اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك لمْ أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إنْ لم تعرّفني رسولك لم أعرفْ حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضلَلتُ عن ديني
الإخلاص ثمرة الحب
المشرف: أنوار فاطمة الزهراء
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 39518
- اشترك في: الأربعاء إبريل 29, 2009 11:20 am
الإخلاص ثمرة الحب
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإخلاص ثمرة الحب
إنّ الحبّ الذي تُورثه المعرفة سوف يُورث لنا أمراً آخر لابدّ منه وهو الإخلاص للمحبوب. فنحن نرى بالوجدان أنّنا نُخلص لمن نحبّه, وتزداد درجة إخلاصنا بازدياد درجة حبّنا له. وهذا الترتّب الطولي بين المعرفة والحبّ والإخلاص هو ترتّب ذاتيّ، وسنّة إلهيّة، ومسلك قرآنيّ منسجم تمام الانسجام مع فطرة الإنسان.
من خلال هذه المعارف الأوّلية الجليلة تتّضح لنا جُملة أمور ذات صلة بالسلوك الذي يجدر بالإنسان أن يكون عليه ـ وكما قيل: إنّ الأعراض تكشف عن جواهرها، والمعلولات تكشف عن عللها ـ نذكر شاهداً واحداً منها لعلّ فيه تذكرة للمؤمنين، وهو أنّ الأمراض المعنوية التي أحسبها أعراضاً لا أمراضاً ـ كما سيتّضح ـ تحكي لنا بنفسها ما نحن عليه من إخلاص, ثمّ من حبّ, ثمّ من معرفة بالله تعالى، كما هو الحال في الرياء والتكبّر وغيرهما. فالرياء طلب المحبوبية في قلوب الناس، حيث يُرائي المرائي الآخرين طلباً للمنزلة عندهم، فيكون الآخرون هم المقصودين بالعمل، وهذا هو الشرك الخفيّ لا الجليّ، أو الأصغر لا الأكبر، كما جاء ذلك في جملة من الروايات، حتّى أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قد رُئي باكياً فسُئل عن سرّ بكائه، فقال: (إنّي تخوّفت على أمّتي الشرك، أما إنّهم لا يعبدون صنماً ولا شمساً ولا قمراً ولكنّهم يُراءون في أعمالهم). وعنه صلى الله عليه وآله أيضاً: (إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر). قالوا: ما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء.
ففي الصلاة ـ مثلاً التي يجب أن يكون المتوجَّه إليه هو الله وحده ـ إذا قُصد بها وجه آخر طلباً للمنزلة والمحبوبية عنده فإنّ مثل هذه الصلاة تكشف عن عدم إخلاص صاحبها لله تعالى, وعدم إخلاصه هذا يكشف عن عدم حبّ لله تعالى، أو أنّه يكشف عن حبّ لا قيمة له، وعدم الحبّ كاشف بدوره عن عدم المعرفة بالله تعالى. وهذا الترتّب منطقيّ جدّاً، فالذي يقصد غير وجه الله تعالى في صلاته لا شكّ أنّه سيجد في ذلك الغير ما لم يجده في الله تعالى؛ ما يعني الجهل المُطبق وعدم المعرفة بالله تعالى. وأكثر من ذلك أنّه يكشف عن سفاهة؛ لأنّ الفاعل هنا يرى للغير من كمال ما لا يراه لله تعالى. بعبارة أخرى: يرى للموهوب له ما لا يراه للواهب نفسه! مع أنّ الواهب الحقيقي واجد لكلّ جمال وكمال وبأعلى المراتب، ولذا عبّرنا عن الأمراض المعنوية كالرياء والتكبّر ونحوهما بالأعراض الكاشفة بنفسها عن أمراض. فالرياء كاشف عن عدم الإخلاص ثمّ عدم الحبّ ثمّ عدم المعرفة بالله تعالى، وعدم المعرفة بالله هو المرض الحقيقي, وما الرياء والتكبّر ونحوهما من الموبقات إلاّ أعراض تحكي عن عللها.
وهكذا يمكن التدرّج في جميع المقامات التي نحن عليها، صحيحها وسقيمها، سلبها وإيجابها، لنعرف بذلك أيّ شأن ومكانة وموقع تتبوّؤه معرفة الله تعالى.
بقي أن نعرف كيف لهذا الحبّ المتولِّد من المعرفة الإلهية أن يكون مُورثاً للإخلاص، فذلك لأنّ محبّة الله تعالى تطهِّر القلب من جميع التعلّقات الأخرى أيّاً كانت تلك التعلّقات ـ ما لم تكن متعلّقة به وعائدة إليه ـ فيتوجّه القلب بكلّيته نحو قبلته وكعبته ومحبوبه، وهذا هو كمال الحبّ وتمامه حيث لا يُبقي الحبّ في قلب المحبّ شيئاً أو متعلّقاً لغير المحبوب (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ).
فلا معنى للحبّ مع وجود الغيرية، ولا معنى للغيرية مع وجود الحبّ. يقول العلاّمة الطباطبائي: (وأمّا محبّة الله سبحانه فإنّها تُطهِّر القلب من التعلّق بغيره تعالى من زخارف الدنيا وزينتها من ولد أو زوج أو مال أو جاه، حتّى النفس وما لها من حظوظ وآمال، ويقتصر القلب في التعلّق به تعالى وبما يُنسب إليه من دين أو نبيٍّ أو وليٍّ وسائر ما يرجع إليه تعالى بوجه، فإنّ حبّ الشيء حبٌّ لآثاره).
فإذا وقع ذلك الحبّ الإلهي في قلب الإنسان فهو الجَنّة التي ينعم بها العبد في الدُّنيا قبل الآخرة، وهو الجُنّة التي تقيه من الوقوع في المعاصي والمهالك، لأنّ الحبّ الإلهي كفيلٌ بتوحيد إرادة المحبّ مع إرادة محبوبه فتكون إرادته مرآة تحكي إرادة المحبوب. وفي ذلك يقول الطباطبائي: (وإنّ المحبّة الإلهية تبعثهم على أن لا يريدوا إلاّ ما يريده الله وينصرفوا عن المعاصي).
فإذا سكن الله تعالى قلب المؤمن أو أقصر المؤمن قلبه على الحقّ تعالى وحده ولم يسمح للأغيار من الولوج فيه، استغنى العبد عمّا سوى الله تعالى وأغناه الله تعالى بمعيّته، وحقَّ لذلك القلب أن يكون حرماً وبيتاً خالصاً لله تعالى؛ (القلب حرم الله فلا تُسكن في حرم الله غير الله سبحانه).
وعندئذ يكون النظر إلى الملكوت من خلال نافذة القلب، بل سيكون ذلك القلب الطاهر ملكوت صاحبه ما دام الله تعالى فيه ومستحوذاً عليه، ولابدّ أن يكون قد اتّضح لدينا أسباب عدم حصول هذا النظر القُدسي للأعمّ الأغلب منّا؛ فذلك لما للشياطين من سبح طويل وفضاء فسيح في قلوبنا؛ (لولا أنّ الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلـى الملكوت) ، فصارت تلك القلوب كمحافل السوء اكتظّت عندها الأخيار، (أوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُـجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) ، مع أنّ هذه القلوب الإنسانية تفرّدت بأصل خلقتها وفطرتها عمّن سواها من قلوب سائر المخلوقات الأخرى بصيرورتها عرشاً أوحدياً للرحمن جلّ وعلا؛ في الحديث القدسيّ: (قلب المؤمن عرش الرحمن) و (لم يسعني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن).
وإذا كان قلب المؤمن عرش الرحمن فلنا أن نفهم وجهاً آخر لقوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) فلا توجد فُسحة أو مجال آخر ولو بقيد أنملة للأغيار، وذلك هو القلب السليم الذي أريد منّا الإتيان به كما حكى عنه القرآن الكريم (إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ، وقد سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن ذلك فقال: (السليم الذي يلقى ربّه وليس فيه أحدٌ سواه). وقد سُئل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: ما القلب السليم؟ فقال صلى الله عليه وآله: (دين بلا شكّ وهوى، وعملٌ بلا سمعة ورياء). فتلك هي آفات القلوب ومُدسّسات البصيرة في التراب.
وعن الإمام الصادق عليه السلام وهو يصف لنا القلب السليم بأوجز وصف: (هو القلب الذي سلم من حبّ الدُّنيا) ، ولذلك فإنّ (شرّ العمى عمى القلوب) ، بل (إنّما الأعمى أعمى القلب) وذلك تصديقاً لقوله تعالى: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). فالقلب نافذة مُشرعة إمّا تطلّ بصاحبها على الملكوت والساحة المقدّسة الأسمائية والصفاتية إن تفرّد القلب بحبّ الله تعالى وصفا له وتوحّد به، فيُبصر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإمّا تطلّ بصاحبها على تلك الصحاري المجدبة والظلمات الموحشة إن تصفّحت عينا القلب وتنصّتت أذناه إلى الأغيار فتُكسَر بذلك مصابيح القلب وتُوقَر أذناه. روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قوله: (ما من قلب إلاّ وله عينان وأذنان، فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح عينيه اللّتين للقلب ليشاهد بهما الملكوت).
فإذا ما خُلّي القلب من الأغيار واختلى بمحبوبه الأوحد، سُقي شراباً طهوراً (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً) من كأس الحبّ والتطهير التامّ عمّا سوى المحبوب، ويا له من شراب عذب سائغ ومن سُقي لا ظمأ بعده أبداً، ومن ساق أزال كلّ الوسائط عن محبّيه (وسقاهم ربّهم) فلا واسطة ولا مسافات تحجبهم عنه، وعندئذ يتميّز من كان يعبد ربّه حبّاً وشكراً عمّن كان يعبده طمعاً في جنّته أو خوفاً من ناره، فلا يكون بينه وبين محبوبه حاجب ولا ساتر، وهذا هو معنى القرب والفوز العظيم؛ يقول الطباطبائي: (وهؤلاء هم المقرّبون الفائزون بقربه تعالى، إذ لا يحول بينهم وبين ربّهم ممّا يقع عليه الحسّ أو يتعلّق به الوهم أو تهواه النفس أو يلبسه الشيطان، فإنّ كلّ ما يتراءى لهم ليس إلاّ آية كاشفة عن الحقّ تعالى، لا حاجباً ساتراً، فيفيض عليهم ربّهم علم اليقين، ويكشف لهم عمّا عنده من الحقائق المستورة عن هذه الأعين المادّية العميقة، بعدما يرفع الستر فيما بينه وبينهم...).
وبذلك نكون قد عرفنا أنّ المعرفة الإلهية هي الأصل الأصيل المورث للحبّ، وأنّ الحبّ بدوره يُورث الإخلاص في قلب المحبّ لمحبوبه. فعدم الإخلاص عدم للحبّ، وعدم الحبّ عدم للمعرفة الإلهية، (بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)
مقالات عرفانية من كتابات سماحة السيد كمال الحيدري[/align]
اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإخلاص ثمرة الحب
إنّ الحبّ الذي تُورثه المعرفة سوف يُورث لنا أمراً آخر لابدّ منه وهو الإخلاص للمحبوب. فنحن نرى بالوجدان أنّنا نُخلص لمن نحبّه, وتزداد درجة إخلاصنا بازدياد درجة حبّنا له. وهذا الترتّب الطولي بين المعرفة والحبّ والإخلاص هو ترتّب ذاتيّ، وسنّة إلهيّة، ومسلك قرآنيّ منسجم تمام الانسجام مع فطرة الإنسان.
من خلال هذه المعارف الأوّلية الجليلة تتّضح لنا جُملة أمور ذات صلة بالسلوك الذي يجدر بالإنسان أن يكون عليه ـ وكما قيل: إنّ الأعراض تكشف عن جواهرها، والمعلولات تكشف عن عللها ـ نذكر شاهداً واحداً منها لعلّ فيه تذكرة للمؤمنين، وهو أنّ الأمراض المعنوية التي أحسبها أعراضاً لا أمراضاً ـ كما سيتّضح ـ تحكي لنا بنفسها ما نحن عليه من إخلاص, ثمّ من حبّ, ثمّ من معرفة بالله تعالى، كما هو الحال في الرياء والتكبّر وغيرهما. فالرياء طلب المحبوبية في قلوب الناس، حيث يُرائي المرائي الآخرين طلباً للمنزلة عندهم، فيكون الآخرون هم المقصودين بالعمل، وهذا هو الشرك الخفيّ لا الجليّ، أو الأصغر لا الأكبر، كما جاء ذلك في جملة من الروايات، حتّى أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قد رُئي باكياً فسُئل عن سرّ بكائه، فقال: (إنّي تخوّفت على أمّتي الشرك، أما إنّهم لا يعبدون صنماً ولا شمساً ولا قمراً ولكنّهم يُراءون في أعمالهم). وعنه صلى الله عليه وآله أيضاً: (إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر). قالوا: ما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء.
ففي الصلاة ـ مثلاً التي يجب أن يكون المتوجَّه إليه هو الله وحده ـ إذا قُصد بها وجه آخر طلباً للمنزلة والمحبوبية عنده فإنّ مثل هذه الصلاة تكشف عن عدم إخلاص صاحبها لله تعالى, وعدم إخلاصه هذا يكشف عن عدم حبّ لله تعالى، أو أنّه يكشف عن حبّ لا قيمة له، وعدم الحبّ كاشف بدوره عن عدم المعرفة بالله تعالى. وهذا الترتّب منطقيّ جدّاً، فالذي يقصد غير وجه الله تعالى في صلاته لا شكّ أنّه سيجد في ذلك الغير ما لم يجده في الله تعالى؛ ما يعني الجهل المُطبق وعدم المعرفة بالله تعالى. وأكثر من ذلك أنّه يكشف عن سفاهة؛ لأنّ الفاعل هنا يرى للغير من كمال ما لا يراه لله تعالى. بعبارة أخرى: يرى للموهوب له ما لا يراه للواهب نفسه! مع أنّ الواهب الحقيقي واجد لكلّ جمال وكمال وبأعلى المراتب، ولذا عبّرنا عن الأمراض المعنوية كالرياء والتكبّر ونحوهما بالأعراض الكاشفة بنفسها عن أمراض. فالرياء كاشف عن عدم الإخلاص ثمّ عدم الحبّ ثمّ عدم المعرفة بالله تعالى، وعدم المعرفة بالله هو المرض الحقيقي, وما الرياء والتكبّر ونحوهما من الموبقات إلاّ أعراض تحكي عن عللها.
وهكذا يمكن التدرّج في جميع المقامات التي نحن عليها، صحيحها وسقيمها، سلبها وإيجابها، لنعرف بذلك أيّ شأن ومكانة وموقع تتبوّؤه معرفة الله تعالى.
بقي أن نعرف كيف لهذا الحبّ المتولِّد من المعرفة الإلهية أن يكون مُورثاً للإخلاص، فذلك لأنّ محبّة الله تعالى تطهِّر القلب من جميع التعلّقات الأخرى أيّاً كانت تلك التعلّقات ـ ما لم تكن متعلّقة به وعائدة إليه ـ فيتوجّه القلب بكلّيته نحو قبلته وكعبته ومحبوبه، وهذا هو كمال الحبّ وتمامه حيث لا يُبقي الحبّ في قلب المحبّ شيئاً أو متعلّقاً لغير المحبوب (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ).
فلا معنى للحبّ مع وجود الغيرية، ولا معنى للغيرية مع وجود الحبّ. يقول العلاّمة الطباطبائي: (وأمّا محبّة الله سبحانه فإنّها تُطهِّر القلب من التعلّق بغيره تعالى من زخارف الدنيا وزينتها من ولد أو زوج أو مال أو جاه، حتّى النفس وما لها من حظوظ وآمال، ويقتصر القلب في التعلّق به تعالى وبما يُنسب إليه من دين أو نبيٍّ أو وليٍّ وسائر ما يرجع إليه تعالى بوجه، فإنّ حبّ الشيء حبٌّ لآثاره).
فإذا وقع ذلك الحبّ الإلهي في قلب الإنسان فهو الجَنّة التي ينعم بها العبد في الدُّنيا قبل الآخرة، وهو الجُنّة التي تقيه من الوقوع في المعاصي والمهالك، لأنّ الحبّ الإلهي كفيلٌ بتوحيد إرادة المحبّ مع إرادة محبوبه فتكون إرادته مرآة تحكي إرادة المحبوب. وفي ذلك يقول الطباطبائي: (وإنّ المحبّة الإلهية تبعثهم على أن لا يريدوا إلاّ ما يريده الله وينصرفوا عن المعاصي).
فإذا سكن الله تعالى قلب المؤمن أو أقصر المؤمن قلبه على الحقّ تعالى وحده ولم يسمح للأغيار من الولوج فيه، استغنى العبد عمّا سوى الله تعالى وأغناه الله تعالى بمعيّته، وحقَّ لذلك القلب أن يكون حرماً وبيتاً خالصاً لله تعالى؛ (القلب حرم الله فلا تُسكن في حرم الله غير الله سبحانه).
وعندئذ يكون النظر إلى الملكوت من خلال نافذة القلب، بل سيكون ذلك القلب الطاهر ملكوت صاحبه ما دام الله تعالى فيه ومستحوذاً عليه، ولابدّ أن يكون قد اتّضح لدينا أسباب عدم حصول هذا النظر القُدسي للأعمّ الأغلب منّا؛ فذلك لما للشياطين من سبح طويل وفضاء فسيح في قلوبنا؛ (لولا أنّ الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلـى الملكوت) ، فصارت تلك القلوب كمحافل السوء اكتظّت عندها الأخيار، (أوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُـجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) ، مع أنّ هذه القلوب الإنسانية تفرّدت بأصل خلقتها وفطرتها عمّن سواها من قلوب سائر المخلوقات الأخرى بصيرورتها عرشاً أوحدياً للرحمن جلّ وعلا؛ في الحديث القدسيّ: (قلب المؤمن عرش الرحمن) و (لم يسعني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن).
وإذا كان قلب المؤمن عرش الرحمن فلنا أن نفهم وجهاً آخر لقوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) فلا توجد فُسحة أو مجال آخر ولو بقيد أنملة للأغيار، وذلك هو القلب السليم الذي أريد منّا الإتيان به كما حكى عنه القرآن الكريم (إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ، وقد سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن ذلك فقال: (السليم الذي يلقى ربّه وليس فيه أحدٌ سواه). وقد سُئل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: ما القلب السليم؟ فقال صلى الله عليه وآله: (دين بلا شكّ وهوى، وعملٌ بلا سمعة ورياء). فتلك هي آفات القلوب ومُدسّسات البصيرة في التراب.
وعن الإمام الصادق عليه السلام وهو يصف لنا القلب السليم بأوجز وصف: (هو القلب الذي سلم من حبّ الدُّنيا) ، ولذلك فإنّ (شرّ العمى عمى القلوب) ، بل (إنّما الأعمى أعمى القلب) وذلك تصديقاً لقوله تعالى: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). فالقلب نافذة مُشرعة إمّا تطلّ بصاحبها على الملكوت والساحة المقدّسة الأسمائية والصفاتية إن تفرّد القلب بحبّ الله تعالى وصفا له وتوحّد به، فيُبصر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإمّا تطلّ بصاحبها على تلك الصحاري المجدبة والظلمات الموحشة إن تصفّحت عينا القلب وتنصّتت أذناه إلى الأغيار فتُكسَر بذلك مصابيح القلب وتُوقَر أذناه. روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قوله: (ما من قلب إلاّ وله عينان وأذنان، فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح عينيه اللّتين للقلب ليشاهد بهما الملكوت).
فإذا ما خُلّي القلب من الأغيار واختلى بمحبوبه الأوحد، سُقي شراباً طهوراً (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً) من كأس الحبّ والتطهير التامّ عمّا سوى المحبوب، ويا له من شراب عذب سائغ ومن سُقي لا ظمأ بعده أبداً، ومن ساق أزال كلّ الوسائط عن محبّيه (وسقاهم ربّهم) فلا واسطة ولا مسافات تحجبهم عنه، وعندئذ يتميّز من كان يعبد ربّه حبّاً وشكراً عمّن كان يعبده طمعاً في جنّته أو خوفاً من ناره، فلا يكون بينه وبين محبوبه حاجب ولا ساتر، وهذا هو معنى القرب والفوز العظيم؛ يقول الطباطبائي: (وهؤلاء هم المقرّبون الفائزون بقربه تعالى، إذ لا يحول بينهم وبين ربّهم ممّا يقع عليه الحسّ أو يتعلّق به الوهم أو تهواه النفس أو يلبسه الشيطان، فإنّ كلّ ما يتراءى لهم ليس إلاّ آية كاشفة عن الحقّ تعالى، لا حاجباً ساتراً، فيفيض عليهم ربّهم علم اليقين، ويكشف لهم عمّا عنده من الحقائق المستورة عن هذه الأعين المادّية العميقة، بعدما يرفع الستر فيما بينه وبينهم...).
وبذلك نكون قد عرفنا أنّ المعرفة الإلهية هي الأصل الأصيل المورث للحبّ، وأنّ الحبّ بدوره يُورث الإخلاص في قلب المحبّ لمحبوبه. فعدم الإخلاص عدم للحبّ، وعدم الحبّ عدم للمعرفة الإلهية، (بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)
مقالات عرفانية من كتابات سماحة السيد كمال الحيدري[/align]
(( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ))
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 27275
- اشترك في: الاثنين يناير 26, 2009 6:25 pm
Re: الإخلاص ثمرة الحب
[align=center][font=Traditional Arabic]اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم و ارحمنا بهم يا كريم ,,
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
شكرا لك أختي الكريمة اغيثيني يا زهراء على هذا الطرح الجميل , رحم الله والديك .[/font][/align]
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
شكرا لك أختي الكريمة اغيثيني يا زهراء على هذا الطرح الجميل , رحم الله والديك .[/font][/align]
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 3565
- اشترك في: الأحد إبريل 19, 2009 2:06 pm
Re: الإخلاص ثمرة الحب
[align=center]
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم وزد وبارك على النبي محمد واله بعدد ما احاط به علمك
اين الطالب بدم المقتول بكربلاء
السلام على الامام الحسين واخته الحوراء
اللهم اجعلنا كما تحب
جزاك الله كل خير عزيزتي
والله يرضى عليك ويرضيك ويرحم والديك
ورزقك ثواب هذا الموضوع الجنه مع النبي واله
وكذلك كل المؤمنين
اللهم وفقنا وكل المؤمنين لما يحب ويرضى
.[/align]
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم وزد وبارك على النبي محمد واله بعدد ما احاط به علمك
اين الطالب بدم المقتول بكربلاء
السلام على الامام الحسين واخته الحوراء
اللهم اجعلنا كما تحب
جزاك الله كل خير عزيزتي
والله يرضى عليك ويرضيك ويرحم والديك
ورزقك ثواب هذا الموضوع الجنه مع النبي واله
وكذلك كل المؤمنين
اللهم وفقنا وكل المؤمنين لما يحب ويرضى
.[/align]
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 7515
- اشترك في: الثلاثاء فبراير 10, 2009 6:25 pm
Re: الإخلاص ثمرة الحب
[align=center]اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
أحسنت اختي الكريمة أغيثيني يا زهراء لطرح الموضوع الجميييل
الهمنا الله الأخلاص في النية والعمل[/align].
أحسنت اختي الكريمة أغيثيني يا زهراء لطرح الموضوع الجميييل
الهمنا الله الأخلاص في النية والعمل[/align].
-
- عضو موقوف
- مشاركات: 49213
- اشترك في: السبت أكتوبر 04, 2008 5:03 pm
- مكان: في قلب منتداي الحبيب
Re: الإخلاص ثمرة الحب
[align=center]
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين
بارك الله بكم اختي الكريمة.
ووفقكم الباري لكل خير.[/align]
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين
بارك الله بكم اختي الكريمة.
ووفقكم الباري لكل خير.[/align]
( حسبي الله ونعم الوكيل )
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 5686
- اشترك في: الاثنين يونيو 22, 2009 12:50 am
Re: الإخلاص ثمرة الحب
[align=center][font=Traditional Arabic]اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسنتِ أختي الكريمــة أغيثيني يا زهراء طرح رائع
وفقكم الله تعالى[/font][/align]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسنتِ أختي الكريمــة أغيثيني يا زهراء طرح رائع
وفقكم الله تعالى[/font][/align]
-
- المدير الإداري
- مشاركات: 49874
- اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 23, 2008 1:36 pm
- الجنس: فاطمية
Re: الإخلاص ثمرة الحب
[align=center][font=Traditional Arabic] بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
بارك الله فيك أختي الكريمة
اغيثيني يا زهراء
طرح مميز بإنتظار جديدك [/font][/align]
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
بارك الله فيك أختي الكريمة
اغيثيني يا زهراء
طرح مميز بإنتظار جديدك [/font][/align]
يقينا كله خير
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 33196
- اشترك في: السبت أغسطس 15, 2009 6:47 pm
- مكان: قلب هجــر الحبيبة
Re: الإخلاص ثمرة الحب
[align=center][font=Traditional Arabic]اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واهلك اعداءهم يا كريم
أختي الكريمة / اغيثيني يا زهراء
بارك الله فيكِ على الطرح الرائع
دمتِ بخير[/font][/align]
أختي الكريمة / اغيثيني يا زهراء
بارك الله فيكِ على الطرح الرائع
دمتِ بخير[/font][/align]
[align=]يا غياث المستغيثين أغثني بـ قالع باب خيبر علي بن أبي طالب أدركني[/align]
-
- فــاطــمــي
- مشاركات: 9197
- اشترك في: السبت فبراير 23, 2008 3:04 pm
Re: الإخلاص ثمرة الحب
[font=Traditional Arabic][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين المنتجبين
بارك الله فيكم في ميزان حسناتكم يارب
جزيتم الف خير وقضى الله حاجاتكم بالدنيا والاخرة
اللهم صل على محمد وال محمد[/align][/font]
[font=Traditional Arabic][align=center]راية المهدي[/align][/font]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين المنتجبين
بارك الله فيكم في ميزان حسناتكم يارب
جزيتم الف خير وقضى الله حاجاتكم بالدنيا والاخرة
اللهم صل على محمد وال محمد[/align][/font]
[font=Traditional Arabic][align=center]راية المهدي[/align][/font]
اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ الَّذى خَلَقَكِ فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً اَنَا لَكِ مُصَدِّقٌ صابِرٌ عَلى ما اَتى بِهِ اَبُوكِ وَوَصِيُّهُ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِما وَاَنَا أَسْأَلُكِ اِنْ كُنْتُ صَدَّقْتُكِ إلاّ اَلْحَقْتِنى بِتَصْديقى لَهُما لِتُسَرَّ نَفْسى فَاشْهَدى اَنّى ظاهِرٌ بِوَلايَتِكِ وَوَلايَةِ آلِ بَيْتِكِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ اَجْمَعينَ.
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 39518
- اشترك في: الأربعاء إبريل 29, 2009 11:20 am
Re: الإخلاص ثمرة الحب
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
السلام على الحسين و على علي بن الحسين و على اولاد الحسين و على اصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته
اخوتي الكرام اشكر مروركم العطر و طيب دعواتكم المباركة
اسأل الله ان يحفظكم و يوفقكم و يقضي حوائجكم و يرزقكم خير الدنيا و الاخرة[/align]
اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
السلام على الحسين و على علي بن الحسين و على اولاد الحسين و على اصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته
اخوتي الكرام اشكر مروركم العطر و طيب دعواتكم المباركة
اسأل الله ان يحفظكم و يوفقكم و يقضي حوائجكم و يرزقكم خير الدنيا و الاخرة[/align]
(( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ))