اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصلنا الى هنا
((عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ))، فلست أنت مكلفاً عنهم، وإنما عليك التذكير فقط.
لنكمل معاً
((وَ)) حيث أن من طبيعة الحال أن كل صاحب مبدأ ليستميله الخصماء إلى ناحيتهم، ويعدونه الرضاعة إذ مال نحوهم، بين الله تعالى لنبيه أن ذلك سراب خادع ويجب أن لا يغتر به الإنسان، إذ ((لَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى)) إلى الأبد ((حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)) وتدخل في طريقتهم، إذ كل ذي طريقة لا يرضى عن شخص إلا بدخوله في طريقته تماماً وكمالاً، ((قُلْ)) يا رسول الله ((إِنَّ هُدَى اللّهِ)) الذي هو الإسلام ((هُوَ الْهُدَى)) فقط دون ما سواه من اليهودية والنصرانية، ((وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم)) إشارة إلى أن دينهم ليس إلا هوى أنفسهم، وليس من عند الله سبحانه، ((بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ)) بالإسلام وشرائعه وبطلان اليهودية والنصرانية ((مَا لَكَ))، أي ليس لك ((مِنَ اللّهِ))، أي من طرف الله ((مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ))، أي فلا يلي تعالى أمورك ولا ينصرك.
((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ)) التوراة والإنجيل الموصوفين بكذبهم ((يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ)) بالعمل بما في الكتاب، ((أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ))، أي بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بالقرآن أو بالإسلام أو بكتابهم إيماناً صحيحاً لا كإيمان المعاندين الذين يأخذون ببعض الكتاب دون بعض، ((وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)) في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فلأن منهاج الله سبحانه هو المنهاج السعيد في الحياة، فإذا <أ>عرض عنه الإنسان كانت معيشته ضنكاً، وأما في الآخرة فللعذاب المعد للكافرين.
((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)) من إرسال الرسل إليكم وإهلاك عدوكم - وجعلكم ملوكاً - وتوسيع الدنيا لكم، ((وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)) في زمانكم - التي هي من أعظم النعم - وقد تقدم الكلام في مثل هذه الآية.
((وَاتَّقُواْ يَوْماً))، أي يوم القيامة الموصوف بأنه ((لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً)) هناك، وإنما ترى كل نفس جزاءها العادل، فلا يحمل أحد وزر أحد، ((وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ))، أي فدية تعادله فيفك نفسه بالفدية والمال، ((وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ)) بدون رضى الله سبحانه، ((وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ)) فلا ينصر أحد أحداً، وقد تقدمت مثل هذه الآية، لكن أُريدَ الانتقال إلى موضوع آخر كُررَ المطلب تذكيراً وتركيزاً.
((وَ)) حيث تم بعض الكلام حول اليهود والنصارى والمشركين انتقل السياق للكلام حول إبراهيم واسحاق ويعقوب وبناء البيت مما يشترك فيه الجميع، وأن تاريخهم قبل تاريخ اليهودية والنصرانية، وقد اعتاد أن يتكلم المتكلم عن الظروف المعاصرة، ثم ينتقل إلى التواريخ الغابرة.
واذكر يا رسول الله ((إِذِ ابْتَلَى)) امتحن ((إِبْرَاهِيمَ)) (عليه السلام) ((رَبُّهُ)) فاعل ابتلى، أي امتحن الله إبراهيم ((بِكَلِمَاتٍ))، أي بأمور، فإن الكلمة تقال للأمر، ولا يبعد أن يكون المراد بالكلمة نفس معناها العرفي، فالمعنى ابتلاه بكلمات تكلم الله أم الملك معه (عليه السلام) حولها لينفذها ويأتي بمعناها، ولعل الكلمات كانت حول ذبح إسماعيل (عليه السلام) أو حول مجابهة نمرود الطاغي، ((فَأَتَمَّهُنَّ)) بأن أطاع الأمر كاملاً غير منقوص، ((قَالَ)) الله تعالى بعد إتمام الكلمات: ((إِنِّي جَاعِلُكَ)) يا إبراهيم ((لِلنَّاسِ إِمَامًا))، والإمام هو المقتدى، وحيث أن "الناس" كالجمع المحلى باللام أفاد العموم، ولا منافاة بين كونه (عليه السلام) سابقاً نبياً ورسولاً ولم يكن إماماً عاماً، ثم صار كذلك جزاء إتمام الكلمات، ((قَالَ)) إبراهيم (عليه السلام) سائلاً الله تعالى: ((وَمِن ذُرِّيَّتِي)) هل تجعل يا رب إماماً؟ ((قَالَ)): ((لاَ يَنَالُ عَهْدِي)) بالإمامة ((الظَّالِمِينَ)) ، وهذا جواب مع الزيادة، إذ المفهوم منه: "نعم أجعل بعض ذريتك لكن غير الظالم منهم،" وإنما خص هذا بالذكر لبيان عظم مقام الإمامة.
((وَ)) اذكر يا رسول الله ((إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ)) الحرام بمكة المكرمة ((مَثَابَةً)) بمعنى مرجعاً، فإن الناس يرجعون إليه كل عام، والرجوع بمناسبة مجموع الناس وإن لم يرجع إليه كل فرد، ((لِّلنَّاسِ وَأَمْناً)) فلا يحل القتال فيه، وإن من التجأ إليه يكون آمناً، فلا يجري عليه الحد، ثم صار في الكلام التفات إلى الخطاب قائلاً: ((وَاتَّخِذُواْ)) أيها المسلمون ((مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ))، وهو الحجر الذي كان يضعه إبراهيم (عليه السلام) تحت رجله لبناء أعالي الكعبة الذي هو الآن بالقرب من الكعبة ((مُصَلًّى))، أي محلاً للصلاة، فإنه تجب الصلاة للطواف حول مقام إبراهيم في الحج، ((وَعَهِدْنَا))، أي ذكرنا ((إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ)) (عليهما السلام) الأب والابن ((أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ)) طهارة معنوية بعدم السماح لنصب الأصنام فيه وطهارة ظاهرية بالنظافة ((لِلطَّائِفِينَ))، أي الذين يطوفون حول البيت ((وَالْعَاكِفِينَ)) الذين يعكفون في المسجد الحرام، وللاعتكاف مسائل وأحكام مذكورة في كتب الفقه ((وَالرُّكَّعِ)) جمع راكع ((السُّجُودِ)) جمع ساجد، أي المصلين.
((وَ)) اذكر يا رسول الله ((إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ)) في دعائه لله تعالى: ((رَبِّ اجْعَلْ هَذَا)) البلد وهو مكة التي بنى فيها البيت ((بَلَدًا آمِنًا)) عن الأخطار، أو محكوماً بحكم الأمن حكماً شرعياً وإن كان السياق يؤيد الأول، ((وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ))، فإن دعاء إبراهيم (عليه السلام) كان خاصاً بهم، ((قَالَ)) الله سبحانه في جواب إبراهيم ما يدل على استجابة دعاءه مع الزيادة وهي: ((وَمَن كَفَرَ)) من أهل هذه البلد لا نقطع عنه الثمار بل ((فَأُمَتِّعُهُ))، أي أعطيه المتاع من الحياة والرزق والأمن وسائر الأمور ((قَلِيلاً))، فإن عمر الدنيا قصير وأمدها قليل، ((ثُمَّ أَضْطَرُّهُ))، أي أدفعه إلى النار باضطرار منه، فإن أحداً لا يرضى بالنار ((إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ))، أي بئس المأوى والمرجع.
نكمل معكم ان شاء الله
قريباً
تحياتي
مسك النبي الهادي