اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك لمْ أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إنْ لم تعرّفني رسولك لم أعرفْ حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضلَلتُ عن ديني
الإمام علي عليه السلام : العابد والصابر والمحتسب
المشرفون: الفردوس المحمدي،تسبيحة الزهراء
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 7676
- اشترك في: الجمعة أكتوبر 17, 2008 4:00 am
- مكان: في رحاب الزهراء "ع"
الإمام علي عليه السلام : العابد والصابر والمحتسب
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
الإمام علي عليه السلام : العابد والصابر والمحتسب
لقد ذاب علي عليه السلام في الله في يوم استشهاده، كما ذاب من قبل عندما واجه الملمات والصعاب، ولم يكن ذلك لو لم ينهل من معين مدرسة النبي محمدصلى الله عليه وآله ومنابعها الصافية، حيث ارتقى معها إلى أعلى مدارج اليقين. ذلك هو علي الذي وصل على حد انطباع شخصيته بشخصية النبي محمدصلى الله عليه وآله، ليمثل خير خليفة له في النهج والسلوك. ذلك هو علي ، الذي جاهد في سبيل الله، وصبر على الشدائد فكان العابد، الصابر المحتسب. ذلك هو علي الذي لم يدرك أهميته من عاش معه، وحتى من جاء بعده إلاّ القليل، ولذلك سنحاول أن نضيء بعض جوانب شخصيته المعطاءة من خلال ما تحدث به سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، في بعض المحطات:
حبيب الله والرسول:
يقول تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد} (البقرة:207)، والمعنيّ بذلك، كما ورد في كتب التفسير، هو علي بن أبي طالب عليه السلام، أمين الله في أرضه، وحجته على عباده، ووصي رسوله، والشخصية الإسلامية الكبرى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي أعطى الإسلام كل حياته، والذي كان يفكر دائماً ـ في عقله وقلبه ـ بالله وبرسوله، اللذين آمن بهما، وأحبهما كما لم يحب أحداً، فهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، كان يحب الله ورسوله، وعندما أحب الله ورسوله، أحبه الله ورسوله.كانت حياة علي(عليه السلام كلها محراباً، فقد بدأ أمره في محراب الله في الكعبة، وهو المخلوق الوحيد الذي ولد فيها، وكانت حياته بعد ذلك صلاةً مع رسول الله، فقد كان يقول: "اللهم إني أول من سمع وأجاب وأناب، لم يسبقني بالصلاة إلاّ رسول الله"، فهو أول من صلّى مع رسول الله في طفولته الأولى، حتى قبل أن يبعث الله الرسول بالإسلام، وكان يعيش كل أخلاق رسول الله، وكل روحانيته، حتى انطبعت شخصية علي عليه السلام بشخصية الرسول صلى الله عليه وآله(1).
الفتى المجاهد:
وكان عليه السلام يأخذ من علم رسول الله، حتى أصبح باب مدينة العلم كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "أنا مدينة العلم وعلي بابها"، وكان الحق هو عنوان حياته، فلم يقترب الباطل منه قيد شعرة، حتى إن رسول الله أعطاه هذا الوسام: "علي مع الحق والحق مع علي، يدور معه حيثما دار". وكان المجاهد الذي انطلق بالنصر في كل معارك رسول الله صلى الله عليه وآله ، حتى روي أنه في معركة بدر ـ ولم يكن علي قد تدرّب على حمل السلاح بعد، ولكنه كان فارس بدر ـ قتل نصف قتلى المشركين في المعركة، وقتل المسلمون النصف الآخر، ويقال إنه شاركهم في هذا النصف، ويقال إن جبرائيل هتف: "لا فتى إلا عليّ، ولا سيف إلا ذو الفقار"(2).وفي معركة الخندق، قال رسول الله صلى الله عليه وآله عندما برز إلى عمرو بن ود، فارس المشركين الأول، قال: "برز الإيمان كله إلى الشرك كله"، وعندما صرع عمرواً قال: "ضربة علي يوم الخندق تعادل عبادة الثقلين"(3).
يتبع[/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
الإمام علي عليه السلام : العابد والصابر والمحتسب
لقد ذاب علي عليه السلام في الله في يوم استشهاده، كما ذاب من قبل عندما واجه الملمات والصعاب، ولم يكن ذلك لو لم ينهل من معين مدرسة النبي محمدصلى الله عليه وآله ومنابعها الصافية، حيث ارتقى معها إلى أعلى مدارج اليقين. ذلك هو علي الذي وصل على حد انطباع شخصيته بشخصية النبي محمدصلى الله عليه وآله، ليمثل خير خليفة له في النهج والسلوك. ذلك هو علي ، الذي جاهد في سبيل الله، وصبر على الشدائد فكان العابد، الصابر المحتسب. ذلك هو علي الذي لم يدرك أهميته من عاش معه، وحتى من جاء بعده إلاّ القليل، ولذلك سنحاول أن نضيء بعض جوانب شخصيته المعطاءة من خلال ما تحدث به سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، في بعض المحطات:
حبيب الله والرسول:
يقول تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد} (البقرة:207)، والمعنيّ بذلك، كما ورد في كتب التفسير، هو علي بن أبي طالب عليه السلام، أمين الله في أرضه، وحجته على عباده، ووصي رسوله، والشخصية الإسلامية الكبرى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي أعطى الإسلام كل حياته، والذي كان يفكر دائماً ـ في عقله وقلبه ـ بالله وبرسوله، اللذين آمن بهما، وأحبهما كما لم يحب أحداً، فهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، كان يحب الله ورسوله، وعندما أحب الله ورسوله، أحبه الله ورسوله.كانت حياة علي(عليه السلام كلها محراباً، فقد بدأ أمره في محراب الله في الكعبة، وهو المخلوق الوحيد الذي ولد فيها، وكانت حياته بعد ذلك صلاةً مع رسول الله، فقد كان يقول: "اللهم إني أول من سمع وأجاب وأناب، لم يسبقني بالصلاة إلاّ رسول الله"، فهو أول من صلّى مع رسول الله في طفولته الأولى، حتى قبل أن يبعث الله الرسول بالإسلام، وكان يعيش كل أخلاق رسول الله، وكل روحانيته، حتى انطبعت شخصية علي عليه السلام بشخصية الرسول صلى الله عليه وآله(1).
الفتى المجاهد:
وكان عليه السلام يأخذ من علم رسول الله، حتى أصبح باب مدينة العلم كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "أنا مدينة العلم وعلي بابها"، وكان الحق هو عنوان حياته، فلم يقترب الباطل منه قيد شعرة، حتى إن رسول الله أعطاه هذا الوسام: "علي مع الحق والحق مع علي، يدور معه حيثما دار". وكان المجاهد الذي انطلق بالنصر في كل معارك رسول الله صلى الله عليه وآله ، حتى روي أنه في معركة بدر ـ ولم يكن علي قد تدرّب على حمل السلاح بعد، ولكنه كان فارس بدر ـ قتل نصف قتلى المشركين في المعركة، وقتل المسلمون النصف الآخر، ويقال إنه شاركهم في هذا النصف، ويقال إن جبرائيل هتف: "لا فتى إلا عليّ، ولا سيف إلا ذو الفقار"(2).وفي معركة الخندق، قال رسول الله صلى الله عليه وآله عندما برز إلى عمرو بن ود، فارس المشركين الأول، قال: "برز الإيمان كله إلى الشرك كله"، وعندما صرع عمرواً قال: "ضربة علي يوم الخندق تعادل عبادة الثقلين"(3).
يتبع[/align]
في باطن كل إنسان إضاءة صغيره تسمى ضمير
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 7676
- اشترك في: الجمعة أكتوبر 17, 2008 4:00 am
- مكان: في رحاب الزهراء "ع"
Re: الإمام علي عليه السلام : العابد والصابر والمحتسب
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
الأولى بالخلافة
وهكذا كان علي عليه السلام الأول في المسلمين بعد رسول الله(ص)، ولذلك كان الأولى في حقه أن يكون الولي بعد رسول الله، وقد أكد رسول الله(ص) ذلك في كلمته: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه"، وكان علي(ع) في إخلاصه لله، وفي طاعته له وذوبانه فيه، كان العصمة كلها، لم يذنب ذنباً صغيراً أو كبيراً منذ طفولته الأولى.
كان يقول عن نفسه عندما كان بين يدي رسول الله في طفولته: "ما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل". ولذلك كان علي في الدرجة العليا من العصمة، ولم يكن مجرد معصوم بشكل عادي جداً(4).
لقد كان علي(ع) الإنسان الذي لم يفهمه العالم كما هو حتى الآن، ولذلك فإننا لا نستطيع أن نجري مقارنةً بينه وبين أي شخص آخر، لأن علياً(ع) تكمن عظمته في معرفته بالله وحبه له، وفي معرفته لرسول الله(ص) وحبه له، وفي معرفته بالإسلام وجهاده في سبيله، وفي كل حركة المسؤولية التي عاشها في حياته، وفي فكره الذي لا يزال العالم بالرغم من كل تقدمه وتطوره الفكري، يشعر بأن عليه أن يتعلم من علي(ع) الكثير، كما لو كان علي(ع) يعيش في هذا العصر، لأن فكره لا يختلف فيه عصر عن عصر، فهو فكر الحقيقة، وفكر الحقيقة للحياة كلها(5).
علي عليه السلام مع الحق:
ولذلك، من حق علي(ع) علينا أن ندرسه وأن نفهمه وأن نقتدي به، وأن لا ندخله في كل العصبيات التي يستهلكها الناس، وفي كل الطائفيات والمذهبيات التي يجترونها، فعليٌّ فوق ذلك كله، وهذا الرسول(ص) يقول: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ـ كان يحب الله ورسوله ويفنى في سبيلهما ـ ويحبه الله ورسوله"، لأنه أعطى كل حياته وذاته لهما، وقد كان علي(ع) يعيش مع الناس، ولكنه كان في عيشه معهم يرتفع إلى الله دائماً، فيفكر فيهم من خلال الله، لا من خلال نفسه، كان لا يريد الناس لنفسه، ولذلك قال لهم: "ليس أمري وأمركم واحداً، إني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم". وكان مع الحق في الله، ومع الحق في رسول الله، ومع الحق في الإسلام، ومع الحق في إدارة شؤون الناس، وقد قال رسول الله(ص): "علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار"(6).ولذلك ينبغي لنا أن نكون مع الحق، أن لا نكون مع الباطل مهما أغرانا الباطل بماله، وبسلطته وبعصبيته، لأن الباطل سوف يزول في الدنيا قبل الآخرة، وسيبقى الحق، {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل}.إذاً لا بد لنا من أن نكون مع الحق، لأن ذلك هو الذي يقربنا إلى الله، وهو الذي يجعلنا من الأتباع الحقيقيين لمحمد وعلي والصفوة الطـيبة من أهل بيته، وهذا ما لاحظناه في وصـية علي (ع) في آخر لحظات حياته، فيما ينقله الشريف الرضي في نهج البلاغة، من كلام له قاله في هذه الأيام الثلاثة التي كان ينـزف فيها ويحتضر، وأراد أحد أصحابه أن يدخل عليه، فمنعه أهله من ذلك، ولكنه بعد أن صرخ وبكى أذن له، فوجده كما قال (الأصبغ بن نباته): فإذا هو مستند معصوب الرأس بعصابة صفراء، قد نزف دمه واصفرّ وجهه، فما أدري أوجهه أشد اصفراراً أم العمامة، فأقبلت عليه فقبلته، فبكيت، فقال لي: "لا تبكِ يا أصبغ، فإنها والله الجنة، فقلت له: جعلت فداك، أعلم والله أنك تصير إلى الجنة، وأنا أبكي لفقدي إياك يا أمير المؤمنين"(7).
ولذلك، فإننا عندما نذكر علياً في مناسبة شهادته، فإننا نذكر هذه القمة الإسلامية، قمة الروح وقمة العلم وقمة الجهاد وقمة الفضائل كلِّها.من وصاياه(ع) للمسلمين:
وترتقي هذه الروحية إلى درجة التسامي، عندما كان(ع) يعيش آلامه الجسدية من خلال الضربة الوحشية التي ضرب بها من قِبَل عبد الرحمن بن ملجم الذي كان من فئة المتعصبين، ولذا نرى أنّ وصيته لم تكن وصية شخص لأقربائه في ما يتركه من مال، بل كانت وصيته للمسلمين كلهم، كان يرسل وصيته في آخر لحظات حياته لولديه الحسن والحسين(ع)، باعتبار أنهما المسؤولان من بعده عن رعاية أمور المسلمين، ولجميع ولده ولمن بلغه كتابه. فكل من بلغه كتاب علي(ع) في وصيته تلك، لا بد من أن يتحمل مسؤولية هذه الوصية لينفذها على نفسه وعلى مجتمعه، لأن هذه الوصية هي أمانة علي التي حمّلها لكل المسلمين في كل الأجيال(8).
وصيته للحسنين عليهم السلام
تعالوا لنستمع إلى وصيته للحسن والحسين أولاً، ولمن بلغه كتابه ثانياً:"أوصيكما بتقوى الله ـ وقد كان علي(ع) في رسالته التي هي رسالة الإسلام، يربي الناس على مراقبة الله في أنفسهم، بحيث يأتمرون بأوامره، وينتهون بنواهيه، وذلك هو معنى التقوى التي تجر الإنسان إلى الجنة، لأن الله أعدّ الجنة للمتقين ـ وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ـ أن لا تطلبوا الدنيا، وأن لا تكون الدنيا كل همكم، بحيث تطلبونها بكل ما تملكون من طاقات، وفي كل ما تتحركون به من سعي، على المستوى الذي تتركون فيه مبادئكم ومسؤولياتكم، لتحصلوا على الدنيا ولو على حساب دينكم ـ ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما ـ لو نقصت دنياكم وخسرتم بعض الأشياء مما يتطلبه الناس في الدنيا، أو لو فقدتم بعض الفرص أو بعض الشهوات، فلا تسقطوا أمام ذلك، لأنّ الدنيا ليست دار الخلود، بل هي تتحرك بين ربح وخسارة، فلا يغريكما الربح ولا تسقطكما الخسارة، لأن ما عند الله خير وأبقى ـ وقولا بالحق ـ لتكن كل كلماتكم مع كل الناس، في حالة الشدة وحالة الرخاء، في قضايا الدين والسياسة والاجتماع والاقتصاد، لتكن كل كلماتكم بالحق، {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} (الحج:62)، لا تقولوا كلمة الباطل، لأنكم سوف تقفون عند الله، وسوف يحاسبكم على كل كلمة باطل، المسلم هو الذي يكون كل كلامه حقاً، لا تأخذه في الله لومة لائم، كما كان علي(ع) الذي قال: "ما ترك لي الحق من صديق"ـ واعملا للآخرة ـ عندما تعملون، فليكن عملكم لما عند الله في كل جهدٍ تبذلونه، وفي كل طاقة تصرفونها، وسيعطيكم الله جزاء أعمالكم(9).
والله سبحانه وتعالى يقول: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً} (الكهف:46)، ذلك لأنّ ما عند الله باق، وما عند الناس يزول ـ وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً"، أي إذا كان لديكم قوة، استخدموها في نصرة المظلوم، أياً كان المظلوم، وفي مواجهة الظالم، أياً كان الظالم، لأن مسؤولية الإنسان المسلم، أن يقف إلى جانب العدل والعادلين والمظلومين، ضد الظلم والظالمين جميعاً.
ثم ينطلق الإمام(ع) ليعالج جانباً آخر يتعلق بتنظيم المجتمع وتوازنه: "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ـ فالإمام يؤكِّد مسألة التقوى في كل مشروع اجتماعي يحاول أن يؤسس عليه المجتمع مستقبله، ليكون متوازناً في حركته ـ ونظم أمركم ـ أن لا تعيشوا الفوضى في أموركم الاجتماعية، وفي أموركم السياسية، وفي الجوانب الاقتصادية والأمنية وغير ذلك، بل أعطوا كل إنسان حقه، كونوا المجتمع المنظم الذي يعرف فيه كل إنسان موقعه ودوره، أن لا يكون مجتمعاً فوضوياً يتحرك فيه كل الناس على هواهم ووفق رغباتهم وشهواتهم، لأن ذلك يسقط القضايا الكبرى ويسقط الأمة في كل قضاياها.
ـ وصلاح ذات بينكم ـ وأن تعملوا في حال حصول خلاف بينكم، على أن تتحركوا في خط إصلاح الأمور بين المختلفين والمتنازعين {إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم} (الحجرات:10)، لأن الأخوّة تفرض ذلك ـ فإني سمعت جدكما(ص) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام"، أن تصلح بين جماعتين أو ما إلى ذلك، فإن ذلك أفضل لك من كل الصلاة والصيام المستحب، لأن إبقاء الخلافات بين الناس قد يدمر المجتمع، وقد يسيء إلى الإسلام وإلى كل واقع الناس في الحياة.
ثم يبدأ الإمام بالصرخة الإنسانية والصرخة الدينية في قضايا الناس الذين يحتاجون إلى رعاية أو إلى إحسان، وفي العبادات التي كلّفنا الله بها: "الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم ـ أي لا تجعلوهم يأكلون يوماً ويجوعون يوماً، يلبسون يوماً ويعرون يوماً، وكأن الإمام يريد أن يبيّن أن الأيتام هم مسؤولية المجتمع، لأنهم فقدوا الذي يشبعهم ويكسوهم ويعطيهم الحياة الكريمة ـ ولا يضيعوا بحضرتكم ـ وهذا يعني أن تحفظوهم في المجتمع كما تحفظون أولادكم، حتى لا يعيشوا في المتاهات التي يمكن أن تجرهم إلى الجريمة وما إلى ذلك."والله الله في جيرانكم ـ فقد أراد الإسلام أن يوجّه الإنسان أي يتحمّل الإنسان أذى جاره، وليس فقط أن يحسن الجوار ـ فإنهم وصية نبيّكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننّا أنه سيورّثهم. والله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به أحدٌ غيركم"، لأن الله سبحانه وتعالى إنما أنزل القرآن ليعمل به، ليكون هدىً للناس ونوراً يضيء لهم كل دروب الحياة في كل قضاياها الصغيرة والكبيرة."والله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم ـ "الصلاة عمود الدين، إن قبلت قُبِل ما سواها، وإن ردّت ردّ ما سواها"، وشبهها رسول الله(ص) بعين ماء تكون على باب الإنسان، فيغتسل منها خمس مرات، فتزيل الأوساخ، وكذلك فإن الصلاة تزيل الذنوب {وأْمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} (طه:132). ولذلك علينا أن نهتم بتعويد كل أهلنا على الصلاة، حتى ينشأوا على طاعة الله وعبادته ومحبته."والله الله في بيت ربكم ـ أي الكعبة ـ لا تخلوه ما بقيتم ـ أي عليكم التواجد فيها دائماً، لأنها تمثل المظهر لقوة المسلمين وعنوان وحدتهم ـ فإنه إن ترك لم تناظروا ـ أي لم ينظر إليكم أحد."والله الله في الجهاد ـ الذي يمثل مواجهة كل الأعداء الذين يحاولون إسقاط الأمة في كل قضاياها المصيرية، وعندما تعجزون عن الجهاد بأنفسكم، قولوا كلمة الرفض للأعداء ـ بأموالكم ـ بما تقدمونه من مال ـ وأنفسكم ـ في ساحة المعركة ـ وألسنتكم في سبيل الله"، وكما قال الحديث: "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
ثم يأتي الإمام(ع) إلى مسألة الوضع الاجتماعي في التواصل: "وعليكم بالتواصل والتباذل ـ أي أن تتواصلوا، وأن يبذل كل واحد منكم نفسه للآخر ويعاونه ويساعده على قضاء حوائجه ـ وإياكم والتدابر والتقاطع ـ أن يهجر كل منكم أخاه ويقاطعه ـ لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ كونوا المجتمع الذي يراقب بعضه بعضاً، ويدعو للمعروف وينهى عن الأعمال المنكرة، لأنكم إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقوى المنكر ويضعف المعروف، وذلك سينعكس على السلطة السياسية التي قد تنطلق ممن يأخذون بالمنكر ويفسدون في الأرض وينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ـ فيولّى عليكم أشراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم"(9).وصيته(ع) لعشيرته:
إلى هنا، نلاحظ أنه لم يتحدث عن شؤونه الشخصية، إنما تحدث عن القضايا التي تتصل بالمسلمين عامّة، وما يخص حياتهم الاجتماعية ومسؤولياتهم الدينية. ثم يتوجه بالوصية إلى عشيرته، وهم المسؤولون دينياً واجتماعياً عن دمه: {ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً} (الإسراء:33)، وقد أراد الإمام(ع) أن يطبّق شرع الله في قضيته الخاصة، خلافاً لما هو سائد في مجتمعاتنا من أعمال انتقامية، أو في العودة إلى أحكام عشائرية وقبلية وما إلى ذلك.
يقول الإمام علي(ع): "يا بني عبد المطلب، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً ـ حتى تجعلوا الدماء أنهاراً، لماذا؟ لأنه ـ تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي ـ القصاص ليس فيه طبقية، إنما يقتل القاتل فقط دون سواه، مهما كان مستواه الاجتماعي أو السياسي ـ انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة ـ لأنه {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (البقرة:194)، وهذا ما لا نأخذ به في حياتنا.
ـ ولا يمثَّل بالرجل ـ لا تقطعوا يديه أو رجليه ـ فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور". وعلي(ع) يرتفع حيث يتضع الناس، وعلي(ع) يكبر حيث يصغر الناس، وعلي(ع) ينطلق في الأعالي وفي السموّ، لأن علياً(ع) يعيش مع الله ولا يعيش مع نفسه، ولا يعيش مع الناس من حوله، "رضا الله رضانا أهل البيت، نرضى بما يرضى الله، نصبر على قضائه ويوفينا أجور الصابرين". وكان علي(ع) الصابر الذي عاش الألم كأقسى ما يكون، وعاش نكران الجميل كأقسى ما يكون، ولكن علياً(ع) كان الفرح الذي عاش الفرح بالله، فكان حبيب الله، وكان ولي الله، وهو القائل: "ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع ـ عن الحرام ـ واجتهاد ـ في طاعة الله ـ وعفة ـ عن كل معاصي الله ـ وسداد" في الرأي.هل تحفظون وصايا علي(ع)؟! إنكم أوصياؤه، {فمن بدَّله بعدما سمعه}، أي بدَّل الوصية، {فإنما إثمه على الذين يبدّلونه} (البقرة:181). وسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً(10).من وصاياه(ع) اتباع النبي(ص)
وينقل عن أحد أصحابه، وهو (صعصعة بن صلحان العبدي)، أنه استأذن على علي، فلم يؤذن له لشدة حالة الإمام، فقال صعصعة للآذن: "قل له: يرحمك الله يا أمير المؤمنين حياً وميتاً، فلقد كان الله في صدرك عظيماً، ولقد كنت بذات الله عليماً. فبلّغه الآذن بعد أن نقل الكلام للإمام، فقال: قل له، وأنت يرحمك الله، فلقد كنت خفيف المؤونة، كثير المعونة".في كلامٍ له(ع) قبل موته، وقد كان لا يترك الموعظة حتى في هذه الحالة الصعبة التي كان فيها ينـزف بشدة، قال(ع): "أيها الناس، كل امرىء لاقٍ ما يفرّ منه في فراره، والأجل مساق النفس ـ أي أن النفس تسوق صاحبها إلى أجله ـ والهرب منه موافاته ـ أي أنك تهرب من الأجل إليه، لأنك ستوافي أجلك ـ كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر ـ الموت ـ فأبى الله إخفاءه، هيهات علم مخزون ـ وكأنه يشير إلى نفسه ـ أما وصيتي ـ فعليٌّ(ع) لا يوصي الناس في تلك المرحلة وحسب، وإنما يوصي كل الأجيال ـ فالله لا تشركوا به شيئاً ـ في العقيدة، وفي العبادة، والطاعة ـ ومحمداً(ص) فلا تضيِّعوا سنّته ـ وسنته هي كل ما قاله وما فعله وما أقرَّه {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} (الأحزب:21) {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (الحشر:7) {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (النساء:80) ـ أقيموا هذين العمودين ـ يعني توحيد الله وسنة رسوله، لأنهما العمودان اللذان يرتكز عليهما كل بنائكم في كل كيانكم ـ وأوقدوا هذين المصباحين ـ فالمصباح الأول هو توحيد الله، لأنه يضيء للإنسان عقله وقلبه وحياته من خلال كتاب الله، وأما النور الثاني فهو سنة رسول الله ـ وخلاكم ذمّ ـ لم يصبكم ذمّ ـ ما لم تشردوا. حمل كل امرىء منكم مجهوده ـ بحيث يحمل كل إنسان منكم قدر طاقته في تكاليفه ومسؤولياته ـ وخفف عن الجهلة رب رحيم ودين قويم، وإمام عليم"(11).الموت أفضل الوعظ
ثم قال لهم: "أنا بالأمس صاحبكم ـ عندما كنت معكم ـ وأنا اليوم عبرة لكم ـ عندما أحتضر ـ وغداً ـ عندما يحل بي الموت ـ مفارقكم، غفر الله لي ولكم ـ وهو المعصوم في كل فعله وفي كل قوله ـ إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك ـ إذا ثبتت القدم في موقع الزلل، وهو الموقع الذي يسير فيه الإنسان على الصراط ويُقبل على الله ـ وإن تدحض القدم ـ تسقط ـ فإنا كنا في أفياء أغصانٍ ومهب رياحٍ، وتحت ظلِّ غمامٍ، اضمحلّ في الجو متلفقها، وعفا في الأرض مخطها ـ كناية عن زوالها ـ وإنما كنت جاراً جاوركم بدني أياماً وستعقبون مني جثة ـ سأتحول إلى جثة ـ خلاء، ساكنة بعد حراك، وصامتة بعد نطق، ليعظكم هدوئي، وخفوت إطراقي، وسكون أطرافي، فإنه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ والقول المسموع ـ لأن النظرة إلى الميت أكثر وعظاً من ألف خطاب ومن ألف موعظة، لأن الحقيقة تتمثل موعظة للإنسان في ذلك كله ـ وداعي لكم ـ أودّعكم ـ وداع امرىءٍ مرصد للتّلاقي ـ اللّقاء في موقف يوم القيامة ـ غداً ترون أيامي، ويكشف لكم عن سرائري ـ في حياتي لم تكونوا تعرفون أسراري، وما كنت أظهره لكم ليس كل الحقيقة من الخير ومن العدل ـ وتعرفونني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي ـ لأن الإنسان في مستوى علي(ع)، ومن السائرين في دربه، لم يعرفه الناس في حياتهم، لأنهم يتحركون حوله بعصبياتهم وذاتياتهم وأهوائهم، كما أثاروا ذلك في حياة علي(ع) ولم يعرفوه(ع) إلا بعد فقدانه وفتشوا عنه فلم يجدوه، وعاشوا مع غيره، فلحقهم من المعاناة ما لحقهم.
وفي وصية أخرى له (ع): "أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم، وغداً مفارقكم، إن أبق فأنا ولي دمي ـ أنا المسؤول عن دمي ـ وإن أفنَ فالفناء ميعادي ـ لأن كل نفس ذائقة الموت ـ وإن أعفُ فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة. فاعفوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم. والله ما فجأني من الموت واردٌ كرهته، ولا طالعٌ أنكرته، وما كنت إلا كقارب ورد، وطالب وجد، وما عند الله خيرٌ للأبرار"(12).
السير على خطى علي(ع)
ولذلك، علينا ونحن نعيش ذكرى علي(ع) في هذا اليوم الذي استقبل به ربه في مسجد الكوفة، أن نرتفع إلى مستوى علي(ع)، أن نحفظ الإسلام كما حفظه، وأن نخلص لله ولرسوله كما أخلص لهما، وأن يكون رضى الله كل همنا، وأن نبتعد عن كل العصبيات والحساسيات، لأنه يريد للذين يلتزمون خطه ويسيرون معه، أن يكونوا في مستوى المسؤولية، أن يعيش المؤمن أخوَّة المؤمن، وأن يهتم بما يصيب المؤمن الآخر. ابتعدوا عن كل ما يفرقكم، ابتعدوا عن كل عصبياتكم. لقد أراد الله أن يكون شهر رمضان شهراً للمغفرة والرحمة، يغفر لنا ذنوبنا ويرحمنا، فتعالوا ليغفر بعضنا لبعض، وليرحم بعضنا بعضاً، ولنرحم الواقع الصعب الذي نعيشه، فلا نثقله بكل ما لدينا من عصبيات طائفية ومذهبية وحزبية. تعالوا نرتفع إلى الله لنطلب رضاه، ولا شيء إلا رضاه، لنحبه كما أحبه علي(ع). "فهبني يا إلهي صبرت على عذابك، فكيف أصبر على فراقك، وهبني يا إلهي صبرت على حرّ نارك، فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك، أم كيف أسكن في النار ورجائي عفوك"، تعالوا لنسير مع علي إلى الله، لنكون القريبين إليه(13).
م/ن
المصادر:
(1) خطبة الجمعة، بيروت، 22 رمضان 1422 هـ. / 7 كانون الأول 2001م.
(2) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(3) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(4) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(5) خطبة الجمعة، بيروت، 19 رمضان 1421 هـ / 15-12-2000م.
(6) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(7) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(8) خطبة الجمعة، بيروت، 22 رمضان 1422 هـ. / 7 كانون الأول 2001م.
(9) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(10) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(11) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(12) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(13) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
من كتابات آية الله العظمى / السيد محمد حسين فضل الله دام ظله[/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
الأولى بالخلافة
وهكذا كان علي عليه السلام الأول في المسلمين بعد رسول الله(ص)، ولذلك كان الأولى في حقه أن يكون الولي بعد رسول الله، وقد أكد رسول الله(ص) ذلك في كلمته: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه"، وكان علي(ع) في إخلاصه لله، وفي طاعته له وذوبانه فيه، كان العصمة كلها، لم يذنب ذنباً صغيراً أو كبيراً منذ طفولته الأولى.
كان يقول عن نفسه عندما كان بين يدي رسول الله في طفولته: "ما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل". ولذلك كان علي في الدرجة العليا من العصمة، ولم يكن مجرد معصوم بشكل عادي جداً(4).
لقد كان علي(ع) الإنسان الذي لم يفهمه العالم كما هو حتى الآن، ولذلك فإننا لا نستطيع أن نجري مقارنةً بينه وبين أي شخص آخر، لأن علياً(ع) تكمن عظمته في معرفته بالله وحبه له، وفي معرفته لرسول الله(ص) وحبه له، وفي معرفته بالإسلام وجهاده في سبيله، وفي كل حركة المسؤولية التي عاشها في حياته، وفي فكره الذي لا يزال العالم بالرغم من كل تقدمه وتطوره الفكري، يشعر بأن عليه أن يتعلم من علي(ع) الكثير، كما لو كان علي(ع) يعيش في هذا العصر، لأن فكره لا يختلف فيه عصر عن عصر، فهو فكر الحقيقة، وفكر الحقيقة للحياة كلها(5).
علي عليه السلام مع الحق:
ولذلك، من حق علي(ع) علينا أن ندرسه وأن نفهمه وأن نقتدي به، وأن لا ندخله في كل العصبيات التي يستهلكها الناس، وفي كل الطائفيات والمذهبيات التي يجترونها، فعليٌّ فوق ذلك كله، وهذا الرسول(ص) يقول: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ـ كان يحب الله ورسوله ويفنى في سبيلهما ـ ويحبه الله ورسوله"، لأنه أعطى كل حياته وذاته لهما، وقد كان علي(ع) يعيش مع الناس، ولكنه كان في عيشه معهم يرتفع إلى الله دائماً، فيفكر فيهم من خلال الله، لا من خلال نفسه، كان لا يريد الناس لنفسه، ولذلك قال لهم: "ليس أمري وأمركم واحداً، إني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم". وكان مع الحق في الله، ومع الحق في رسول الله، ومع الحق في الإسلام، ومع الحق في إدارة شؤون الناس، وقد قال رسول الله(ص): "علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار"(6).ولذلك ينبغي لنا أن نكون مع الحق، أن لا نكون مع الباطل مهما أغرانا الباطل بماله، وبسلطته وبعصبيته، لأن الباطل سوف يزول في الدنيا قبل الآخرة، وسيبقى الحق، {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل}.إذاً لا بد لنا من أن نكون مع الحق، لأن ذلك هو الذي يقربنا إلى الله، وهو الذي يجعلنا من الأتباع الحقيقيين لمحمد وعلي والصفوة الطـيبة من أهل بيته، وهذا ما لاحظناه في وصـية علي (ع) في آخر لحظات حياته، فيما ينقله الشريف الرضي في نهج البلاغة، من كلام له قاله في هذه الأيام الثلاثة التي كان ينـزف فيها ويحتضر، وأراد أحد أصحابه أن يدخل عليه، فمنعه أهله من ذلك، ولكنه بعد أن صرخ وبكى أذن له، فوجده كما قال (الأصبغ بن نباته): فإذا هو مستند معصوب الرأس بعصابة صفراء، قد نزف دمه واصفرّ وجهه، فما أدري أوجهه أشد اصفراراً أم العمامة، فأقبلت عليه فقبلته، فبكيت، فقال لي: "لا تبكِ يا أصبغ، فإنها والله الجنة، فقلت له: جعلت فداك، أعلم والله أنك تصير إلى الجنة، وأنا أبكي لفقدي إياك يا أمير المؤمنين"(7).
ولذلك، فإننا عندما نذكر علياً في مناسبة شهادته، فإننا نذكر هذه القمة الإسلامية، قمة الروح وقمة العلم وقمة الجهاد وقمة الفضائل كلِّها.من وصاياه(ع) للمسلمين:
وترتقي هذه الروحية إلى درجة التسامي، عندما كان(ع) يعيش آلامه الجسدية من خلال الضربة الوحشية التي ضرب بها من قِبَل عبد الرحمن بن ملجم الذي كان من فئة المتعصبين، ولذا نرى أنّ وصيته لم تكن وصية شخص لأقربائه في ما يتركه من مال، بل كانت وصيته للمسلمين كلهم، كان يرسل وصيته في آخر لحظات حياته لولديه الحسن والحسين(ع)، باعتبار أنهما المسؤولان من بعده عن رعاية أمور المسلمين، ولجميع ولده ولمن بلغه كتابه. فكل من بلغه كتاب علي(ع) في وصيته تلك، لا بد من أن يتحمل مسؤولية هذه الوصية لينفذها على نفسه وعلى مجتمعه، لأن هذه الوصية هي أمانة علي التي حمّلها لكل المسلمين في كل الأجيال(8).
وصيته للحسنين عليهم السلام
تعالوا لنستمع إلى وصيته للحسن والحسين أولاً، ولمن بلغه كتابه ثانياً:"أوصيكما بتقوى الله ـ وقد كان علي(ع) في رسالته التي هي رسالة الإسلام، يربي الناس على مراقبة الله في أنفسهم، بحيث يأتمرون بأوامره، وينتهون بنواهيه، وذلك هو معنى التقوى التي تجر الإنسان إلى الجنة، لأن الله أعدّ الجنة للمتقين ـ وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ـ أن لا تطلبوا الدنيا، وأن لا تكون الدنيا كل همكم، بحيث تطلبونها بكل ما تملكون من طاقات، وفي كل ما تتحركون به من سعي، على المستوى الذي تتركون فيه مبادئكم ومسؤولياتكم، لتحصلوا على الدنيا ولو على حساب دينكم ـ ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما ـ لو نقصت دنياكم وخسرتم بعض الأشياء مما يتطلبه الناس في الدنيا، أو لو فقدتم بعض الفرص أو بعض الشهوات، فلا تسقطوا أمام ذلك، لأنّ الدنيا ليست دار الخلود، بل هي تتحرك بين ربح وخسارة، فلا يغريكما الربح ولا تسقطكما الخسارة، لأن ما عند الله خير وأبقى ـ وقولا بالحق ـ لتكن كل كلماتكم مع كل الناس، في حالة الشدة وحالة الرخاء، في قضايا الدين والسياسة والاجتماع والاقتصاد، لتكن كل كلماتكم بالحق، {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} (الحج:62)، لا تقولوا كلمة الباطل، لأنكم سوف تقفون عند الله، وسوف يحاسبكم على كل كلمة باطل، المسلم هو الذي يكون كل كلامه حقاً، لا تأخذه في الله لومة لائم، كما كان علي(ع) الذي قال: "ما ترك لي الحق من صديق"ـ واعملا للآخرة ـ عندما تعملون، فليكن عملكم لما عند الله في كل جهدٍ تبذلونه، وفي كل طاقة تصرفونها، وسيعطيكم الله جزاء أعمالكم(9).
والله سبحانه وتعالى يقول: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً} (الكهف:46)، ذلك لأنّ ما عند الله باق، وما عند الناس يزول ـ وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً"، أي إذا كان لديكم قوة، استخدموها في نصرة المظلوم، أياً كان المظلوم، وفي مواجهة الظالم، أياً كان الظالم، لأن مسؤولية الإنسان المسلم، أن يقف إلى جانب العدل والعادلين والمظلومين، ضد الظلم والظالمين جميعاً.
ثم ينطلق الإمام(ع) ليعالج جانباً آخر يتعلق بتنظيم المجتمع وتوازنه: "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ـ فالإمام يؤكِّد مسألة التقوى في كل مشروع اجتماعي يحاول أن يؤسس عليه المجتمع مستقبله، ليكون متوازناً في حركته ـ ونظم أمركم ـ أن لا تعيشوا الفوضى في أموركم الاجتماعية، وفي أموركم السياسية، وفي الجوانب الاقتصادية والأمنية وغير ذلك، بل أعطوا كل إنسان حقه، كونوا المجتمع المنظم الذي يعرف فيه كل إنسان موقعه ودوره، أن لا يكون مجتمعاً فوضوياً يتحرك فيه كل الناس على هواهم ووفق رغباتهم وشهواتهم، لأن ذلك يسقط القضايا الكبرى ويسقط الأمة في كل قضاياها.
ـ وصلاح ذات بينكم ـ وأن تعملوا في حال حصول خلاف بينكم، على أن تتحركوا في خط إصلاح الأمور بين المختلفين والمتنازعين {إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم} (الحجرات:10)، لأن الأخوّة تفرض ذلك ـ فإني سمعت جدكما(ص) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام"، أن تصلح بين جماعتين أو ما إلى ذلك، فإن ذلك أفضل لك من كل الصلاة والصيام المستحب، لأن إبقاء الخلافات بين الناس قد يدمر المجتمع، وقد يسيء إلى الإسلام وإلى كل واقع الناس في الحياة.
ثم يبدأ الإمام بالصرخة الإنسانية والصرخة الدينية في قضايا الناس الذين يحتاجون إلى رعاية أو إلى إحسان، وفي العبادات التي كلّفنا الله بها: "الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم ـ أي لا تجعلوهم يأكلون يوماً ويجوعون يوماً، يلبسون يوماً ويعرون يوماً، وكأن الإمام يريد أن يبيّن أن الأيتام هم مسؤولية المجتمع، لأنهم فقدوا الذي يشبعهم ويكسوهم ويعطيهم الحياة الكريمة ـ ولا يضيعوا بحضرتكم ـ وهذا يعني أن تحفظوهم في المجتمع كما تحفظون أولادكم، حتى لا يعيشوا في المتاهات التي يمكن أن تجرهم إلى الجريمة وما إلى ذلك."والله الله في جيرانكم ـ فقد أراد الإسلام أن يوجّه الإنسان أي يتحمّل الإنسان أذى جاره، وليس فقط أن يحسن الجوار ـ فإنهم وصية نبيّكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننّا أنه سيورّثهم. والله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به أحدٌ غيركم"، لأن الله سبحانه وتعالى إنما أنزل القرآن ليعمل به، ليكون هدىً للناس ونوراً يضيء لهم كل دروب الحياة في كل قضاياها الصغيرة والكبيرة."والله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم ـ "الصلاة عمود الدين، إن قبلت قُبِل ما سواها، وإن ردّت ردّ ما سواها"، وشبهها رسول الله(ص) بعين ماء تكون على باب الإنسان، فيغتسل منها خمس مرات، فتزيل الأوساخ، وكذلك فإن الصلاة تزيل الذنوب {وأْمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} (طه:132). ولذلك علينا أن نهتم بتعويد كل أهلنا على الصلاة، حتى ينشأوا على طاعة الله وعبادته ومحبته."والله الله في بيت ربكم ـ أي الكعبة ـ لا تخلوه ما بقيتم ـ أي عليكم التواجد فيها دائماً، لأنها تمثل المظهر لقوة المسلمين وعنوان وحدتهم ـ فإنه إن ترك لم تناظروا ـ أي لم ينظر إليكم أحد."والله الله في الجهاد ـ الذي يمثل مواجهة كل الأعداء الذين يحاولون إسقاط الأمة في كل قضاياها المصيرية، وعندما تعجزون عن الجهاد بأنفسكم، قولوا كلمة الرفض للأعداء ـ بأموالكم ـ بما تقدمونه من مال ـ وأنفسكم ـ في ساحة المعركة ـ وألسنتكم في سبيل الله"، وكما قال الحديث: "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
ثم يأتي الإمام(ع) إلى مسألة الوضع الاجتماعي في التواصل: "وعليكم بالتواصل والتباذل ـ أي أن تتواصلوا، وأن يبذل كل واحد منكم نفسه للآخر ويعاونه ويساعده على قضاء حوائجه ـ وإياكم والتدابر والتقاطع ـ أن يهجر كل منكم أخاه ويقاطعه ـ لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ كونوا المجتمع الذي يراقب بعضه بعضاً، ويدعو للمعروف وينهى عن الأعمال المنكرة، لأنكم إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقوى المنكر ويضعف المعروف، وذلك سينعكس على السلطة السياسية التي قد تنطلق ممن يأخذون بالمنكر ويفسدون في الأرض وينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ـ فيولّى عليكم أشراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم"(9).وصيته(ع) لعشيرته:
إلى هنا، نلاحظ أنه لم يتحدث عن شؤونه الشخصية، إنما تحدث عن القضايا التي تتصل بالمسلمين عامّة، وما يخص حياتهم الاجتماعية ومسؤولياتهم الدينية. ثم يتوجه بالوصية إلى عشيرته، وهم المسؤولون دينياً واجتماعياً عن دمه: {ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً} (الإسراء:33)، وقد أراد الإمام(ع) أن يطبّق شرع الله في قضيته الخاصة، خلافاً لما هو سائد في مجتمعاتنا من أعمال انتقامية، أو في العودة إلى أحكام عشائرية وقبلية وما إلى ذلك.
يقول الإمام علي(ع): "يا بني عبد المطلب، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً ـ حتى تجعلوا الدماء أنهاراً، لماذا؟ لأنه ـ تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي ـ القصاص ليس فيه طبقية، إنما يقتل القاتل فقط دون سواه، مهما كان مستواه الاجتماعي أو السياسي ـ انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة ـ لأنه {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (البقرة:194)، وهذا ما لا نأخذ به في حياتنا.
ـ ولا يمثَّل بالرجل ـ لا تقطعوا يديه أو رجليه ـ فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور". وعلي(ع) يرتفع حيث يتضع الناس، وعلي(ع) يكبر حيث يصغر الناس، وعلي(ع) ينطلق في الأعالي وفي السموّ، لأن علياً(ع) يعيش مع الله ولا يعيش مع نفسه، ولا يعيش مع الناس من حوله، "رضا الله رضانا أهل البيت، نرضى بما يرضى الله، نصبر على قضائه ويوفينا أجور الصابرين". وكان علي(ع) الصابر الذي عاش الألم كأقسى ما يكون، وعاش نكران الجميل كأقسى ما يكون، ولكن علياً(ع) كان الفرح الذي عاش الفرح بالله، فكان حبيب الله، وكان ولي الله، وهو القائل: "ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع ـ عن الحرام ـ واجتهاد ـ في طاعة الله ـ وعفة ـ عن كل معاصي الله ـ وسداد" في الرأي.هل تحفظون وصايا علي(ع)؟! إنكم أوصياؤه، {فمن بدَّله بعدما سمعه}، أي بدَّل الوصية، {فإنما إثمه على الذين يبدّلونه} (البقرة:181). وسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً(10).من وصاياه(ع) اتباع النبي(ص)
وينقل عن أحد أصحابه، وهو (صعصعة بن صلحان العبدي)، أنه استأذن على علي، فلم يؤذن له لشدة حالة الإمام، فقال صعصعة للآذن: "قل له: يرحمك الله يا أمير المؤمنين حياً وميتاً، فلقد كان الله في صدرك عظيماً، ولقد كنت بذات الله عليماً. فبلّغه الآذن بعد أن نقل الكلام للإمام، فقال: قل له، وأنت يرحمك الله، فلقد كنت خفيف المؤونة، كثير المعونة".في كلامٍ له(ع) قبل موته، وقد كان لا يترك الموعظة حتى في هذه الحالة الصعبة التي كان فيها ينـزف بشدة، قال(ع): "أيها الناس، كل امرىء لاقٍ ما يفرّ منه في فراره، والأجل مساق النفس ـ أي أن النفس تسوق صاحبها إلى أجله ـ والهرب منه موافاته ـ أي أنك تهرب من الأجل إليه، لأنك ستوافي أجلك ـ كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر ـ الموت ـ فأبى الله إخفاءه، هيهات علم مخزون ـ وكأنه يشير إلى نفسه ـ أما وصيتي ـ فعليٌّ(ع) لا يوصي الناس في تلك المرحلة وحسب، وإنما يوصي كل الأجيال ـ فالله لا تشركوا به شيئاً ـ في العقيدة، وفي العبادة، والطاعة ـ ومحمداً(ص) فلا تضيِّعوا سنّته ـ وسنته هي كل ما قاله وما فعله وما أقرَّه {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} (الأحزب:21) {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (الحشر:7) {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (النساء:80) ـ أقيموا هذين العمودين ـ يعني توحيد الله وسنة رسوله، لأنهما العمودان اللذان يرتكز عليهما كل بنائكم في كل كيانكم ـ وأوقدوا هذين المصباحين ـ فالمصباح الأول هو توحيد الله، لأنه يضيء للإنسان عقله وقلبه وحياته من خلال كتاب الله، وأما النور الثاني فهو سنة رسول الله ـ وخلاكم ذمّ ـ لم يصبكم ذمّ ـ ما لم تشردوا. حمل كل امرىء منكم مجهوده ـ بحيث يحمل كل إنسان منكم قدر طاقته في تكاليفه ومسؤولياته ـ وخفف عن الجهلة رب رحيم ودين قويم، وإمام عليم"(11).الموت أفضل الوعظ
ثم قال لهم: "أنا بالأمس صاحبكم ـ عندما كنت معكم ـ وأنا اليوم عبرة لكم ـ عندما أحتضر ـ وغداً ـ عندما يحل بي الموت ـ مفارقكم، غفر الله لي ولكم ـ وهو المعصوم في كل فعله وفي كل قوله ـ إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك ـ إذا ثبتت القدم في موقع الزلل، وهو الموقع الذي يسير فيه الإنسان على الصراط ويُقبل على الله ـ وإن تدحض القدم ـ تسقط ـ فإنا كنا في أفياء أغصانٍ ومهب رياحٍ، وتحت ظلِّ غمامٍ، اضمحلّ في الجو متلفقها، وعفا في الأرض مخطها ـ كناية عن زوالها ـ وإنما كنت جاراً جاوركم بدني أياماً وستعقبون مني جثة ـ سأتحول إلى جثة ـ خلاء، ساكنة بعد حراك، وصامتة بعد نطق، ليعظكم هدوئي، وخفوت إطراقي، وسكون أطرافي، فإنه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ والقول المسموع ـ لأن النظرة إلى الميت أكثر وعظاً من ألف خطاب ومن ألف موعظة، لأن الحقيقة تتمثل موعظة للإنسان في ذلك كله ـ وداعي لكم ـ أودّعكم ـ وداع امرىءٍ مرصد للتّلاقي ـ اللّقاء في موقف يوم القيامة ـ غداً ترون أيامي، ويكشف لكم عن سرائري ـ في حياتي لم تكونوا تعرفون أسراري، وما كنت أظهره لكم ليس كل الحقيقة من الخير ومن العدل ـ وتعرفونني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي ـ لأن الإنسان في مستوى علي(ع)، ومن السائرين في دربه، لم يعرفه الناس في حياتهم، لأنهم يتحركون حوله بعصبياتهم وذاتياتهم وأهوائهم، كما أثاروا ذلك في حياة علي(ع) ولم يعرفوه(ع) إلا بعد فقدانه وفتشوا عنه فلم يجدوه، وعاشوا مع غيره، فلحقهم من المعاناة ما لحقهم.
وفي وصية أخرى له (ع): "أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم، وغداً مفارقكم، إن أبق فأنا ولي دمي ـ أنا المسؤول عن دمي ـ وإن أفنَ فالفناء ميعادي ـ لأن كل نفس ذائقة الموت ـ وإن أعفُ فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة. فاعفوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم. والله ما فجأني من الموت واردٌ كرهته، ولا طالعٌ أنكرته، وما كنت إلا كقارب ورد، وطالب وجد، وما عند الله خيرٌ للأبرار"(12).
السير على خطى علي(ع)
ولذلك، علينا ونحن نعيش ذكرى علي(ع) في هذا اليوم الذي استقبل به ربه في مسجد الكوفة، أن نرتفع إلى مستوى علي(ع)، أن نحفظ الإسلام كما حفظه، وأن نخلص لله ولرسوله كما أخلص لهما، وأن يكون رضى الله كل همنا، وأن نبتعد عن كل العصبيات والحساسيات، لأنه يريد للذين يلتزمون خطه ويسيرون معه، أن يكونوا في مستوى المسؤولية، أن يعيش المؤمن أخوَّة المؤمن، وأن يهتم بما يصيب المؤمن الآخر. ابتعدوا عن كل ما يفرقكم، ابتعدوا عن كل عصبياتكم. لقد أراد الله أن يكون شهر رمضان شهراً للمغفرة والرحمة، يغفر لنا ذنوبنا ويرحمنا، فتعالوا ليغفر بعضنا لبعض، وليرحم بعضنا بعضاً، ولنرحم الواقع الصعب الذي نعيشه، فلا نثقله بكل ما لدينا من عصبيات طائفية ومذهبية وحزبية. تعالوا نرتفع إلى الله لنطلب رضاه، ولا شيء إلا رضاه، لنحبه كما أحبه علي(ع). "فهبني يا إلهي صبرت على عذابك، فكيف أصبر على فراقك، وهبني يا إلهي صبرت على حرّ نارك، فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك، أم كيف أسكن في النار ورجائي عفوك"، تعالوا لنسير مع علي إلى الله، لنكون القريبين إليه(13).
م/ن
المصادر:
(1) خطبة الجمعة، بيروت، 22 رمضان 1422 هـ. / 7 كانون الأول 2001م.
(2) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(3) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(4) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(5) خطبة الجمعة، بيروت، 19 رمضان 1421 هـ / 15-12-2000م.
(6) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(7) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(8) خطبة الجمعة، بيروت، 22 رمضان 1422 هـ. / 7 كانون الأول 2001م.
(9) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(10) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(11) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(12) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
(13) خطبة الجمعة، المصدر نفسه.
من كتابات آية الله العظمى / السيد محمد حسين فضل الله دام ظله[/align]
في باطن كل إنسان إضاءة صغيره تسمى ضمير
-
- عضو موقوف
- مشاركات: 49213
- اشترك في: السبت أكتوبر 04, 2008 5:03 pm
- مكان: في قلب منتداي الحبيب
Re: الإمام علي عليه السلام : العابد والصابر والمحتسب
[align=center]اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
بارك الله بكم وجزاكم الله الف خير[/align]
بارك الله بكم وجزاكم الله الف خير[/align]
( حسبي الله ونعم الوكيل )
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 26879
- اشترك في: الجمعة أكتوبر 24, 2008 1:16 am
- مكان: بين الرياحين
Re: الإمام علي عليه السلام : العابد والصابر والمحتسب
[align=center][font=Traditional Arabic]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
ربي يبارك فيكم ويحفظكم شجرة فاطمة الزهراء على الطرح المبارك
رزقنا الله وإياكم زيارته وفي الآخـــرة شفاعته
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين[/font][/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد
ربي يبارك فيكم ويحفظكم شجرة فاطمة الزهراء على الطرح المبارك
رزقنا الله وإياكم زيارته وفي الآخـــرة شفاعته
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين[/font][/align]
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 27275
- اشترك في: الاثنين يناير 26, 2009 6:25 pm
Re: الإمام علي عليه السلام : العابد والصابر والمحتسب
[align=center][font=Traditional Arabic]اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرج وليهم وارحمنا بهــم يا كريم ,,
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
شكرا أختي شجــرة على هذا الطرح ,
دمتِ مميزة .[/font][/align]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
شكرا أختي شجــرة على هذا الطرح ,
دمتِ مميزة .[/font][/align]
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 7676
- اشترك في: الجمعة أكتوبر 17, 2008 4:00 am
- مكان: في رحاب الزهراء "ع"
Re: الإمام علي عليه السلام : العابد والصابر والمحتسب
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
لكم جزيل الشكرلمروركم أخواتي[/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
لكم جزيل الشكرلمروركم أخواتي[/align]
في باطن كل إنسان إضاءة صغيره تسمى ضمير
-
- المدير الإداري
- مشاركات: 49875
- اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 23, 2008 1:36 pm
- الجنس: فاطمية
Re: الإمام علي عليه السلام : العابد والصابر والمحتسب
[align=center][font=Traditional Arabic] بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ
بارك الله فيك أختي الكريمة
شجرة فاطمة الزهراء
رزقنا الله وأياكم زيارة حيدر الكرار[/font][/align]
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ
بارك الله فيك أختي الكريمة
شجرة فاطمة الزهراء
رزقنا الله وأياكم زيارة حيدر الكرار[/font][/align]
يقينا كله خير
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 33196
- اشترك في: السبت أغسطس 15, 2009 6:47 pm
- مكان: قلب هجــر الحبيبة
Re: الإمام علي عليه السلام : العابد والصابر والمحتسب
[align=center][font=Traditional Arabic]اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واهلك اعداءهم يا كريم
أختي الكريمة / شجرة فاطمة الزهراء
شكراً جزيلاً لكِ على الطرح الطيب المبارك
دمتِ موفقة[/font][/align]
أختي الكريمة / شجرة فاطمة الزهراء
شكراً جزيلاً لكِ على الطرح الطيب المبارك
دمتِ موفقة[/font][/align]
[align=]يا غياث المستغيثين أغثني بـ قالع باب خيبر علي بن أبي طالب أدركني[/align]
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 7676
- اشترك في: الجمعة أكتوبر 17, 2008 4:00 am
- مكان: في رحاب الزهراء "ع"
Re: الإمام علي عليه السلام : العابد والصابر والمحتسب
[align=center][font=Andalus]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
كل الشكرلمروركن الكريم[/font][/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
كل الشكرلمروركن الكريم[/font][/align]
في باطن كل إنسان إضاءة صغيره تسمى ضمير
-
- فــاطــمــي
- مشاركات: 1432
- اشترك في: الاثنين فبراير 15, 2010 5:01 pm
- مكان: انتظار الامام الحجة (عج)
Re: الإمام علي عليه السلام : العابد والصابر والمحتسب
بسم الله الرحمن الرحيم
اَلْحَمْدُ لله الّذي جَعَلَ الْحَمْدَ مفْتَاحاً لذِكْرِهِ وَخَلَقَ الاشْيَاءَ نَاطِقَةً بحَمْدِه وَشُكرِهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى نَبِيِّهِ مُحَمَّد الْمُشتَقِّ اسْمُهُ مِنْ اسْمِهِ الَْمحْمُودِ وَعَلى آلهِ الطَّاهِرينَ اُولِي الْمَكارِمِ وَالْجُوِد
اللهم عجل لوليك الفرج
جزاكم الله كل الخير على الموضوع القيم
اختي الفاضلة
حفظكم الله وسدد خطاكم لكل خير
رحم الله والديكم في الدنيا والاخرة
اَلْحَمْدُ لله الّذي جَعَلَ الْحَمْدَ مفْتَاحاً لذِكْرِهِ وَخَلَقَ الاشْيَاءَ نَاطِقَةً بحَمْدِه وَشُكرِهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى نَبِيِّهِ مُحَمَّد الْمُشتَقِّ اسْمُهُ مِنْ اسْمِهِ الَْمحْمُودِ وَعَلى آلهِ الطَّاهِرينَ اُولِي الْمَكارِمِ وَالْجُوِد
اللهم عجل لوليك الفرج
جزاكم الله كل الخير على الموضوع القيم
اختي الفاضلة
حفظكم الله وسدد خطاكم لكل خير
علي الدر والذهب المصفى بل هو أرقى | ||