اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
۩۞۩ نعمة الدعاء ۩۞۩
إن من أعظم النعم الإلهية التي وهبها الله للإنسان نعمة الدعاء. يكفي أن الله سبحانه وتعالى هو خالقنا ومولانا، ونحن عباده الضعفاء، وقد أجاز لنا أن نطلب منه ونطلبه، فهذا من أكبر نِعَم الله وأعظم مننه على الإنسان. ولولا نعمة الدعاء لكان الإنسان في سجن خانق، كما هو حال الذين لا يؤمنون بالله عز وجل. ولا يقولن أحد انه إذا كان هؤلاء في سجن خانق، فلماذا لم يختنقوا بعد! كلا، فهم يختنقون بالفعل.
يعيش الإنسان حياته اليومية دون أن يلتفت إلى نفسه وإلى ربه ما دامت جميع أموره تسير على ما يرام. لكن يكفي أن يقع في مأزق واحد حتى يعلم أهمية ذكر الله ودعائه، وقيمة مخاطبته وطلبه.
نحن قد رأينا الكثيرين من المساكين الذين عانوا من السجون والشدائد ولم يكونوا مؤمنين بالله، وكنا نشفق لحالهم. ففي تلك الحالات التي تنسد جميع الأبواب على الإنسان وتشتد عليه الدنيا، لا ينجو ولا يفلح إلا من كان مع الله، حاضراً بين يديه، مسموحاً له بالتكلم مع ربه.. فأمثال هذا هم الذين ينعمون بالأمن والطمأنينة والراحة الحقيقية، وكل من عداهم مسكين خاسر.
يعيش الإنسان حياة صعبة. والدعاء نعمة الله وباب الفرج. وويل لمن أغلق هذا الباب على نفسه، وويل للغافلين الذين لا يطلبون من الله شيئاً.
ليس الطلب من الله أن يقول المرء بلسانه "اللهم ارحمني واقضِ دَيني وافعل بي كذا وكذا..." فليس هذا هو الطلب، إنه بعض تموجات وذبذبات صوتية لا قيمة لها. الطلب الحقيقي هو عندما يكون القلب وجميع الحواس مع الله وتحت تصرفه، ففي هذه الحال يُستجاب الدعاء قطعاً. إن قيمة الدعاء بالنسبة للداعي أسمى من استجابته، فنفس حالة الدعاء أعظم من استجابة الدعاء. وقد نُقل عن أحد كبار العرفاء قوله: "أنا مِنْ أنْ أُحرم من الدعاء أخوف مِنْ أنْ أُحرم من الإجابة".
إن المسكين هو المحروم من الداء والغافل عن التكلم مع ربه. أنتم الشباب يجب أن تدعوا وتتضرعوا وتتكلموا مع الله، وتطلبوا منه حوائجكم، اطلبوا منه كل شيء، وكل ما يحلو لكم.
وبالطبع، إن من يعيش حالة الأنس مع الله لن تتبادر إلى ذهنه الأمور الصغيرة، بل سيكون منصرفاً بشكل تام إلى ما هو أعظم وأكبر. القليل هو عشرة آلاف ليرة (مثلاً)، والأكثر هو عشرة ملايين، ولكن الأغلى والأثمن هو طلب المغفرة من الله. وفي المناجاة الشعبانية، يقول الإمام (عليه السلام): "إلهي، ما أظنك تردني في حاجة قد أفنيت عمري في طلبها منك". فما هي؟ إنها "في ما ادَّخر".
الدعاء للمغفرة
وفي دعاء أبي حمزة الثمالي: "وإن قوماً آمنوا بألسنتهم ليحقنوا به دماءهم". فإيمان بعض الناس بالله هو مجرد لقلقة لسان ليحفظوا أنفسهم، وليتمتعوا ببركات المجتمع الإسلامي. ولكننا نرى في هذا الدعاء: "فإنّا آمنّا بك بألسنتنا وقلوبنا لتعفو عنا". فجعل العفو والمغفرة الإلهية هدفاً للإيمان.
إن نيل مغفرة الله هو من أعلى المراتب وأعظم الحوائج. وعلينا أن نطلب هذا الأمر من الله دائماً ونسأله التفضل علينا وإعانتنا في جميع حوائج الدنيا والآخرة.
أنتم أيها الشباب، عندما تدعون، يجب أن تعلموا بأنكم تقفون بين يدي الله دون أن يكون ذلك في مخيلتكم، لأن الله لا يمكن تصوره أبداً. يجب أن تتصوروا أنفسكم عبيداً ضعافاً في غاية المحدودية والعجز. وهذا هو الواقع فعلاً. أنا وأنتم قدراتنا محدودة جداً. فجرثومة تدخل إلى أجسامنا تفقدنا السيطرة بشكل كامل. زكام حاد يصيب أحدنا يشعره بالعجز.. إلى غير ذلك من الأمراض والعوارض.
علينا أن نستحضر دائماً محدوديتنا وضعفنا وحقارتنا أمام الله وأمام أوليائه. وعندما نطلب يجب أن نعرف أن المولى هو صاحب الاختيار وبيده الإجابة.
ينبغي أن نردد بألسنتنا ما نريده من أعماق قلوبنا، وهذا هو الدعاء الذي يقربنا من الله.
ادعوا ما استطعتم؛ وادعوا أن يهبكم الله السكينة.
وإذا دعوتم فأدعو لنا كذلك.