اللهم صل على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
كما هو معروف تم تنزيل القرآن الكريم منجماً وفق منهج الإسلام في تغيير المجتمعات, وطبقاً لفطرة الإنسانيّ التغيّر التدريجيّ, ولقد كان هذا التوافق آية من آيات وحدة مصدر الكون والحياة والإنسان, وفيه دلائل على وحدة مصدر القرآن, وخالق الإنسان.
أثر تدرج تنزيل القرآن في نشر الدعوة الإسلامية:
إن التغييرات الاجتماعيّة ليست عمليّة (ميكانيكيّة) بالنسبة للفرد والمجتمع, بل هي حركة ديناميكيّة يتغير بموجبه المحتوى الداخليّ للإنسان والمجتمع, لذلك فإن من أهم شرط من شروط نجاح أية فكرة تغييريّة أن تنفد إلى فطرة الإنسان, وتتساوى مع حاجاتها الضرورية.
والأطروحة الإسلامية مدهشة للغاية من حيث ميزاتها الذاتّية وآثارها التطبيقية, فهي في عمقها, وشمولها لكلّ ألوان النشاط الإنساني, وفي سرعتها الخارقة التي جسدت عقائدها, وتشريعاتها قد تميزت بميزات أفردتها عن سواها.
ولم تكن التي مارستها الدعوة في التغيير يشوبها شائبة من العفوية, أو الارتجال, أو الاعتباط, وإنما كانت مقدرة أحسن تقدير, ومرسومة من لدن حكيم خبير.
ولقد أخذت الدعوة الإسلامية بالتدرج في ثلاث مجالات:
الأول: التدرج في موضوع الرسالة:
حيث بدأ الإسلام بتغيير عقائد الناس, وأفكارهم أولاً, ثم وضع لهم القوانين والتعاليم, وذلك لأن تغيير العقائد, والأفكار هو اهون على النفوس من تغيير السلوك, والعادات.
(على أن التغيير في السلوك يحتاج إلى قاعدة, واستعداد في النفوس يبني عليها)
الثاني: التدرج في نشر الرسالة:
حيث باشر الرسول (ص) رسالته الكريمة بدعوة عشيرته الأقربين, ثم اتسعت الدعوة فبلّغها للناس من حوله, ثم راح يخاطب الملوك, والرؤساء في العالم يعرض عليهم الإسلام باعتباره رسول الله إلى الناس جميعاً.
الثالث: التدرج في الأساليب:
بدأ رسول الله (ص) الدعوة بالقول اللين, والموعظة الحسنة, ثم ثنّى بالمواقف السلبية, والمقاطعات السلمية, والنهي للركون إلى الأعداء, أو موالات الجاهلين, ثم أردف ذلك بمقاومة المعتدين, وجهاد من يقف حائلا دون حرية الرسالة, ثم أذن له في قتال المشركين, فمارس الدفاع الشرعي لحماية المسلمين, وإتاحة المجال للتبشير بالإسلام.
لقد كان لهذا التدرج أكبر الأثر في انفتاح القلوب على الإسلام, وانتشاره في أوسع الأقطار, وان هذه الطريقة التي مارسها الإسلام بموجبها دوره في الهداية, والتنظيم الشامل لدليل على انّ الإسلام هو دين الفطرة, وهو التشريع الأصلح للإنسان.