عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام "مَنْ أصبح وأمسى والدنيا أكبرُ همِّه، جعل الله الفقرَ بين عينيه، وشتَّتَ أمرَه، ولم ينلْ من الدنيا إلا ما قُسِمَ له، ومَنْ أصبح وأمسى، والآخرةُ أكبرُ همِّه، جعل الله الغنى في قلبه، وجمع له أمره".
مقدمة
وإن كان للدنيا والآخرة معان مختلفة بحسب العلوم وتعدُّدِها... إلا أن المهم لدينا فهمُ الدنيا المذمومة التي ينبغي الحذرُ منها لطلاب الآخرة، وما يُعينُ على نجاتهم وفوزهم.
كلام مولانا العلامة المجلسي، رحمة الله تعالى عليه، في الدنيا المذمومة
يقول الشيخ المحدث الخبير مولانا المجلسي رحمة الله عليه بما مضمونه في شأن الدنيا المذمومة: يظهر من الآيات والأخبار، أن الدنيا المذمومة كلُّ ما يمنعُ الإنسان من طاعة خالقه تعالى وحبِّه وتحصيل الآخرة، فالدنيا والآخرةُ ضرتان، فما فيه رضى الله سبحانه فهو من الآخرة، وإن كان ظاهرُه الدنيا، كالتجارات والصناعات والزراعات التي تكون للمعيشة له ولعياله وواجبي النفقة قربةً لوجه الله سبحانه، ولإعانة المتحاجين والصدقات ووجوه البر وصون الوجه عن السؤال... فهذه من أعمال الآخرة، وإنْ حسِبها الناسُ للدنيا.
أما العبادات الريائية، والمبتدعات... فإنها من الدنيا، لأنها تبعدُ عن الله سبحانه، ولا وجه للقربة فيها..
انتهى كلامُه، رُفع في الجنة مقامه.
ونقل المجلسي عن أحد المحققين، رحمهما الله، ما معناه: أن الدنيا والآخرة حالتان من أحوال قلبك، فما دنى يُسمى الدنيا، وهو كلُّ ما قبل الموت، وما أُخِّر يسمى الآخرة، وهو كلّث ما بعد الموت..
يقول الفقير إلى الله: الدنيا تُطلق على دار التغيُّر، والآخرة تطلق على دار البقاء والخلود... والدنيا وإن كانت ناقصةً بذاتها، لكن بما أنها مهدُ تربية النفوس القدسية، ودارُ تحصيل المقامات العالية، ومزرعةُ الآخرة، كانت المغنمَ الأفضل عند الأولياء وأهل سلوك الآخرة.
وما ورد في القرآن والحديث عن ذم الدنيا، يعود إلى التوجه نحوها، وانشداد القلب لها.
فالإنسان أمام دنيا ممدوحة ودنيا مذمومة، فالممدوح منها، ما كان فيها من عمل لنيل المقامات، واكتساب الكمالات، لحياةٍ الكمالات، لحياةٍ أبدية سعيدة، ولا يحصل هذا إلا بالدخول في هذه الدنيا، كما جاء في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام رداً على مَنْ ذمَّ الدنيا:
"... إنَّ الدنيا دارُ صدقٍ لمَنْ صَدَقَها، ودارُ عافيةٍ لِمَنْ فهمَ عنها، ودارُ غنى لمن تزوَّدَ منها، ودارُ موعظةٍ لمن اتَّعظ بها، مسجدُ أحباءِ الله، ومصلَّى ملائكةِ الله، ومهبطُ وحيِ الله، ومَتْجرُ أولياءِ الله، اكتسبوا فيها الرحمة، وربِحوا فيها الجنَّة..."[1].
وقال تعالى {ولنعم دارُ المتقين}[2] وهي دار الدنيا كما ورد... فالمذموم من الدنيا هو حُبُّها والتعلُّقُ بها، وهذا منشأُ كلِّ المفاسدِ القلبية والظاهرية.
ورد عن الصادق عليه السلام "رأسُ كلِّ خطيئةٍ حبُّ الدنيا" وعن الباقر عليه السلام "ما ذئبان ضاريان في غنمٍ ليس لها راعٍ هذا في أولها وهذا في آخرها بأسرعَ فيها من حب المال والشَّرف في دين المؤمن".
من كتاب : الأربعون حديثاً
الى متى يا مهدينا الى متى هذا الغياب عجل على ظهورك إذا كنا مع الحق فلا نبالي