• وهذه الكرامة من أحد الراثين الحسينيّين، الرادود أسعد الكلابيّ، ينقلها لنا وقد تلقّاها بنفسه، قال:
في عام 1994م، وأنا أمشي عثَرَت قدمي بحجر كبير مرميّ في الطريق. وقتها أحسستُ بألمٍ بسيط، وجرحٍ غير مهمّ لم أعبأ به، فغسلت الموضع بالماء، ثمّ توجّهتُ إلى عملي، ونسيت الأمر.
بعد ثلاثة أيّام عاودني الألم في موضع الضربة، انتبهتُ إلى قدمي فوجدتها قد سرى إليها الورم فظهرت منتفخةً حتّى تعذّر علَيّ لبس السروال. ساعةً بعد ساعة أخذ الألم يزداد شيئاً فشيئاً، حتّى أصبحتُ لا أُطيقه، ولم أستطع المشي أو وضعها على الأرض.
عند ذاك بادر أحد الإخوة بنقلي إلى مدينة الطبّ في بغداد، لعرض حالتي على الأطبّاء المتخصّصين، وعلى الفور أجرَوا لي فحوصاتٍ كاملة جاءت نتائجها مؤسفة.. أنّ الأمر خطيرٌ جدّاً! كانت قدمي قد أُصيبت بمرضٍ جرثوميّ في العظم، لذا يقتضي استئصالها لئلاّ يسري إلى رجلي وبدني ذلك المرض الخطير المعروف بـ « الگنگري »، ولم يقدّم لي الأطباء عند ذاك إلاّ بعض الأدوية المهدّئة لمدّة أربعة أيّام، ريثما أتهيّأ لعملية استئصال قدمي.
غادَرتُ مدينة الطبّ وقد أذهلتني المصيبة ولم أكن أصدّقها لهولها، عُدتُ إلى مدينتي كربلاء المقدسة على حالٍ من الغمّ والهمّ الكبيرين. حدّثتُ نفسي أن أراجع أحد الأطباء، أُمنّي نفسي لعلّي أسمع شيئاً آخَرَ غيرَ الذي سمعتُه في بغداد، فجاء كلامُه مطابقاً لرأي الأطباء هناك.
تضاءل الأمل أمام عيني، وأخذ اليأس يتسرّب إلى جوانح نفسي، وشعرت أن لابدّ من إعلان الأمر، فأخبرت عائلتي بذلك، وسألتهم الدعاء والمعونة. ومرّة واحدة تستوقفني عبارة أحدهم وأنا أُطلق عباراتٍ متشائمة:
ـ
أسعد، خير ملجأٍ لك هو أبو الفضل العبّاس، ذلك الطبيب الحقيقي، المعروف بكشف الهموم والغموم، المشافي للمرضى.. عليك به يا أسعد.
الوقت أصبح متأخّراً، وقدمي لا تُعينني الآن، دعني أستريح إلى غد. نهضتُ في اليوم التالي وقد ارتقت همّتي مصمّمةً على زيارة أبي الفضل العبّاس عليه السّلام، لابد من ذلك. زرته هذه المرّة وأنا صاحب حاجة ومشكلة، وصاحب أمل ورجاء.
تقدّمت بقدمي العرجاء أسحبها سحباً، متوجّهاً نحو الضريح الشريف، وأخذتُ أخاطب صاحب المقام:
ـ يا أبا الفضل، أُقسم عليك بحقّ أُخوّتك لسيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين، بحقّ أبيك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، بحقّ أُمّك الطاهرة أمّ البنين.. سلام الله عليكم يا سادتي. أقسم عليك يا أبا الفضل العبّاس بهؤلاء، بمعزّتهم لديك إلاّ ما رَدَدتَني سالماً.
وخرجتُ.. أتأنّى في مشيتي لا أستطيع الضغط على قدمي المتورّمة، وما إن وصلتُ إلى الصحن الشريف حتّى بادَرَتني فكرة حسنة، طلبتُ من أحد خدّام الروضة العبّاسيّة المشرّفة أن يمسح على قدمي بالمِكنَسة الخاصّة بتنظيف الصحن المبارك، لعلّي أجد فيها شفاءً من باب الحوائج. لم يتأخّر الخادم في تلبيته لمطلبي ذاك، فمسح لي قدمي بعد أن عرف حالتي، ثمّ دعا لي بالشفاء بعد أن كرّر الصلاة على محمّدٍ وآل محمّد صلوات الله عليهم. شكرتُه وعدتُ إلى المنزل، وقد انتعش الأمل في قلبي.
أطلّ علينا فجر اليوم التالي، فنهضتُ من سريري لأجلس عند طَرَف المائدة مع عائلتي أتناول معهم طعامي، جلست جلستي المعتادة، غافلاً أو ناسياً أنّي لابدّ لي من مراعاة حالة الورم في قدمي. فجأةً.. وقع نظري على قدمي، فإذا بي أراها متماثلة للشفاء وقد ذهب أكثر الورم عنها، حتّى بَدَت وكأنّها مجعّدة.
أذهلني الأمر حتّى كِدتُ لا أصدّق ذلك، انطلق لساني بالتكبير والتسبيح، أحسست أنّ الكرامة الطيّبة قد حلّت لشرف قمر بني هاشم عليه السّلام. انتبه الأهل لذلك، نظروا إلى قدمي وهي إلى السلامة والعافية أقرب، فَعَلَت منها علاماتُ الفرح والسرور، وتعالت الصلاة على محمّدٍ وآل محمّد لهذه النعمة الكبيرة.
لم أتأخّر عن الذهاب إلى بغداد للوقوف على حقيقة ما رأيت، بل لأعرّف طبَّ الأطباء أنّ لدينا طبيباً حقيقيّاً لإزالة الهموم والغموم، ولِشفاء المرضى في الحالات المتعسّرة. فما كان من الجميع إلاّ التصديق، فتلك حقيقة.
بعد ذلك ذهبت بقدمي تلك إلى المعمل الذي أشتغل فيه، أمشي بشكلٍ طبيعيٍّ ومتوازن، التقيت بأصدقائي الذين كانوا بانتظاري متلهّفين لسماع أخباري، فتحلّقوا حولي يسألونني عن صحّتي، فطاب لي أن أذكر لهم ما كان جرى علَيّ طيلة هذه الفترة.
وأنا أتحدّث عن تلك الكرامة والجميع مُنصتون، سمعتُ شهقةً وبكاء. التَفَتُّ والتَفَتَ الجميع، وإذا بإحدى الأخوات العاملات معنا في المعمل، اقترَبَت منّي وترجّتني بتكرار وإصرار أن أتوسّل لها إلى الله تعالى بمقام أبي الفضل العبّاس عليه السّلام لقضاء حاجتها.
سألتها: ما حاجتكِ ؟ أجابتني: أطلب منك أن تدعو لي بقضاء حاجةٍ أكتمها في قلبي، أنا أنوي وأنت تطلب لي أن يحقّق الله رجائي، وتدعو لي بنفس الحرقة التي دعوتَ بها لنفسك. وَعَدتُها أن أدعو لها كما طلَبَت، وفي الوقت ذاته اقترحتُ عليها أن تذهب بنفسها إلى مرقد أبي الفضل العبّاس وتدعو لنفسها، فأجابتني:
ـ لا لا، أنت اذهَبْ أوّلاً وادعُ لي، وأنا أذهب بعد ذلك إن شاء الله، أذهب فيما بعد، أنا أستحي أن أذهب الآن على مِثل حالتي التعيسة هذه.
كانت غير محجبّة، وكانت تتمنّى أن تتزوج وتكون أمّاً لعدّة أطفال، وقد بلغ عمرها ثمانيَ وثلاثين سنة. اقترحتُ عليها اقتراحاً آخر:
ـ أُختي بإمكانك أن تتوبي إلى الله تعالى توبةً نصوحاً، وترتدي الحجاب الإسلاميّ، وتطلبي من الله المغفرة، والله غفورٌ رحيم.
أصَرَّت وألحّت أن أتقدّمها بالذهاب عند المولى أبي الفضل العباس وأدعوَ لها هناك، فأجبتها إلى ذلك، ودعوت لها عند ذلك المكان الطاهر الزاكي بنيّة خالصة، ورجوت الله أن يحقّق أمانيّها الخيّرة.
بعد فترة وجيزة ذهبتُ إلى المعمل، وكان من همّي أن أسأل عن حال تلك الأخت التي كلّفتني بالدعاء لها أن يقضي الله تعالى حاجتها، وأحببتُ أن أبلّغها أنّي وفيتُ بعهدي ودعوتُ لها كما أحَبَّت ورَغِبَت في ذلك، فإذا بأحد الإخوة العاملين معنا يخبرني:
ـ لقد تزوّجت من دكتور سيّد، وهي الآن ترتدي الحجاب الإسلاميّ الرصين.
قلت في نفسي وأطلقتها بعد ذلك: هذا كلّه من بركات حامي عيال أبي عبدالله الحسين في أرض الطفوف، صاحب الغيرة أبي الفضل العباس ساقي عطاشى كربلاء سلام الله عليه.
نقلا من شبكة الامام الرضا