يوم العامل) لا أنه يوماً واحداً. العالم كله هو يوم العامل، العالم كله عامل، والعالم كله عمل، يعني أن ذرات الوجود التي توجد الإنسان وبقية الحيوانات - بإرادة الله تعالى - هي عاملة، والإنسان عمل، إنه أثر عملها. جميع هذه الكائنات التي ترونها في العالم هي أثر العمل الفعّال للجند الإلهيين، جند الله جميعها عاملة. الله تبارك وتعالى هو مبدأ العمل.
إحياء ذكرى يوم العامل
إننا نعتبر هذا اليوم عظيما لأنهم جعلوه من أجل العامل، العامل في الإسلام. عندما نلاحظ محيطا محدودا أي هذا الموجود المتدني في هذه الأرض، في هذا الكوكب الصغير الذي لا قدر محسوس له مقابل العالم، لا قدر محسوس له مقابل عالم المادة، فعالم المادة واسع جدا حتى أنه كما يقال - وما أدركه البشر إلى الآن شيء قليل جداً -، فإن بعض النجوم يحتاج نورها إلى ستة مليارات سنة ضوئية ليصل إلينا وهذا ما قد اكتشف إلى اليوم، وما بعده وما وراء ذلك فالله أعلم بذلك. إن هذه الأرض مقابل هذا الحجم الكبير هي شيء ضئيل بل الشمس وكل المنظومة الشمسية مقابل العالم هي شيء غير محسوس، وجميع العالم مقابل عالم ما وراء الطبيعة هو ذرة غير محسوسة، كل عالم المادة هو كنقطة مقابل عالم ما وراء الطبيعة، وكل عالم ما وراء الطبيعة سواء ما قبل الطبيعة أم ما بعد الطبيعة مقابل إرادة الله لا قدر محسوس له.
العمال والفلاحون مديرو المجتمع الإنساني
الآن حيث نتكلم عن هذا الكوكب الصغير وفيما يتعلق بهذا الكوكب الذي لا قدر محسوس له أصلا في العالم، ونتحدث عن العامل بالمستوى الذي فهمه الآخرون، فلا بد أن ننزل بأفق البحث ونقربه للإفهام. إن عمالنا هم مديرو مجتمع الإنسانية، فإدارة أمور الدول وإدارة أمور البلاد هي بيدهم، بيد الفلاحين، بيد عمال المصانع والفلاحين والمزارعين. هؤلاء هم الذين يديرون البلد، ولهذا السبب هم مديرو هذا العالم، عالم الطبيعة، أي أنه في هذا الكوكب الصغير، في هذه الأرض التي هي كوكب صغير، فإن إدارة أمور هذه الأرض بيد العمال، ويد هؤلاء هي التي تدير وتحيي هذا العالم، تحيي البلد، ولهذا السبب فهم مسؤولون عن أمر كبير، لهم احترام كبير ولكن مسؤوليتهم عظيمة. فمن له في العالم احترام أكبر، وله عند الله تبارك وتعالى قيمة، وهو منشأ للأثر أكثر، تكون مسؤوليته أكبر.
إن كل ما موجود في هذا البلد والثروات التي ينعم بها مرهونة بوجود عمالنا سواء طبقة الفلاحين أم طبقة عمال المصانع أو غيرهم. ولهذا فهم مقدّمون على الجميع. ولكن الأمور التي بعهدتهم، والمسؤوليات التي يتحملونها هي أكبر من جميع المسؤوليات.
العمال وراء تقدم الدول وانحطاطها
إذا اتجه بلد نحو التقدم، فإنه يسير باتجاه التطور بيدكم أنتم أيها العمال، وإذا سار بلد باتجاه الانحطاط، فهو أيضاً يبدكم أنتم، إذ بعدم العمل أو بقلة العمل أو بعدم الرغبة في العمل يسير البلد نحو الانحطاط. إن الحكومة اليوم منكم، من العمال، والبلد بلدكم. فلم يعد للأجانب تدخل فيه. لم يعد هناك كبت. لم يعد هناك اختناق. لم يعد هناك نهب. البلد اليوم بلدكم، وأنتم مسؤولون عنه مباشرة. فإذا لم تبذلوا الجهد في هذه المسؤولية، إذا لم تبذلوا الجهد في هذا الأمر الذي بعهدتكم، وإذا لم تؤدوا ذلك الدّين الذي عليكم تجاه بلدكم وتجاه الإسلام، ستتحملون مسؤولية ذلك. وأما إذا بذلتم جهدكم وأدرتم عجلة البلد، فإن لكم قيمة كبيرة عند الله تبارك وتعالى. إن الإسلام يجعل لكم قيمة كبيرة، ويعتبركم خُزَّان الأرض، فأنتم الأمناء على خزائن الأرض، وعليكم إحياء الأرض. أنتم الذين تحيونها، إنكم تحيونها لأنفسكم فعليكم تحمل أعباء هذه المسؤولية، ولا تصغوا إلى الذين لا يريدون لهذه العجلة أن تدور. إنهم لا يحبونكم، الإسلام العزيز هو الذي يهتم بكم ويحترمكم ويطالب بحقوقكم ويعمل على إحقاقها. دعوا الإسلام يحكم، دعوا الجذور الفاسدة للاستبداد والاستعمار تستأصل وتتلاشى، وليمنى الذين يريدون خدمة الأجانب بالخيبة والفشل.
دور العمال والفلاحين في بناء البلد
إنكم إخوتنا، إنكم أعزتنا، عليكم إدارة هذا البلد، أنتم من يستطيع الأخذ بهذا البلد إلى برّ الأمان. أنتم من يستطيع في المصانع إدارة عجلة المصانع وإنقاذ البلد. أنتم أيها الفلاحون من يستطيع أن يحرك عجلة الزراعة، وفعاليتكم هي التي تستطيع تحقيق الزراعة بشكلها الصحيح، فكما تعلمون أنهم خربوا الزراعة ودمروها، وعليكم أنتم الآن، بعد أن أصبح البلد بأيديكم وقطعت أيدي الأجانب، أن تهتموا بزراعتكم، وأعطوا الحكومة الفرصة حتى تساعدكم، تساعدكم بالمقدار الذي تستطيعه. وأنتم إخوتنا العمال، دعوا المعامل تعمل ليمكن إعمار هذه البلد للجميع، أعطوا الفرصة لتعمل هذه المصانع وتدور عجلة البلد، وإنكم جميعاً إخوة لنا، ونحن جميعاً في خدمتكم. أنتم من يستطيع إدارة البلد والقضاء على هذه الفوضى.
فكما تعلمون أن هؤلاء قد رحلوا تاركين البلد مضطراً. نهبوا ورحلوا، أفرغوا خزائننا ورحلوا. فيجب علينا الآن جميعاً. وليست فئة واحدة، علينا جميعاً أن نسعى ونحرك عجلات هذا البلد حتى تتحسن أوضاعه. إن الإسلام جعل لكم حقوقاً، وسوف يعطي حقوق الجميع. الإسلام جعل حقوقاً للعمال من الرجال والنساء. لجميع النساء والرجال المزارعين. وهو يكرمهم وسوف يرد لهم حقوقهم. دعوا الإسلام يحكم، لتتحقق جمهورية الإسلام وأحكام الإسلام النورانية. لا تعبأوا بأولئك الذين لا يريدون لهذه العجلات أن تدور، ولا يريدون لزراعتنا أن تسير أمورها، ومعاملنا أن تعمل، لا تصغوا إليهم ولا تنخدعوا بهم ولا تفسحوا لهم المجال ليعملوا ما يريدون. إنهم يريدون خداعكم لينهبوا ثروات هذا البلد، لينهبوا خزائن هذا البلد، ليكون الطريق مفتوحاً أمام من يريد مدّ يده لينهب من هذه الخزائن. يجب أن تحولوا دون ذلك.
علينا جميعا أن نمنع وقوع ذلك.
أسأل الله تبارك وتعالى الصحة والسلامة لجميع أبناء الشعب، والعظمة للإسلام والعزة والاستقلال والحرية لهذا الشعب. لنمض قدماً. معاً، الفلاح والعامل، وجميع أبناء الشعب.
الامام روح الله الخميني قدس سره