السلام على مهدي الزهراء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف نعالج أمراضنا الأخلاقيـّة
لنفترض أنّنا أُصبنا بأيّ مرضٍ أخلاقيّ، كالكذب والغيبة والسرقة وغيرها.
فالخطوة الأولى في طريق العلاج والشفاء، هو التشخيص الصحيح لنوع المرض، ومدى تجذّره في قلوبنا.
وثانياً: لا بدّ من معرفة سبب المرض؛ لأنّ العلاج قد يكون بعلاج السبب فيزول المسبّب عنه. مثلاً لماذا أكذب؟ هل هو لنقصٍ في شخصيّتي، أم لأجل مصلحة دنيويّة أم لأجل... الخ. ولماذا أغتاب؟ ولماذا أسرق؟...
وثالثاً: استعمال الدواء بشكل صحيح ومتابعة العلاج.
رابعاً: التفقّه في الدين، والمراد منه ها هنا اطّلاع الإنسان على خطورة الذنب وآثاره الدنيويّة والأخرويّة. فإذا التفت إلى خطورة الكذب مثلاً، وأنّه باب الكبائر، وأنّه ينسلخ عن الإيمان حين كذبه، وأنّه سيُعاقب عليه، فأيُّ عاقلٍ سيقدم بعدها على الكذب والعياذ بالله؟!.
علاج آخر للذنوب
وهذا العلاج ينقسم إلى شقّين أحدهما: العلاج العلميّ، والثاني هو العلاج العمليّ.
أ- العلاج العلميّ
وقد نصطلح عليه بالعلاج النفسيّ ويقوم على عدّة أمور: التفكّر والتذكّر والعزم.
1- التفكّر:
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في هذا المجال: "والتفكّر في هذا المقام، هو أن يُفكّر الإنسان بعض الوقت، في أنّ مولاه الذي خَلقه في هذه الدنيا، وهيّأ له كلّ أسباب الدعة والراحة، ووهبه جسماً سليماً... ومن جهة أُخرى أرسل جميع هؤلاء الأنبياء عليهم السلام، وأنزل كل الكتب والرسالات... فما هو واجبنا تجاه هذا المولى مالك الملوك؟..
هل أنّ وجود جميع هذه النعم هو فقط لأجل هذه الحياة الحيوانيّة واشباع الشهوات... أم أنّ هناك هدفاً وغاية أخرى... إنّ الإنسان إذا فكّر للحظةٍ واحدةٍ عرف أنّ الهدف من هذه النعم هو شيء آخر، وأنّ الغاية من هذا الخلق أسمى وأعظم، وأنّ هذه الحياة الحيوانيّة ليست هي الغاية بحد ذاتها".
وبعبارةٍ أُخرى لا بدَّ أن تجلس مع نفسك، تتأمّل في وضعك وحياتك، ودنياك وآخرتك، وأن تقوم بجردة حسابيّة لمسير حياتك: أين كنت؟، وإلى أين أسير؟، وكيف أسير؟، هل أنا راضٍ عن حياتي وعلاقتي مع ربّي؟، وهل أنا أسير من الحسن إلى الأحسن أم إلى الأسوأ؟، هل أنا إن متُّ الآن إلى الجنّة أذهب، أم إلى النار التي سجّرها جبّارها لغضبه؟، كلّ هذه الأسئلة سوف تؤدّي إلى جوابٍ، يدعو هذا الإنسان إلى الاستئناف، وإعادة فتح حسابٍ جديدٍ مع ربّه وخالقه.
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "رحم الله امرأً نظر فتفكّر، وتفكّر فاعتبر، واعتبر فأبصر، وأبصر فأقصر، فقد أبصر أقوام ولم يقصروا، ثم هلكوا فلم يدركوا ما طلبوا، ولا رجعوا إلى ما فارقوا...".
2- العزم
والمراد به ها هنا هو "أن يُوطّن الإنسان نفسه، ويتّخذ قراراً بترك المعاصي وبأداء الواجبات، وتدارك ما فاته في أيّام حياته"
وبعبارة ثانية: لا بدَّ لك أن تقرّر وتريد السير نحو الله وإطاعته، وترك اطاعة الشيطان، والسعي في سبيل ذلك والتحرّك إليه، ببدء المسير من يومك هذا، لأنّ غداً قد لا يأتي.
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إنّما الدنيا ثلاثة أيّام: فيومٌ مضى بما فيه فليس بعائد، ويومٌ أنت فيه يحقّ عليك اغتنامه، ويوم لا تدري هل أنت من أهله ولعلّك راحلٌ فيه... وإن يكُ يومك هذا آنسك بقدومه، فقد كان طويل الغيبة عنك، وهو سريع الرحلة عنك، فتزوّد منه وأحسن وداعه، خذ بالبقيّة في العمل وإيّاك والاغترار بالأمل...".
3- التذكّر:
أ- تذكّر خَلقنا ووجودنا، والنعم التي أنعمها الله عليها فيما نستعملها.
ب- تذكّر العقاب الدنيويّ، وحلول سخط الله علينا في أبداننا وأموالنا وأولادنا، وقلّة المطر ونقصان الرزق والعمر، وتسلّط الأشرار علينا...
ج- تذكّر العقاب الأخرويّ.
ووقوفنا بين يدي الله عزَّ وجلَّ وافتضاحنا، ودخول النار وأليم عذابها وشدّته وطول مدّته...
4- الشعور بالرقابة الإلهيـّة
يقول الله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، فإذا فكّر الإنسان وتيقّظ من غفلته، وعلم أنّ الله معه أينما كان، سواء في السر أو في العلن، في الليل أو في النهار، فلعلّه يستحي من اطّلاع ربّه عليه، ونظره إليه فيرعوي ويُقلع عن ارتكاب ما يُسخطه ويُغضبه.
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "العالم محضر الله، فلا تعص الله في محضر الله".
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "يا إسحاق أحد أصحاب الإمام عليه السلام خفِ الله كأنّك تراه، وإن كنت لا تراه فإنّه يراك، فإن كنت ترى أنّه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنّه يراك ثمّ برزت له بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين عليك".
وروي أنّ الإمام الحسين بن علي عليه السلام جاءه رجلٌ فقال له: "أنا رجل عاصٍ ولا أصبر على المعصية، فعظني بموعظة، فقال عليه السلام: إفعل خمسة أشياء وأذنب ما شئت:
فأوّل ذلك: لا تأكل رزق الله، وأذنب ما شئت.
والثاني: أُخرج من ولاية الله، وأذنب ما شئت.
والثالث: أطلب موضعاً لا يراك الله، وأذنب ما شئت.
والرابع: إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك، فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت.
والخامس: إذا أدخلك مالكٌ في النار، فلا تدخل في النار وأذنب ما شئت".
ب - العلاج العمليّ
وهذا العلاج ينقسم إلى علاج عامّ وعلاج خاصّ.
العلاج العامّ: هو لكلّ الذنوب والأمراض وذلك بمعرفة سبب الابتلاء بها، والوقوع فيها، وهو إمّا الجهل أو الغفلة أو ضعف الإرادة، وحينئذٍ لا بدّ من المبادرة إلى رفع الجهل بالعلم والتفقّه، ورفع الغفلة بالاستيقاظ والتذكر، وعلاج ضعف الإرادة أمام الشهوات بتقوية العزم وبذل الجهد في مقاومة الذنوب وتركها.
العلاج الخاصّ: وهو أن يُبادر الإنسان عمليّاً إلى معالجة الذنب الذي وقع فيه، فإذا التفت مثلاً إلى أنّه وقع في الغيبة، فيتوقّف ويستغفر ربّه، ويسعى للتحلّل من صاحبها، ويترك الغيبة مدّة من الزمن، ولا يجلس في مجلس الغيبة، ولا يشارك مع أحد في غيبة ولو بسكوته، وليتعوّد على لجم لسانه والتفكير قبل كلامه..
.
يقول الإمام الخميني قدس سره في كيفيّة علاج المفاسد الأخلاقيّة
"ابحث عن العلاج واعثر على الدواء، لإزالة تلك الأخلاق الفاسدة والقبيحة... وأفضل علاج... هو ما ذكره علماء الأخلاق وأهل السلوك، وهو أن تأخذ كلّ واحدة من الملكات القبيحة التي تراها في نفسك، وتنهض بعزمٍ على مخالفة النفس إلى أمدٍ، وتعمل عكس ما ترجوه وتتطلبه منك تلك الملكة الرذيلة. وعلى أيّ حال اطلب التوفيق من الله تعالى لاعانتك في هذا الجهاد، ولا شكّ في أنّ الخُلق القبيح سيزول بعد فترة وجيزة...".
الكتاب: جلاء القلوب
تأليف : مركز نون للتأليف والترجمة