اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك لمْ أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إنْ لم تعرّفني رسولك لم أعرفْ حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضلَلتُ عن ديني
القرآن وعصمة النبي عن الخطأ والسهو / الشيخ جعفر السبحاني
المشرفون: أنوار فاطمة الزهراء،تسبيحة الزهراء
-
- عضو موقوف
- مشاركات: 49213
- اشترك في: السبت أكتوبر 04, 2008 5:03 pm
- مكان: في قلب منتداي الحبيب
القرآن وعصمة النبي عن الخطأ والسهو / الشيخ جعفر السبحاني
[align=center][font=Traditional Arabic]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد عرفت منطق العقل في لزوم عصمة النبيّ من الخطأ في مجال تطبيق الشريعة، ومجال الأمور العادية المعدّة للحياة، وهذا الحكم لا يختص بمنطقه، بل الذكر الحكيم يدعمه بأحسن وجه، وإليك ما يدل على ذلك:
1. قال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}[1]، وقال أيضًا: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}[2].
وقد نقل المفسّرون حول نزول الآيات وما بينهما من الآيات روايات رووها بطرق مختلفة، نذكر ما ذكره ابن جرير الطبري عن ابن زيد قال: كان رجل سرق درعًا من حديد في زمان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وطرحه على يهودي، فقال اليهودي: والله ما سرقتها يا أبا القاسم، ولكن طرحت عليّ، وكان للرجل الذي سرق جيران يبرّؤونه ويطرحونه على اليهودي، ويقولون: يا رسولَ الله، إنّ هذا اليهودي الخبيث يكفر بالله وبما جئت به، قال: حتى مال عليه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ببعض القول، فعاتبه الله عزّ وجلّ في ذلك فقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}[3].
أقول: سواء أصحّت هذه الرواية أم لا، فمجموع ما ورد حول الآيات من أسباب النزول متّفق على أنّ الآيات نزلت حول شكوى رفعت إلى النبيّ، وكان كل من المتخاصمين يسعى ليبرىَ نفسه ويتّهم الآخر، وكان في جانب واحد منهما رجل طليق اللسان يريد أن يخدع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ببعض تسويلاته ويثير عواطفه على المتهم البريء حتى يقضي على خلاف الحق، وعند ذلك نزلت الآية ورفعت النقاب عن وجه الحقيقة، فعرف المحق من المبطل.
والدقة في فقرات الآية الثانية يوقفنا على سعة عصمة النبيّ من الخطأ وصيانته من السهو، لأنّها مولّفة من فقرات أربع، كل يشير إلى أمر خاص:
1- {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَىْءٍ}.
2- {وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}. -
3- {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ}.
4- {وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.
فالأولى منها: تدل على أنّ نفس النبىّ بمجردها لا تصونه من الضلال (أي من القضاء على خلاف الحق) وإنّما يصونه سبحانه عنه، ولولا فضل الله ورحمته لهمّت طائفة أن يرضوه بالدفاع عن الخائن والجدال عنه، غير أنّ فضله العظيم على النبيّ هو الذي صدّه عن مثل هذا الضلال وأبطل أمرهم الموَدى إلى إضلاله، وبما أنّ رعاية الله سبحانه وفضله الجسيم على النبيّ ليست مقصورة على حال دون حال، أو بوقت دون وقت آخر، بل هو واقع تحت رعايته وصيانته منذ أن بعث إلى أن يلاقي ربَّه، فلا يتعدّى إضلال هؤلاء أنفسهم ولا يتجاوز إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهم الضالّون بما همّوا به كما قال: {وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ}.
والفقرة الثانية: تشير إلى مصادر حكمه ومنابع قضائه، وأنّه لا يصدر في ذلك المجال إلاّ عن الوحي والتعليم الاِلهي، كما قال سبحانه: {وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} والمراد المعارف الكلية العامة من الكتاب والسنة.
ولما كان هذا النوع من العلم الكلي أحد ركني القضاء وهو بوحده لا يفي بتشخيص الموضوعات وتمييز الصغريات، فلابد من الركن الآخر وهو تشخيص المحق من المبطل، والخائن من الأمين، والزاني من العفيف، أتى بالفقرة الثالثة وقال: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} ومقتضى العطف، مغائرة المعطوف، مع المعطوف عليه، فلو كان المعطوف عليه ناظرًا إلى تعرّفه على الركن الأول وهو العلم بالأصول والقواعد الكلية الواردة في الكتاب والسنّة، يكون المعطوف ناظرًا إلى تعرّفه على الموضوعات والجزئيات التي تعد ركنًا ثانيًا للقضاء الصحيح، فالعلم بالحكم الكلي الشرعي وتشخيص الصغريات وتمييز الموضوعات جناحان للقاضي يحلّق بهما في سماء القضاء بالحق من دون أن يجنح إلى جانب الباطل، أو يسقط في هوّة الضلال.
قال العلاّمة الطباطبائي: إنّ المراد من قوله سبحانه: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} ليس علمه بالكتاب والحكمة، فإنّ مورد الآية، قضاء النبيّ في الحوادث الواقعة، والدعاوى المرفوعة إليه، برأيه الخاص، وليس ذلك من الكتاب والحكمة بشيء، وإن كان متوقفًا عليهما، بل المراد رأيه ونظره الخاص[4].
ولما كان هنا موضع توهّم وهو أنّ رعاية الله لنبيّه تختصّ بمورد دون مورد، دفع ذلك التوهّم بالفقرة الرابعة فقال سبحانه: {وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} حتى لا يتوهّم اختصاص فضله عليه بواقعة دون أخرى، بل مقتضى عظمة الفضل، سعة شموله لكل الوقائع والحوادث، سواء أكانت من باب المرافعات والمخاصمات، أم الأمور العادية، فتدل الفقرة الأخيرة على تعرّفه على الموضوعات ومصونيته عن السهو والخطأ في مورد تطبيق الشريعة، أو غيره، ولا كلام أعلى وأغزر من قوله سبحانه في حق حبيبه: {وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.
2. قال سبحانه: {وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[5]. إنّ الشهادة المذكورة في الآية حقيقة من الحقائق القرآنية تكرّر ذكرها في كلامه سبحانه، قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا}[6]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}[7]، وقال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ}[8]، والشهادة فيها مطلقة، وظاهر الجميع هو الشهادة على أعمال الأمم وعلى تبليغ الرسل كما يومئ إليه قوله تعالى: {فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}[9]. وهذه الشهادة وإن كانت في الآخرة ويوم القيامة لكن يتحمّلها الشهود في الدنيا على ما يدل عليه قوله سبحانه حكاية عن عيسى: {وكُنْتُ عَلَيِهِمْ شَهِيدًا ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّـا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأنْتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ}[10]، وقال سبحانه: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}[11]. ومن الواضح أنّ الشهادة فرع العلم، وعدم الخطأ في تشخيص المشهود به، فلو كان النبيّ من الشهداء يجب ألاّ يكون خاطئًا في شهادته، فالآية تدلّ على صيانته وعصمته من الخطأ في مجال الشهادة كما تدلّ على سعة علمه، لأنّ الحواس لا ترشدنا إلاّ إلى صور الأعمال والأفعال، والشهادة عليها غير كافية عند القضاء، وإنّما تكون مفيدة إذا شهد على حقائقها من الكفر والإيمان، والرياء والإخلاص، وبالجملة على كل خفي عن الحسّ ومستبطن عند الإنسان، أعني ما تكسبه القلوب وعليه يدور حساب ربّ العالمين، قال تعالى: {وَلَكِن يُوََاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}[12]، ولا شك أنّ الشهادة على حقائق أعمال الأُمّة خارج عن وسع الإنسان العادي إلاّ إذا تمسّك بحبل العصمة وولي أمر الله بإذنه، ولنا في الأجزاء الآتية من هذه الموسوعة بحث حول الشهداء في القرآن، فنكتفي بهذا القدر في المقام.
ثم إنّ العلاّمة الحجّة السيد عبد الله شبر أقام دلائل عقلية ونقلية على صيانة النبيّ عن الخطأ، ولكن أكثرها كما صرّح به نفسه (قدّس الله سرّه) مدخولة غير واضحة، ومن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى كتابه[13].
المصدر: عصمة الأنبياء في القرآن الكريم.
------------------------
[1] النساء: 105.
[2] النساء: 113.
[3] تفسير الطبري: 4/172.
[4] الميزان: 5/81.
[5] البقرة: 143.
[6] النساء: 41.
[7] النحل: 84.
[8] الزمر: 69.
[9] الأعراف: 6.
[10] المائدة: 117.
[11] النساء: 159.
[12] البقرة: 225.
[13] مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار: 2/128 ـ 140. [/font][/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد عرفت منطق العقل في لزوم عصمة النبيّ من الخطأ في مجال تطبيق الشريعة، ومجال الأمور العادية المعدّة للحياة، وهذا الحكم لا يختص بمنطقه، بل الذكر الحكيم يدعمه بأحسن وجه، وإليك ما يدل على ذلك:
1. قال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}[1]، وقال أيضًا: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}[2].
وقد نقل المفسّرون حول نزول الآيات وما بينهما من الآيات روايات رووها بطرق مختلفة، نذكر ما ذكره ابن جرير الطبري عن ابن زيد قال: كان رجل سرق درعًا من حديد في زمان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وطرحه على يهودي، فقال اليهودي: والله ما سرقتها يا أبا القاسم، ولكن طرحت عليّ، وكان للرجل الذي سرق جيران يبرّؤونه ويطرحونه على اليهودي، ويقولون: يا رسولَ الله، إنّ هذا اليهودي الخبيث يكفر بالله وبما جئت به، قال: حتى مال عليه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ببعض القول، فعاتبه الله عزّ وجلّ في ذلك فقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}[3].
أقول: سواء أصحّت هذه الرواية أم لا، فمجموع ما ورد حول الآيات من أسباب النزول متّفق على أنّ الآيات نزلت حول شكوى رفعت إلى النبيّ، وكان كل من المتخاصمين يسعى ليبرىَ نفسه ويتّهم الآخر، وكان في جانب واحد منهما رجل طليق اللسان يريد أن يخدع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ببعض تسويلاته ويثير عواطفه على المتهم البريء حتى يقضي على خلاف الحق، وعند ذلك نزلت الآية ورفعت النقاب عن وجه الحقيقة، فعرف المحق من المبطل.
والدقة في فقرات الآية الثانية يوقفنا على سعة عصمة النبيّ من الخطأ وصيانته من السهو، لأنّها مولّفة من فقرات أربع، كل يشير إلى أمر خاص:
1- {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَىْءٍ}.
2- {وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}. -
3- {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ}.
4- {وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.
فالأولى منها: تدل على أنّ نفس النبىّ بمجردها لا تصونه من الضلال (أي من القضاء على خلاف الحق) وإنّما يصونه سبحانه عنه، ولولا فضل الله ورحمته لهمّت طائفة أن يرضوه بالدفاع عن الخائن والجدال عنه، غير أنّ فضله العظيم على النبيّ هو الذي صدّه عن مثل هذا الضلال وأبطل أمرهم الموَدى إلى إضلاله، وبما أنّ رعاية الله سبحانه وفضله الجسيم على النبيّ ليست مقصورة على حال دون حال، أو بوقت دون وقت آخر، بل هو واقع تحت رعايته وصيانته منذ أن بعث إلى أن يلاقي ربَّه، فلا يتعدّى إضلال هؤلاء أنفسهم ولا يتجاوز إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهم الضالّون بما همّوا به كما قال: {وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ}.
والفقرة الثانية: تشير إلى مصادر حكمه ومنابع قضائه، وأنّه لا يصدر في ذلك المجال إلاّ عن الوحي والتعليم الاِلهي، كما قال سبحانه: {وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} والمراد المعارف الكلية العامة من الكتاب والسنة.
ولما كان هذا النوع من العلم الكلي أحد ركني القضاء وهو بوحده لا يفي بتشخيص الموضوعات وتمييز الصغريات، فلابد من الركن الآخر وهو تشخيص المحق من المبطل، والخائن من الأمين، والزاني من العفيف، أتى بالفقرة الثالثة وقال: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} ومقتضى العطف، مغائرة المعطوف، مع المعطوف عليه، فلو كان المعطوف عليه ناظرًا إلى تعرّفه على الركن الأول وهو العلم بالأصول والقواعد الكلية الواردة في الكتاب والسنّة، يكون المعطوف ناظرًا إلى تعرّفه على الموضوعات والجزئيات التي تعد ركنًا ثانيًا للقضاء الصحيح، فالعلم بالحكم الكلي الشرعي وتشخيص الصغريات وتمييز الموضوعات جناحان للقاضي يحلّق بهما في سماء القضاء بالحق من دون أن يجنح إلى جانب الباطل، أو يسقط في هوّة الضلال.
قال العلاّمة الطباطبائي: إنّ المراد من قوله سبحانه: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} ليس علمه بالكتاب والحكمة، فإنّ مورد الآية، قضاء النبيّ في الحوادث الواقعة، والدعاوى المرفوعة إليه، برأيه الخاص، وليس ذلك من الكتاب والحكمة بشيء، وإن كان متوقفًا عليهما، بل المراد رأيه ونظره الخاص[4].
ولما كان هنا موضع توهّم وهو أنّ رعاية الله لنبيّه تختصّ بمورد دون مورد، دفع ذلك التوهّم بالفقرة الرابعة فقال سبحانه: {وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} حتى لا يتوهّم اختصاص فضله عليه بواقعة دون أخرى، بل مقتضى عظمة الفضل، سعة شموله لكل الوقائع والحوادث، سواء أكانت من باب المرافعات والمخاصمات، أم الأمور العادية، فتدل الفقرة الأخيرة على تعرّفه على الموضوعات ومصونيته عن السهو والخطأ في مورد تطبيق الشريعة، أو غيره، ولا كلام أعلى وأغزر من قوله سبحانه في حق حبيبه: {وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.
2. قال سبحانه: {وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[5]. إنّ الشهادة المذكورة في الآية حقيقة من الحقائق القرآنية تكرّر ذكرها في كلامه سبحانه، قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا}[6]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}[7]، وقال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ}[8]، والشهادة فيها مطلقة، وظاهر الجميع هو الشهادة على أعمال الأمم وعلى تبليغ الرسل كما يومئ إليه قوله تعالى: {فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}[9]. وهذه الشهادة وإن كانت في الآخرة ويوم القيامة لكن يتحمّلها الشهود في الدنيا على ما يدل عليه قوله سبحانه حكاية عن عيسى: {وكُنْتُ عَلَيِهِمْ شَهِيدًا ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّـا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأنْتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ}[10]، وقال سبحانه: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}[11]. ومن الواضح أنّ الشهادة فرع العلم، وعدم الخطأ في تشخيص المشهود به، فلو كان النبيّ من الشهداء يجب ألاّ يكون خاطئًا في شهادته، فالآية تدلّ على صيانته وعصمته من الخطأ في مجال الشهادة كما تدلّ على سعة علمه، لأنّ الحواس لا ترشدنا إلاّ إلى صور الأعمال والأفعال، والشهادة عليها غير كافية عند القضاء، وإنّما تكون مفيدة إذا شهد على حقائقها من الكفر والإيمان، والرياء والإخلاص، وبالجملة على كل خفي عن الحسّ ومستبطن عند الإنسان، أعني ما تكسبه القلوب وعليه يدور حساب ربّ العالمين، قال تعالى: {وَلَكِن يُوََاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}[12]، ولا شك أنّ الشهادة على حقائق أعمال الأُمّة خارج عن وسع الإنسان العادي إلاّ إذا تمسّك بحبل العصمة وولي أمر الله بإذنه، ولنا في الأجزاء الآتية من هذه الموسوعة بحث حول الشهداء في القرآن، فنكتفي بهذا القدر في المقام.
ثم إنّ العلاّمة الحجّة السيد عبد الله شبر أقام دلائل عقلية ونقلية على صيانة النبيّ عن الخطأ، ولكن أكثرها كما صرّح به نفسه (قدّس الله سرّه) مدخولة غير واضحة، ومن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى كتابه[13].
المصدر: عصمة الأنبياء في القرآن الكريم.
------------------------
[1] النساء: 105.
[2] النساء: 113.
[3] تفسير الطبري: 4/172.
[4] الميزان: 5/81.
[5] البقرة: 143.
[6] النساء: 41.
[7] النحل: 84.
[8] الزمر: 69.
[9] الأعراف: 6.
[10] المائدة: 117.
[11] النساء: 159.
[12] البقرة: 225.
[13] مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار: 2/128 ـ 140. [/font][/align]
( حسبي الله ونعم الوكيل )
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 7122
- اشترك في: الخميس يونيو 12, 2008 11:16 am
Re: القرآن وعصمة النبي عن الخطأ والسهو / الشيخ جعفر السبحاني
[align=center]
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف وارحمنا بهم يا كريم
•·.·´¯`·.·• عاشقة الله •·.·´¯`·.·•
أحسنتم نور عيني نور الله قلبكم ودربكم بنور القرءان الكريم
بارك الله في جهودكم وشكر سعيكم وانار قلبكم بنور وجهه الكريم
جزاكم الله خير الجزاء وتقبل منكم هذا القليل بأحسن قبول
نسأل الله لكم الموفقية والسداد بجاه محمد وآل محمد
لعن الله ظالميك يامولاتي يا فاطمة الزهراء
راية هدى الزهراء
لا تنسوا ترشيح المنتدى
[/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف وارحمنا بهم يا كريم
•·.·´¯`·.·• عاشقة الله •·.·´¯`·.·•
أحسنتم نور عيني نور الله قلبكم ودربكم بنور القرءان الكريم
بارك الله في جهودكم وشكر سعيكم وانار قلبكم بنور وجهه الكريم
جزاكم الله خير الجزاء وتقبل منكم هذا القليل بأحسن قبول
نسأل الله لكم الموفقية والسداد بجاه محمد وآل محمد
لعن الله ظالميك يامولاتي يا فاطمة الزهراء
راية هدى الزهراء
لا تنسوا ترشيح المنتدى
[/align]
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 10284
- اشترك في: الجمعة يونيو 05, 2009 12:09 am
Re: القرآن وعصمة النبي عن الخطأ والسهو / الشيخ جعفر السبحاني
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكراً لك .. طرح أكثر من رائع
وبارك الله بكم وجزيتم خيرا
حفظكم الله تعالى من شر الجن والانس
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكراً لك .. طرح أكثر من رائع
وبارك الله بكم وجزيتم خيرا
حفظكم الله تعالى من شر الجن والانس
اتَّقُوا ظُنُونَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ.
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 33196
- اشترك في: السبت أغسطس 15, 2009 6:47 pm
- مكان: قلب هجــر الحبيبة
Re: القرآن وعصمة النبي عن الخطأ والسهو / الشيخ جعفر السبحاني
[align=center][font=Traditional Arabic]اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واهلك اعداءهم يا كريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي الكريمة / عاشقة الله
بارك الله فيكِ ، ووفقكِ لكل خير على الطرح الرائع
دمتِ سالمـة[/font][/align]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي الكريمة / عاشقة الله
بارك الله فيكِ ، ووفقكِ لكل خير على الطرح الرائع
دمتِ سالمـة[/font][/align]
[align=]يا غياث المستغيثين أغثني بـ قالع باب خيبر علي بن أبي طالب أدركني[/align]
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 26879
- اشترك في: الجمعة أكتوبر 24, 2008 1:16 am
- مكان: بين الرياحين
Re: القرآن وعصمة النبي عن الخطأ والسهو / الشيخ جعفر السبحاني
[align=center][font=Traditional Arabic]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
ربي يعطيكِ العافية عاشقة الله على الطرح المبارك
الله ينور قلبك بنور آيات ذكره الحكيم ويقضي جميع حوائجكم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين[/font][/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد
ربي يعطيكِ العافية عاشقة الله على الطرح المبارك
الله ينور قلبك بنور آيات ذكره الحكيم ويقضي جميع حوائجكم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين[/font][/align]
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 43141
- اشترك في: الخميس يناير 07, 2010 9:08 pm
Re: القرآن وعصمة النبي عن الخطأ والسهو / الشيخ جعفر السبحاني
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[/align]
يقول الإمام الصادق(ع)"العامل بالظّلم والرَّاضي به والمعين له شركاء ثلاثتهم"
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 2842
- اشترك في: الثلاثاء مارس 17, 2009 5:42 pm
Re: القرآن وعصمة النبي عن الخطأ والسهو / الشيخ جعفر السبحاني
[font=Traditional Arabic]اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم يا كريم
بارك الله بكِ اختي الكريمة
وأثابك وجعله في ميزان حسناتك[/font]
بارك الله بكِ اختي الكريمة
وأثابك وجعله في ميزان حسناتك[/font]
ليس أحب إلى الله من مؤمن تائب ,,, ومؤمنة تائبة
-
- المدير الإداري
- مشاركات: 49874
- اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 23, 2008 1:36 pm
- الجنس: فاطمية
Re: القرآن وعصمة النبي عن الخطأ والسهو / الشيخ جعفر السبحاني
[align=center][font=Traditional Arabic] بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ
ياغياث المستغيثين أغثني بصاحب الطلعة البهية المنتظر المهدي أدركني
بارك الله فيك أختي
عاشقة الله
أحسنتِ الأختيار [/font][/align]
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ
ياغياث المستغيثين أغثني بصاحب الطلعة البهية المنتظر المهدي أدركني
بارك الله فيك أختي
عاشقة الله
أحسنتِ الأختيار [/font][/align]
يقينا كله خير
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 23718
- اشترك في: الأربعاء ديسمبر 10, 2008 4:13 am
- مكان: في مملكة الزهراء
Re: القرآن وعصمة النبي عن الخطأ والسهو / الشيخ جعفر السبحاني
[align=center][font=Traditional Arabic]بسم رب الزهراء عليها السلام
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
السلام على بديعة الوصف والمنظر السلام على بنت من أعذر وأنذر
حبيبتي عاشقة الله وفقتم بحق محمد وآل محمد
دمتم بحب ورعاية الزهراء[/font][/align]
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
السلام على بديعة الوصف والمنظر السلام على بنت من أعذر وأنذر
حبيبتي عاشقة الله وفقتم بحق محمد وآل محمد
دمتم بحب ورعاية الزهراء[/font][/align]
اللهم أدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد
وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد
وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد
-
- فـاطـمـيـة
- مشاركات: 7515
- اشترك في: الثلاثاء فبراير 10, 2009 6:25 pm
Re: القرآن وعصمة النبي عن الخطأ والسهو / الشيخ جعفر السبحاني
[align=center]اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
طرح قيم
شكرا لك اختي الكريمة "عاشقة الله"[/align]
طرح قيم
شكرا لك اختي الكريمة "عاشقة الله"[/align]
-
- عضو موقوف
- مشاركات: 49213
- اشترك في: السبت أكتوبر 04, 2008 5:03 pm
- مكان: في قلب منتداي الحبيب
Re: القرآن وعصمة النبي عن الخطأ والسهو / الشيخ جعفر السبحاني
[align=center][font=Traditional Arabic]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكورين على المرور العطر[/font][/align]
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكورين على المرور العطر[/font][/align]
( حسبي الله ونعم الوكيل )