الولادة والنشأة
بعد ولادة سبطي الرسول (ص) في سنتي 2 و 3 للهجرة، رزق الله البضعة البتول إبنة أسمتها زينب، وكان ذلك في السنة الخامسة للهجرة بالمدينة المنورة. ترعرعت الطفلة كأخويها في بيت الرسالة لتتشرب في أدوار نشأتها الأولى بقيم التوحيد من معدنها العذب. فالأب هو مولى الموحدين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين ويعسوب الدين ـ ذلك هو وصي رسول رب العالمين الإمام علي بن أبي طالب (عليه صلوات الله وسلامه). والأم هي بضعة الرسول (ص) الصديقة الطاهرة والعالمة (بالعلم اللدني) الغير متعلمه والمحَّدثه الجليله ـ تلك هي قطب أصحاب الكساء المعصومة من الرجس والتى كانت تزهو وهي واقفة في محرابها لأهل السماء، الحوراء الإنسيه فاطمة الزهراء البتول (ع). لستة سنوات من عمرها الشريف تنعمت زينب (ع) برعاية جدها الرسول المصطفى الذي لم يبق له ذرية إلا أمها فاطمة ـ المنعوتة في محكم التنزيل بالكوثر (إذ أن الأبتر هو العاص بن وائل والد عمرو بن العاص)
ترعرعت زينب في بيت الطهر وإرتشفت من رحيق الرسالة الصافي وكان جدها يطرق باب بيتها، وهو في طريقه إلى المسجد النبوي، لإيقاظ من فيه لصلاة الفجر في الستة أشهر الأخيرة من حياته ـ بعد نزول آية التطهير الشهيرة والتي خصت والديها وأخويها إضافة إلى جدها، ولم تخص حتى زوج الرسول أم سلمه (التي نزلت الآية في منزلها) : بعد شهادة الرسول والزهراء البتول عاشت زينب في كنف أم البنين
(وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)
وكأن القرآن يصدح بأن حبيب الله وصفيه سيغادر هذه الدنيا الفانية بتخطيط غادر من المنافقين بدس السم في فيه عنوة وهو في حالة ضعف لمرض كان قد أصابه. وسيحدث (مثل ما حدث) إنقلاب على ثورة محمد العملاقه. دع جانبا ما تقرأه في التأريخ المزور أن إمرأة يهوديه كانت قد سممت النبي عن طريق دسها للسم في لحم شاة أكلها قبل عام من وفاته في سنة 11 للهجرة المباركه على مهاجرها السلام. بعض كتب التأريخ المعارض للإنقلاب تذكر بأن صغرى زوجات الرسول زرقت مائعا خلافا لرغبته في فيه وهو في مرضه الأخير، رغم تحذيره لها بأن هذا من عمل الشيطان. وفي الإفاقة الأخيرة للرسول ومعاتبته لزوجته تلك عل فعلتها، أدارت لوم الفعلة المنكرة على عباس عم النبي الذي كان متواجدا في البيت في ذلك الحين. فبرأ النبي المصدق قبيل رحلته عمه كما برأ إبن عمه ووصيه عما سيحدث في معركة الجمل. فبالتبرئة الأولى، طرد الرسول (وهو مسجى على فراش الموت) المرأة التي خالفته من محضره الشريف. وبالتبرئة الثانية كان قد حذر نفس المرأة من نباح كلاب .الحوئب عليها عندما تتمرد على إمام زمانها
إستبدل الإنقلاب الإمام بشخص أسموه "خليفه" إستنطاقا للآية في علة خلق آدم وإستخلافا للرسول الشهيد (على الأعمال) الذي مضى توا. لم يحمل الأول لقب إمرة المؤمنين لكونه هو القائل: "وليت عليكم ولست بخيركم!"، ولكنه مهد الأمر لحليفه بتنصيبه على المسلمين. لم لا وكان الثاني كالأول قد أعطى أبنته للرسول في عقد نكاح . القرآن يتعرض على تظاهر هذين الزوجين على الرسول (ص) في حياته ويصرح بالأذى النفسي الذي ألحقا به شخصيا، وآية "فقد صغت (أي أثمت) قلوبكما" تخبر الكثير.
وفي الأدب القرآني أطلق الذنب على قبيح العمل لمجاورة ذنب الحيوان نقطة خروج الغائط منه وللحوق الذنب بالحيوان أينما ذهب. وحديث الرسول (ص): "التائب من الذنب كمن لا ذنب له،" فيه تصريح وتلميح. التصريح في شأن التوبة النصوح والتلميح في خصوص أفراد تشربوا بالنفاق وهم في حضرة الرسول (ص) ـ
(يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله انى يؤفكون)
(ضرب الله مثلا للذين كفروا امراة نوح وامراة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين)
لكون الأمير علي (ع) هو القرآن الناطق ولقربه من الرسول الأكرم (ص) لخص تجربة الإنسان في النساء بإيجاز: "وكن من خيارهن على حذر!" إلا أن زوجي الرسول إستمرا في إفشاء سره لوالديهما. وهذان لم يلتحقا بجيش أسامه، رغم إصرار الرسول، ولم يأتمرا بأمره وهو في مرضه الأخير. فوقع الذي وقع من عدم الإلتزام ببيعة الغدير وكسر ضلع الزهراء البتول وإسقاط جنينها محسن، بعد حرق باب دارها .ولم يمض على إستشهاد الرسول سوى أشهر معدودة
وكأن كليهما لم يسمعا قول النبي (ص): "حب الدنيا رأس كل خطيئة،" و "فاطمة بضعة مني، يرضى الله لرضاها" وفي حديث آخر "من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد ”آذى الله "
فإستمرا في ظلمهم لآل الرسول وحرموا فاطمة حتى من فدك ـ النحله التي منحها محمد لها والتي لم يجهز المسلمون جيشا ولم يوجفوا ركابا لإستحصالها من اليهود الذين نقضوا عهدهم مع المسلمين. فردت شهادة علي والحسنيين (سيدا شباب أهل الجنة) وأم أيمن، لتخيب فاطمة من أية نقلة عرفانية في القوم نحو " (قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ان الله غفور شكور)
(قل ما سالتكم من اجر فهو لكم ان اجري الا على الله وهو على كل شيء شهيد)
سمعت زينب أنين والدتها قبيل إستشهادها مخاطبة أباها: "صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا." فقد الإمام علي (ع) شريكته في الجهاد بُعيد فجيعته بفقد أخاه الرسول (ص)، فذهب إلى أخيه عقيل (العارف بأنساب العرب) طالبا منه أن يخطب له إمرأة ولدتها الفحول. فوقع الخيار على إمرأة شريفة تحمل نفس إسم حبيبته .وحبيبة الرسول ـ فاطمة
كانت هذه المرأة نعم الأم لزينب ولأخويها الحسنيين. التأريخ سجل لها بأسطر من نور نكرانها لذاتها والتخلي حتى عن إسمها الحقيقي لكي لا تثير بالإستفادة منه حفيظة ذراري الرسول بفجيعتهم بفقدان أمهم فاطمة وهم في عمر الزهور. فولدت أم البنين العباس وإخوته الثلاثة سلوة لزينب في صغرها ونصرة لأخيها سيد الشهداء في .كربلاء ـ كما تنبأ الأمير
بقلم .. الدكتور أحمد الهاشمي