اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم يا كريم
معرفة المكي والمدني:
تواضع العلماء على استعمال اصطلاح (المكيّ) على قسم من القرآن الكريم و (المدنيّ) على القسم الآخر منه, وفيما يلي بعض المطالب المتعلقة بهذا المبحث.
مصادر معرفة المكيّ من المدني.
اعتمد أكثر الباحثين في التفريق بين المكي والمدني -بادئ الأمر- على الروايات, والنصوص المنقولة, وعلى الأحداث التاريخية المهمة التي عاصرت النزول, أو كان النزول بسببها.
وبعد الدراسة استطاعوا أن يتعرفوا على خصائص شائعة غالبة في المكي, وآخرى في المدني تمكنوا عن طريقها من تمييز عدد كبير من السور والآيات, وصنفوها إلى مكي ومدني, ودونوها في كتب المصاحب والتفاسير, وأصبحت هذه الكتب من مصادر معرفة المكي من المدني.
وبهذا تكونت طريقتان لمعرفة المكيّ من المدنيّ.
الأولى: الطريقة الاستقرائية: التي تعتمد على النقل, وقد تسمى السماعية.
الثانية: الطريقة الاستنباطية: التي تعتمد على العقل, وقد تسمى القياسية.
فإحدى الطريقتين تعتمد على النقل والتاريخ, والآخرى تعتمد معرفة خصائص المكيّ, والمدنيّ من حيث أسلوب, وموضوعات السور والآيات, ثم ميزوا بينها اعتماداً على اجتهادهم.
ولعل أرجح الطريقتين هي الجمع بين الاستقراء والاستنباط, فإنه بعد الجمع تكون النتائج أقرب إلى العلم, وأبعد عن التخمين, والظن.
كما أن الأولى تفتقد إلى القدر الكافي من النصوص, والثانية تعتمد على خصائص غالبية وليست قطعية.
أسس التمييز بين المكيّ والمدني.
حاول العلماء اعتبار أساس فاصل يميز بين المكي والمدني, وذلك اعتماداً على ثلاثة أسس:
1- الأساس الشخصيّ
قالوا: إن المكيّ ما جاء الخطاب فيه: (ياأيها الناس), أما المدنيّ, فهو ما جاء الخطاب فيه: (يأيها الذين أمنوا) باعتبار كون أهل المدينة مسلمين بخلاف أهل مكة.
2- الأساس المكانيّ
وهو الذي يجعل مكان رسول الله حين نزول الآية, أو السورة أساساً للتميز, فإن كان في مكة, فهي مكية, وإن كان في المدينة, فهي مدنية.
3- الأساس الزمانيّ
ومقتضاه جعل الهجرة أساساً للتميز, فصار المكيّ ما نزل من القرآن قبل الهجرة وإن كان نزوله في غير مكة, والمدني ما نزل بعدها وإن كان نزوله في غير مكة.
الترجيح بين الاتجاهات الثلاثة
يبدو أنه لا مجال للتردد في ترجيح الأساس الزماني لِما امتاز هذه الأساس من الدقة والشمول, وهو مع هذا يوضح بجلاء مراحل دعوة النبي (ص), فالهجرة حد فيصل بين مرحلتين عاشتهما الرسالة: الأولى مرحلة التغيير والكفاح, والثانية مرحلة الحكم والإدارة.
ومن خلال معرفة المكيّ والمدنيّ نستطيع مواكبة تطور سير الدعوة, وإدراك الأصول العامة لنظرية التغيير الاجتماعي على أساس الفكر الإسلامي.