اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك لمْ أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إنْ لم تعرّفني رسولك لم أعرفْ حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضلَلتُ عن ديني
محمد رسول صلى الله عليه وآله
المشرفون: الفردوس المحمدي،تسبيحة الزهراء
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 7676
- اشترك في: الجمعة أكتوبر 17, 2008 4:00 am
- مكان: في رحاب الزهراء "ع"
محمد رسول صلى الله عليه وآله
[align=center][font=Arabic Transparent]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
للنبوة معنى الرسالة في وعي النبيّ، في وعي الإنسان.
وللرسالة معنى الأفق الواسع المنفتح على كلّ حقائق الحياة المتناثرة في عالـم الحسّ وعالـم الغيب.
وللرسول انفتاح الشخصية على حركية الرسالة في ذاته، فيما تثيره من مشاعر وجدانية وإحساسات روحية وإيحاءات فكرية وانطلاقات حركية، بحيث يستوعب ـ في شخصيته ـ أسرار الوجود وأعماق الإنسان، فيدفع بالحياة ـ في ذلك كلّه ـ إلى آفاق جديدة ودروب بعيدة.
وللشخصية الرسالية في ذات النبيّ، معنى الذوبان في اللّه والاستغراق في المطلق من صفاته، فيعيش المعنى الإلهي في روحه، ممّا يختزنه من سرّ الينبوع في قطرة الماء، وحيوية الشمس في نقطة الضوء، وامتداد الصحراء في حبة التراب، وجمالية الخضرة في أحلام العشب النائم في أحضان السهل، فيكون عبداً يستمدُّ الروح الإلهية في انحناء عبوديته لربِّه، وينطلق في آفاق المطلق ليعيش رحابة الأفق في خطّ الحركة وسعة الفكر في ساحات الحقيقة، فيتحرّك الهدى في حياته عمقاً كأبعد ما يكون العمق، وامتداداً كأوسع ما يتمثّل الامتداد في الكون، فيتجاوز حدود السطح الذي يقف النّاس عنده، ويبتعد عن الساحات الضيّقة التي يتجمَّع النّاس فيها.
ومن هنا كان النبيّ يستوعب الإنسان في كلّ أبعاده ومواقعه ومشاعره وأفكاره ومنطلقاته، لأنَّه يعيش كلّ مفرداته الذاتية، وينفتح على كلّ ظروفه الموضوعية، ويتعمّق في كلّ إحساساته الروحية ومواقعه الفكرية، لأنَّ المسألة الرسالية في مهمته، هي أن يدخل في الإنسان كلّه في كلّ دهاليزه وخلفياته ومنعطفاته وأبعاده ومشاعره وأفكاره ونقاط ضعفه ونقاط قوّته، في عالـم أحلامه وآلامه وشهواته وغرائزه وفرديته ومجتمعيته، في حبّه وبغضه، وعداوته وصداقته.. وهكذا نجد أنَّ النبيّ لا بُدَّ أن يملك وعي ذلك كلّه إلى جانب وعيه الشمولي لرسالته التي يمثّل الإنسان هدفها الكبير، كما تمثّل الحياة ساحتها الأوسع، الأمر الذي يجعل النبيّ ينبوعاً من الطهر في الروح، وعالماً واسعاً من الفكر الممتد في عمق الحياة ورحابتها، وروحاً رضيّة رقيقة ممتلئة بمشاعر اللطف وأحاسيس الحب، وحركة حيّة تملك اللفتة واللمسة والنظرة والإيحاء والأسلوب الذكيّ الذي يطلّ على اليقظة الإنسانية من أعلى الآفاق، وينفذ إلى شعور الإنسان كما ينفذ إلى فكره، ويرعى قضاياه الصغيرة كما يرعى قضاياه الكبيرة، فيتحسس حاجاته في جسده وروحه.
وهكذا كان النبيّ محمَّد (ص)، إنسان الرحمة في انفتاحه على كلّ الإنسان، ونبيّ الوعي في إطلالته على الواقع كلّه، ورسول الحكمة في نظرته إلى الساحة كلّها بكلّ مفرداتها الصغيرة والكبيرة، وظروفها الموضوعية القريبة والبعيدة، من خلال فهمٍ دقيقٍ للإنسان في تقلّباته وتطلّعاته ونقاط ضعفه وقوّته، الأمر الذي جعل له القدرة على الاستيعاب في مرحلة الدعوة قبل الهجرة، وفي مرحلة ما بعد الهجرة.
وهذا هو ما نحاول أن نتلمّسه بشكل سريع من خلال ملاحظات عدّة.
الدعوة السرية:
الملاحظة الأولى:
قد نقرأ في كتب السيرة ـ ومنها سيرة ابن هشام(1) ـ أنَّ النبيّ محمَّداً (ص) انطلق في دعوته بالطريقة السرّية في مدى ثلاث سنوات، فكان يدعو الأفراد بشكل هادئ، حتى دخل في الإسلام جماعة بلغوا أربعين رجلاً، وكان أصحاب رسول اللّه (ص) إذا صلّوا ذهبوا في الشعاب ليستخفوا بصلاتهم من قومهم، ثمَّ أمره اللّه عزَّ وجلّ أن يصدع بما جاء منه، وأن يجاهر النّاس بأمره، وأن يدعو إليه، وذلك في قوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين}[الحجر/94]. وقال تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين * واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} (الحجر: 214ـ215) {وقل إنّي أنا النذير المبين}[الحجر/89].
فإذا صحّ ذلك، فإنَّ النبيّ كان يريد بذلك أن يبني القاعدة الإسلامية للدعوة في ظروف هادئة من خلال تقدير الأوضاع الصعبة التي تحيط بالواقع هناك، لأنَّ الصدمة الأولى قد تخلق ردود فعل لا تتيح للنّاس، ولا سيما المستضعفين منهم، أن يستجيبوا للدعوة، وبذلك تكون السرّية في الدعوة الأولى حركة في اتجاه استيعاب أكبر قدر ممكن من النّاس لينطلقوا مع الرسول في بناء المجتمع الإسلامي الأوّل في مكة، لتهيئة الأجواء للمواجهة في المرحلة القادمة، بعد أن يكونوا قد استوعبوا المفاهيم الإيمانية في عقولهم، وعاشوها في قلوبهم، ما يقوّي موقف استيعاب التحدي المضادّ من قبل المشركين للإسلام والمسلمين.
وربَّما استطاع هذا الأسلوب السرّي في الدعوة أن يمنح الرسول الفرصة الهادئة للاطلاع على مدى استجابة النّاس لها، وقدرتهم على الثبات، وانفتاحهم على طروحاتها، بعيداً من ضوضاء المجابهة التي قد تثير المشاكل التي تُبعد الداعية عن الحصول على وضوح الرؤية للأشياء.
ولكنَّ العمل السرّي يبقى مرحلةً خاضعة للظروف الموضوعية المحيطة بالساحة، التي قد تمثّل مرحلة التحضير التي لا بُدَّ أن تنفتح على مرحلة جديدة صارخة تصدم الواقع لتهز قناعاته وتبعثر رواسبه، وتحرّك أفكاره في اتجاه الفكر الجديد، الأمر الذي يفرض الدخول في جدال وصراع يؤدّي بالدعاة إلى اللّه إلى المزيد من آلام المعاناة ومشاكل المواجهة، بحيث تفسح في المجال لدخول الإسلام إلى العقول الرافضة له بنفس القوّة التي يدخل فيها إلى العقول المؤمنة به، لأنَّ الرفض قد يثير الكثير من الاهتمام، ويحرّك المزيد من الخطوات، ويدفع بالموقف إلى أكثر من منعطف في اتجاه الهدف الكبير.
إعلان الدعوة:
وهكذا صدع النبيّ بالدعوة، فأنذر عشيرته الأقربين الذين وقف الكثير منهم بين الرغبة في الإيمان وبين الإحساس بالمسؤولية العائلية تجاه حماية النبيّ (ص).
وأثارت الدعوة الكثير من الضوضاء الفكرية والروحية والشعورية في أجواء قريش بالذات، لا سيّما بعد أن بدأ النبيّ (ص) يتحدى الأصنام بفكرة التوحيد، ويسفه عقول القرشيين الخاضعة لهذه الذهنية الوثنية، وبدأت قريش بالعروض الإغرائية من موقع القوّة الحميمة ورفضها الرسول من موقع القوّة الرسالية، وكان الاضطهاد والتعذيب والحصار، وبرز الرسول (ص) في شخصيته القوية الهادئة الصلبة، لا يتراجع ولا يلين ولا يقاطع، بل يبقى منفتحاً على الجميع يدعوهم إلى سماع آيات اللّه، لأنَّ المسألة عنده هي أن يستمعوا إليه، بقطع النظر عمّا إذا كان ذلك يؤدي إلى إيمانهم أم لا؟ فقد كان يطمح إلى الحصول على احترامهم لرسالته من خلال آيات اللّه التي تثير في عقولهم ومشاعرهم المزيج من الإعجاب والدهشة والتفكير، فلا يملكون إلاَّ الخضوع لها، لأنَّهم لـم يسمعوا من قبل ذلك مثل هذه الروعة والعذوبة والقوّة والعمق والانسياب.
ولكنَّهم كانوا يعيشون »عقدة الرفض«، لأنَّ هذه الدعوة الجديدة تمثّل ثورة على الأفكار والعادات والتقاليد والامتيازات، ما يقلب أوضاعهم رأساً على عقب.
وهكذا كانوا يهربون من أنفسهم المنسجمة مع الرسالة لا شعورياً، إلى أحقادهم المتحرّكة في خطّ مخاوفهم من انقلاب الأوضاع.
وكان الحوار يدور بينهم حول كيفية مواجهة الموقف، وما هي الكلمات التي يطلقونها في وجه الرسول ليبطلوا تأثيره في النّاس، وما هو الموقف الذي يقفونه أمامه، وكيف يكون موقفاً واحداً ليعزلوا النبيّ نفسياً، ويمنعوه من لقاء الوفود العربية القادمة إلى مكة من مختلف أنحاء الجزيرة".
اشتداد الضغوط على المسلمين:
واشتد الضغط على المسلمين المستضعفين، وقام النبيّ بتهجير البعض منهم ممّن لا يملك الصبر على الاضطهاد والتعذيب خوفاً من الفتنة في دينه، وأبقى البعض الآخر... وكان يقوم بزيارة كلّ الوفود التي تأتي إلى مكة ليبلّغهم رسالة اللّه، وليخفف من تأثير الدعاية القرشية ضدّه، لأنَّ كلّ همّه كان أن يثير التفكير لديهم بقضية الدعوة بهدف تطويق الدعاية القرشية المضادَّة من خلال إثارته لعناصر شخصيته أو طبيعة دعوته، حتى يحمل صورة الموقف من جوانبها كافة، ليستقيم لهم التوازن في الحكم، فلا تتغلب لديهم الصورة المشوهة للرسالة وللرسول من خلال قريش.
وهكذا أراد رسول اللّه (ص) من هذا النشاط الرسالي في خطّ الدعوة في هذه الفترة، أن يستفيد من موقع مكة الذي يجمع في خصوصيته أكثر من عنوان يجتذب النّاس إليها، في المسألة الدينية والاقتصادية والثقافية ونحوها، ليختصر الجهد الذي قد يحتاج إلى بذله في الوصول إلى هؤلاء النّاس في بلدانهم المتنوعة.
وقد استطاع النبيّ (ص) بهذا الجهد أن يصل إلى قلوب النّاس كوسيلةٍ من وسائل وصوله إلى عقولهم، كما تمكَّن ـ بذلك ـ من إدخال أهل يثرب في الإسلام، لتكون هذه البلدة عاصمته المقبلة، كموقع متقدّم من مواقع القوّة التي تحرره وتحرر المسلمين معه من البقاء تحت تأثير قريش، وتجعله في الموقع الذي يقف فيه في خطّ المجابهة معها كقوّة تتحدّى قوّة أخرى، في عملية صراع بين القوى، ممّا كانت الجزيرة العربية بحاجة إليه في انفتاحها المستقبلي على الإسلام، باعتبار أنَّ النّاس كانوا يخضعون في انتماءاتهم للتوازن في القوّة بين مواقع القوى هناك.
ثمَّ كانت القضية الإيجابية في ذلك، أنَّ المسلمين حصلوا على موقع هجرة قويّ مستقرّ يمكنهم في المدى القريب من بناءِ المجتمع الجديد الذي يجتذب النّاس إليه بفعل العوامل المتعددة التي تحتوي أفكار النّاس ومشاعرهم.
إنَّ دراستنا لهذه المرحلة توحي بالخطّة الدقيقة التي اتبعها النبيّ (ص) في حركة الدعوة والتي استفادت من الظروف السلبية والإيجابية المحيطة بالواقع الصعب الذي كان يتحداه، بحيث استطاع أن ينفتح على الواقع كلّه، ليركز القاعدة، وليدفع بالساحة إلى التحرّك القويّ في اتجاه الهدف الكبير.
إنَّ كلّ دعوة ورسالة بحاجة إلى العاطفة الإنسانية الناجمة عن أجواء الاضطهاد عندما يرى الناس أعداء الدعوة وهم يضطهدون أتباعها ودعاتها، تماماً كما هي بحاجة إلى أجواء التأييد في موقع الحركة التي تواجه التحدي المضادّ بقوّة وصلابة وثبات، فتلتقي بالفكر الذي يستجيب لها لينضمَّ إليها.
وهذا هو الذي ينطلق فيه الرسل ليستفيدوا منه على مستوى حاضر الدعوة ومستقبلها في وعي النّاس وحركة الحياة.
بين أسلوب الرفق ومنطق المواجهة
الملاحظة الثانية:
لـم يؤذن للنبيّ بالقتال في المرحلة المكية، ولـم يستجب للإلحاح المتواصل من المسلمين الأقوياء للردِّ على العدوان، لأنَّ المصلحة الرسالية كانت تفرض عليه أن يحتوي عقول النّاس ويدخل إلى قلوبهم من موقع الرفق الهادئ المتوازن في أكثر الأساليب إنسانية، بحيث لا مجال في حركة الدعوة إلاَّ للكلمة الطيبة والأسلوب الحكيم والنظرة الحانية واللغة الحلوة، لأنَّ مهمة الدعوة أن تقتحم على النّاس أفكارهم لا أن تضغط عليهم في أوضاعهم، وذلك من خلال ما تحاوله من الحصول على إيمان النّاس في وعيهم الفكري والروحي لفكر الدعوة وروحيتها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنَّ العنف في المراحل الأولى للدعوة يشغل النّاس الأقربين والأبعدين بمفردات الصراع الدامي في حركة الفعل وردّ الفعل، ما يجعل التركيز ـ لا سيّما في مجتمع كالمجتمع الجاهلي ـ حول قضايا الصراع، لا قضايا الدعوة، ويختزن الكثير من المشاعر المضادَّة لأعمال العنف فيما قد يثيره من العصبيات والانفعالات التي قد تحتويها الساحة، بحيث لا يترك للتعاطف مع صاحب الدعوة وأتباعها مجالاً، ممّا يحتاجه من ذلك في البدايات التي هي مرحلة التأسيس.
وقد لاحظنا أنَّ الإسلام من خلال النبيّ (ص)، قد استطاع استيعاب الكثير من النّاس ـ بهذا الأسلوب ـ سواء منهم الذين أسلموا، أو الذين تعاطفوا، أو الذين سمعوا أفكار الدعوة في أجواء الصراع السلمي.
القناعات من موقع الفكر:
الملاحظة الثالثة:
إنَّ الرسول الكريم قد طرح فكر الإسلام من موقع الإيحاء بأنَّه يمثّل الحقيقة التي تفرض نفسها على الفكر من دون حاجة إلى أي وسيلة من وسائل الضغط، ما يمنح الإنسان الذي يحترم نفسه القناعة بأنَّ النبيّ (ص) يحترم فكره ويريد له أن يصل إلى القناعات من موقع الفكر والتأمّل والحوار مع الدعوة الجديدة التي تطرح كلّ شيء للحوار، حتى في القضايا التي تمثّل الأساس في مسألة الدعوة على مستوى العقيدة، كوجود اللّه وتوحيده وشخصية الرسول والقرآن واليوم الآخر، فقد اعتبرها خاضعة للجدال، وأراد له أن يكون بالتي هي أحسن في نطاق الكلمة الأحسن.
وهذا ما لاحظناه في الآيات التالية في قوله تعالى: {لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيَّ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها واللّه سميع عليم} [البقرة/256].
{أفأنت تكره النّاس حتى يكونوا مؤمنين
} [يونس/99].
{وقل الحقّ من ربِّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
} [الكهف/29].
{ادع إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنَّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين
} [النحل/125].
وبهذا يتبين أن الإسلام يطرح قضية الدين والحقّ كقضية عائدة إلى اختيار الإنسان الذي يواجه الرشد والغيّ في هذا الاتجاه أو ذاك برؤية واضحة لا تختلط معها الأمور على الفكر الناقد المتّزن العميق الذي يواجه مسؤولية الانتماء للكفر أو الإيمان من موقع إحساسه بالجدية في قضايا الفكر الحيويّ المنفتح على المصير.
ويثير المسألة في موقف الرسول والداعية لتكون الدعوة بالحكمة، لكي يتمكن من الانفتاح على واقع الإنسان في ذهنيته وفي ظروفه وفي نقاط ضعفه وقوته، لتكون الكلمة المناسبة في الموقع المناسب للشخص المناسب، فيما تعبّر عنه الحكمة من وضع الشيء في موضعه، والموعظة الحسنة التي تلامس مشاعر الإنسان وتحترم أحاسيسه، وتفتح له الآفاق الواسعة على أكثر من قضية من قضايا الدعوة في مسائل الفكر والروح، والجدال بالتي هي أحسن الذي ينطلق من روحية الإنسان الذي ينفتح على الإنسان الآخر في عملية انسجام واحترام، بحيث يتحسس حاجته إلى الكلمة الطيبة والأسلوب الطيّب في إيصال الفكرة الجديدة إلى عقله وقلبه، لأنَّ الكلمة القاسية والأسلوب الجافّ يحولان بين الإنسان وبين الإقبال على الفكرة التي يحملها ويدعو إليها الإنسان الآخر، وهذا ما عبّرت عنه الآية الكريمة:
{فبما رحمة من اللّه لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك
} [آل عمران/159].
ونلاحظ في هذا الجوّ، أنَّ القرآن قد طالب النبيّ ـ والدعاة من بعده ـ التحلي بالروح الإنسانية التي لا بُدَّ أن يعيشها الرسول أو الداعية، وجوهرها أنَّ اللّه لـم يجعل له السيطرة الضاغطة على النّاس في مسألة الدعوة، {فذكّر إنَّما أنت مذكّر * لست عليهم بمسيطر} [الغاشية/21-22] {وما أنت عليهم بجبار فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد} [ق/45].
وربَّما كان التعبير عن الدعوة بالتذكير، يوحي بأنَّ هناك حقيقة كامنة في الذات الإنسانية منفتحة على كلّ آفاق الإيمان باللّه واليوم الآخر، وقد لا يكتشف الإنسان هذه الحقيقة في داخل ذاته من خلال الأجواء النفسية الضاغطة التي تفرضها الأوضاع المعقدة المحيطة به من خلال رواسبه التاريخية وتعقيداته الواقعية، ما يجعله بحاجة إلى تذكير الآخرين له بالطريقة التي يمكن أن تهز مشاعره وتثير أفكاره.
ربَّما كانت هذه الأجواء التي تتمثّل فيها مسألة احترام إنسانية الإنسان في الدعوة إلى تغيير قناعاته الفكرية، هي الأجواء الأقرب إلى إمكان استيعاب النّاس في ساحة الدعوة، وربَّما كان من الضروري للدعاة إلى اللّه أن يثيروها في خطّ الحركة الإسلامية في الدعوة، فيبتعدوا بها عن أسلوب العنف في الخطاب الثقافي والسياسي والاجتماعي، ليستبدلوه بأسلوب الرفق الذي يتناسب مع أجواء الحرية الإنسانية في عملية الانتماء، لا سيّما في العصر الحاضر الذي يعيش فيه الإنسان مسألة الحرية كقضية حيوية في البعد الفكري، وفي الخطّ الانتمائي للإنسان.
دراسة الذات الإنسانية:
الملاحظة الرابعة:
إنَّ النبيّ (ص) درس واقع الانسان دراسة عميقة ومتكاملة، باعتبار إن غايته دخول مسألة الناس في الإسلام، وذلك من خلال وحي اللّه إليه، الذي يعتبر أن قضية التغيير الفكري ليست من المسائل البسيطة التي يمكن لأي دعوة تغييرية على الصعيد الفكري، أن تبلغها بسهولة، وفي وقت قريب لأنَّ القضية تتصل بالجانب الفكري والنفسي والعملي للشخصية، إضافة إلى الظروف الموضوعية المضادَّة المحيطة به، الأمر الذي يحتاج إلى إعداد طويل للشخصية في طريقة الأداء الفكري والإيحاء النفسي والإثارة الروحية وحشد الأجواء الملائمة.
وهذا ما جعل الدعوة الإسلامية تكتفي من الإنسان في إسلامه بإعلان الشهادتين حتى ولو لـم يكن ذلك عن قناعة إيمانية، بل ربَّما تعمل على تقديم الإغراءات المادية، التي تشجعه على ذلك، كما نلاحظ ذلك في تشريع سهم المؤلفة قلوبهم في الزكاة، أو إيجاد الضغوط النفسية أو الواقعية التي تدعوه إلى ذلك، كما في حالات التخيير بين الإسلام والقتل، للدخول في الإسلام من أجل حماية حياته.
وقد دخل في الإسلام الكثير من هؤلاء من طريقة الرغبة والرهبة، أو بفعل بعض الظروف النفسية الخاصة، وقد حدّثنا القرآن الكريم عن المنافقين الذين كانوا جزءاً من المجتمع الإسلامي، وذلك في قوله تعالى: {ومن النّاس من يقول آمنا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون اللّه والذين آمنوا وما يخدعون إلاَّ أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم اللّه مرضاً ولهم عذاب أليم..} [البقرة/8-10]إلى أن يقول: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن النّاس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنَّهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون * وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنَّما نحن مستهزئون} [البقرة/ 13-14].
وحدثنا عن الأعراب ممّن دخلوا في الإسلام دون وعي ثقافي ـ ديني، ولـم يصلوا إلى مستوى القناعة الإيمانية، كما توحي الآية الكريمة: {قالت الأعراب آمنا قل لـم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم...} [الحجرات/14].
ومن الملاحظ أنَّ هذه الآية أوضحت الحدّ الفاصل بين الإيمان الذي يعبّر عن القناعة الوجدانية الفكرية القلبية، وبين الإسلام الذي يعبّر عن الخضوع العملي للانتماء الإسلامي من حيث الالتزام بالانتماء الذاتي للمجتمع المسلم والانسجام مع ما يتطلبه ذلك من بعض أنماط السلوك العملي.
وقد نلاحظ بعض الآيات التي اعتبرت كلمة {الذين آمنوا} مرادفة للمسلمين في مقابل أهل الديانات الأخرى أو الأفكار الأخرى، كما اعتبرت كلمة الإسلام تعبيراً عن المؤمنين الذين أسلموا أمرهم للّه بقلوبهم وأجسادهم، ولكن الأولى كانت على سبيل تأكيد »المصطلح« للمنتمين إلى الإسلام، كما كانت الثانية من أجل دراسة العمق في المعنى الإيحائي العميق للكلمة في داخل الذات، بينما تنطلق الكلمتان في الآية المتقدّمة، من المعنى الفكري الروحي لكلمة الإيمان، والمعنى العملي الشكلي لكلمة الإسلام.
لماذا القبول بالإنتماء الشكلي؟
وعلى أيّ حال، فإنَّ الإسلام الرسمي يبقى في الدائرة الانتمائية الشكلية في الكلمة والسلوك، بعيداً عن التركيز في الدائرة الواقعية للفكر والروح والوجدان، والحكمة من ذلك ربَّما تعود إلى جملة من الأمور:
أ ـ تحييد الناس عن مجتمع الكفر والشرك:
قد يكون السبب في ذلك أنَّ النبيّ (ص) كان يعمل على تحييد النّاس عن مجتمع الكفر والشرك، ليدخلوا في مجتمع الإسلام من الناحية الرسمية، ليضمن بذلك ابتعادهم عن الأجواء العدوانية التي قد تتحول إلى مواقع عدائية محاربة، واقترابهم من الأجواء الإسلامية التي قد تؤدي بهم إلى الوقوف ضدّ المشركين في حالة الحرب، انطلاقاً من الأوضاع الجديدة التي تمثّل مواقعهم الحاضرة.
ولقد أراد النبيّ (ص) لهم أن يدخلوا في الساحة الإسلامية كمسلمين، ليعيشوا روحانية الإسلام وأخلاقيته وأساليبه في العلاقات وفي المعاملات، والانفتاح على المسلمين، وإقامة علاقات طبيعية معهم مليئة بالعاطفة والحنان، منطلقة في أجواء الأخوَّة، فيستمعون إلى كلام اللّه عن قرب، ليقودهم ذلك إلى التفكير والتأمّل بعيداً عن الحالات الانفعالية المتشنجة التي تحكم مجتمع الكفر في نظرته العدوانية للإسلام، فربَّما استطاعوا من خلال هذه الحالات التأمّلية الفكرية ـ أن يؤكدوا قناعاتهم بالإسلام، باعتبار أنَّه دين الفطرة الذي يلتقي به الإنسان في العمق الإيماني، إذا ابتعد عن الحواجز الداخلية أو الخارجية التي تمنعه من ذلك.
وقد يكون الهدف من وراء ذلك، أنَّ الإسلام يريد لهؤلاء أن يكونوا المدخل لانطلاقة أولادهم وعوائلهم نحو الارتباط بالإسلام، لأنَّ الجيل الثاني الذي ينشأ في المجتمع الإسلامي من خلال الجوّ العام، ويتحرّك من خلال الانتماء الإسلامي الرسمي، سوف يدخل في عمق الحياة الاجتماعية بفعل تلك العوامل الذاتية بشكل طبيعي جداً. كما نلاحظ ذلك في الآباء الذين دخلوا في الإسلام ـ نفاقاً ـ كعبد اللّه بن أبيّ، فكان أولادهم من أشدّ النّاس إخلاصاً للإسلام وللمسلمين، كما سنرى ذلك فيما يأتي من حديث.
وقد لاحظنا في الجانب المضادّ، أنَّ الآباء المسلمين الذين عاشوا في المجتمعات الكافرة فقدوا أبناءهم الذين تحولوا بفعل الضغوط الثقافية والتربوية والاجتماعية إلى أولاد غير مسلمين.
وقد تكون الحكمة في ذلك هو التدرّج النفسي في قبول الإسلام من خلال الإبقاء على بعض مرتكزاتهم الفكرية والنفسية ريثما يتاح لهم الانتقال إلى مرحلة أخرى يتمكنون فيها من الانفتاح على مرتكزات الإسلام بطريقة هادئة متوازنة، فتدخل مفردات الإسلام في وعيهم الروحي، من دون الحاجة إلى صدمة عنيفة أو هزة قوية، في عملية نموّ طبيعي للفكر والإيمان.
وقد حققت هذه التجربة الحيّة التي انطلقت في هذا الاتجاه نجاحاً كبيراً على صعيد انتشار الإسلام بسرعة في الجزيرة العربية وكلّ المناطق التي دخلها، سواء أكان ذلك من طريق الفتح أو الدعوة، بحيث كان لهذا الأسلوب الذي فرضته أجواء الحرب الحاكمة أو حالات الضغط المتنوعة، أثره الكبير في الامتداد الإسلامي فيها، بفعل إسلام أهلها بالطريقة المذكورة، ما جعل الأجيال الأخرى من أكثر المسلمين إخلاصاً.
ب ـ علامات استفهام في حرية الفكر:
وربَّما يثير بعض النّاس، حول هذا الأسلوب، علامات استفهام متعددة في مسألة حرية الفكر، من خلال احترام حقوق الإنسان في حرية الانتماء إلى الفكر الذي يقتنع به من دون ضغط نفسيّ أو جسديّ، أو على صعيد النتائج السلبية التي تؤثر سلباً على المجتمع وعلى المسيرة الإسلامية، من خلال دخول فريق كبير من النّاس الذين لا يدخلون إلى الساحة، صار وهم غير صادقين في إيمانهم يؤمنون بصدق وإخلاص إلى الساحة، ما يحوّلهم إلى قوّة مضادّة في داخل الأمّة تتمكن من الكيد للإسلام والمسلمين من الداخل، كما حصل مع المسلمين في مجتمع المدينة، أو في غيره من المجتمعات، عندما احتوى هؤلاء الذين دخلوا في الإسلام رسمياً من خلال الرغبة والرهبة من دون قناعة ذاتية أو إخلاص روحيّ، فاستطاعوا على المستويين الداخلي والخارجي إثارة العديد من المشكلات، فعاثوا في الأرض فساداً، وتآمروا على المسلمين وعلى الإسلام في الحروب التي حدثت بينهم وبين المشركين أو اليهود.
وقد أصبحت مشكلة المنافقين من أكثر المشاكل تعقيداً في الحياة الإسلامية، حتى أخذت حجماً كبيراً في المساحة القرآنية في الحديث عن مواقفهم السلبية في المجتمع الإسلامي.
وقد نتفق مع هؤلاء في ما يثيرونه من سلبيات في أسلوب الاستيعاب الإسلامي في الجانب الشكلي الرسمي للانتماء، ولكنَّ ذلك لا يؤثر تأثيراً سلبياً في المسألة من ناحية المبدأ، لأنَّ المنافقين كانوا موضع رقابة دقيقة دائمة من قبل المجتمع الإسلامي، كما كانوا موضع تشهير متحرّك من قبل اللّه في ما ينزله من آياته، حتى أنَّهم كانوا يعيشون الحذر من أن تنزّل سورة تكشف سرائرهم ومخططاتهم وتفضح أوضاعهم، وهذا ما عبّر عنه اللّه سبحانه في قوله تعالى: {يحذر المنافقون أن تُنزّل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إنَّ اللّه مخرج ما تحذرون}[التوبة/64].
وقد لاحظنا في تاريخ المسيرة الإسلامية في عهد النبيّ محمَّد (ص)، أنَّهم لـم يستطيعوا أن يقوموا بعمل كبير مضادّ في مواجهة الإسلام والمسلمين، بل كلّ ما تمكنوا القيام به كان بعض أنواع الإثارة والتنسيق مع اليهود والمشركين مما لا فائدة منه لهم في حساباتهم الثقافية، أو العمل على إشاعة الأكاذيب في المجتمع الإسلامي ممّا يكشفه القرآن أو النبيّ (ص) أو المسلمون بوسائلهم الخاصة.
وقد كانوا في تلك المرحلة خاضعين للالتزامات الإسلامية من خلال الانتماء الرسمي للإسلام، بحيث إنَّهم إذا أرادوا أن يتخففوا من الواجبات الشرعية في الجهاد وغيره، يبادرون إلى تقديم الأعذار والمبررات التي تتيح لهم الانسحاب بحجة شرعية، وكان القرآن الكريم يلاحق بطريقته الخاصة كلّ حيثيات هذه الظاهرة بقوّة، فتمكن من فضح خلفياتها بوضوح، وعزل كلّ مواقعها الاجتماعية، وإبقائها موضعاً للمراقبة والتشهير بالمستوى الذي تسقط به قيمتهم التأثيرية في واقع المسلمين. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فإنَّ الذين دخلوا في الإسلام رغبة ورهبة لـم يدخلوا في خطّ النفاق بأجمعهم، بل كان المنافقون منهم قلّة، فقد لاحظنا أنَّ هؤلاء قد حسن إسلامهم عندما اندمجوا في المجتمع الإسلامي، وابتعدوا عن المؤثرات السلبية التي كانت تترك آثارها الضارّة في شخصياتهم من خلال أجواء الكفر والضلال التي عاشوا داخلها، وأصبحوا من خيرة المسلمين، لأنَّ مشكلة الكفر ـ في أغلب مواقعها ـ هي مشكلة جهل وتخلّف وابتعاد عن الأجواء الطاهرة التي تطهر أفكارهم وقلوبهم.
وفي ضوء ذلك، فإنَّ الإيجابيات في هذا الجانب أكثر فاعلية في النتائج الطيبة من السلبيات في النتائج الخبيثة.
ولعلّنا إذا درسنا مختلف التيارات الفكرية، سواء منها الدينية وغير الدينية، لرأينا أنَّ اغلب المنتمين إليها لـم ينتموا من موقع قناعة فكرية، بل كانت الانتماءات خاضعة لعوامل ذاتية أو خارجية، كالمشاعر العاطفية أو المصالح، أو العلاقات العامّة والخاصّة في ارتباط النّاس بالواقع الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي الذي يتحرّكون في داخله.
وهنا يجب الالتفات إلى نقطة مهمة، وهي أنَّ الإسلام كان، ولا يزال، يخطط لبناء دولة، ينتمي النّاس إلى هويتها، ويحملون شعارها، وينضمون إلى جيشها، ويتحرّكون لتقوية مواقعها، من أجل أن يكون الدين كلّه للّه.
ومن هذا المنطلق، كان لا بُدَّ من العمل لإخراج أكبر قدرٍ ممكن من النّاس من ساحة الموقع المضادّ في أجواء الكفر، إلى ساحة الموقع الإسلامي، لإضعاف الساحة الكافرة لحساب قوّة الساحة المسلمة، مع تحصين الموقف والموقع بالوسائل الدقيقة الأمنية التي تمنح الدولة المناعة وتحصنها من القوى المضادة في الداخل والخارج.
لذلك كانت مسألة الاستيعاب متحرّكة على أكثر من صعيد وبأكثر من أسلوب في خطّة من الإحاطة التامة والشمول الواسع.
الأسلوب التثقيفي:
الملاحظة الخامسة:
فتح الأسلوب التثقيفي الذي استخدمه النبيّ (ص) المجال لكلّ الذين يريدون أن يدخلوا في المجتمع الإسلامي، بالرغم من حال الحرب، ليطّلعوا على الثقافة الإسلامية، ليجدوا ـ من خلالها ـ الجواب على كلّ علامات الاستفهام التي تراود أفكارهم حول كلّ القضايا الإسلامية في العقيدة والتشريع والسلوك العام، فقد أراد اللّه من النبيّ (ص) أن يجير كلّ مشرك ويمنحه الأمان إذا أراد الدخول في المجتمع الإسلامي، حتى يأخذ وقته الكافي في الاستماع إلى آيات اللّه بكلّ تفاصيلها، فإذا استكمل ذلك كلّه، كان على النبيّ أن يرسل معه من يبلغه مأمنه بكلّ هدوء واحترام، وذلك هو قوله تعالى:{وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام اللّه ثمَّ أبلغه مأمنه} [التوبة/6].
يتبع[/font][/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
للنبوة معنى الرسالة في وعي النبيّ، في وعي الإنسان.
وللرسالة معنى الأفق الواسع المنفتح على كلّ حقائق الحياة المتناثرة في عالـم الحسّ وعالـم الغيب.
وللرسول انفتاح الشخصية على حركية الرسالة في ذاته، فيما تثيره من مشاعر وجدانية وإحساسات روحية وإيحاءات فكرية وانطلاقات حركية، بحيث يستوعب ـ في شخصيته ـ أسرار الوجود وأعماق الإنسان، فيدفع بالحياة ـ في ذلك كلّه ـ إلى آفاق جديدة ودروب بعيدة.
وللشخصية الرسالية في ذات النبيّ، معنى الذوبان في اللّه والاستغراق في المطلق من صفاته، فيعيش المعنى الإلهي في روحه، ممّا يختزنه من سرّ الينبوع في قطرة الماء، وحيوية الشمس في نقطة الضوء، وامتداد الصحراء في حبة التراب، وجمالية الخضرة في أحلام العشب النائم في أحضان السهل، فيكون عبداً يستمدُّ الروح الإلهية في انحناء عبوديته لربِّه، وينطلق في آفاق المطلق ليعيش رحابة الأفق في خطّ الحركة وسعة الفكر في ساحات الحقيقة، فيتحرّك الهدى في حياته عمقاً كأبعد ما يكون العمق، وامتداداً كأوسع ما يتمثّل الامتداد في الكون، فيتجاوز حدود السطح الذي يقف النّاس عنده، ويبتعد عن الساحات الضيّقة التي يتجمَّع النّاس فيها.
ومن هنا كان النبيّ يستوعب الإنسان في كلّ أبعاده ومواقعه ومشاعره وأفكاره ومنطلقاته، لأنَّه يعيش كلّ مفرداته الذاتية، وينفتح على كلّ ظروفه الموضوعية، ويتعمّق في كلّ إحساساته الروحية ومواقعه الفكرية، لأنَّ المسألة الرسالية في مهمته، هي أن يدخل في الإنسان كلّه في كلّ دهاليزه وخلفياته ومنعطفاته وأبعاده ومشاعره وأفكاره ونقاط ضعفه ونقاط قوّته، في عالـم أحلامه وآلامه وشهواته وغرائزه وفرديته ومجتمعيته، في حبّه وبغضه، وعداوته وصداقته.. وهكذا نجد أنَّ النبيّ لا بُدَّ أن يملك وعي ذلك كلّه إلى جانب وعيه الشمولي لرسالته التي يمثّل الإنسان هدفها الكبير، كما تمثّل الحياة ساحتها الأوسع، الأمر الذي يجعل النبيّ ينبوعاً من الطهر في الروح، وعالماً واسعاً من الفكر الممتد في عمق الحياة ورحابتها، وروحاً رضيّة رقيقة ممتلئة بمشاعر اللطف وأحاسيس الحب، وحركة حيّة تملك اللفتة واللمسة والنظرة والإيحاء والأسلوب الذكيّ الذي يطلّ على اليقظة الإنسانية من أعلى الآفاق، وينفذ إلى شعور الإنسان كما ينفذ إلى فكره، ويرعى قضاياه الصغيرة كما يرعى قضاياه الكبيرة، فيتحسس حاجاته في جسده وروحه.
وهكذا كان النبيّ محمَّد (ص)، إنسان الرحمة في انفتاحه على كلّ الإنسان، ونبيّ الوعي في إطلالته على الواقع كلّه، ورسول الحكمة في نظرته إلى الساحة كلّها بكلّ مفرداتها الصغيرة والكبيرة، وظروفها الموضوعية القريبة والبعيدة، من خلال فهمٍ دقيقٍ للإنسان في تقلّباته وتطلّعاته ونقاط ضعفه وقوّته، الأمر الذي جعل له القدرة على الاستيعاب في مرحلة الدعوة قبل الهجرة، وفي مرحلة ما بعد الهجرة.
وهذا هو ما نحاول أن نتلمّسه بشكل سريع من خلال ملاحظات عدّة.
الدعوة السرية:
الملاحظة الأولى:
قد نقرأ في كتب السيرة ـ ومنها سيرة ابن هشام(1) ـ أنَّ النبيّ محمَّداً (ص) انطلق في دعوته بالطريقة السرّية في مدى ثلاث سنوات، فكان يدعو الأفراد بشكل هادئ، حتى دخل في الإسلام جماعة بلغوا أربعين رجلاً، وكان أصحاب رسول اللّه (ص) إذا صلّوا ذهبوا في الشعاب ليستخفوا بصلاتهم من قومهم، ثمَّ أمره اللّه عزَّ وجلّ أن يصدع بما جاء منه، وأن يجاهر النّاس بأمره، وأن يدعو إليه، وذلك في قوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين}[الحجر/94]. وقال تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين * واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} (الحجر: 214ـ215) {وقل إنّي أنا النذير المبين}[الحجر/89].
فإذا صحّ ذلك، فإنَّ النبيّ كان يريد بذلك أن يبني القاعدة الإسلامية للدعوة في ظروف هادئة من خلال تقدير الأوضاع الصعبة التي تحيط بالواقع هناك، لأنَّ الصدمة الأولى قد تخلق ردود فعل لا تتيح للنّاس، ولا سيما المستضعفين منهم، أن يستجيبوا للدعوة، وبذلك تكون السرّية في الدعوة الأولى حركة في اتجاه استيعاب أكبر قدر ممكن من النّاس لينطلقوا مع الرسول في بناء المجتمع الإسلامي الأوّل في مكة، لتهيئة الأجواء للمواجهة في المرحلة القادمة، بعد أن يكونوا قد استوعبوا المفاهيم الإيمانية في عقولهم، وعاشوها في قلوبهم، ما يقوّي موقف استيعاب التحدي المضادّ من قبل المشركين للإسلام والمسلمين.
وربَّما استطاع هذا الأسلوب السرّي في الدعوة أن يمنح الرسول الفرصة الهادئة للاطلاع على مدى استجابة النّاس لها، وقدرتهم على الثبات، وانفتاحهم على طروحاتها، بعيداً من ضوضاء المجابهة التي قد تثير المشاكل التي تُبعد الداعية عن الحصول على وضوح الرؤية للأشياء.
ولكنَّ العمل السرّي يبقى مرحلةً خاضعة للظروف الموضوعية المحيطة بالساحة، التي قد تمثّل مرحلة التحضير التي لا بُدَّ أن تنفتح على مرحلة جديدة صارخة تصدم الواقع لتهز قناعاته وتبعثر رواسبه، وتحرّك أفكاره في اتجاه الفكر الجديد، الأمر الذي يفرض الدخول في جدال وصراع يؤدّي بالدعاة إلى اللّه إلى المزيد من آلام المعاناة ومشاكل المواجهة، بحيث تفسح في المجال لدخول الإسلام إلى العقول الرافضة له بنفس القوّة التي يدخل فيها إلى العقول المؤمنة به، لأنَّ الرفض قد يثير الكثير من الاهتمام، ويحرّك المزيد من الخطوات، ويدفع بالموقف إلى أكثر من منعطف في اتجاه الهدف الكبير.
إعلان الدعوة:
وهكذا صدع النبيّ بالدعوة، فأنذر عشيرته الأقربين الذين وقف الكثير منهم بين الرغبة في الإيمان وبين الإحساس بالمسؤولية العائلية تجاه حماية النبيّ (ص).
وأثارت الدعوة الكثير من الضوضاء الفكرية والروحية والشعورية في أجواء قريش بالذات، لا سيّما بعد أن بدأ النبيّ (ص) يتحدى الأصنام بفكرة التوحيد، ويسفه عقول القرشيين الخاضعة لهذه الذهنية الوثنية، وبدأت قريش بالعروض الإغرائية من موقع القوّة الحميمة ورفضها الرسول من موقع القوّة الرسالية، وكان الاضطهاد والتعذيب والحصار، وبرز الرسول (ص) في شخصيته القوية الهادئة الصلبة، لا يتراجع ولا يلين ولا يقاطع، بل يبقى منفتحاً على الجميع يدعوهم إلى سماع آيات اللّه، لأنَّ المسألة عنده هي أن يستمعوا إليه، بقطع النظر عمّا إذا كان ذلك يؤدي إلى إيمانهم أم لا؟ فقد كان يطمح إلى الحصول على احترامهم لرسالته من خلال آيات اللّه التي تثير في عقولهم ومشاعرهم المزيج من الإعجاب والدهشة والتفكير، فلا يملكون إلاَّ الخضوع لها، لأنَّهم لـم يسمعوا من قبل ذلك مثل هذه الروعة والعذوبة والقوّة والعمق والانسياب.
ولكنَّهم كانوا يعيشون »عقدة الرفض«، لأنَّ هذه الدعوة الجديدة تمثّل ثورة على الأفكار والعادات والتقاليد والامتيازات، ما يقلب أوضاعهم رأساً على عقب.
وهكذا كانوا يهربون من أنفسهم المنسجمة مع الرسالة لا شعورياً، إلى أحقادهم المتحرّكة في خطّ مخاوفهم من انقلاب الأوضاع.
وكان الحوار يدور بينهم حول كيفية مواجهة الموقف، وما هي الكلمات التي يطلقونها في وجه الرسول ليبطلوا تأثيره في النّاس، وما هو الموقف الذي يقفونه أمامه، وكيف يكون موقفاً واحداً ليعزلوا النبيّ نفسياً، ويمنعوه من لقاء الوفود العربية القادمة إلى مكة من مختلف أنحاء الجزيرة".
اشتداد الضغوط على المسلمين:
واشتد الضغط على المسلمين المستضعفين، وقام النبيّ بتهجير البعض منهم ممّن لا يملك الصبر على الاضطهاد والتعذيب خوفاً من الفتنة في دينه، وأبقى البعض الآخر... وكان يقوم بزيارة كلّ الوفود التي تأتي إلى مكة ليبلّغهم رسالة اللّه، وليخفف من تأثير الدعاية القرشية ضدّه، لأنَّ كلّ همّه كان أن يثير التفكير لديهم بقضية الدعوة بهدف تطويق الدعاية القرشية المضادَّة من خلال إثارته لعناصر شخصيته أو طبيعة دعوته، حتى يحمل صورة الموقف من جوانبها كافة، ليستقيم لهم التوازن في الحكم، فلا تتغلب لديهم الصورة المشوهة للرسالة وللرسول من خلال قريش.
وهكذا أراد رسول اللّه (ص) من هذا النشاط الرسالي في خطّ الدعوة في هذه الفترة، أن يستفيد من موقع مكة الذي يجمع في خصوصيته أكثر من عنوان يجتذب النّاس إليها، في المسألة الدينية والاقتصادية والثقافية ونحوها، ليختصر الجهد الذي قد يحتاج إلى بذله في الوصول إلى هؤلاء النّاس في بلدانهم المتنوعة.
وقد استطاع النبيّ (ص) بهذا الجهد أن يصل إلى قلوب النّاس كوسيلةٍ من وسائل وصوله إلى عقولهم، كما تمكَّن ـ بذلك ـ من إدخال أهل يثرب في الإسلام، لتكون هذه البلدة عاصمته المقبلة، كموقع متقدّم من مواقع القوّة التي تحرره وتحرر المسلمين معه من البقاء تحت تأثير قريش، وتجعله في الموقع الذي يقف فيه في خطّ المجابهة معها كقوّة تتحدّى قوّة أخرى، في عملية صراع بين القوى، ممّا كانت الجزيرة العربية بحاجة إليه في انفتاحها المستقبلي على الإسلام، باعتبار أنَّ النّاس كانوا يخضعون في انتماءاتهم للتوازن في القوّة بين مواقع القوى هناك.
ثمَّ كانت القضية الإيجابية في ذلك، أنَّ المسلمين حصلوا على موقع هجرة قويّ مستقرّ يمكنهم في المدى القريب من بناءِ المجتمع الجديد الذي يجتذب النّاس إليه بفعل العوامل المتعددة التي تحتوي أفكار النّاس ومشاعرهم.
إنَّ دراستنا لهذه المرحلة توحي بالخطّة الدقيقة التي اتبعها النبيّ (ص) في حركة الدعوة والتي استفادت من الظروف السلبية والإيجابية المحيطة بالواقع الصعب الذي كان يتحداه، بحيث استطاع أن ينفتح على الواقع كلّه، ليركز القاعدة، وليدفع بالساحة إلى التحرّك القويّ في اتجاه الهدف الكبير.
إنَّ كلّ دعوة ورسالة بحاجة إلى العاطفة الإنسانية الناجمة عن أجواء الاضطهاد عندما يرى الناس أعداء الدعوة وهم يضطهدون أتباعها ودعاتها، تماماً كما هي بحاجة إلى أجواء التأييد في موقع الحركة التي تواجه التحدي المضادّ بقوّة وصلابة وثبات، فتلتقي بالفكر الذي يستجيب لها لينضمَّ إليها.
وهذا هو الذي ينطلق فيه الرسل ليستفيدوا منه على مستوى حاضر الدعوة ومستقبلها في وعي النّاس وحركة الحياة.
بين أسلوب الرفق ومنطق المواجهة
الملاحظة الثانية:
لـم يؤذن للنبيّ بالقتال في المرحلة المكية، ولـم يستجب للإلحاح المتواصل من المسلمين الأقوياء للردِّ على العدوان، لأنَّ المصلحة الرسالية كانت تفرض عليه أن يحتوي عقول النّاس ويدخل إلى قلوبهم من موقع الرفق الهادئ المتوازن في أكثر الأساليب إنسانية، بحيث لا مجال في حركة الدعوة إلاَّ للكلمة الطيبة والأسلوب الحكيم والنظرة الحانية واللغة الحلوة، لأنَّ مهمة الدعوة أن تقتحم على النّاس أفكارهم لا أن تضغط عليهم في أوضاعهم، وذلك من خلال ما تحاوله من الحصول على إيمان النّاس في وعيهم الفكري والروحي لفكر الدعوة وروحيتها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنَّ العنف في المراحل الأولى للدعوة يشغل النّاس الأقربين والأبعدين بمفردات الصراع الدامي في حركة الفعل وردّ الفعل، ما يجعل التركيز ـ لا سيّما في مجتمع كالمجتمع الجاهلي ـ حول قضايا الصراع، لا قضايا الدعوة، ويختزن الكثير من المشاعر المضادَّة لأعمال العنف فيما قد يثيره من العصبيات والانفعالات التي قد تحتويها الساحة، بحيث لا يترك للتعاطف مع صاحب الدعوة وأتباعها مجالاً، ممّا يحتاجه من ذلك في البدايات التي هي مرحلة التأسيس.
وقد لاحظنا أنَّ الإسلام من خلال النبيّ (ص)، قد استطاع استيعاب الكثير من النّاس ـ بهذا الأسلوب ـ سواء منهم الذين أسلموا، أو الذين تعاطفوا، أو الذين سمعوا أفكار الدعوة في أجواء الصراع السلمي.
القناعات من موقع الفكر:
الملاحظة الثالثة:
إنَّ الرسول الكريم قد طرح فكر الإسلام من موقع الإيحاء بأنَّه يمثّل الحقيقة التي تفرض نفسها على الفكر من دون حاجة إلى أي وسيلة من وسائل الضغط، ما يمنح الإنسان الذي يحترم نفسه القناعة بأنَّ النبيّ (ص) يحترم فكره ويريد له أن يصل إلى القناعات من موقع الفكر والتأمّل والحوار مع الدعوة الجديدة التي تطرح كلّ شيء للحوار، حتى في القضايا التي تمثّل الأساس في مسألة الدعوة على مستوى العقيدة، كوجود اللّه وتوحيده وشخصية الرسول والقرآن واليوم الآخر، فقد اعتبرها خاضعة للجدال، وأراد له أن يكون بالتي هي أحسن في نطاق الكلمة الأحسن.
وهذا ما لاحظناه في الآيات التالية في قوله تعالى: {لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيَّ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها واللّه سميع عليم} [البقرة/256].
{أفأنت تكره النّاس حتى يكونوا مؤمنين
} [يونس/99].
{وقل الحقّ من ربِّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
} [الكهف/29].
{ادع إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنَّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين
} [النحل/125].
وبهذا يتبين أن الإسلام يطرح قضية الدين والحقّ كقضية عائدة إلى اختيار الإنسان الذي يواجه الرشد والغيّ في هذا الاتجاه أو ذاك برؤية واضحة لا تختلط معها الأمور على الفكر الناقد المتّزن العميق الذي يواجه مسؤولية الانتماء للكفر أو الإيمان من موقع إحساسه بالجدية في قضايا الفكر الحيويّ المنفتح على المصير.
ويثير المسألة في موقف الرسول والداعية لتكون الدعوة بالحكمة، لكي يتمكن من الانفتاح على واقع الإنسان في ذهنيته وفي ظروفه وفي نقاط ضعفه وقوته، لتكون الكلمة المناسبة في الموقع المناسب للشخص المناسب، فيما تعبّر عنه الحكمة من وضع الشيء في موضعه، والموعظة الحسنة التي تلامس مشاعر الإنسان وتحترم أحاسيسه، وتفتح له الآفاق الواسعة على أكثر من قضية من قضايا الدعوة في مسائل الفكر والروح، والجدال بالتي هي أحسن الذي ينطلق من روحية الإنسان الذي ينفتح على الإنسان الآخر في عملية انسجام واحترام، بحيث يتحسس حاجته إلى الكلمة الطيبة والأسلوب الطيّب في إيصال الفكرة الجديدة إلى عقله وقلبه، لأنَّ الكلمة القاسية والأسلوب الجافّ يحولان بين الإنسان وبين الإقبال على الفكرة التي يحملها ويدعو إليها الإنسان الآخر، وهذا ما عبّرت عنه الآية الكريمة:
{فبما رحمة من اللّه لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك
} [آل عمران/159].
ونلاحظ في هذا الجوّ، أنَّ القرآن قد طالب النبيّ ـ والدعاة من بعده ـ التحلي بالروح الإنسانية التي لا بُدَّ أن يعيشها الرسول أو الداعية، وجوهرها أنَّ اللّه لـم يجعل له السيطرة الضاغطة على النّاس في مسألة الدعوة، {فذكّر إنَّما أنت مذكّر * لست عليهم بمسيطر} [الغاشية/21-22] {وما أنت عليهم بجبار فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد} [ق/45].
وربَّما كان التعبير عن الدعوة بالتذكير، يوحي بأنَّ هناك حقيقة كامنة في الذات الإنسانية منفتحة على كلّ آفاق الإيمان باللّه واليوم الآخر، وقد لا يكتشف الإنسان هذه الحقيقة في داخل ذاته من خلال الأجواء النفسية الضاغطة التي تفرضها الأوضاع المعقدة المحيطة به من خلال رواسبه التاريخية وتعقيداته الواقعية، ما يجعله بحاجة إلى تذكير الآخرين له بالطريقة التي يمكن أن تهز مشاعره وتثير أفكاره.
ربَّما كانت هذه الأجواء التي تتمثّل فيها مسألة احترام إنسانية الإنسان في الدعوة إلى تغيير قناعاته الفكرية، هي الأجواء الأقرب إلى إمكان استيعاب النّاس في ساحة الدعوة، وربَّما كان من الضروري للدعاة إلى اللّه أن يثيروها في خطّ الحركة الإسلامية في الدعوة، فيبتعدوا بها عن أسلوب العنف في الخطاب الثقافي والسياسي والاجتماعي، ليستبدلوه بأسلوب الرفق الذي يتناسب مع أجواء الحرية الإنسانية في عملية الانتماء، لا سيّما في العصر الحاضر الذي يعيش فيه الإنسان مسألة الحرية كقضية حيوية في البعد الفكري، وفي الخطّ الانتمائي للإنسان.
دراسة الذات الإنسانية:
الملاحظة الرابعة:
إنَّ النبيّ (ص) درس واقع الانسان دراسة عميقة ومتكاملة، باعتبار إن غايته دخول مسألة الناس في الإسلام، وذلك من خلال وحي اللّه إليه، الذي يعتبر أن قضية التغيير الفكري ليست من المسائل البسيطة التي يمكن لأي دعوة تغييرية على الصعيد الفكري، أن تبلغها بسهولة، وفي وقت قريب لأنَّ القضية تتصل بالجانب الفكري والنفسي والعملي للشخصية، إضافة إلى الظروف الموضوعية المضادَّة المحيطة به، الأمر الذي يحتاج إلى إعداد طويل للشخصية في طريقة الأداء الفكري والإيحاء النفسي والإثارة الروحية وحشد الأجواء الملائمة.
وهذا ما جعل الدعوة الإسلامية تكتفي من الإنسان في إسلامه بإعلان الشهادتين حتى ولو لـم يكن ذلك عن قناعة إيمانية، بل ربَّما تعمل على تقديم الإغراءات المادية، التي تشجعه على ذلك، كما نلاحظ ذلك في تشريع سهم المؤلفة قلوبهم في الزكاة، أو إيجاد الضغوط النفسية أو الواقعية التي تدعوه إلى ذلك، كما في حالات التخيير بين الإسلام والقتل، للدخول في الإسلام من أجل حماية حياته.
وقد دخل في الإسلام الكثير من هؤلاء من طريقة الرغبة والرهبة، أو بفعل بعض الظروف النفسية الخاصة، وقد حدّثنا القرآن الكريم عن المنافقين الذين كانوا جزءاً من المجتمع الإسلامي، وذلك في قوله تعالى: {ومن النّاس من يقول آمنا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون اللّه والذين آمنوا وما يخدعون إلاَّ أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم اللّه مرضاً ولهم عذاب أليم..} [البقرة/8-10]إلى أن يقول: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن النّاس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنَّهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون * وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنَّما نحن مستهزئون} [البقرة/ 13-14].
وحدثنا عن الأعراب ممّن دخلوا في الإسلام دون وعي ثقافي ـ ديني، ولـم يصلوا إلى مستوى القناعة الإيمانية، كما توحي الآية الكريمة: {قالت الأعراب آمنا قل لـم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم...} [الحجرات/14].
ومن الملاحظ أنَّ هذه الآية أوضحت الحدّ الفاصل بين الإيمان الذي يعبّر عن القناعة الوجدانية الفكرية القلبية، وبين الإسلام الذي يعبّر عن الخضوع العملي للانتماء الإسلامي من حيث الالتزام بالانتماء الذاتي للمجتمع المسلم والانسجام مع ما يتطلبه ذلك من بعض أنماط السلوك العملي.
وقد نلاحظ بعض الآيات التي اعتبرت كلمة {الذين آمنوا} مرادفة للمسلمين في مقابل أهل الديانات الأخرى أو الأفكار الأخرى، كما اعتبرت كلمة الإسلام تعبيراً عن المؤمنين الذين أسلموا أمرهم للّه بقلوبهم وأجسادهم، ولكن الأولى كانت على سبيل تأكيد »المصطلح« للمنتمين إلى الإسلام، كما كانت الثانية من أجل دراسة العمق في المعنى الإيحائي العميق للكلمة في داخل الذات، بينما تنطلق الكلمتان في الآية المتقدّمة، من المعنى الفكري الروحي لكلمة الإيمان، والمعنى العملي الشكلي لكلمة الإسلام.
لماذا القبول بالإنتماء الشكلي؟
وعلى أيّ حال، فإنَّ الإسلام الرسمي يبقى في الدائرة الانتمائية الشكلية في الكلمة والسلوك، بعيداً عن التركيز في الدائرة الواقعية للفكر والروح والوجدان، والحكمة من ذلك ربَّما تعود إلى جملة من الأمور:
أ ـ تحييد الناس عن مجتمع الكفر والشرك:
قد يكون السبب في ذلك أنَّ النبيّ (ص) كان يعمل على تحييد النّاس عن مجتمع الكفر والشرك، ليدخلوا في مجتمع الإسلام من الناحية الرسمية، ليضمن بذلك ابتعادهم عن الأجواء العدوانية التي قد تتحول إلى مواقع عدائية محاربة، واقترابهم من الأجواء الإسلامية التي قد تؤدي بهم إلى الوقوف ضدّ المشركين في حالة الحرب، انطلاقاً من الأوضاع الجديدة التي تمثّل مواقعهم الحاضرة.
ولقد أراد النبيّ (ص) لهم أن يدخلوا في الساحة الإسلامية كمسلمين، ليعيشوا روحانية الإسلام وأخلاقيته وأساليبه في العلاقات وفي المعاملات، والانفتاح على المسلمين، وإقامة علاقات طبيعية معهم مليئة بالعاطفة والحنان، منطلقة في أجواء الأخوَّة، فيستمعون إلى كلام اللّه عن قرب، ليقودهم ذلك إلى التفكير والتأمّل بعيداً عن الحالات الانفعالية المتشنجة التي تحكم مجتمع الكفر في نظرته العدوانية للإسلام، فربَّما استطاعوا من خلال هذه الحالات التأمّلية الفكرية ـ أن يؤكدوا قناعاتهم بالإسلام، باعتبار أنَّه دين الفطرة الذي يلتقي به الإنسان في العمق الإيماني، إذا ابتعد عن الحواجز الداخلية أو الخارجية التي تمنعه من ذلك.
وقد يكون الهدف من وراء ذلك، أنَّ الإسلام يريد لهؤلاء أن يكونوا المدخل لانطلاقة أولادهم وعوائلهم نحو الارتباط بالإسلام، لأنَّ الجيل الثاني الذي ينشأ في المجتمع الإسلامي من خلال الجوّ العام، ويتحرّك من خلال الانتماء الإسلامي الرسمي، سوف يدخل في عمق الحياة الاجتماعية بفعل تلك العوامل الذاتية بشكل طبيعي جداً. كما نلاحظ ذلك في الآباء الذين دخلوا في الإسلام ـ نفاقاً ـ كعبد اللّه بن أبيّ، فكان أولادهم من أشدّ النّاس إخلاصاً للإسلام وللمسلمين، كما سنرى ذلك فيما يأتي من حديث.
وقد لاحظنا في الجانب المضادّ، أنَّ الآباء المسلمين الذين عاشوا في المجتمعات الكافرة فقدوا أبناءهم الذين تحولوا بفعل الضغوط الثقافية والتربوية والاجتماعية إلى أولاد غير مسلمين.
وقد تكون الحكمة في ذلك هو التدرّج النفسي في قبول الإسلام من خلال الإبقاء على بعض مرتكزاتهم الفكرية والنفسية ريثما يتاح لهم الانتقال إلى مرحلة أخرى يتمكنون فيها من الانفتاح على مرتكزات الإسلام بطريقة هادئة متوازنة، فتدخل مفردات الإسلام في وعيهم الروحي، من دون الحاجة إلى صدمة عنيفة أو هزة قوية، في عملية نموّ طبيعي للفكر والإيمان.
وقد حققت هذه التجربة الحيّة التي انطلقت في هذا الاتجاه نجاحاً كبيراً على صعيد انتشار الإسلام بسرعة في الجزيرة العربية وكلّ المناطق التي دخلها، سواء أكان ذلك من طريق الفتح أو الدعوة، بحيث كان لهذا الأسلوب الذي فرضته أجواء الحرب الحاكمة أو حالات الضغط المتنوعة، أثره الكبير في الامتداد الإسلامي فيها، بفعل إسلام أهلها بالطريقة المذكورة، ما جعل الأجيال الأخرى من أكثر المسلمين إخلاصاً.
ب ـ علامات استفهام في حرية الفكر:
وربَّما يثير بعض النّاس، حول هذا الأسلوب، علامات استفهام متعددة في مسألة حرية الفكر، من خلال احترام حقوق الإنسان في حرية الانتماء إلى الفكر الذي يقتنع به من دون ضغط نفسيّ أو جسديّ، أو على صعيد النتائج السلبية التي تؤثر سلباً على المجتمع وعلى المسيرة الإسلامية، من خلال دخول فريق كبير من النّاس الذين لا يدخلون إلى الساحة، صار وهم غير صادقين في إيمانهم يؤمنون بصدق وإخلاص إلى الساحة، ما يحوّلهم إلى قوّة مضادّة في داخل الأمّة تتمكن من الكيد للإسلام والمسلمين من الداخل، كما حصل مع المسلمين في مجتمع المدينة، أو في غيره من المجتمعات، عندما احتوى هؤلاء الذين دخلوا في الإسلام رسمياً من خلال الرغبة والرهبة من دون قناعة ذاتية أو إخلاص روحيّ، فاستطاعوا على المستويين الداخلي والخارجي إثارة العديد من المشكلات، فعاثوا في الأرض فساداً، وتآمروا على المسلمين وعلى الإسلام في الحروب التي حدثت بينهم وبين المشركين أو اليهود.
وقد أصبحت مشكلة المنافقين من أكثر المشاكل تعقيداً في الحياة الإسلامية، حتى أخذت حجماً كبيراً في المساحة القرآنية في الحديث عن مواقفهم السلبية في المجتمع الإسلامي.
وقد نتفق مع هؤلاء في ما يثيرونه من سلبيات في أسلوب الاستيعاب الإسلامي في الجانب الشكلي الرسمي للانتماء، ولكنَّ ذلك لا يؤثر تأثيراً سلبياً في المسألة من ناحية المبدأ، لأنَّ المنافقين كانوا موضع رقابة دقيقة دائمة من قبل المجتمع الإسلامي، كما كانوا موضع تشهير متحرّك من قبل اللّه في ما ينزله من آياته، حتى أنَّهم كانوا يعيشون الحذر من أن تنزّل سورة تكشف سرائرهم ومخططاتهم وتفضح أوضاعهم، وهذا ما عبّر عنه اللّه سبحانه في قوله تعالى: {يحذر المنافقون أن تُنزّل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إنَّ اللّه مخرج ما تحذرون}[التوبة/64].
وقد لاحظنا في تاريخ المسيرة الإسلامية في عهد النبيّ محمَّد (ص)، أنَّهم لـم يستطيعوا أن يقوموا بعمل كبير مضادّ في مواجهة الإسلام والمسلمين، بل كلّ ما تمكنوا القيام به كان بعض أنواع الإثارة والتنسيق مع اليهود والمشركين مما لا فائدة منه لهم في حساباتهم الثقافية، أو العمل على إشاعة الأكاذيب في المجتمع الإسلامي ممّا يكشفه القرآن أو النبيّ (ص) أو المسلمون بوسائلهم الخاصة.
وقد كانوا في تلك المرحلة خاضعين للالتزامات الإسلامية من خلال الانتماء الرسمي للإسلام، بحيث إنَّهم إذا أرادوا أن يتخففوا من الواجبات الشرعية في الجهاد وغيره، يبادرون إلى تقديم الأعذار والمبررات التي تتيح لهم الانسحاب بحجة شرعية، وكان القرآن الكريم يلاحق بطريقته الخاصة كلّ حيثيات هذه الظاهرة بقوّة، فتمكن من فضح خلفياتها بوضوح، وعزل كلّ مواقعها الاجتماعية، وإبقائها موضعاً للمراقبة والتشهير بالمستوى الذي تسقط به قيمتهم التأثيرية في واقع المسلمين. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فإنَّ الذين دخلوا في الإسلام رغبة ورهبة لـم يدخلوا في خطّ النفاق بأجمعهم، بل كان المنافقون منهم قلّة، فقد لاحظنا أنَّ هؤلاء قد حسن إسلامهم عندما اندمجوا في المجتمع الإسلامي، وابتعدوا عن المؤثرات السلبية التي كانت تترك آثارها الضارّة في شخصياتهم من خلال أجواء الكفر والضلال التي عاشوا داخلها، وأصبحوا من خيرة المسلمين، لأنَّ مشكلة الكفر ـ في أغلب مواقعها ـ هي مشكلة جهل وتخلّف وابتعاد عن الأجواء الطاهرة التي تطهر أفكارهم وقلوبهم.
وفي ضوء ذلك، فإنَّ الإيجابيات في هذا الجانب أكثر فاعلية في النتائج الطيبة من السلبيات في النتائج الخبيثة.
ولعلّنا إذا درسنا مختلف التيارات الفكرية، سواء منها الدينية وغير الدينية، لرأينا أنَّ اغلب المنتمين إليها لـم ينتموا من موقع قناعة فكرية، بل كانت الانتماءات خاضعة لعوامل ذاتية أو خارجية، كالمشاعر العاطفية أو المصالح، أو العلاقات العامّة والخاصّة في ارتباط النّاس بالواقع الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي الذي يتحرّكون في داخله.
وهنا يجب الالتفات إلى نقطة مهمة، وهي أنَّ الإسلام كان، ولا يزال، يخطط لبناء دولة، ينتمي النّاس إلى هويتها، ويحملون شعارها، وينضمون إلى جيشها، ويتحرّكون لتقوية مواقعها، من أجل أن يكون الدين كلّه للّه.
ومن هذا المنطلق، كان لا بُدَّ من العمل لإخراج أكبر قدرٍ ممكن من النّاس من ساحة الموقع المضادّ في أجواء الكفر، إلى ساحة الموقع الإسلامي، لإضعاف الساحة الكافرة لحساب قوّة الساحة المسلمة، مع تحصين الموقف والموقع بالوسائل الدقيقة الأمنية التي تمنح الدولة المناعة وتحصنها من القوى المضادة في الداخل والخارج.
لذلك كانت مسألة الاستيعاب متحرّكة على أكثر من صعيد وبأكثر من أسلوب في خطّة من الإحاطة التامة والشمول الواسع.
الأسلوب التثقيفي:
الملاحظة الخامسة:
فتح الأسلوب التثقيفي الذي استخدمه النبيّ (ص) المجال لكلّ الذين يريدون أن يدخلوا في المجتمع الإسلامي، بالرغم من حال الحرب، ليطّلعوا على الثقافة الإسلامية، ليجدوا ـ من خلالها ـ الجواب على كلّ علامات الاستفهام التي تراود أفكارهم حول كلّ القضايا الإسلامية في العقيدة والتشريع والسلوك العام، فقد أراد اللّه من النبيّ (ص) أن يجير كلّ مشرك ويمنحه الأمان إذا أراد الدخول في المجتمع الإسلامي، حتى يأخذ وقته الكافي في الاستماع إلى آيات اللّه بكلّ تفاصيلها، فإذا استكمل ذلك كلّه، كان على النبيّ أن يرسل معه من يبلغه مأمنه بكلّ هدوء واحترام، وذلك هو قوله تعالى:{وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام اللّه ثمَّ أبلغه مأمنه} [التوبة/6].
يتبع[/font][/align]
في باطن كل إنسان إضاءة صغيره تسمى ضمير
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 7676
- اشترك في: الجمعة أكتوبر 17, 2008 4:00 am
- مكان: في رحاب الزهراء "ع"
Re: محمدرسول صلى الله عليه وآله
[align=center][font=Arabic Transparent]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
إنَّنا نلاحظ في هذا الأسلوب اللفتة الروحية الرائعة في الإيحاء بأنَّ الإسلام ليس دين الضغط والإكراه، بل هو دين الرفق والانفتاح، ولذلك فإنَّه يتيح للذين ينكرونه ويحاربونه ويخططون للقضاء عليه، أن يدخلوا إلى مواقعه الداخلية، ليكون لديهم الوقت الكافي في التعلّم والاستماع إلى الوحي، وما يستتبع ذلك من علامات استفهام تتطلب الجواب، وحوار يجتذب الردّ، وما إلى ذلك، ما يساعد على إيجاد الأجواء الملائمة، لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الباحثين عن الحقيقة، الذين قد يمتنعون من التحرّك نحوها لوجود الأوضاع الأمنية القلقة التي قد تثير فيهم الخوف بالدرجة التي لا يرون فيها أيّ مجال للوصول إلى المصادر الحقيقية للمعلومات الدقيقة.
وهذا الأسلوب هو الذي يجب على الإسلاميين الدعاة أن ينفتحوا عليه في الظروف المماثلة، وفي المنعطفات السياسية أو الأمنية الخطرة التي يعيش فيها النّاس الخوف والحذر من النتائج السيئة التي قد تحدث لهم في طريق الوصول إلى الحقّ، فيبادر المسلمون الدعاة إلى تهيئة كلّ المناخات الملائمة، والظروف الجيّدة، لإيصالهم إلى المعرفة من أقرب طريق.
الشورى للوصول إلى النتائج الحاسمة:
الملاحظة السادسة:
كان لاعتماد النبي (ص) أسلوب الشورى مع المسلمين ـ بتوجيه من اللّه ـ الأثر الكبير في الوصول إلى النتائج الحاسمة في القضايا العامة، والإيحاء إليهم بأنَّهم ليسوا مجرّد أتباع يستهلكون التعليمات ويخضعون لها، أو ليس لهم من الأمر شيء في تقرير قضايا الحرب والسلم، أو في تركيز أمور الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المتصل بالواقع الإسلامي كلّه، لتكون المسألة بين القيادة والقاعدة مسألة أمر أو نهي، وطاعة وانقياد، من دون أن يكون لهم دور في وعي الخطّ الذي يُراد لهم أن يسيروا عليه، بل أكد أنهم شركاء في إثارة كلّ الملاحظات حول كلّ القضايا التي يبحثونها مع النبيّ (ص)، وفي مناقشة كلّ الخطط التي يتحرّك بها للوصول إلى الأهداف الكبيرة، عندما لا تكون القضية قضية حاسمة على مستوى التشريع الذي لا يقبل المناقشة، بل تكون قضية متحرّكة على صعيد حركة التطبيق، أو التخطيط في داخل الخطوط العامة، فلهم الحقّ في المشاركة في الرأي، والدخول في التفاصيل الصغيرة والكبيرة في حركة الواقع، من دون أن ينتقص ذلك من قداسة القيادة وفاعليتها ودورها الحاسم، وخطوط الانقياد في الطاعة، لأنَّ الشورى لا تفرض نفسها على القيادة بشكل ضاغط يلغي دورها في القرار، بل تعمل على إثارة كلّ الاحتمالات الواردة في القضية، وتوجيه التفكير إلى كلّ واحد منها من أجل التعرّف على سلبياته وإيجابياته ودراسة نقاط ضعفه وقوته، وتقديم النتائج إلى القيادة من أجل أن تتخذ قرارها على أساس الوضوح في الرؤية من خلال التقرير الشامل الذي يعالج المشكلة من جميع جوانبها، وهذا هو ما توحي به الآية الكريمة في قوله تعالى: {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على اللّه}
[آل عمران/159].
وهذا هو الذي يؤكد مسألة التفاعل في حركة القرارات المهمة بين القيادة والقاعدة، ويحقق الانفتاح الروحي، والعلاقة الحميمة القائمة على الثقة المتبادلة بينهما.
ولعلّ هذا الجوّ الذي يتحرّك فيه مبدأ الشورى بالروح الرقيقة والقلب الكبير والكلمة الطيبة الحانية، هو الذي يجعل النّاس تلتف حول القيادة بكلّ محبة وانفتاح، وتستوعب كلّ أفراد الأمّة حول القيادة، وهذا ما أوحت به بداية الآية: {فبما رحمة من اللّه لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم} [آل عمران/159].
وفي هذا الجوِّ الحميم الذي تتحرّك فيه روحية الشورى، استطاع النبيّ (ص) أن يحقق الاستيعاب العاطفي للجماهير من حوله، وأن يمنع الآخرين من المنافقين وغيرهم أن يدخلوا إلى عقولهم وإلى قلوبهم وإلى حركتهم العامة في الحياة.
وهكذا امتد الخطّ الشوروي إلى كلّ أفراد المجتمع الإسلامي، من أجل أن تستوعب الأمّة نفسها في عملية التكامل في الرأي في القضايا المصيرية بين أفرادها، ليشعر كلّ واحد منهم بأنَّه يكمل الآخر ولا يبتعد عنه، ما يهيئ الروحية التي تجعل النّاس المؤمنين صفاً واحداً كأنَّهم بنيان مرصوص.
الاحتواء الإيجابي للتصرفات السلبية:
الملاحظة السابعة:
واجه أسلوب الاحتواء الإيجابي الذي ركزه رسول الله(ص) التصرفات السلبية التي يقوم بها بعض المنافقين أو الشريرين الموجودين في داخل المجتمع الإسلامي، ممّن كانوا يريدون إثارة الفتنة بين المسلمين من خلال اللعب على العناصر الانفعالية المثيرة للعصبيات القبلية أو الذاتية، وهذا ما لاحظناه في قصة عبد اللّه بن أبي، رأس المنافقين في المدينة، الذي زعم أنَّه إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل، وذلك هو قوله تعالى: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنَّ المنافقين لا يعلمون} [المنافقون/8].
وبلغ عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي ما كان من أمر أبيه، فقال: »يا رسول الله إنه بلغني أنَّك تريد قتل عبد اللّه بن أبيّ في ما بلغك عنه، فإن كنت لا بُدَّ فاعلاً فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه فواللّه لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني، وإنّي أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد اللّه بن أبيّ يمشي في النّاس، فأقتل رجلاً مؤمناً بكافر فأدخل النّار«.
فقال رسول اللّه (ص): »بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا«.
وكان، بعد ذلك، إذا أحدث الحدث يواجهه قومه ويعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه، فقال رسول اللّه (ص) لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم: »كيف ترى يا عمر؟ أما واللّه لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له أناف، ولو أمرتها اليوم بقتله لقتلته؟« فقال عمر: »قد واللّه علمت. لأمر رسول اللّه (ص) أعظم بركة من أمري«(1).
فنحن نلاحظ أنَّ العفو النبويّ عن هذا المنافق الحاقد الذي كان يطمع بالملك في قومه ـ فقد كان يرى أنَّ النبيّ بمجيئه إلى المدينة قد استلبه ملكه ـ قد استطاع أن يعمّق إيمان ولده عبد اللّه الذي بلغ القمّة في إخلاصه للّه ولرسوله وللمسلمين، كما استطاع أن يستوعب قومه الذين هالهم التحدي الذي وجهه هذا المنافق إلى الرسول، فوقفوا وقفة واحدة ضدّه في هذا الموقف وأمثاله من المواقف المضادّة، لأنَّهم قدّروا للرسول (ص) عفوه عنه، مع قدرته على الانتقام منه، وهذا ما كان يهدف إليه الرسول (ص) من خلال ذلك.
وهناك قصة أخرى اتخذ بها الرسول (ص) الموقف الذي يمكن أن يقفه النّاس من الذين يملكون الضغط بالشر على النّاس، فيضطر النّاس إلى إكرامهم اتقاءً لشرّهم، فقد روى الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمَّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه ـ جعفر الصادق ـ (ع) قال: »إنَّ النبيّ (ص) بينا هو ذات يوم عند عائشة إذ استأذن عليه رجل، فقال رسول اللّه (ص): بئس أخو العشيرة، فقامت عائشة فدخلت البيت وأذن رسول اللّه (ص) للرّجل، فلما دخل عليه أقبل عليه بوجهه وبشره يحدّثه، حتى إذا فرغ وخرج من عنده قالت عائشة: يا رسول اللّه بينا أنت تذكر هذا الرّجل بما ذكرته به إذ أقبلت عليه بوجهك وبشرك؟ فقال رسول اللّه (ص) عند ذلك: إنَّ شرّ النّاس عند اللّه يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرّهم«(2).
ومن الملاحظ أنَّ النبيّ (ص) قد شرّع إمكانية اتّقاء شرّ بعض النّاس بإكرامهم ـ مرحلياً ـ عندما لا تكون الظروف ملائمة للضغط عليهم بالقوّة، وذلك من أجل ملاحظة بعض المصالح العامة التي قد تدخل في نطاق استيعاب الواقع القلق، ومن خلال مراعاة بعض التوازنات فيه.
وقد أكّد النبيّ (ص) الخطّ العام للمسألة التوازنية الوقائية، في إعطاء العنوان الكبير لكلّ المفردات المماثلة، وذلك فيما رواه الكليني عن أبي عليّ الأشعري عن محمَّد بن عبد الجبار عن محمَّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حمزة بن بزيع، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه جعفر الصادق (ع) قال: »قال رسول اللّه (ص): أمرني ربّي بمداراة النّاس كما أمرني بأداء الفرائض«.
وفي حديث آخر في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي جعفر الصادق (ع) قال: »قال رسول اللّه (ص): مداراة النّاس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش«(1).
أسلوب المداراة العمليّ
ولذا يلاحظ أنَّ المداراة تعني الأسلوب العملي الهادئ المتوازن الذي يتحرّك مع النّاس من خلال دراسة دقيقة لمشاعرهم وأحاسيسهم وأفكارهم ونقاط ضعفهم وقوّتهم، وعناصر الإثارة العصبية الانفعالية لديهم، ليحدّد موقفه في المنطقة بعيداً من كلّ عوامل الإثارة للحساسيات المتوترة التي تسيء للعلاقات العامة، وتهدم المواقع ولا تحقق أي نتيجة إيجابية لمصلحة القضايا العامة، فتكون المداراة أسلوباً عملياً حكيماً من أجل تفادي المشاكل الجديدة الناشئة من الحالة الانفعالية من دون أيّة فائدة.
وهذا الأسلوب العملي هو من أفضل الأساليب لاستيعاب النّاس للقضايا الكبرى التي يدعو إليها الإنسان الداعية، باعتباره يمثّل عملية احتواء النّاس وتقريبهم والحصول على محبّتهم بعيداً من كلّ التشنجات والتعقيدات التي تثير المشاكل وتعقّد الواقع.
ولعلّنا في دراستنا للأسلوب الحكيم الذي كان النبيّ (ص) يمارسه مع النّاس جميعاً، نجد هذا الخطّ الحركيّ عنواناً بارزاً لكلّ حياته مع الآخرين، من دون أن يسيء ذلك إلى كلّ مواقف الحسم في الحالات الضرورية، لأنَّ مسألة المداراة لا تنطلق من موقع التنازل عن المواقف، بل تنطلق من مراعاة العناصر الضرورية التي تحمي النتائج الحاسمة من الاهتزاز في الطريق.
وهذا ما ينبغي للعاملين في خطّ الدعوة إلى الله، أن يفهموه عندما يخلط بعضهم بين النفاق وبين المداراة فيعتبر المداراة نفاقاً.
إنَّ هذا الفهم خاطئ جداً وغير دقيق، لأنَّ النفاق يعبّر عن الحالة الفكرية أو العاطفية الداخلية التي تضادّ الحالة الإعلانية الخارجية من خلال التنافر الذاتي أو الموضوعي بين الباطن والظاهر، أمّا المداراة فهي الأسلوب العملي الذي يتحرّك لخدمة الفكرة الأساس من خلال مراعاة الحساسيات والأوضاع المثيرة لتجميدها ريثما يتخفف الداعية إلى اللّه من ضغط نتائجها السلبية، وبذلك يكون النفاق مضادّاً للفكرة في طبيعته، بينما تكون المداراة حركة واقعية إيجابية في طريق الوصول إلى الفكرة من دون تعقيدات. وفي ضوء ذلك، يمكن للخطاب الإسلامي، حتى في أشدّ المواقف ثورية وحماساً، أن يكون خطاباً متوازناً يحقق للفكرة الإسلامية في خطّ النظرية والتطبيق سلامتها وقوتها وفاعليتها وتأثيرها في النّاس في نطاق الأمور المتوازنة للعناصر المضمونية والشكلية للموضوع.
مواقع اللقاء لاجتناب الصدمة:
الملاحظة الثامنة:
التأكيد على مواقع اللقاء مع الآخرين في عملية الحوار، وفتح الآفاق الجديدة أمامهم، لاجتناب الصدمة القوية القاسية التي تجعلهم يهربون من الساحة تماماً على أساس التشنجات النفسية السلبية، وهذا هو ما جاء في قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاَّ اللّه ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللّه فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} (3: 64).
فقد أكد القرآن في خطابه لأهل الكتاب نقطتين أساسيتين من نقاط اللقاء الذي عبّر عنه بالكلمة السواء، وهما توحيد اللّه في العبادة ونفي الشريك عنه، وتوحيد الإنسانية في حقوقها من دون أن يكون الإنسان ربّاً لإنسان آخر، كأسلوب من أساليب التأكيد على المساواة في الإنسانية على كلّ المستويات، وذلك من دون الدخول في الجزئيات الصغيرة للنقطة الأولى والثانية، في الوقت الذي نعرف فيه أنَّ هناك أكثر من ملاحظة في التفاصيل فيما يدور فيه الخلاف بين المسلمين وأهل الكتاب، لأنَّ المسألة هي إعطاء العناوين الكبيرة في الخطوط العريضة، للإيحاء بوجود قاعدة فكرية للقاء، بحيث ينطلق الموقف الواحد منها، ليتحرّك في القضايا الأخرى المختلف عليها من واقع الوحدة في الموقع التي تجتذب الوحدة في موقع آخر.
وقد ورد هذا المضمون في آية أخرى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاَّ بالتي هي أحسن إلاَّ الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} [العنكبوت/46].
وقد استطاع هذا الأسلوب أن يحقق الكثير من حالة الاستيعاب للنّاس الذين قد يخافون من الدخول في الحوار خوفاً من نقاط الخلاف الحادّة التي تُسقط الموقف والموقع، فيرون ـ خلاف ذلك ـ أنَّ هناك تأكيداً على نقاط الوفاق، لتكون قاعدة الوعي الفكري الذي يجتذب نقاط الخلاف للتفاهم والاتفاق، من موقع المضمون الفكري الإيحائي للقاعدة الواحدة.
وهذا هو السبيل للوصول إلى العمق الإنساني في خطّ العمق الفكري الباحث عن الحقيقة، والمتحرّك في خطّ احترام الإنسان للإنسان في حركة الفكر والانتماء والحوار.
هذه هي بعض المفردات النبوية في الفكر والدعوة والسلوك التي كان لها الدور الكبير في قدرة النبيّ على استيعاب النّاس وتأسيس المجتمع الإسلامي الأوّل، وتحريك عناصر الدولة في هذا المجتمع، وإيجاد القاعدة للامتداد الإسلامي فيما بعد النبيّ (ص) من خلال الخطّ والقدوة والأسوة، وقد نستطيع أن نلخص ذلك كلّه في كلمة واحدة، اختصرت كلّ شخصية النبيّ (ص) في قوله تعالى: {وإنَّك لعلى خلق عظيم} [القلم/4]، وهذا بحاجة إلى مزيد من الدراسة الواعية التي يتسع فيها الخلق حتى يشمل السلوك كلّه في الحياة كلّها وفي الإنسان كلّه. وفي قوله تعالى في آية أخرى أعطت ملامحه الرسالية الاستيعابية: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} [التوبة/128].
ثمَّ .. هناك بساطة العقيدة في عفوية الفطرة واستقامة الشريعة في خطّ مصلحة الإنسان، والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، والعمل على تحويل الأعداء إلى أصدقاء، بالأسلوب الصابر، والخطّ العظيم من الوعي والإيمان والحكمة العميقة.. وهذا هو عنصر الفتح السلمي بالإضافة إلى الفتح الحربي الذي بدأ النّاس من خلاله يدخلون في دين اللّه أفواجاً، وتمت كلمة ربّك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلمته.
منقول ..من كتابات سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله دام ظله الوارف[/font][/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
إنَّنا نلاحظ في هذا الأسلوب اللفتة الروحية الرائعة في الإيحاء بأنَّ الإسلام ليس دين الضغط والإكراه، بل هو دين الرفق والانفتاح، ولذلك فإنَّه يتيح للذين ينكرونه ويحاربونه ويخططون للقضاء عليه، أن يدخلوا إلى مواقعه الداخلية، ليكون لديهم الوقت الكافي في التعلّم والاستماع إلى الوحي، وما يستتبع ذلك من علامات استفهام تتطلب الجواب، وحوار يجتذب الردّ، وما إلى ذلك، ما يساعد على إيجاد الأجواء الملائمة، لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الباحثين عن الحقيقة، الذين قد يمتنعون من التحرّك نحوها لوجود الأوضاع الأمنية القلقة التي قد تثير فيهم الخوف بالدرجة التي لا يرون فيها أيّ مجال للوصول إلى المصادر الحقيقية للمعلومات الدقيقة.
وهذا الأسلوب هو الذي يجب على الإسلاميين الدعاة أن ينفتحوا عليه في الظروف المماثلة، وفي المنعطفات السياسية أو الأمنية الخطرة التي يعيش فيها النّاس الخوف والحذر من النتائج السيئة التي قد تحدث لهم في طريق الوصول إلى الحقّ، فيبادر المسلمون الدعاة إلى تهيئة كلّ المناخات الملائمة، والظروف الجيّدة، لإيصالهم إلى المعرفة من أقرب طريق.
الشورى للوصول إلى النتائج الحاسمة:
الملاحظة السادسة:
كان لاعتماد النبي (ص) أسلوب الشورى مع المسلمين ـ بتوجيه من اللّه ـ الأثر الكبير في الوصول إلى النتائج الحاسمة في القضايا العامة، والإيحاء إليهم بأنَّهم ليسوا مجرّد أتباع يستهلكون التعليمات ويخضعون لها، أو ليس لهم من الأمر شيء في تقرير قضايا الحرب والسلم، أو في تركيز أمور الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المتصل بالواقع الإسلامي كلّه، لتكون المسألة بين القيادة والقاعدة مسألة أمر أو نهي، وطاعة وانقياد، من دون أن يكون لهم دور في وعي الخطّ الذي يُراد لهم أن يسيروا عليه، بل أكد أنهم شركاء في إثارة كلّ الملاحظات حول كلّ القضايا التي يبحثونها مع النبيّ (ص)، وفي مناقشة كلّ الخطط التي يتحرّك بها للوصول إلى الأهداف الكبيرة، عندما لا تكون القضية قضية حاسمة على مستوى التشريع الذي لا يقبل المناقشة، بل تكون قضية متحرّكة على صعيد حركة التطبيق، أو التخطيط في داخل الخطوط العامة، فلهم الحقّ في المشاركة في الرأي، والدخول في التفاصيل الصغيرة والكبيرة في حركة الواقع، من دون أن ينتقص ذلك من قداسة القيادة وفاعليتها ودورها الحاسم، وخطوط الانقياد في الطاعة، لأنَّ الشورى لا تفرض نفسها على القيادة بشكل ضاغط يلغي دورها في القرار، بل تعمل على إثارة كلّ الاحتمالات الواردة في القضية، وتوجيه التفكير إلى كلّ واحد منها من أجل التعرّف على سلبياته وإيجابياته ودراسة نقاط ضعفه وقوته، وتقديم النتائج إلى القيادة من أجل أن تتخذ قرارها على أساس الوضوح في الرؤية من خلال التقرير الشامل الذي يعالج المشكلة من جميع جوانبها، وهذا هو ما توحي به الآية الكريمة في قوله تعالى: {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على اللّه}
[آل عمران/159].
وهذا هو الذي يؤكد مسألة التفاعل في حركة القرارات المهمة بين القيادة والقاعدة، ويحقق الانفتاح الروحي، والعلاقة الحميمة القائمة على الثقة المتبادلة بينهما.
ولعلّ هذا الجوّ الذي يتحرّك فيه مبدأ الشورى بالروح الرقيقة والقلب الكبير والكلمة الطيبة الحانية، هو الذي يجعل النّاس تلتف حول القيادة بكلّ محبة وانفتاح، وتستوعب كلّ أفراد الأمّة حول القيادة، وهذا ما أوحت به بداية الآية: {فبما رحمة من اللّه لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم} [آل عمران/159].
وفي هذا الجوِّ الحميم الذي تتحرّك فيه روحية الشورى، استطاع النبيّ (ص) أن يحقق الاستيعاب العاطفي للجماهير من حوله، وأن يمنع الآخرين من المنافقين وغيرهم أن يدخلوا إلى عقولهم وإلى قلوبهم وإلى حركتهم العامة في الحياة.
وهكذا امتد الخطّ الشوروي إلى كلّ أفراد المجتمع الإسلامي، من أجل أن تستوعب الأمّة نفسها في عملية التكامل في الرأي في القضايا المصيرية بين أفرادها، ليشعر كلّ واحد منهم بأنَّه يكمل الآخر ولا يبتعد عنه، ما يهيئ الروحية التي تجعل النّاس المؤمنين صفاً واحداً كأنَّهم بنيان مرصوص.
الاحتواء الإيجابي للتصرفات السلبية:
الملاحظة السابعة:
واجه أسلوب الاحتواء الإيجابي الذي ركزه رسول الله(ص) التصرفات السلبية التي يقوم بها بعض المنافقين أو الشريرين الموجودين في داخل المجتمع الإسلامي، ممّن كانوا يريدون إثارة الفتنة بين المسلمين من خلال اللعب على العناصر الانفعالية المثيرة للعصبيات القبلية أو الذاتية، وهذا ما لاحظناه في قصة عبد اللّه بن أبي، رأس المنافقين في المدينة، الذي زعم أنَّه إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل، وذلك هو قوله تعالى: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنَّ المنافقين لا يعلمون} [المنافقون/8].
وبلغ عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي ما كان من أمر أبيه، فقال: »يا رسول الله إنه بلغني أنَّك تريد قتل عبد اللّه بن أبيّ في ما بلغك عنه، فإن كنت لا بُدَّ فاعلاً فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه فواللّه لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني، وإنّي أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد اللّه بن أبيّ يمشي في النّاس، فأقتل رجلاً مؤمناً بكافر فأدخل النّار«.
فقال رسول اللّه (ص): »بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا«.
وكان، بعد ذلك، إذا أحدث الحدث يواجهه قومه ويعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه، فقال رسول اللّه (ص) لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم: »كيف ترى يا عمر؟ أما واللّه لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له أناف، ولو أمرتها اليوم بقتله لقتلته؟« فقال عمر: »قد واللّه علمت. لأمر رسول اللّه (ص) أعظم بركة من أمري«(1).
فنحن نلاحظ أنَّ العفو النبويّ عن هذا المنافق الحاقد الذي كان يطمع بالملك في قومه ـ فقد كان يرى أنَّ النبيّ بمجيئه إلى المدينة قد استلبه ملكه ـ قد استطاع أن يعمّق إيمان ولده عبد اللّه الذي بلغ القمّة في إخلاصه للّه ولرسوله وللمسلمين، كما استطاع أن يستوعب قومه الذين هالهم التحدي الذي وجهه هذا المنافق إلى الرسول، فوقفوا وقفة واحدة ضدّه في هذا الموقف وأمثاله من المواقف المضادّة، لأنَّهم قدّروا للرسول (ص) عفوه عنه، مع قدرته على الانتقام منه، وهذا ما كان يهدف إليه الرسول (ص) من خلال ذلك.
وهناك قصة أخرى اتخذ بها الرسول (ص) الموقف الذي يمكن أن يقفه النّاس من الذين يملكون الضغط بالشر على النّاس، فيضطر النّاس إلى إكرامهم اتقاءً لشرّهم، فقد روى الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمَّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه ـ جعفر الصادق ـ (ع) قال: »إنَّ النبيّ (ص) بينا هو ذات يوم عند عائشة إذ استأذن عليه رجل، فقال رسول اللّه (ص): بئس أخو العشيرة، فقامت عائشة فدخلت البيت وأذن رسول اللّه (ص) للرّجل، فلما دخل عليه أقبل عليه بوجهه وبشره يحدّثه، حتى إذا فرغ وخرج من عنده قالت عائشة: يا رسول اللّه بينا أنت تذكر هذا الرّجل بما ذكرته به إذ أقبلت عليه بوجهك وبشرك؟ فقال رسول اللّه (ص) عند ذلك: إنَّ شرّ النّاس عند اللّه يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرّهم«(2).
ومن الملاحظ أنَّ النبيّ (ص) قد شرّع إمكانية اتّقاء شرّ بعض النّاس بإكرامهم ـ مرحلياً ـ عندما لا تكون الظروف ملائمة للضغط عليهم بالقوّة، وذلك من أجل ملاحظة بعض المصالح العامة التي قد تدخل في نطاق استيعاب الواقع القلق، ومن خلال مراعاة بعض التوازنات فيه.
وقد أكّد النبيّ (ص) الخطّ العام للمسألة التوازنية الوقائية، في إعطاء العنوان الكبير لكلّ المفردات المماثلة، وذلك فيما رواه الكليني عن أبي عليّ الأشعري عن محمَّد بن عبد الجبار عن محمَّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حمزة بن بزيع، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه جعفر الصادق (ع) قال: »قال رسول اللّه (ص): أمرني ربّي بمداراة النّاس كما أمرني بأداء الفرائض«.
وفي حديث آخر في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي جعفر الصادق (ع) قال: »قال رسول اللّه (ص): مداراة النّاس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش«(1).
أسلوب المداراة العمليّ
ولذا يلاحظ أنَّ المداراة تعني الأسلوب العملي الهادئ المتوازن الذي يتحرّك مع النّاس من خلال دراسة دقيقة لمشاعرهم وأحاسيسهم وأفكارهم ونقاط ضعفهم وقوّتهم، وعناصر الإثارة العصبية الانفعالية لديهم، ليحدّد موقفه في المنطقة بعيداً من كلّ عوامل الإثارة للحساسيات المتوترة التي تسيء للعلاقات العامة، وتهدم المواقع ولا تحقق أي نتيجة إيجابية لمصلحة القضايا العامة، فتكون المداراة أسلوباً عملياً حكيماً من أجل تفادي المشاكل الجديدة الناشئة من الحالة الانفعالية من دون أيّة فائدة.
وهذا الأسلوب العملي هو من أفضل الأساليب لاستيعاب النّاس للقضايا الكبرى التي يدعو إليها الإنسان الداعية، باعتباره يمثّل عملية احتواء النّاس وتقريبهم والحصول على محبّتهم بعيداً من كلّ التشنجات والتعقيدات التي تثير المشاكل وتعقّد الواقع.
ولعلّنا في دراستنا للأسلوب الحكيم الذي كان النبيّ (ص) يمارسه مع النّاس جميعاً، نجد هذا الخطّ الحركيّ عنواناً بارزاً لكلّ حياته مع الآخرين، من دون أن يسيء ذلك إلى كلّ مواقف الحسم في الحالات الضرورية، لأنَّ مسألة المداراة لا تنطلق من موقع التنازل عن المواقف، بل تنطلق من مراعاة العناصر الضرورية التي تحمي النتائج الحاسمة من الاهتزاز في الطريق.
وهذا ما ينبغي للعاملين في خطّ الدعوة إلى الله، أن يفهموه عندما يخلط بعضهم بين النفاق وبين المداراة فيعتبر المداراة نفاقاً.
إنَّ هذا الفهم خاطئ جداً وغير دقيق، لأنَّ النفاق يعبّر عن الحالة الفكرية أو العاطفية الداخلية التي تضادّ الحالة الإعلانية الخارجية من خلال التنافر الذاتي أو الموضوعي بين الباطن والظاهر، أمّا المداراة فهي الأسلوب العملي الذي يتحرّك لخدمة الفكرة الأساس من خلال مراعاة الحساسيات والأوضاع المثيرة لتجميدها ريثما يتخفف الداعية إلى اللّه من ضغط نتائجها السلبية، وبذلك يكون النفاق مضادّاً للفكرة في طبيعته، بينما تكون المداراة حركة واقعية إيجابية في طريق الوصول إلى الفكرة من دون تعقيدات. وفي ضوء ذلك، يمكن للخطاب الإسلامي، حتى في أشدّ المواقف ثورية وحماساً، أن يكون خطاباً متوازناً يحقق للفكرة الإسلامية في خطّ النظرية والتطبيق سلامتها وقوتها وفاعليتها وتأثيرها في النّاس في نطاق الأمور المتوازنة للعناصر المضمونية والشكلية للموضوع.
مواقع اللقاء لاجتناب الصدمة:
الملاحظة الثامنة:
التأكيد على مواقع اللقاء مع الآخرين في عملية الحوار، وفتح الآفاق الجديدة أمامهم، لاجتناب الصدمة القوية القاسية التي تجعلهم يهربون من الساحة تماماً على أساس التشنجات النفسية السلبية، وهذا هو ما جاء في قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاَّ اللّه ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللّه فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} (3: 64).
فقد أكد القرآن في خطابه لأهل الكتاب نقطتين أساسيتين من نقاط اللقاء الذي عبّر عنه بالكلمة السواء، وهما توحيد اللّه في العبادة ونفي الشريك عنه، وتوحيد الإنسانية في حقوقها من دون أن يكون الإنسان ربّاً لإنسان آخر، كأسلوب من أساليب التأكيد على المساواة في الإنسانية على كلّ المستويات، وذلك من دون الدخول في الجزئيات الصغيرة للنقطة الأولى والثانية، في الوقت الذي نعرف فيه أنَّ هناك أكثر من ملاحظة في التفاصيل فيما يدور فيه الخلاف بين المسلمين وأهل الكتاب، لأنَّ المسألة هي إعطاء العناوين الكبيرة في الخطوط العريضة، للإيحاء بوجود قاعدة فكرية للقاء، بحيث ينطلق الموقف الواحد منها، ليتحرّك في القضايا الأخرى المختلف عليها من واقع الوحدة في الموقع التي تجتذب الوحدة في موقع آخر.
وقد ورد هذا المضمون في آية أخرى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاَّ بالتي هي أحسن إلاَّ الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} [العنكبوت/46].
وقد استطاع هذا الأسلوب أن يحقق الكثير من حالة الاستيعاب للنّاس الذين قد يخافون من الدخول في الحوار خوفاً من نقاط الخلاف الحادّة التي تُسقط الموقف والموقع، فيرون ـ خلاف ذلك ـ أنَّ هناك تأكيداً على نقاط الوفاق، لتكون قاعدة الوعي الفكري الذي يجتذب نقاط الخلاف للتفاهم والاتفاق، من موقع المضمون الفكري الإيحائي للقاعدة الواحدة.
وهذا هو السبيل للوصول إلى العمق الإنساني في خطّ العمق الفكري الباحث عن الحقيقة، والمتحرّك في خطّ احترام الإنسان للإنسان في حركة الفكر والانتماء والحوار.
هذه هي بعض المفردات النبوية في الفكر والدعوة والسلوك التي كان لها الدور الكبير في قدرة النبيّ على استيعاب النّاس وتأسيس المجتمع الإسلامي الأوّل، وتحريك عناصر الدولة في هذا المجتمع، وإيجاد القاعدة للامتداد الإسلامي فيما بعد النبيّ (ص) من خلال الخطّ والقدوة والأسوة، وقد نستطيع أن نلخص ذلك كلّه في كلمة واحدة، اختصرت كلّ شخصية النبيّ (ص) في قوله تعالى: {وإنَّك لعلى خلق عظيم} [القلم/4]، وهذا بحاجة إلى مزيد من الدراسة الواعية التي يتسع فيها الخلق حتى يشمل السلوك كلّه في الحياة كلّها وفي الإنسان كلّه. وفي قوله تعالى في آية أخرى أعطت ملامحه الرسالية الاستيعابية: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} [التوبة/128].
ثمَّ .. هناك بساطة العقيدة في عفوية الفطرة واستقامة الشريعة في خطّ مصلحة الإنسان، والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، والعمل على تحويل الأعداء إلى أصدقاء، بالأسلوب الصابر، والخطّ العظيم من الوعي والإيمان والحكمة العميقة.. وهذا هو عنصر الفتح السلمي بالإضافة إلى الفتح الحربي الذي بدأ النّاس من خلاله يدخلون في دين اللّه أفواجاً، وتمت كلمة ربّك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلمته.
منقول ..من كتابات سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله دام ظله الوارف[/font][/align]
في باطن كل إنسان إضاءة صغيره تسمى ضمير
-
- عضو موقوف
- مشاركات: 49213
- اشترك في: السبت أكتوبر 04, 2008 5:03 pm
- مكان: في قلب منتداي الحبيب
Re: محمدرسول صلى الله عليه وآله
[align=center]اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
بارك الله بكم اختي الكريمة موضوع قيم
جزيتم الف خير[/align]
بارك الله بكم اختي الكريمة موضوع قيم
جزيتم الف خير[/align]
( حسبي الله ونعم الوكيل )
-
- المدير الإداري
- مشاركات: 49876
- اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 23, 2008 1:36 pm
- الجنس: فاطمية
Re: محمدرسول صلى الله عليه وآله
[align=center][font=Traditional Arabic] بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ
بارك الله فيك أختي الكريمة
موفقة لكل خير
[/font][/align]
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ
بارك الله فيك أختي الكريمة
موفقة لكل خير
[/font][/align]
يقينا كله خير
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 7244
- اشترك في: الخميس يناير 01, 2009 3:47 am
Re: محمدرسول صلى الله عليه وآله
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
بارك الله بكم اختي الكريمة على الطرح النير
في ميزان اعمالكم ان شاء الله
تحياتي
اللهم صل على محمد وال محمد
بارك الله بكم اختي الكريمة على الطرح النير
في ميزان اعمالكم ان شاء الله
تحياتي
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 4596
- اشترك في: السبت يونيو 06, 2009 7:29 pm
Re: محمدرسول صلى الله عليه وآله
[align=center]اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واهلك اعداءهم يا كريم
الله يعطيك العافية أختي الكريمة
أحسنتِ ، بارك الله فيكِ
دمتِ في حفظ الرحمن[/align]
الله يعطيك العافية أختي الكريمة
أحسنتِ ، بارك الله فيكِ
دمتِ في حفظ الرحمن[/align]
أسألكم الدعاء بظهر الغيب لقضاء حوائجي وتيسير أموري والحفظ من العين والحسد ورد كيد الجن والإنس
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 39518
- اشترك في: الأربعاء إبريل 29, 2009 11:20 am
Re: محمدرسول صلى الله عليه وآله
[align=center]اللهم صل على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين
جزاك الله خير الجزاء الله يعطيك الف عافية على الطرح النوراني المبارك
موفقة لكل خير يا رب[/align]
جزاك الله خير الجزاء الله يعطيك الف عافية على الطرح النوراني المبارك
موفقة لكل خير يا رب[/align]
(( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ))
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 5686
- اشترك في: الاثنين يونيو 22, 2009 12:50 am
Re: محمدرسول صلى الله عليه وآله
[align=center][font=Traditional Arabic]اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي الكريمة جزاكم الله عنا خير الجزاء
وفقكم الله تعالى[/font][/align]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي الكريمة جزاكم الله عنا خير الجزاء
وفقكم الله تعالى[/font][/align]
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 7676
- اشترك في: الجمعة أكتوبر 17, 2008 4:00 am
- مكان: في رحاب الزهراء "ع"
Re: محمدرسول صلى الله عليه وآله
[align=center][font=Arabic Transparent]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
أشكركم على المرورأخواتي
بارك الله فيكم[/font][/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
أشكركم على المرورأخواتي
بارك الله فيكم[/font][/align]
في باطن كل إنسان إضاءة صغيره تسمى ضمير
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 33196
- اشترك في: السبت أغسطس 15, 2009 6:47 pm
- مكان: قلب هجــر الحبيبة
Re: محمدرسول صلى الله عليه وآله
[align=center]اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واهلك اعداءهم يا كريم
أختي العزيزة : شجرة فاطمة الزهراء
شكراً جزيلاً على الطرح المبارك
دمتِ بعين الله تعالى[/align]
أختي العزيزة : شجرة فاطمة الزهراء
شكراً جزيلاً على الطرح المبارك
دمتِ بعين الله تعالى[/align]
[align=]يا غياث المستغيثين أغثني بـ قالع باب خيبر علي بن أبي طالب أدركني[/align]
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 1762
- اشترك في: الاثنين أكتوبر 20, 2008 11:40 pm
- مكان: لامكآن يحتويني ؟
Re: محمدرسول صلى الله عليه وآله
بوركت يمينك بارك الله فيك
وأنار طريقك بنور أهل البيت
الطاهرين عليهم أفضل الصلاة والسلام
أحسنت جزاك الله خير الجزاء
عاشت أيدك
دمت بحفظ الباري ورعايته
تحياتي
وأنار طريقك بنور أهل البيت
الطاهرين عليهم أفضل الصلاة والسلام
أحسنت جزاك الله خير الجزاء
عاشت أيدك
دمت بحفظ الباري ورعايته
تحياتي
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 21539
- اشترك في: الاثنين يوليو 13, 2009 10:32 pm
- مكان: حيثُ يكون المهدي أنا معهـ
Re: محمدرسول صلى الله عليه وآله
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
ربي يوفقك دنيا وأخره ويطرح فيكم البركه
رعاك التي لاتنام عيناه
تقبلي مروري البسيط
تحياتي
مسك النبي
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
ربي يوفقك دنيا وأخره ويطرح فيكم البركه
رعاك التي لاتنام عيناه
تقبلي مروري البسيط
تحياتي
مسك النبي
-
- فــاطــمــي
- مشاركات: 9197
- اشترك في: السبت فبراير 23, 2008 3:04 pm
Re: محمدرسول صلى الله عليه وآله
[font=Traditional Arabic][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين المنتجبين
بارك الله فيكم في ميزان حسناتكم يارب
جزيتم الف خير وقضى الله حاجاتكم بالدنيا والاخرة
اللهم صل على محمد وال محمد[/align][/font]
[font=Traditional Arabic][align=center]راية المهدي[/align][/font]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين المنتجبين
بارك الله فيكم في ميزان حسناتكم يارب
جزيتم الف خير وقضى الله حاجاتكم بالدنيا والاخرة
اللهم صل على محمد وال محمد[/align][/font]
[font=Traditional Arabic][align=center]راية المهدي[/align][/font]
اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ الَّذى خَلَقَكِ فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً اَنَا لَكِ مُصَدِّقٌ صابِرٌ عَلى ما اَتى بِهِ اَبُوكِ وَوَصِيُّهُ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِما وَاَنَا أَسْأَلُكِ اِنْ كُنْتُ صَدَّقْتُكِ إلاّ اَلْحَقْتِنى بِتَصْديقى لَهُما لِتُسَرَّ نَفْسى فَاشْهَدى اَنّى ظاهِرٌ بِوَلايَتِكِ وَوَلايَةِ آلِ بَيْتِكِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ اَجْمَعينَ.
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 7676
- اشترك في: الجمعة أكتوبر 17, 2008 4:00 am
- مكان: في رحاب الزهراء "ع"
Re: محمدرسول صلى الله عليه وآله
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
كل الشكرلمروركم العطر[/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
كل الشكرلمروركم العطر[/align]
في باطن كل إنسان إضاءة صغيره تسمى ضمير
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 340
- اشترك في: الاثنين مايو 04, 2009 7:30 pm
Re: محمدرسول صلى الله عليه وآله
[align=center]اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واهلك اعداءهم من الجن والإنس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خير دمتم متألقين بطرح كل جديد وجميل
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/align]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خير دمتم متألقين بطرح كل جديد وجميل
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/align]
ربي إني وهن العظمُ مني واشتعل الرأس شيبا ولمْ أكُن بدُعائك رَب شقيا