اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك لمْ أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إنْ لم تعرّفني رسولك لم أعرفْ حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضلَلتُ عن ديني

أحوال القلب في نظر أهل البيت عليهم السلام.

"ما أوذي نبي مثلما أوذيت "

المشرفون: الفردوس المحمدي،تسبيحة الزهراء

صورة العضو الرمزية
احزان الزهراء
فـاطـمـيـة
مشاركات: 7244
اشترك في: الخميس يناير 01, 2009 3:47 am

أحوال القلب في نظر أهل البيت عليهم السلام.

مشاركة بواسطة احزان الزهراء »

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
[/align]


اخوتي واخواني في هذا الصرح المبارك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته صحيح ان الموضوع طويل بعد الشيء ولكن من يقرأ هذا الموضوع ويتمعن في كل حديث فيه او اية قرانية والشرح الذي يليهما سيبحر في اعماق نفسه ويحرضها على القيام بما يقرأ اعذروني على طول الموضوع ولكن احببت ان اضعه بكامله حتى يستفاد منه كاملا


لقد خلق الله تعالى كل ما في الكون من الموجودات, ومن بينهما الانسان ـ الذي أوكل إليه مهمة حمل الرسالة الإلهية ـ وهو ذلك المخلوق العجيب في كل جوانبه, سواء البدنية أم الروحية, ومن بعض مكوناته البدنية القلب ذلك العضو الحساس الأساس في البدن الإنساني والذي كثيراً ما خاطبته القدرة الإلهية بخطابات لم نجد لها من النظائر في باقي مكونات البدن الإنساني, وقد انصب النظر الإلهي إليه مقروناً بالعمل دون باقي ما يمتلكه الإنسان من المال والشكل وغيرهما, فقد قال رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وآله (إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى لا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكم ولا إلَى أمْوَالِكُم، وَلكِنْ يَنظُرُ إلى قُلوبِكُم وأعْمَالِكُم).

كما أنّ قلوب العباد الطاهرة تحديداً هي من المواضع التي يقع عليها النظر الإلهي, وجعلت شرطية إمكان النظر الإلهي إلى العباد متوقفة على طهارة القلوب وذلك حسب ما قال الإمام علي عليه السلام [/color[color=#007f00]](قُلوبُ العِبَادِ الطَّاهِرَة مَواضِع نَظَر الله سُبحَانَه، فَمَنْ طَهرَ قَلبُه نَظَر اللهُ إلَيهِ)..

ولكن هل لهذا العضو من تفاوت في الخيرية وعدمها والمدح الإلهي وعدمه, لأننا ندرك بالوجدان أنّ الأشياء تتفاضل فيما بينها في مناحي مختلفة, وما دمنا نتحدث عن القلب فهو داخل ضمن ذلك التفاضل الوجداني, وهو ما أكدته السيرة العطرة المعطرة لإمامنا ووصي رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين علي عليه السلام بقوله : (اِعْلَمُوا أنَّ اللهَ سُبحانَه لمْ يمْدَح مِنَ القلوبِ إلاَّ أوْعَاها للحِكْمة، ومن الناس إلاَّ أسْرَعهم إلى الحَقِّ إجَابَة). وقال عليه السلام أيضاً : (إنَّ هَذهِ القُلوب أوْعِيَة، فَخَيْرُهَا أوْعَاهُ)

حيث جزم عليه السلام بقوله: (اعلموا أن الله لم يمدح) جزم أنّ القلوب الممدوحة هي القلوب الواعية للحكمة, وشبهها بالأوعية وجعل خيرها أوعاها.

ولكننا نتطاول قليلاً فندخل القواعد النحوية في حياة القلب فنقول هل للقلوب إعراب وحركات؟..فيجيبنا صادق أهل بيت العترة والطهارة وأحد حجج الله على الناس والإمام المفترض الطاعة المنصوص عليه بلسان النبوة المستندة في أصل قولها إلى السماء والمؤيدة بالذات الإلهية المقدسة يجيبنا بقوله:
(إعْرَابُ القُلوب على أرْبَعة ِ أنْوَاعٍ : رَفْعٌ وفَتْحٌ وخَفْضٌ ووَقْفٌ.. فَرَفْعُ القَلْبِ في ذِكْر الله، وفَتْحُ القَلبِ في الرِّضا عَنِ الله، وخَفْضُ القَلْبِ في الاشتِغَالِ بِغَيرِ الله، ووقْفُ القَلْبِ في الغَفلَة ِ عَن الله) .
ولا ننسى أن أنواع الإعراب في اللغة ثلاثة: الأولُ كالأولِ والثاني كالثاني والثالث كًهُما.

ونستمر في التساؤل, وأعتقد أنه بمقتضى الحرية الممنوحة للفرد الإنساني والواردة في لسان العديد من الآيات القرآنية الكريمة كقوله تعالى:
{ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} و{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} ، يحقُ لنا أن نتساءل لأجل المعرفة الصحيحة الممدوحة شرعاً وعقلاً : هل يمكن أن تكون القلوب آنية لحبِّ الله تعالى؟

وفي معرض الإجابة عن هذا التساؤل اللطيف الممدوح نورد ما قاله رسول الإنسانية الكريم وصاحب الخلق العظيم ومخرِج الإنسانية من الظلمات إلى النور حيث قال صلى الله عليه وآله [/color[color=#007f00]](إنَّ للهِ آنية في الأرْضِ، فأحَبُّها إلى اللهِ مَا صَفَا مِنْهَا وَرَقَّ وصَلبَ، وهيَ القُلوب.. فأمَّا مَا رقَّ : فَالرِّقَّة عَلَى الإخوان، وأمَّا مَا صَلبَ منها : فَقولُ الرَّجُل في الحقِّ لا يَخَافُ في الله لَوْمَة َ لائِمٍ, وأمَّا مَا صَفَا : مَا صَفَتْ مِن الذُّنوبِ)


فلا استغراب أن يجعل المحبوب ذو الآلاء الوفيرة والنعم الغزيرة آنية له في أرضه، واختار لآنيته صفات هي المحبوبة لديه وحصرها في الصفاء والرقة والصلابة ثم بين تلك الصفات, فقال: فأمّا الرقّة فعلى الإخوان، وأما الصلابة ففي قول الحق وعدم الخشية من اللائمة المترتبة عليه(على قول الحق)، وأما الصفاء فقد حصره في الخلوّ من الذنوب.

لقد أسهبنا في الحديث عن القلب دون أن نتطرق إلى السليم منه من السقيم اعتقاداً وعملاً, وهذا ما نجده في سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله بقوله عندما سُئل عن ذلك فقال :
(دِينٌ بِلا شَكٍّ وهَوَى، وعَمَلٌ بِلا سُمْعَة ٍ وَرِيَاء.

نعم فشرط السلامة أن يكون القلب ذا دين بلا ريب مع عدم مخالطة ذلك الدين بالهوى, ثم أردف شرطاً آخر للسلامة فقال صلى الله عليه وآله (وعملٌ بلا سمعةٍ ورياءٍ) أي: خالصاً من هذين النحوين المفسدين لأعمال القلوب المتدينة، ولكن كيف يمكن لتلك القلوب أن تسلم من التداخلات الجانبية ذات الطابع الإفسادي؟ يقول إمامنا وهمامنا ومبلغنا عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ديننا علي عليه السلام : (لا يسلمُ لَكَ قَلْبُك، حَتَّى تُحِبَّ للمؤمِنِينَ مَا تُحِبَّ لِنَفْسِكَ).

نعم, لقد عدنا مع إمامنا عليه السلام للسلامة مرة أخرى ولكن ميزانها هذه المرة يختلف, حيث أصبح الحب للآخرين المؤمنين هو المائز الآن في السلامة القلبية.

وبعد اجتيازنا للمراحل التي يمّر بها القلب, نقول متى يريد الله بعبده خيراً بعد أن وهبه الجسد بما يحتويه من مميزات وأعضاء بها يبصر وبها يرى وبها يميز الخطأ من الصواب وو....فقد أتحفنا رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله:
(مَا مِنْ عَبدٍ إلاَّ وفي وجْهِهِ عَينَان يُبْصرُ بِهِما أمْرَ الدُّنيا، وعَيْنان في قَلبِهِ يُبصِرُ بهما أمْرَ الآخِرَة.. فإذَا أرَادَ بِعبدٍ خَيراً فتحَ عَيْنَيه اللَّتَينِ في قَلبِه، فأبْصَرَ بِهِمَا مَا وَعَدَهُ بالغَيبِ، فآمَنَ بِالغَيبِ عَلى الغَيبِ) ..نعم, ما من أحد إلا وفي وجهه عينان بهما يتحقق البصر لأمور الدنيا, وقلب يبصربه أمر الآخرة, والصلاح والخير لا يكونان إلا بفتح الله للعبد عينيه اللتين في قلبه ليبصر بهما أمر الآخرة, وما وعده الله بالغيب وآمن بالغيب على الغيب, وهو أمر غاية في الدقة والحساسية؛ إذ أنّ الإيمان بالغيب على الغيب أمر يحتاج إلى مزيد من العناية والتسليم والانقياد للخالق جلّ وعلا اسمه.

وإذا أرادَ الله به خيراً ماذا يفعل به؟.. قال الإمام علي عليه السلام [/color[color=#007f00]](إذَا أرادَ اللهُ بِعبْدٍ خَيراً رَزَقهُ قَلباً سَليماً، وخُلُقاً قَوِيم).


ولكننا نجد تعابير مختلفة جاءت في السنة, وبعض الآيات القرآنية الكريمة, ويحق لطالب المعرفة أن يتساءل عن معناها, فقول الله تعالى: {أمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} ماذا يعني؟.

للجواب عن ذلك المعنى : قال الإمام الصادق عليه السلام : (إنَّ لَكَ قَلباً ومَسَامِعَ، وإنَّ اللهَ إذَا أرَادَ أنْ يَهدِي عَبْداً فَتَح مَسَامِعَ قَلْبِه، وإذا أرادَ بِه غَيرَ ذَلكَ خَتَم مَسامِعَ قَلبِهِ فلا يصْلُحُ أبَداً، وهْو قَولُ الله عَزَّ وَجَلَّ : {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.

نعم, إنّ لك قلباً ومسامع ومع تحقق الأرضية المناسبة للهداية الإلهية يفتح الله تعالى مسامع القلب, ومع عدم تحققها ختمت تلك المسامع, ومعه ـ أي الختم ـ فلا صلاح أبداًً, وهو قول الله تعالى المذكور في الآية الشريفة.

ومن جملة ما للقلب من مزايا بها تتم المعرفة المختلفة, المودة للإخوان, فكيف أعرف أخي يودُّني في قلبِهِ أم لا، وكيف تزول تلك المودَّات؟

هذا ما اختصره لنا الإمام الباقر للعلم عليه السلام , حيث قال:
(اِعْرفْ المودَّة َ في قَلْبِ أخِيكَ بِمَا لَهُ في قَلْبِكَ) ..

نعم, هذا ميزان معرفة المودة للإخوة وهو متوازن في كيفيته من حيث المقدار في المودة.

وقال الإمام علي عليه السلام
(مَنْ تَتَبَّعَ خَفيَّاتِ العُيوبِ، حَرَمهُ اللهُ مَودَّاتِ القُلُوب).

وهذا معيار الحرمان من مودة الإخوان, اختصر لنا في هذا القول السديد الواصل إلينا من سيرة أمير المؤمنين عليه السلام .

ولكن ممّ نطهر قلوبَنا؟ وهل لها أصول في تنقيتها وتطهيرها, وهل يترتب على ذلك التطهير أمر ما؟ يجيبنا إمامنا مرات وكرات عندما نقع في الحيرة وعدم الوقوف على ما يشفي الغليل بقوله :
(طَهِّرُوا قُلوبَكُم مِن دَرَنِ السَّيِّئَاتِ، تُضَاعَفُ لَكُمُ الحَسَنَاتُ). نعم, التطهير من درن السيئات موجب لمضاعفة الحسنات, وهو أمر باعث للمنافسة في استحقاق الجائزة الإلهية المعبر عنها بلسان هذه الرواية الكريمة .

وقال عليه السلام أيضاً : (طَهِّرُوا قُلوبَكُم مِنَ الحِقْدِ ؛ فَإنَّه دَاء ٌ مُوبئ)

ولا يتوقف التطهير للقلوب عن الأدران, بل التطهير من الحقد؛ لأنّ الحقد داءٌ موبئ مانع من الوصول إلى الرضا الإلهي الذي هو غاية كل مؤمن موّحدٍ .

ونعود مرة أخرى إلى معاني بعض الآيات الواردة في السنة الكريمة, مثل:
{أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ}.

نرى رسول الله صلى الله عليه وآله يجيبنا عن معنى هذه الآية بقوله: {فإنَّ النُّورَ إذَا وَقَع فِي القَلْبِ، انْشَرَحَ وانْفَسَح}. ولكن السائل يقول لنبيه صلى الله عليه وآله هل لهذا الأمر من علامة تدلّ عليه لكي تكتمل كل زوايا المعرفة لدى النفس الإنسانية التواقة للمعرفة الصحيحة, ولكي لا تبقى مساحة في النفس خالية من الجواب التام الكامل، فقال صلى الله عليه وآله[/color[color=#008f00]]:(نَعَمْ، التَّجَافي عَنْ دَارِ الغُرُور، والإنَابَة ِ إلَى دَارِ الخُلُودِ، وَالاسْتِعْدَادِ لِلمَوتِ قَبْل نُزُولِ الفَوْت.. فَمَن زَهَدَ في الدُّنْيا، قَصرَ أمَلُه فِيهَا وتَرَكَهَا لأهْلِهَ).

وما أجملها من إجابة بها يتمّ المقال ويستريح البال, فالتجافي عن دار الغرور وتوديعها لا يترك في النفس مجالاً له, فتؤول إلى التواضع الممدوح عقلاً وشرعاً، والإنابة إلى دار الخلود اعتراف بعدم استمرار وبقاء الإنسان في الحياة الدنيا, وإنّ هناك حياة هي المستقر الأخير والدائم له وهي دار الخلود، وما الحياة الدنيا إلا مقدمة لها ولننظر كيف نكون في تلك المقدمة؟ وأما الاستعداد للموت قبل نزول الفوت فهو من أهم أمور الإنسان التي لابد وأن يعيرها كل اهتمامه؛ لكي لا تفوت عليه المترتبات التي تكون ما بعد الحياة بعد قولنا إنّ الحياة الدنيا مقدمة لحياة الآخرة, ولابد أن نحسن الاستعداد لحياتنا النهائية، وبعد كلّ هذا فمن زهد في الدنيا لم يكترث لما فيها من مغريات وأوهام زائلة لا دوام لها أبداً، ويقصر أمله فيها, أي الدنيا ويتركها لأهلها ممن يطلبونها ببهارجها وزخارفها التي لا دوام لها.

ولكن كيف يُطبَع ويختم على القلب؟ وهل هو نوع من القرطاس الذي يكتب عليه, مع علمنا بأنه ذلك العضو المادي, مع ذلك نرى أنّ الخطاب يوجه إلى القلب في مواطن متعددة, إذن فكيف يختم ويطبع عليه؟هذا ما نجده في قول رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال صلى الله عليه وآله
(إيَّاكُم واسْتِشْعَار الطَّمَع ؛ فإنَّه يَشوبُ القَلْبُ شِدَّة الحِرْصِ، ويَخْتمُ عَلَى القُلُوبِ بِطَابِع حُبِّ الدُّنيَ) .

أمر عجيب التحذير من استشعار الطمع؛ لأنه يؤثر في القلب شدّة الحرص ويختم عليه بطابع حب الدنيا المحذّر منه، إذن عرفنا أن القلب يمكن أنّ يطبع عليه ويختم.

مرّ علينا أنّ النور إذا وقع في القلب انشرح وانفسح وليس كل قلب يقع فيه النور, بل هناك من القلوب ما هو محجوب عن النور الإلهي, بمعنى أنه ليس له القابلية لحلول النور الإلهي فيه؛ لأنه ليس سالما من الأدران المأمور بالتنظف منها, فلا يكون محلا للنور الإلهي, ولكن ما هي القلوب المحجوبة؟

الجواب نجده عند الإمام الكاظم عليه السلام عندما يقول:
(أوْحَى اللهُ إلى دَاود : يَا دَاودَ!.. حَذِّرْ فَأنْذِرْ أصْحَابَك عَن حُبِّ الشَّهَوَات، فإنَّ المعلِّقَة قُلوبَهم شَهَواتُ الدُّنْيا، قُلوبُهُم مَحْجَوبَة عَنِّي) .

وها قد عرفنا أنّ القلوب المعلقة بحب الشهوات الدنيوية تكون محجوبة عن الله تعالى, ونوره الشارح للقلوب والموسع لها، ولهذا جاء التحذير منه بالوحي المنزل على نبي الله داوود عليه السلام .

إنّ حب الدنيا موجب لحجب القلوب عن النظر الإلهي, ولكن يمكن أن تتصور عقوبات لتلك القلوب المحجوبة المشبعة بحب الشهوات كما للأبدان عقوبات؟.

يتحفنا الإمام الباقر عليه السلام بقوله الفصل:
(إنَّ للهِ عُقوبَاتٌ في القُلوبِ والأبدان : ضَنكٌ في المَعِيشَة، وَوَهَنٌ في العِبَادَة.. ومَا ضُرِبَ عَبد بِعُقُوبَة ٍ أعْظَمُ مِن قَسْوَة ِ القَلْبِ).

أعاذنا الله وإياكم أحبتي الكرام عن مثل تلك العقوبات.

إنّ من المعروف أنّ الرقة والرأفة غالباً ما يعبر عن صاحبها بأنه ذو قلب رؤوف وذو دمعة رقيقة, ومع تقدم الوقت نجد تلك الصفة تقلّ شيئاً فشيئاً, وإذا به لا يوصف بما كان يوصف به في سابق عهدٍ مضى, ولكن لنا أن نتساءل لماذا جفَّت الدموع؟

نعود في البحث عن الجواب إلى إمامنا وصي رسول الله المفترض الطاعة والحاكم بأمر الله وأبي الأئمة الأطهار ومقاتل الناكثين والقاسطين والفجار, والمدافع عن الكلمة الإلهية العليا, وهي قول لا اله إلا الله محمد رسول الله منذ صباه إلى شهادته, الإمام علي عليه السلام , حيث قال:
(مَا جَفَّتِ الدُّمُوعُ إلاَّ لِقَسْوَة ِ القُلُوبِ، ومَا قَسَتِ القُلُوبُ إلاَّ لِكَثْرَة ِ الذُّنوبِ).

فالقسوة في القلوب تدور مدار الكثرة من الذنوب, وتلك الكثرة فيها موجبة لجفاف الدموع وذهاب الرأفة والرقة وازدياد ضنك المعيشة والوهن العبادي.

مع أنّ القسوة في القلوب لابد لها من عوامل تسببها؛ لأن الأسباب تابعة لمسبباتها ومن عوامل قسوة القلب ما نجده في ما اختطه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله في تعليمنا الحياة بكل ما تحتويه من أمورها ـ كبيرة كانت أو صغيرة ـ ولا مجيب عنها غيرهم, فقد دلنا رسول الإنسانية ومعلمها سبل الرشاد والخير والهداية, حيث قال:
(ثَلاثٌ يُقَسِّيْنَ القَلْبَ : اِسْتِمَاعُ اللَّهْو، وطَلَبُ الصَّيدِ، وإِتْيَانُ بَاب السُّلْطَان).

يا لها من ثلاثة رائعة في معرض الإجابة عن هذا التساؤل الذي لم يجب عليه غيره صلى الله عليه وآله , فاستماع اللهو من الغناء والباطل وغيره من المفردات التي تدخل ضمن الإطار اللهوي, وطلب الصيد اللهوي وإتيان باب السلطان الموجب لمذلّة النفس الإنسانية التي أمر الباري بإكرامها وإعزازها،موجبات لقسوة القلب الرقيق الذي هو محل الرأفة والرقة والحنان.

وقد أشار الإمام علي عليه السلام إلى أمر آخر له مدخلية في قسوة القلب ومفسد لدين المرء ألا وهو
: (كثرة المال مفْسدَة ٌ للدِّينِ، مقْساة ٌ للقَلْبِ). نعم, كثرة المال لها من الأثر السلبي على قلب الإنسان, ففيها يكون الإفساد للدين الذي يجب أن لايخالطه شيء من الهوى، وكثرته أيضاً موجبة لقسوة القلب الذي تريد له الشريعة السمحاء أن يكون على الدوام رؤوفاً رحيماً محلا لله تبارك وتعالى ونوره. ثم انتقل إلى جانب آخر يسبب قسوة القلب, وهو كما يقوله عليه السلام أيضاً : (النَّظَرُ إلَى البَخِيلِ، يُقَسِّي القَلْبَ) .

بعد أن تناولنا عوامل قسوة القلوب وأوردنا من النصوص الحديثية الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة# باعتباره المبلغ الأوحد عن السماء وأحكامها واعتقاداتها وقيمها التي نقصد بها الأخلاق، نصل إلى بحث أسباب مرض القلوب, فهل هي من النوع الفيروسي, أم أنها آثار مترتبة على السلوكيات التي حذرت منها الشريعة السمحاء واعتبرت تلك الآثار من عوامل الاستمراض القلبي ؟ نجد ضالتنا في قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله (إيَّاكُمْ والمِرَاء والخُصُومَة ؛ فإنَّهُمَا يمرضَانِ القُلُوب عَلَى الإخْوَانِ، وَينبتُ عَلَيْهِمَا النِّفَاقُ) ولا نعتقد أن هذا القول بحاجة إلى مزيد من البيان؛ لعدم عسر فهمه على الإخوان.

بعد أن أسهبنا وأطنبنا في عرض أحوال القلب المخاطب بالخطاب القرآني الكريم ولسان السنة النبوية الشريفة, وحالات القسوة والمرض التي تعتريه, نأتي إلى البحث عن طرق المعالجة له عما يعتريه من تلك الحالات المسببة للسقم عنده, ونقول ما هو الدواء؟ وأجاب ما نحن فيه من الحيرة في الوقوع على أيسر طرق المعالجة وأقصرها, نجده في قول المدافع عن دين الله والفادي نفسه لرسول الله والمؤاخى مع رسول الله الإمام علي عليه السلام عندما قال:
(إنَّ تَقْوى الله دَوَاء ُدَاء ِقُلوبِكُم، وبَصَرُ عَمَى أفْئِدَتِكُم، وشِفَاء ُمَرَضِ أجْسَادِكُم، وصَلاحُ فَسَادِ صُدُورِكُم، وطُهُورُ دَنَسِ أنْفُسِكُم، وجَلاء عشا أبْصَارِكُم)

فالتقوى دواء لداء القلوب وهي أبصر لها وهي الشفاء للأبدان المعتلة, وصلاح ما فسد من الصدور الممروضة, وطهور من دنس النفوس التي رابها الشك والدرن, وجلاء عشا الأبصار التي حجبت عن الرؤية الصحيحة.

ولكن بعد كل هذه العلاجات الناجعة والنافعة للقلوب وللحواس التي في الأبدان, هل يمكن أنّ يتصور أن مع كل هذا يمكن أن يموت القلب, كيف يموت القلب؟

نعم, من الممكن ذلك, فقول الإمام علي عليه السلام (مَنْ عَشقَ شَيئاً أعْشَى بَصَره، وأمْرَضَ قَلْبَه.. فَهْوَ يَنْظُر بِعَينٍ غَير صَحِيحَة، وَيَسْمَعُ بِأذنٍ غَير سَمِيعَة، قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَوَاتُ عَقلَه، وأمَاتَتْ الدُّنْيَا قَلْبَه) .فعدم التوازن في العشق يسبب عشاً للبصر, واستمراضاً للقلب, وحولاً في النظر, وصمماً في الأذن, فهو لا ينظر بعين سليمة ولا يسمع بأذن صحيحة؛ لأنّ الشهوات قد خرقت عقله وأماتت الدنيا قلبه الذي أريد له أن يكون محلاً للنظر الإلهي, وإناءً لله تبارك وتعالى.

وفي أقوال سيد الأنام وأخيه عليٌّ الإمام, وأقوال أبنائه الأئمة الكرام, يكون لنا معكم مسك للختام بعد أن نصلي على محمد وآله خير البرايا على الدوام.





الكاتب: السيد نعمة البطاط
صورة العضو الرمزية
خادمة خدام الحسين(ع)
فـاطـمـيـة
مشاركات: 33196
اشترك في: السبت أغسطس 15, 2009 6:47 pm
مكان: قلب هجــر الحبيبة

Re: أحوال القلب في نظر أهل البيت عليهم السلام.

مشاركة بواسطة خادمة خدام الحسين(ع) »

[align=center][font=Traditional Arabic]اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واهلك اعداءهم يا كريم

عزيزتي الموضوع طويل عندما نشاهده هكذا أما من يقرأه ويتأمل في جميع كلماته
ويستمتع بالقراءة لا يجد نفسه إلا في نهاية الموضوع
(طرح رائع وجميل وقيم جداً ، استمتعت بقرأته )
بارك الله فيكِ ، وقضى حوائجكِ وحوائج المؤمنين والمؤمنات بحق هذا اليوم العظيم

وكل عام وانتِ بألف خير[/font]
[/align]
[align=]يا غياث المستغيثين أغثني بـ قالع باب خيبر علي بن أبي طالب أدركني[/align]
صورة العضو الرمزية
أنوار فاطمة الزهراء
المدير الإداري
مشاركات: 49874
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 23, 2008 1:36 pm
الجنس: فاطمية

Re: أحوال القلب في نظر أهل البيت عليهم السلام.

مشاركة بواسطة أنوار فاطمة الزهراء »

[align=center] [font=Al-Kharashi 59 Naskh]بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ
جزاك الله خيرا أختي
احزان الزهراء
رزقنا الله وإياكم قلوبا سليمة مستنيرة على هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم مستقيمة على نهجه محبة له ولآله الأطهار[/font]
[/align]
يقينا كله خير
صورة العضو الرمزية
راية زينب
فـاطـمـيـة
مشاركات: 5686
اشترك في: الاثنين يونيو 22, 2009 12:50 am

Re: أحوال القلب في نظر أهل البيت عليهم السلام.

مشاركة بواسطة راية زينب »

[align=center][font=Traditional Arabic]اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم أختي الكريمة احزان الزهراء
طرح قيم ورائع
وفقكم الله تعالى[/font]
[/align]
صورة العضو الرمزية
**%الموالية%**
فـاطـمـيـة
مشاركات: 4596
اشترك في: السبت يونيو 06, 2009 7:29 pm

Re: أحوال القلب في نظر أهل البيت عليهم السلام.

مشاركة بواسطة **%الموالية%** »

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ

جزاك الله خيرا أختي
أسألكم الدعاء بظهر الغيب لقضاء حوائجي وتيسير أموري والحفظ من العين والحسد ورد كيد الجن والإنس
صورة العضو الرمزية
عشقِي الأبدي هو الله
عضو موقوف
مشاركات: 49213
اشترك في: السبت أكتوبر 04, 2008 5:03 pm
مكان: في قلب منتداي الحبيب

Re: أحوال القلب في نظر أهل البيت عليهم السلام.

مشاركة بواسطة عشقِي الأبدي هو الله »

[align=center]اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

يسلمووووووو اختي الكريمة ع طرح

الله يعطيكِ العافية[/align]
( حسبي الله ونعم الوكيل )
صورة العضو الرمزية
احزان الزهراء
فـاطـمـيـة
مشاركات: 7244
اشترك في: الخميس يناير 01, 2009 3:47 am

Re: أحوال القلب في نظر أهل البيت عليهم السلام.

مشاركة بواسطة احزان الزهراء »

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد

مشكورين جميعا على المرور العطر
نورتم صفحتي بتواجدكم
قضى الله حوائحكم في الدنيا والاخرة
تحياتي
صورة العضو الرمزية
نبع الزهراء
فـاطـمـيـة
مشاركات: 15021
اشترك في: الثلاثاء مارس 04, 2008 6:40 pm
مكان: كـنـف المـــــنـــصــــــــورة (ع)

Re: أحوال القلب في نظر أهل البيت عليهم السلام.

مشاركة بواسطة نبع الزهراء »

[align=center]اللهم صل على الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي الكريمة أحسنتم بارك الله تعالى بكم وجزيتم خير لطرح هذا البحث الرائع شكراً فائدة قيمة
نسأل الله تعالى بحق محمد وآل محمد أن يحفظكم ويرزقكم خير الدنيا والآخرة وشيعة محمد وآل محمد
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
والحمد لله رب العالمين
[/align]
يا الله

صورة العضو الرمزية
عطر الحجة عج
فـاطـمـيـة
مشاركات: 2057
اشترك في: الأربعاء إبريل 08, 2009 12:54 pm

Re: أحوال القلب في نظر أهل البيت عليهم السلام.

مشاركة بواسطة عطر الحجة عج »

[align=center]بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ

جزاك الله خيرا أختي على المشاركة القيمة[/align]
الله
محمد
علي
صورة العضو الرمزية
احزان الزهراء
فـاطـمـيـة
مشاركات: 7244
اشترك في: الخميس يناير 01, 2009 3:47 am

Re: أحوال القلب في نظر أهل البيت عليهم السلام.

مشاركة بواسطة احزان الزهراء »

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد


مشكورين على المرور الكريم
نبع الزهراء
الميم
نورتم صفحتي بتواجدكم الطيب
تحياتي
صورة العضو الرمزية
فاطمة هبة الله
فـاطـمـيـة
مشاركات: 39518
اشترك في: الأربعاء إبريل 29, 2009 11:20 am

Re: أحوال القلب في نظر أهل البيت عليهم السلام.

مشاركة بواسطة فاطمة هبة الله »

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين
سلمت يمناك عزيزتي الله يعطيك الفين عافية على الطرح الطيب المبارك
دمـــــتِ ســــــــــالمة[/align]

(( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ))


العودة إلى ”روضة النبي المختار "ص" وال بيته الاطهار "ع"“