اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك لمْ أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إنْ لم تعرّفني رسولك لم أعرفْ حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضلَلتُ عن ديني
قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
المشرفون: الفردوس المحمدي،تسبيحة الزهراء
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 33196
- اشترك في: السبت أغسطس 15, 2009 6:47 pm
- مكان: قلب هجــر الحبيبة
قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
[align=center][font=Traditional Arabic]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استحالة أداء حقوق الله كلّها
«يا أبا ذر، إنّ حقوق الله جلّ ثناؤه أعظم من أنْ يقوم بها العباد، وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن امسوا وأصبحوا تائبين».
يثير النبي المصطفى صلى الله عليه وآله في هذا المقطع من الوصيّة انتباه أبي ذر رضوان الله تعالى عليه إلى ثلاث قضايا، وهي: العبادة، والشكر، والتوبة.
كما يؤكّد صلى الله عليه وآله بأنّ حقوق الله سبحانه وتعالى على درجة من العظمة بحيث تعجز جميع المخلوقات عن أدائها، وإن استخدموا مطلق قابليّاتهم وواصلوا العبادة والشكر طيلة أعمارهم.
ومن لا طاقة له على تقديم الشكر المطلوب، يفترض به أن يلتزم بواجب التوبة والاستغفار والتضرّع إلى الله تعالى، لعلّه يجبر ضعفه وعجزه عن أداء حقّ الشكر لربّه.
ولعلّ إحدى فوائد وآثار الإقرار بالعجز عن أداء الشكر لله تعالى أن لا يصاب المرء بالغرور والعجب بطاعاته وعباداته.
العجب بالعبادة
من مؤامرات الشيطان ومكائده أنّه يستهدف عبادة ابن آدم ليمزج معها العجب والغرور، بمعنى أنّه قد لا يوسوس للعابد ـ في بعض المرّات ـ بارتكاب هذا الذنب أو ذاك، وإنّما يقصد العبادة بحدّ ذاتها ليصيبها في الصميم، ويأتي على إيمان الإنسان ويهدمه من أسسه.
فقد يقوم المؤمن بأداء صلاته بنيّة خالصة وحضور قلبيّ مقترن بالخضوع والخشوع، ولكنّ الشيطان يدخل عليه من نافذة صلاته ليقول له: لا أحد يصلّي مثلك، ويمتدح ما عنده من الخشوع والتوجّه، حتى يلقي في روعه العُجب والغرور، فيعبّد جادة الانحراف في قلبه وعقله.
عن الإمام الصادق سلام الله عليه قال: قال رسول صلّى الله عليه وآله: بينما موسى عليه السلام جالساً إذ أقبل إبليس وعليه برنس(1) ذو ألوان، فلما دنا من موسى عليه السلام خلع البرنس وقام إلى موسى فسلّم عليه. فقال له موسى: من أنت؟ فقال: أنا إبليس، قال: أنت فلا قرّب الله دارك. قال: إنّي إنّما جئت لأسلّم عليك لمكانك من الله. قال: فقال له موسى عليه السلام: فما هذا البرنس؟ قال: به أختطف قلوب بني آدم. فقال موسى: فأخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ قال: إذا أعجبته نفسُه، واستكثر عملَه، وصُغر في عينه ذنبه(2).
وروي عن الصادق عليه السلام أيضاً أنّه قال:
يدخل رجلان المسجد أحدهما عابد والآخر فاسق(3) فيخرجان من المسجد والفاسق صديق والعابد فاسق، وذلك أنّه يدخل العابد المسجد وهو مدلّ بعبادته ويكون فكره في ذلك ويكون فكرة الفاسق في التندّم على فسقه؛ فيستغفر الله من ذنوبه(4).
والعلّة في ذلك تكمن في أنّ الرجل الصالح قد أدّى عبادةً معيّنة في المسجد، ولم يظلم أحداً، ولكنّه حينما همّ بالخروج، خرج وهو «مدلّ بعبادته» أي أنّه قد دخله العجب واغترّ بعبادته، وهذه الحالة لا تحتاج إلى حركة أعضاء وجوارح، وإنّما الله (يَعلَمُ السِرَّ وَأخفى)(5) ولذلك خرج الصالح فاسقاً بعد أن كان عابداً.
ولكن الفاسق دخل المسجد فرأى صاحبه العابد بحالة من الخضوع والخشوع يتعبّد ويستغفر، ففكّر في نفسه وقال: إذا كان هذا الصالح يتعبّد ويستغفر ويخشع ويخضع، فالويل لي مما ارتكبت من الذنوب، ثمّ تكرّست في ذاته حالة من الندم والتوبة، علماً أنّه لم ترد في الرواية كلمة تشير إلى أن الرجل الفاسق قد مارس الصلاة أو الدعاء داخل المسجد، وإنّما تمّت الإشارة فيها إلى مجرّد الندم والتوبة القلبية، وهذا ما اعتبرته الرواية الكريمة عبادة حقّة.
أجل، لا ينبغي الاغترار بالعبادة، لاسيّما وأنّ حقّ الله تعالى كبير إلى حدّ يعجز فيه العقل عن حدّه والعلم عن وصفه؛ مهما عظما واتسعا، كما تعجز كلّ عبادة وكلّ شكر عن مجاراة عظيم حقّ الله تعالى أو الدنوّ منه.
ولوصف المعنى نقول: لو أنّ رجلاً فاحش الثراء استضافه صديق له فقير، فإنّ هذا الأخير سوف لا يسعه تقديم ما يناسب صديقه الثريّ من طعام ومجلس مهما جهد وسعى، رغم أنّه قد يبذل الكثير من الطاقة والجهد، فتراه يجد نفسه مضطراً إلى الاعتذار إليه على قصوره أو تقصيره، رغم علمه بأنّه حرص على أن لا يبدو مقصّراً، ذلك لأنّ له عقلاً يميّز به حقيقة أنّ ما قدّم غير لائق بضيفه.
وكذلك شأن العبادة، فمهما بدت لصاحبها متكاملة إلا أنّها غير لائقة على سبيل الحتم بمقام الربوبيّة الأجلّ الأقدس، هذا مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ الله سبحانه وتعالى قد قبل عبادات الأنبياء والصالحين وكثير من العباد، وهو غير محتاج لهم أو لعباداتهم.
ولكن لشديد الأسف نرى الشيطان لا يسمح للناس بالتنبّه والالتفات، فهم يتذكّرون ربّهم عند سماعهم موعظة واحدة، ولكن ما إن ينقضي عنهم وقت ليس بالكثير حتى تراهم ينحرفون عن جادة الحقّ، ويعودون بأمسّ الحاجة إلى موعظة أخرى تعيدهم إلى الصواب.
إنّ غواية إبليس لا تختصّ بذنوب الإنسان الظاهريّة فحسب، لأنّ لمؤامراته ومكائده فيما يخصّ الذنوب الخفية والباطنية فاعلية أكبر، لذلك تراه يحرص أكثر ما يحرص على إفساد وتخريب باطن الإنسان وجوهره.
روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال لعبد الله بن جندب في معرض تحذيره له من الشيطان:
يا عبد الله؛ لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور، فما يقصد فيها إلاّ أولياءنا(6).
إنّ من المفترض بمن تلقّى بعض العلم، وكان يتمتّع بذهنيّة وقّادة أن يحذر من مرض العجب والغرور، وأن يدرك أنّ ذهنيتّة هذه إنّما هي نعمة ربانيّة قد منحت له من الله تعالى بلا مقابل. وبهذه الذهنيّة التي وهبها الله إيّاه استطاع أن يكون محطّ حاجة الناس، ولكنه بدلاً من أن يلبّي للناس حاجاتهم العلمية والثقافية، تراه ممتلئاً غروراً وعجباً، وهذا من حبائل الشيطان.
إن الشيطان لا يصارح الإنسان بهدفه ونيّته، وإنّما يتسلّل إليه شيئاً فشيئاً، فليقّنه الغرور كلمة كلمة، ويغذّيه بالعجب لقمةً لقمة، وما يحول دون الإصابة بهذه الجراثيم القاتلة هو العلم بأن حقوق الله لا يمكن للإنسان تأديتها على الوجه المطلوب، وأنّ أعماله غير لائقة في محضر الله وساحته القدسية، وأنّ من المفترض به أن يسعى إلى اجتناب المحارم، وإذا ارتكب ذنباً عليه أن يفرّ من ارتكابه ثانية ويتّجه إلى ربّه وحاميه. وإذا عصى الله وارتكب موبقة ـ ولو ـ أربعين مرّة، فما هو المبرّر والداعي لأن يصرّ على الموبقات ويعود لارتكابها ثانية؟! وكذلك لو عصى ألف مرّة، فعليه أن يهجر الذنوب ويحذر من ارتكاب المعصية الأولى بعد الألف!
تستحبّ «الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم» بعد تكبيرة الإحرام في الصلاة وقبل بسملة سورة (الحمد) المباركة. وينبغي أن تقال بكلّ إصرار وعزم؛ ليكون المصلّي في مأمنٍ من الشيطان وإلقاءاته.
لقد كان بمستطاع الله عزّ وجل أن لا يخلق الشيطان؛
(لَوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا)(7)
ولكنّه خلقه ليمتحن الناس ويفتنهم، ليُعلم مدى تمسّكهم بأوامر الله تعالى وابتعادهم عن نواهيه.
إنّ الله وهب الإنسان العقل، وغرس فيه الشهوة، وخلق الشيطان يوسوس له، ومنح الإنسان أيضاً الإرادة، ليكتشف ذاته ويرى ماذا يعمل ويختار!
فكما أنّ السوق يعتبر ساحة للتنافس بين التجّار، وكما أنّ من لا يرغب في المنافسة، فليس له دخول مضمار السوق، كذلك هي ساحة الدنيا ومضمار الكدح إلى الله تعالى، فكيف يصحّ تصوّر إنسانٍ في الحياة الدنيا، وهو يرفض الالتزام بقوانين المضمار أو يتجاهل حقيقة الهدف؟
إنّ الإنسان المؤمن يمتاز حتى في الأمور المادية بالسعي للحصول على الثواب من عند الله تعالى؛ بسبب نيّته، على الضدّ من الإنسان غير العارف بربّه، إذ لا شكران لسعيه مهما بنى وشيّد وجمع وفرّق.
إنّ المدرسة والمسجد والحسينيّة وغيرها من مصاديق الخير مضامير السباق إلى كسب رضا الله تعالى واكتساب الفضل والنعم الإلهيّة الكبرى، ومن يتقدّم على منافسه هو الذي يجاهد الشيطان فعلاً، ويجاهد بما أوتي من إمكانات.
صحيح أنّ الناس لا قدرة لهم على أداء حقّ الله تعالى في العبادة، إلا أنّ الله تعالى قد جعل لهم من الخصائص والفرص ما تقرّبهم إليه زلفى، ومنها: أنّه تبارك اسمه قد شرع للمسلمين صوم شهر رمضان ومنحهم فرصة شهر رمضان؛ ليعبّدوا به طريق الوصول إلى الجنة. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة»(8).
ففي كلّ نفس للإنسان ثواب، وفي كلّ نومة جزاء حسن.
وأكثر من ذلك: أنّ الله يحبس(9) الشيطان في هذا الشهر المبارك.
وهذه كلّها امتيازات وألطاف إلهية غير متناهية على الناس، يتوجّب عليهم الاستفادة القصوى منها.
روي عن الإمام الحسين عليه السلام، قوله:
إنّ الله عزّ وجلّ اخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في الحسنات، فلا يستصغرنّ أحد منكم حسنة، لأنّه لا يدري فيم رضا الله تعالى. وأخفى سخطه في السيئات، فلا يستصغرنّ أحدكم سيّئة، فإنّه لا يدري فيم سخط الله...(10).
فلا يستصغرنّ المرء أيّة عبادة، مثل الاستغفار قبل الشروع بالدرس، أو قراءة صغار السور القرآنية قبيل النوم.
ومن ناحية أخرى، لا يجدر بالفرد العاقل استصغار أيّ نوع من المعاصي، وإنّما المفترض المحافظة على النفس في مواجهة الشيطان ومنعه دون اقتحامه القلب واحتلاله.
يتــــــــــبع[/font][/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استحالة أداء حقوق الله كلّها
«يا أبا ذر، إنّ حقوق الله جلّ ثناؤه أعظم من أنْ يقوم بها العباد، وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن امسوا وأصبحوا تائبين».
يثير النبي المصطفى صلى الله عليه وآله في هذا المقطع من الوصيّة انتباه أبي ذر رضوان الله تعالى عليه إلى ثلاث قضايا، وهي: العبادة، والشكر، والتوبة.
كما يؤكّد صلى الله عليه وآله بأنّ حقوق الله سبحانه وتعالى على درجة من العظمة بحيث تعجز جميع المخلوقات عن أدائها، وإن استخدموا مطلق قابليّاتهم وواصلوا العبادة والشكر طيلة أعمارهم.
ومن لا طاقة له على تقديم الشكر المطلوب، يفترض به أن يلتزم بواجب التوبة والاستغفار والتضرّع إلى الله تعالى، لعلّه يجبر ضعفه وعجزه عن أداء حقّ الشكر لربّه.
ولعلّ إحدى فوائد وآثار الإقرار بالعجز عن أداء الشكر لله تعالى أن لا يصاب المرء بالغرور والعجب بطاعاته وعباداته.
العجب بالعبادة
من مؤامرات الشيطان ومكائده أنّه يستهدف عبادة ابن آدم ليمزج معها العجب والغرور، بمعنى أنّه قد لا يوسوس للعابد ـ في بعض المرّات ـ بارتكاب هذا الذنب أو ذاك، وإنّما يقصد العبادة بحدّ ذاتها ليصيبها في الصميم، ويأتي على إيمان الإنسان ويهدمه من أسسه.
فقد يقوم المؤمن بأداء صلاته بنيّة خالصة وحضور قلبيّ مقترن بالخضوع والخشوع، ولكنّ الشيطان يدخل عليه من نافذة صلاته ليقول له: لا أحد يصلّي مثلك، ويمتدح ما عنده من الخشوع والتوجّه، حتى يلقي في روعه العُجب والغرور، فيعبّد جادة الانحراف في قلبه وعقله.
عن الإمام الصادق سلام الله عليه قال: قال رسول صلّى الله عليه وآله: بينما موسى عليه السلام جالساً إذ أقبل إبليس وعليه برنس(1) ذو ألوان، فلما دنا من موسى عليه السلام خلع البرنس وقام إلى موسى فسلّم عليه. فقال له موسى: من أنت؟ فقال: أنا إبليس، قال: أنت فلا قرّب الله دارك. قال: إنّي إنّما جئت لأسلّم عليك لمكانك من الله. قال: فقال له موسى عليه السلام: فما هذا البرنس؟ قال: به أختطف قلوب بني آدم. فقال موسى: فأخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ قال: إذا أعجبته نفسُه، واستكثر عملَه، وصُغر في عينه ذنبه(2).
وروي عن الصادق عليه السلام أيضاً أنّه قال:
يدخل رجلان المسجد أحدهما عابد والآخر فاسق(3) فيخرجان من المسجد والفاسق صديق والعابد فاسق، وذلك أنّه يدخل العابد المسجد وهو مدلّ بعبادته ويكون فكره في ذلك ويكون فكرة الفاسق في التندّم على فسقه؛ فيستغفر الله من ذنوبه(4).
والعلّة في ذلك تكمن في أنّ الرجل الصالح قد أدّى عبادةً معيّنة في المسجد، ولم يظلم أحداً، ولكنّه حينما همّ بالخروج، خرج وهو «مدلّ بعبادته» أي أنّه قد دخله العجب واغترّ بعبادته، وهذه الحالة لا تحتاج إلى حركة أعضاء وجوارح، وإنّما الله (يَعلَمُ السِرَّ وَأخفى)(5) ولذلك خرج الصالح فاسقاً بعد أن كان عابداً.
ولكن الفاسق دخل المسجد فرأى صاحبه العابد بحالة من الخضوع والخشوع يتعبّد ويستغفر، ففكّر في نفسه وقال: إذا كان هذا الصالح يتعبّد ويستغفر ويخشع ويخضع، فالويل لي مما ارتكبت من الذنوب، ثمّ تكرّست في ذاته حالة من الندم والتوبة، علماً أنّه لم ترد في الرواية كلمة تشير إلى أن الرجل الفاسق قد مارس الصلاة أو الدعاء داخل المسجد، وإنّما تمّت الإشارة فيها إلى مجرّد الندم والتوبة القلبية، وهذا ما اعتبرته الرواية الكريمة عبادة حقّة.
أجل، لا ينبغي الاغترار بالعبادة، لاسيّما وأنّ حقّ الله تعالى كبير إلى حدّ يعجز فيه العقل عن حدّه والعلم عن وصفه؛ مهما عظما واتسعا، كما تعجز كلّ عبادة وكلّ شكر عن مجاراة عظيم حقّ الله تعالى أو الدنوّ منه.
ولوصف المعنى نقول: لو أنّ رجلاً فاحش الثراء استضافه صديق له فقير، فإنّ هذا الأخير سوف لا يسعه تقديم ما يناسب صديقه الثريّ من طعام ومجلس مهما جهد وسعى، رغم أنّه قد يبذل الكثير من الطاقة والجهد، فتراه يجد نفسه مضطراً إلى الاعتذار إليه على قصوره أو تقصيره، رغم علمه بأنّه حرص على أن لا يبدو مقصّراً، ذلك لأنّ له عقلاً يميّز به حقيقة أنّ ما قدّم غير لائق بضيفه.
وكذلك شأن العبادة، فمهما بدت لصاحبها متكاملة إلا أنّها غير لائقة على سبيل الحتم بمقام الربوبيّة الأجلّ الأقدس، هذا مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ الله سبحانه وتعالى قد قبل عبادات الأنبياء والصالحين وكثير من العباد، وهو غير محتاج لهم أو لعباداتهم.
ولكن لشديد الأسف نرى الشيطان لا يسمح للناس بالتنبّه والالتفات، فهم يتذكّرون ربّهم عند سماعهم موعظة واحدة، ولكن ما إن ينقضي عنهم وقت ليس بالكثير حتى تراهم ينحرفون عن جادة الحقّ، ويعودون بأمسّ الحاجة إلى موعظة أخرى تعيدهم إلى الصواب.
إنّ غواية إبليس لا تختصّ بذنوب الإنسان الظاهريّة فحسب، لأنّ لمؤامراته ومكائده فيما يخصّ الذنوب الخفية والباطنية فاعلية أكبر، لذلك تراه يحرص أكثر ما يحرص على إفساد وتخريب باطن الإنسان وجوهره.
روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال لعبد الله بن جندب في معرض تحذيره له من الشيطان:
يا عبد الله؛ لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور، فما يقصد فيها إلاّ أولياءنا(6).
إنّ من المفترض بمن تلقّى بعض العلم، وكان يتمتّع بذهنيّة وقّادة أن يحذر من مرض العجب والغرور، وأن يدرك أنّ ذهنيتّة هذه إنّما هي نعمة ربانيّة قد منحت له من الله تعالى بلا مقابل. وبهذه الذهنيّة التي وهبها الله إيّاه استطاع أن يكون محطّ حاجة الناس، ولكنه بدلاً من أن يلبّي للناس حاجاتهم العلمية والثقافية، تراه ممتلئاً غروراً وعجباً، وهذا من حبائل الشيطان.
إن الشيطان لا يصارح الإنسان بهدفه ونيّته، وإنّما يتسلّل إليه شيئاً فشيئاً، فليقّنه الغرور كلمة كلمة، ويغذّيه بالعجب لقمةً لقمة، وما يحول دون الإصابة بهذه الجراثيم القاتلة هو العلم بأن حقوق الله لا يمكن للإنسان تأديتها على الوجه المطلوب، وأنّ أعماله غير لائقة في محضر الله وساحته القدسية، وأنّ من المفترض به أن يسعى إلى اجتناب المحارم، وإذا ارتكب ذنباً عليه أن يفرّ من ارتكابه ثانية ويتّجه إلى ربّه وحاميه. وإذا عصى الله وارتكب موبقة ـ ولو ـ أربعين مرّة، فما هو المبرّر والداعي لأن يصرّ على الموبقات ويعود لارتكابها ثانية؟! وكذلك لو عصى ألف مرّة، فعليه أن يهجر الذنوب ويحذر من ارتكاب المعصية الأولى بعد الألف!
تستحبّ «الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم» بعد تكبيرة الإحرام في الصلاة وقبل بسملة سورة (الحمد) المباركة. وينبغي أن تقال بكلّ إصرار وعزم؛ ليكون المصلّي في مأمنٍ من الشيطان وإلقاءاته.
لقد كان بمستطاع الله عزّ وجل أن لا يخلق الشيطان؛
(لَوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا)(7)
ولكنّه خلقه ليمتحن الناس ويفتنهم، ليُعلم مدى تمسّكهم بأوامر الله تعالى وابتعادهم عن نواهيه.
إنّ الله وهب الإنسان العقل، وغرس فيه الشهوة، وخلق الشيطان يوسوس له، ومنح الإنسان أيضاً الإرادة، ليكتشف ذاته ويرى ماذا يعمل ويختار!
فكما أنّ السوق يعتبر ساحة للتنافس بين التجّار، وكما أنّ من لا يرغب في المنافسة، فليس له دخول مضمار السوق، كذلك هي ساحة الدنيا ومضمار الكدح إلى الله تعالى، فكيف يصحّ تصوّر إنسانٍ في الحياة الدنيا، وهو يرفض الالتزام بقوانين المضمار أو يتجاهل حقيقة الهدف؟
إنّ الإنسان المؤمن يمتاز حتى في الأمور المادية بالسعي للحصول على الثواب من عند الله تعالى؛ بسبب نيّته، على الضدّ من الإنسان غير العارف بربّه، إذ لا شكران لسعيه مهما بنى وشيّد وجمع وفرّق.
إنّ المدرسة والمسجد والحسينيّة وغيرها من مصاديق الخير مضامير السباق إلى كسب رضا الله تعالى واكتساب الفضل والنعم الإلهيّة الكبرى، ومن يتقدّم على منافسه هو الذي يجاهد الشيطان فعلاً، ويجاهد بما أوتي من إمكانات.
صحيح أنّ الناس لا قدرة لهم على أداء حقّ الله تعالى في العبادة، إلا أنّ الله تعالى قد جعل لهم من الخصائص والفرص ما تقرّبهم إليه زلفى، ومنها: أنّه تبارك اسمه قد شرع للمسلمين صوم شهر رمضان ومنحهم فرصة شهر رمضان؛ ليعبّدوا به طريق الوصول إلى الجنة. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة»(8).
ففي كلّ نفس للإنسان ثواب، وفي كلّ نومة جزاء حسن.
وأكثر من ذلك: أنّ الله يحبس(9) الشيطان في هذا الشهر المبارك.
وهذه كلّها امتيازات وألطاف إلهية غير متناهية على الناس، يتوجّب عليهم الاستفادة القصوى منها.
روي عن الإمام الحسين عليه السلام، قوله:
إنّ الله عزّ وجلّ اخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في الحسنات، فلا يستصغرنّ أحد منكم حسنة، لأنّه لا يدري فيم رضا الله تعالى. وأخفى سخطه في السيئات، فلا يستصغرنّ أحدكم سيّئة، فإنّه لا يدري فيم سخط الله...(10).
فلا يستصغرنّ المرء أيّة عبادة، مثل الاستغفار قبل الشروع بالدرس، أو قراءة صغار السور القرآنية قبيل النوم.
ومن ناحية أخرى، لا يجدر بالفرد العاقل استصغار أيّ نوع من المعاصي، وإنّما المفترض المحافظة على النفس في مواجهة الشيطان ومنعه دون اقتحامه القلب واحتلاله.
يتــــــــــبع[/font][/align]
[align=]يا غياث المستغيثين أغثني بـ قالع باب خيبر علي بن أبي طالب أدركني[/align]
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 26879
- اشترك في: الجمعة أكتوبر 24, 2008 1:16 am
- مكان: بين الرياحين
Re: قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
[align=center][font=Traditional Arabic]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
ربي يعطيكِ العافية أختي عزيزة الله على الطرح المبارك
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين[/font][/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد
ربي يعطيكِ العافية أختي عزيزة الله على الطرح المبارك
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين[/font][/align]
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 1406
- اشترك في: الاثنين يناير 25, 2010 7:03 pm
Re: قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
أختي عزيزة الله
شكرا على مجهودك الجميل
دمت في حفظ الرحمن ورعايته[/align]
اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
أختي عزيزة الله
شكرا على مجهودك الجميل
دمت في حفظ الرحمن ورعايته[/align]
يا مَنْ يُعْطي مَنْ سَأَلَهُ يا مَنْ يُعْطي مَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ
-
- المدير الإداري
- مشاركات: 49874
- اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 23, 2008 1:36 pm
- الجنس: فاطمية
Re: قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
[align=center][font=Traditional Arabic] بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ
ياغياث المستغيثين أغثني بصاحب الطلعة البهية المنتظر المهدي أدركني
الله يعطيك العافية أختي الكريمة
عزيزة الله
في ميزان أعمالك[/font][/align]
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ
ياغياث المستغيثين أغثني بصاحب الطلعة البهية المنتظر المهدي أدركني
الله يعطيك العافية أختي الكريمة
عزيزة الله
في ميزان أعمالك[/font][/align]
يقينا كله خير
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 27275
- اشترك في: الاثنين يناير 26, 2009 6:25 pm
Re: قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
[align=center][font=Traditional Arabic]اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم و ارحمنا بهم يا كريم ,,
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أختي الكريمة بارك الله فيكِ و وفقكِ لكل خـــير.[/font][/align]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أختي الكريمة بارك الله فيكِ و وفقكِ لكل خـــير.[/font][/align]
-
- عضو موقوف
- مشاركات: 49213
- اشترك في: السبت أكتوبر 04, 2008 5:03 pm
- مكان: في قلب منتداي الحبيب
Re: قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
[align=center][font=Traditional Arabic]اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
احسنتِ
جزاكِ الله كل خير[/font][/align]
احسنتِ
جزاكِ الله كل خير[/font][/align]
( حسبي الله ونعم الوكيل )
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 39518
- اشترك في: الأربعاء إبريل 29, 2009 11:20 am
Re: قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
بارك الله فيكِ اختي الكريمة عزيزة الله
الله يعطيكِ الفين عافية طرح رائع و مبارك
موفقة يا رب[/align]
اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
بارك الله فيكِ اختي الكريمة عزيزة الله
الله يعطيكِ الفين عافية طرح رائع و مبارك
موفقة يا رب[/align]
(( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ))
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 7244
- اشترك في: الخميس يناير 01, 2009 3:47 am
Re: قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
بارك الله بكم اختي الكريمة على الطرح الرائع
في ميزان اعمالكم ان شاء الله
جزاكم الله خير الجزاء
تحياتي
اللهم صل على محمد وال محمد
بارك الله بكم اختي الكريمة على الطرح الرائع
في ميزان اعمالكم ان شاء الله
جزاكم الله خير الجزاء
تحياتي
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 33196
- اشترك في: السبت أغسطس 15, 2009 6:47 pm
- مكان: قلب هجــر الحبيبة
Re: قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واهلك اعداءهم يا كريم
ألف شكر لكم على المرور العطر
دمتم بخير
ألف شكر لكم على المرور العطر
دمتم بخير
[align=]يا غياث المستغيثين أغثني بـ قالع باب خيبر علي بن أبي طالب أدركني[/align]
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 16729
- اشترك في: السبت أكتوبر 25, 2008 4:26 am
Re: قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
[align=center]اللهم صلّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم يا كريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
جزاكم الله خيرا عالمشاركة القيمة
بارك الله فيكم ورحم الله والديكم ويعطيكم العافية
وفقكم الله تعالى
نسألكم الدعاء[/align]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
جزاكم الله خيرا عالمشاركة القيمة
بارك الله فيكم ورحم الله والديكم ويعطيكم العافية
وفقكم الله تعالى
نسألكم الدعاء[/align]
الى متى يا مهدينا الى متى هذا الغياب عجل على ظهورك
إذا كنا مع الحق فلا نبالي
إذا كنا مع الحق فلا نبالي
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 6385
- اشترك في: الخميس ديسمبر 17, 2009 7:59 pm
Re: قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
جزاكم الله خير الجزاء طرح مبارك ومفيد
عزيزتي عزيزة الله بارك المولى بكِ
ورزقكِ من فيض علم أهل البيت عليهم أفضل الصلاة وأتم السلام
جزاكم الله خير الجزاء طرح مبارك ومفيد
عزيزتي عزيزة الله بارك المولى بكِ
ورزقكِ من فيض علم أهل البيت عليهم أفضل الصلاة وأتم السلام
شكراً كثيراً
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 10284
- اشترك في: الجمعة يونيو 05, 2009 12:09 am
Re: قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكراً لك .. موضوع أكثر من رائع
وبارك الله بكم
وجزيتم خير الجزاء[/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكراً لك .. موضوع أكثر من رائع
وبارك الله بكم
وجزيتم خير الجزاء[/align]
اتَّقُوا ظُنُونَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ.
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 33196
- اشترك في: السبت أغسطس 15, 2009 6:47 pm
- مكان: قلب هجــر الحبيبة
Re: قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واهلك اعداءهم يا كريم
ألف شكر لكم على المرور العطر
دمتم بخير
ألف شكر لكم على المرور العطر
دمتم بخير
[align=]يا غياث المستغيثين أغثني بـ قالع باب خيبر علي بن أبي طالب أدركني[/align]
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 13645
- اشترك في: الأربعاء أكتوبر 29, 2008 2:15 am
Re: قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
قل للمغيّب تحت أطباق الثرى * إن كنت تسمع صرختي وندائيا
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 23718
- اشترك في: الأربعاء ديسمبر 10, 2008 4:13 am
- مكان: في مملكة الزهراء
Re: قبسات من وصية النبي الأكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (ر) ج 9
[align=center][font=Traditional Arabic]بسم رب الزهراء عليها السلام
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام على بديعة الوصف والمنظرالسلام على من نرتجيها ليوم الفزع الأكبر
حبيبتي مريومة جزاك الله خير الجزاء
دمتم بحب ورعاية الزهراء[/font][/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام على بديعة الوصف والمنظرالسلام على من نرتجيها ليوم الفزع الأكبر
حبيبتي مريومة جزاك الله خير الجزاء
دمتم بحب ورعاية الزهراء[/font][/align]
اللهم أدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد
وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد
وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد