اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
في حديث أول جمعة من شهر رمضان لعام 1429هـ للعلامة السيد منير الخباز القطيفي عن تفسير إنا أنزلناه في ليلة القدر نذكر هنا بعض ما ذكره سماحته

بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)1( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ)2( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)3( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ)4( سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)5(
صدق الله العلي العظيم
يدور حديثنا في محاور ثلاثة:
1- في الفرق بين الإنزال والتنزيل بلحاظ القرآن.
2- بيان ظاهر القرآن وباطنه.
3- بيان المقصود بليلة القدر.
المحور الأول " في الفرق بين الإنزال والتنزيل بلحاظ القرآن "
ذكرنا فيما سبق عبارة الإنزال:
(( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )) سورة القدر1
(( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ )) سورة الدخان
وبعض العبارات بالتنزيل
(( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا )) النساء 105
((وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلا)) الإسراء 106
والفرق بين الإنزال والتنزيل أن الانزال نزول القرآن دفعة واحدة في ليلة القدر نزول دفعي على قلب المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) نزل به الروح الأمين على قلب النبي.
والتنزيل تفصيل القرآن نزل مفصلاً حسب الحوادث ، حادث بعد حادث ومناسبة بعد مناسبة.
إذا نزل القرآن دفعة واحدة على النبي فما هو الهدف من إنزاله متفرقاً لمدة 23 سنة هي عمر الدعوة المحمدية؟
هناك ثلاث وجوه :
- الوجه الأول :قال تعالى " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا " الفرقان 32
ما معنى نثبت به فؤادك ؟ أنتم تعرفون أن اليقين درجات علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين.
فمثلاً إذا رأى الإنسان الدخان علم يقينا أن هناك نار وإذا شاهدها وصل لمرحلة عين اليقين وإذا انصهر بها وصل لحق اليقين.
الأنبياء في كل لحظة هم أولى الناس حقاً واعتقادا ويقيناً ولكن في صراط التكامل يرتفع.
(( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي )) البقرة 260
(( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ )) الإنعام75
النبي المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) هو في كل آن ولحظه أعلى الخلق يقينا وفي صراط التكامل من درجة إلى درجة يترفع.
(( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) الشورى 52
(( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ )) التوبه 101
(( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا )) الفرقان 32
لنثبت به فؤادك فنعطيك علماً يقينياً بالقرآن وهو تشريفاً آخر له.
- الوجه الثاني :
هناك فرق بين العلوم النظرية والعلمية ، فالعلم النظري يدرس دفعة واحدة أو على مدى سنوات أما العلوم العملية لا تترسخ إلا بالعلم العملي فمثلاً الطب يحتاج إلى دورات تدريبية تطبيقية يزيدها رسوخاً وفعالية.
القرآن كتاب هداية وعمل اقتضت الحكمة أن يقترن بالعمل به لأنه يزيده رسوخاً وَ لأجل أن تعطي المعلومة لكل مناسبة فيضع الاقتران بالعمل والتطبيق.
- الوجه الثالث :
تأثير الحدوث والتجدد وهي مسألة نفسية مثل البستان الذي به ورد عندما يتجدد الورد بين فترة وأخرى يحدث تغير نفسي ، طبيعة النفس البشرية تتفاعل مع التجدد من أجل ذلك لو أن القرآن أعطي على دفعة واحدة لا يقع التفاعل مع القرآن كما ينزل متجدداً لكل مناسبة فهذا يخلق تفاعل مع القرآن من قبل المسلمين.
- الوجه الرابع :القرآن كما هو كتاب تأسيس هو كتاب تأديب وتهذيب وتعليق كي يكون القرآن كتاب هداية كان كتاب تأسيس وتعليق قال تعالى " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا * وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا " الفرقان 32-33
المحور الثاني بيان ظاهر االقرآن وباطنه
القرآن كما ورد في الأحاديث الشريفة وبعض الرويات حيث سأل الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير الآية { فاسألوا أهل الذكر * إن كنتم لا تعلمون }
فقال : نحن أهل الذكر وأخرج الإمام الثعلبي من معنى هذه الآية الآية في تفسيره الكبير عن جابر قال: لما نزلت هذه الآية قال علي: نحن أهل الذكر
و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في كتب الحديث والتفسير من قوله : « أن للقرآن ظهراً وبطناً ولبطنه بطناً إلى سبعة أبطن »
فما معنى هذا الكلام ؟ إن للقرآن ظهراً وبطناً ؟ مسألة ظهور القرآن وبطونه لها تفسيرين ؟
1- إن الآية المقصود بها معاني متعددة في عرض واحد قال تعالى { وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ } البقرة 23
أهل بيت القرآن هم أهل بيت النبوة هم أهل بيت محمد وآل محمد وقد اعترض الإمام الباقر (عليه السلام) به على قتادة أن قال له : " بلغني أنّك تفسّر القرآن ! " فقال له : نعم .فأنكر عليه الإمام ( عليه السلام ) قائلاً : " يا قتادة إن كنت قد فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد فسّرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، يا قتادة ويحك إنّما يعرف القرآن من خوطب به "
فأهل الذكر هم أهل البيت (سلام الله عليهم) وقيل أهل العلم وهم من يعرفون بطون القرآن
2- الناس تتفاوت من قربها لله قال تعالى: { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } الأحقاف 19
{ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } آل عمران171
العمل درجات لذلك قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } آل عمران 102
ونتيحة إختلاف العمل تختلف درجة العلم والعرفان بالله تعالى { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } الحجر 99
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } العنكبوت 69
{ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ....... } فاطر 10
العمل الصالح له أثر على المعرفة إذن العلم بالله يختلف باختلاف العمل ونتيجة إختلاف الناس تختلف درجات الفهم بالقرآن.
إذاً المعنى الواحد للآية يختلف باختلاف أفهام الناس فيه فمنهم من يدرك من الآية 1% ومنهم من يدرك 20% ومنهم من يدرك 50% ومنهم من يدرك 100% كأمير المؤمنين علي (عليه السلام) إذا المقصود من البطون اختلاف تلقي المعنى نتيجة اختلاف درجات العلم لاختلاف درجات العمل.
المحور الثالث بيان المقصود بليلة القدر
عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: " إنا أنزلناه في ليلة القدر، ليلة القدرفاطمة ، ليلة القدر فاطمة ، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنماسميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها "
حديثنا عن ظهر الآية أن ليلة القدر زمان معين من شهر رمضان المبارك ما بين 19 أو 21 أو 23 والبعض قال أنها النصف من شعبان .
والباطن أنها فاطمة فما هي العلاقة ".... فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ... "
نذكر معاني ثلاث :
1- ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال " فاطمة بضعة منّيمن أغضبها فقد أغضبني " لم يقل مني بل قال بضعة مني والبضعة القلب وبما أن فاطمة قلبه وما أودع في قلبه أودع في قلب فاطمة وبما أن في قلبه أودع القرآن إذاّ فقد أودع في قلب فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله.
وليس المقصود بالإيداع قراءة آياته وحفظ سوره لا المقصود الوجود النوري للقرآن لا اللفظي.
{ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } الحشر21
فالوجود النوري أختص به محمد وفاطمة إشارة إلى إستيداع قلب فاطمة لهذا الوجود النوري للقرآن الكريم.
2- ورد عن إمامنا الحسن العسكري (عليه السلام) أنه قال: "نحن حجج الله على خلقه، وجدتنا فاطمة (س) حجة الله علينا". فكيف تكون فاطمة حجة عليهم ؟
لأن فاطمة أودع عندها تأويل القرآن وهو مصحف فاطمة (عليها السلام) والذي نزل ملكاً يحدثها لما يجرى على أهل البيت كما كان يحدث سيدتنا مريم (عليها السلام)
{ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ } آل عمران 42-43
فكما تحدثت الملائكة مع سيدتنا مريم تحدث مع سيدتنا وسيدتها فاطمة الزهراء (عليها السلام) ومنه وصل للائمة حتى إمامنا علي (عليهم السلام) جميعاً ،ولأن فاطمة معدناً لعلم تأويل القرآن فالتنزيل نزل على محمد (صلى الله عليه وآله) والتأويل نزل على سيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) لذلك صح أن نقول أن ليلة القدر فاطمة.
3- إن جملة معاني ليلة القدر على أنها ليلة التقدير { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } الدخان 4
كل ما يقدر عليك يتقدر في ليلة القدر وبما أنها ليلة التقدير ومصحف فاطمة على بعض الروايات مصحف يركز على جميع ما يصدرو يحصل لأهل البيت في تاريخهم من الإمام علي (عليه السلام) إلى ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه فتقدير أهل البيت نزل على فاطمة (عليها السلام) وبما أن التقدير نزل على فاطمة وليلة القدر ليلة التقدير ففاطمة ليلة القدر
وهذا نص ما روي في حديث الكساء في قوله عزّ وجلّ: " يا ملائكتي ويا سكّان سمواتي إنّي ما خلقت سماءً مبنيّة، ولا أرضاً مدحيّة، ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة، ولا فلكاً يدور، ولا بحراً يجري، ولا فلكاً يسري، إلاّ في محبّة هؤلاء الخمسة الّذين هم تحت الكساء".
فقال الأمين جبرائيل: يا ربّ ومن تحت الكساء؟
فقال عزّ وجلّ:" هم أهل بيت النبوّة ومعدن الرّسالة، هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها"
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
مماراق لي[/font][/align]