السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وخاتم المرسلين محمد وآله الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
تميزت مدرسة أهل البيت عن غيرها من المدارس الدينية بقوة البينة، وعمق الدليل، ووضوح الحجة، وتمثلت بالصفاء والنقاء والأصالة في نهجها وطرحها المتعدد، معبّرة بذلك بصورة واضحة عن حقيقة وطابع الرسالة المحمدية والنهج الإسلامي الأصيل، وعملت على إبراز الصورة الواضحة للنهج المحمدي النقي والغاية من الدين الإسلامي الحنيف، وتكاملت بالمحبة والسماحة ولين الطرح والقبول لكل من يعارضها، فتحت باب النقاش على مصراعيه بالمناظرات والمطارحات الفكرية، ولم تتعامل بالتكفير والإقصاء وإلغاء الآخر، كما عملت به بعض المدارس الأخرى، ويمكن إثبات صحة اعتقادها من كتب خصومها، وهذا ما يزيد في دعم حجة أتباعها، ويعطيهم الشرعية الصحيحة في نهجها الواضح والبين.
ذهب البعض بالافتراء على الشيعة، وذلك بقول إن مذهب التشيع مستحدث، وأنه نشأ بتأثير الفرس والمجوس واليهود، وهذا اتهام باطل لا أساس له من الصحة، ولا يتطابق مع الأدلة القرآنية والروايات، مدرسة أهل البيت «الإمامية أو الشيعة الأثني عشرية» مدرسة أسسها رسول الله بأمر من الله سبحانه وتعالى، ووضع هو بنفسه المقدسة حجر الأساس لها، وهو أول من بنى لبنتها الأولى، وقد أشار بنفسه إلى ذلك بمجموعة من الأحاديث التي يصححها كبار علماء أهل السنة وتنقلها صحاحهم المختلفة، ومع نقلهم إياها وتصحيحها في كتبهم المعتبرة واعتقادهم بها، إلا أنهم يبتعدون عنها ولا يعملون بها، والروايات بهذا الخصوص كثيرة، والمقام لا يتسع لطرحها هنا، والاختيار فقط لتوضيح وجهة النظر ليس إلا:
· نزول هذه الآية الكريمة والشريفة في علي وشيعته ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ [1] ، وقد استشهد المفسرون في نزولها أنها في علي وشيعته ويمكن الرجوع إليها كما هو موضح في الفهرس.
· قول رسول الله «علي وشيعته هم الفائزون [2] ».
· قال رسول الله مشيراً إلى علي بن أبي طالب : «والذي نفسي بيده أن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة [3] »
· روى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم، إلى علي بن أبي طالب فقال: أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة، من أحبك فقد أحبني، وحبيبك حبيب الله، وعدوك عدوي، وعدوي عدو الله، الويل لمن أبغضك بعدي [4] .
فإذا كانت هذه حقيقة مدرسة أهل البيت، وهذا مقام وشأن إمام مدرسة أهل البيت، الإمام علي بن أبي طالب ، وهذا نهجه الواضح القويم، الذي هو أوضح من طلوع الشمس في وسط النهار، إذا...!!، لماذا كل هذا العداء والتآمر عليه وأتباعه.؟، والتربص بهم ورميهم بالكفر والإلحاد، ونصب العداء والكره لهم.!، هل لأن علي كان سيفا قاطعا لإقامة حدود الله...؟، أم أنه لا يرى إلا تطبيق حدود الله وشرعه، أم لقتله صناديد الكفر والشرك والإلحاد، أم لوقوفه الصادق والمخلص مع الرسول لإرساء قواعد الرسالة التي لولاه لما مثلت ولا قامت..!، أم لتعامله مع الكل بالسوية عكس غيره...!!، أم..أم...!!
أليس هذا هو علي الذي يقاس به العدل والإيمان، وبه يعرف المؤمن والكافر، ويميز به بين المؤمن والمنافق، والذي يدور معه الحق حيث ما دار، وهو القائل.... لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ الْمُؤْمِنِ بِسَيْفِي هذَا عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي مَاأَبْغَضَنِي، وَلَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيَا بِجَمَّاتِهَا عَلَى الْمُنَافِقِ عَلَى أَنْ يُحِبَّنِي مَا أَحَبَّنِي: وَذلِكَ أَنَّهُ قُضِيَ فَانْقَضَى عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الاْمِّيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَا عَلِيُّ، لاَ يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُحِبُّكَ مُنَافِق، بهذا يكون عليّاً ميزان الفطرة والعقيدة، فمن كان ذا فطرة نظيفة وعقيدة سالمه لا يبغضه، ومن كان ذا فطرة خبيثة ملوثة لا يحبه.
أما تسمية هذه المدرسة بهذا الاسم «الجعفرية» أو«الإمامية» ما هو إلا نسبة إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق الذي أسهمت له الفرصة والظرف في نشر ثقافة العلم الصحيح والمعرفة الحقيقية من علوم أهل البيت الطاهرين، وذلك في وقت خمول الدولة الأموية ونشأ الدولة العباسية وبذا سميت المدرسة باسمه، أما الإثني عشرية فهي لعدد قادتها وسادتها ألأئمة الأثني عشر ابتداء بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وختاما بمحمد بن الحسن العسكري صاحب العصر والزمان «عج»، وهذا العدد الذي استشهد به رسول الله، ونقلته كتب الحديث وصححته في كتبها وأولها البخاري ومسلم «فقد روى مسلم عن جابر بن سمرة أنه سمع النبي يقول: «لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش [5] » لا ينطبق هذا الحديث إلا عند الشيعة الإمامية، ولم يثبت واقعه الحقيقي عند غيرهم بكل الطرق والوسائل والمحاولات.
مدرسة أهل البيت التي أسسها رسول الله وأشرف عليها أئمة أهل البيت ، اشتملت على جميع أنواع العلوم والمعرفة ولم تقتصر على الفقه فقط، فقد تفوقت في كل العلوم بدون استثناء، لأنها أخذت العلوم من منبعها الصحيح، أخذته عن طريق الحق وأهل الحق والهدى وهم «محمد وأهل بيته الطاهرين» وليس كغيرها من المدارس، يستحسنوا القول فيضعونه كما فعل بأذان الفجر، فلم يكن ذلك بدليل أو حجة فقط لاستحسانها.
ما تقوم عليه مدرسة أهل البيت راجع لدليل شرعي في القرآن والسنة والحديث، يتطابق فعلها مع القرآن، ومع قول وفعل وعمل رسول الله ، من الله كانت هذه المدرسة ثم رسول الله ثم لعلي وولده واحد تلو واحد، وكان ذلك بالدليل القرآني وبأمر رسول الله ، وأن المسافة بين الرسول وعلي معدومة لأن حياتهما كانت واحدة فكان يسمع منه وينقل عنه مباشرة، ليس كالمدارس الأخرى التي بينها وبين الرسول فترة طويلة.
قادة المذاهب الأربعة تتلمذوا على يد أحد أئمة مدرسة أهل البيت إما مباشرة أو غير مباشرة، حتى قال بعضهم «لولا السنتان لهلك النعمان»، بمعنى أن السنتين اللتين درسهما على يد الإمام جعفر بن محمد الصادق هما ما أنقذاه علميا، فكمل علمه ومعرفته من هاتين السنتين، وهذه هي حقيقة مدرسة أهل البيت وأصالة علومها، وكان الأحرى بكل المدارس الالتحاق بركبها لأنها الأصح والأوضح بينة وحجة على غيرها من المدارس، وتتماشى مع العلم والعقل والمعرفة في وقت واحد، ولا تتناقض في بعض أحكامها كبعض المدارس الأخرى، ولكن هذه هي السياسة ما دخلت في شيء إلى أفسدته، عمل الأمويون والعباسيون على إقصائها وإبعادها بكل الوسائل، وتشريد أتباعها، وسارت على هذا النهج كل الحكومات التي تلت إلى يومنا هذا.
مدرسة أهل البيت تأتمر بأمر رسول الله وليس غيره، وتنتهي بنهي رسول الله وليس غيره، والنص الصادر عن الله ورسوله عندها مقدس ومحترم، أما المدارس الأخرى فتعدت على النص في بعض الحالات، وقدمت الرأي على النص وعملت بالرأي ضد النص، وهذا ما أحدث شرخا كبيرا في كثير من الأمور العقدية، وكثيرا من التجاوزات الخارجة عن الحكم الشرعي، أما مدرسة أهل البيت فعلها ونهيها هو أمر وقول وفعل عن رسول الله .
ومن أهم أهداف هذه المدرسة المقدسة الثقافة الروحية التي هي الطريق الصحيح لمحو ظواهر الظلم والعنف والقسوة والسيطرة التي يمارسها البشر فيما بينهم أفرادا أو مجتمعات، وذلك لإرساء نهج العدل والرحمة والتساوي بين الناس ومن أجل هذا خرج الإمام الحسين ع، ومن أهم نهجها أيضا الدعاء المأخوذ عن أهل بيت العصمة والطهارة، الذي تفتقر إليه المدارس الأخرى في نهجها الروحي، فقد تفردت مدرسة أهل البيت ببعض الأدعية التي ترطب القلب وترتقي بالنفس إلى السمو والرفعة، تستلذ وتنسجم بها الروح لمخاطبة الذات المقدسة، كلام فوق كلام المخلوقين وتحت كلام الخالق، يدل على عظمة ومكانة هذه الأدعية، ومكانة أرفع وأسمى لقائليها، تنبهر بها الأذهان والعقول ولها حلاوة وطراوة عجيبة، تشفي أمراض الروح وترتفع بها إلى مرضات الله سبحانه وتعالى ومن أراد أن يجرب فليستمع لأدعية بعض القنوات الشيعية وسيفهم ما نعنيه.
وأختم بهذا الحديث الشريف المنقول عن كتب أهل السنة، عن طريق الديلمي أن رسول الله : قال «يا علي أنت وشيعتك تردون على الحوض رواة مرويين مبيضة وجوههم، وإن أعدائكم يردون على الحوض ظماء مقمحين» [6] ، جعلنا الله من شيعته ومحبيه والسائرين على نهجه وخطاه ولا فرق الله بيننا وبينه طرفة عين أبدا.
هذا واستغفر الله لي ولكم.
حقوق الطبع محفوظة لجميع الشيعة والموالين مع رجاء ذكر المصدر
شبكة أنصار الصحابة