بسم الله الرحمن الرحيم
وهذا درس هام من دروس الحركة والعمل
إن الاسترخاء في العمل من أضر الاشياء على حركة العامل، وعمله. وعلى الانسان أن يكافح حالة الاسترخاء، ولا يسمح لها أن تتخلّل فترات عمله، ويواصل التحرك والعمل، ليلاً ونهاراً، من غير استرخاء حتى في الفترات التي تتخلّل الأعمال عندما يفرغ الانسان من عمل، وقبل أن يدخل في المرحلة اللاحقة له.
والآية الكريمة تأمر المؤمنين - واللّه أعلم ببصائر كتابه - ألا يسمحوا أن تتخلل أعمالهم فترات الاسترخاء، يقول تعالى:
والنصب يأتي في اللغة بمعنيين:
بمعنى التعب - والجهد وبمعنى القيام، وعلى كلا المعنيين يستقيم تفسير الآية الكريمة بالمعنى الذي ذكرناه، سواء قلنا: "فإذا فرغت من عمل فاجهد نفسك لعمل آخر" أو: "فإذا فرغت من عمل فقم وانهض لعمل آخر".والمعنى على كل حال مكافحة حاله الاسترخاء [٢٢] والتراخي في العمل.
فلا يفرغ الانسان من شوط من العمل حتّى يدخل شوطاً آخر… ولا يسمح لحرارة العمل أن تبرد.
وللحرارة والبرودة في الحركة والعمل والنشاط قانون ونظام، كما أن لهما قانون في الفيزياء… وقانون الحرارة في العمل والحركة: أن حرارة العمل تتصاعد بالمواصلة، وتخف وتتنازل بسرعة في فترات الاسترخاء، وما ينزل من حرارة العمل في فترات الاسترخاء لا يمكن استعادته بسهولة،
ولذلك نجد التأكيد على مواصلة العمل ليلاً ونهاراً في القرآن من دون تراخي.
وقد كانت سورة المزمل من أوائل مانزل من الوحي على قلب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يخاطب الله تعالى فيها رسوله (صلى الله عليه وآله)
ومع السبح الطويل والشاق الذي ينتظره (صلى الله عليه وآله) في النهار يأمره اللّه تعالى أن يقوم الليل إلاّ قليلاً، نصفه أو ينقص منه أو يزيد عليه.
وفي سورة المدثر يأمر اللّه تعالى نبيه بالقيام والمقاومة معاً. (قم فأنذر… ولربك فاصبر) [٢٣].
ويقول تعالى: (واصبر لحكم ربك. فإنك بأعيننا. وسبح بحمد ربك حين تقوم. ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم) [٢٤].
صبر، ومقاومة، واستقامة في النهار، (واصبر لحكم ربك)، ولا تتردد، ولا تتوقف، ولا تتنازل، "فإنك بأعيننا، نراك، وندعمك ونسندك، ونسددك"،
وهذا التسبيح الطويل حين تقوم، وفي الليل وإدبار النجوم هو الزاد الذي يعين رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لمواصلة المقاومة والصبر في النهار… وهذا هو منهج القرآن في العمل، عمل متصل وشاق، في الليل والنهار، صبر وحركة واستقامة في النهار، تسبيح وذكر في الليل… بهذا المزيج من المقاومة والتسبيح يتم العمل.
في لحظة الخطر الأولى لحظة "الغفلة": قد يخسر الانسان كل نتائج عمله.فإن الشيطان يرصد الانسان رصداً دقيقاً، فينقضُّ عليه في لحظة واحدة من لحظات الغفلة فيسلبه كل ماكسبه في حياته في أيام العمل، لولا أن يعصمه الله تعالى ويبعده من الخبيث. ولذلك ورد التحذير الشديد من لحظات الغفلة.
لحظة الخطر الثانية، لحظة "النشوة": فإن لحظات النشوة، إذا لم يسيطر صاحبها عليها تؤدّي به الى السُّكر والغرور والعجب والطغيان، وهي من أخطر الحالات على الانسان.يأمر اللّه تعالى المسلمين في ساعات نشوة النصر والفتح الكبير بالتسبيح والاستغفار،
ولحظة الخطر الثالثة هي لحظة "الاسترخاء": بين عمل وعمل، سواء في حالة النجاح او في حالة الفشل فإن الانسان إذا واجه الفشل في مرحلة من مراحل العمل نزعت نفسه الى الركون الى الراحة والاسترخاء حتى يتخلّص من مرارة الفشل، وهو لا يعلم أن هذا الاسترخاء أضرّ عليه من الفشل نفسه أضعافاً مضاعفة.
فإذا كان على نشاطه وقوته يتدارك الفشل في المحاولات القادمة. أمّا إذا خمد نشاطه واسترخى من العمل فقد لا تعود اليه قوته ونشاطه مرة أخرى.
أن نصل الحركة بالحركة، والعمل بالعمل، والنشاط بالنشاط، ولا ندع الشيطان يتسلل الى نفوسنا في الفترات التي تفصل بين مراحل العمل.
تعب أصحاب رسول اللّه من مواصلة السير في بعض الغزوات، فشكوا أمرهم الى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فعلَّمهم رسول اللّه طريقة من السير أشبه بالهرولة، فزال عنهم التعب، وشعروا بالراحة.
ولابدّ للانسان الى جنب هذه الاستقامة والتواصل في الحركة من الحذر من الغفلة، فإن لحظة واحدة من الغفلة قد تأتي على كل مكاسب العمل.
فقد غفل المسلمون الرماة في "أحد" عن موقعهم الذي وضعهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فيه، رغم أنه (صلى الله عليه وآله) أكد عليهم ألاّ يغيروا مواضعهم. إلا أنهم عندما رأوا الهزيمة في صفوف المشركين ورأوا المسلمين ملاحقي المشركين ويأسرونهم، ويجمعون الغنائم… خالفوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وتركوا الموقع الذي جعلهم عليه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) واندفعوا لجمع الغنائم، فتركوا أظهر المسلمين من دون حماية. فاغتنم خالد بن الوليد هذه اللحظات من الغفلة فهجم على المسلمين من خلف ظهورهم فأصابهم بجروح وأذىً بليغ، يحدثنا عنه القرآن في سورة آل عمران.
إن العمل كله استقامة، ومواصلة، وحذر من الغفلة، وحضور في ساحة العمل، ولحظة من لحظات الاسترخاء والغفلة والغياب قد تكفي للقضاء على عليه، إلاّ أن يعصم اللّه ويحفظ.
وما يصح في العمل في مواجهة الطاغوت والدعوة الى اللّه في "الجهاد الاصغر" يصح تماماً في "الجهاد الاكبر" في مواجهة الهوى والشيطان.
فلابد للانسان في مواجهة الهوى والشيطان ومغريات الحياة الدنيا من التواصل في العمل، ومقاومة التعب والاسترخاء بـ (الصبر) وأن يكون حذراً من الغفلة بذكر اللّه .وذكر اللّه هو الصلاة
وهو ما يأمرنا اللّه تعالى، على طريق ذات الشوكة في الجهاد الاصغر والاكبر على نحو سواء.
٢٢ - والاسترخاء غير الراحة، فإن الاجساد والارواح لابد لهما من راحة، حتى يواصل الانسان عمله بالنشاط، ولا نريد نحن بالاسترخاء هذا المعنى الذي لابد منه للانسان في حياته العملية.
٢٣ - المدثر / ٢ و٧.
٢٤ - الطور / ٤٨ - ٤٩.
٢٥ - البقرة / ١٥٣.
______________________________
ملخص مقالة الشيخ محمد مهدي الآصفي
أربعة دروس من سورة الانشراح