وبنى كذلك بجانب المسجد صُفَّة يسكن فيها الفقراء والمهاجرون المحرومون، وكلف «عبادة بن الصامت» بأن يعلّمهم الكتابة وقراءة القرآن.
ثمّ بعد ذلك بنيت منازله ومنازل أصحابه حول المسجد.
وفي هذه البيئة الجديدة، واجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث مشكلات أو قضايا أساسية:
1. قريش و الوثنيين في شبه الجزيرة العربية.
2. اليهود في المدينة أو خارجها، مع توافر الاَموال لديهم.
3. الاختلاف بين المهاجرين والاَنصار، و بين الاَنصار أنفسهم ـ الاَوس والخزرج ـ، أي الجبهة الداخلية.
وقد تمكّن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من التغلّب على تلك المشكلات والقضايا بأساليب حكيمة وسياسية محنّكة. فبالنسبة إلى التناقضات بين فئات المجتمع، فقد عالجها بالموَاخاة بين المهاجرين والاَنصار، حينما جمعهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال لهم: «تآخوا في اللّه أخوين أخوين». فأصبح هذا التآخي والوحدة بين الاَطراف المتنازعة، طريقاً لحلّ المشكلات الاَُخرى. كما اختار عليّاً (عليه السلام) أخاً لنفسه وقال: «يا عليّ أنت أخي في الدُّنيا والآخرة».
أمّا مشكلة يهود يثرب، فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أدرك أنّه ما لم تصلح الاَوضاع الداخلية في المدينة، ومالم يضم اليهود إلى جانبه، أي أن يقيم وحدة سياسية متوسعة، فإنّ شجرة الاِسلام لن تتمكن من النمو، بالاِضافة إلى أنّه لن يتمكن من معالجة القضية الاَُخرى وهي خطر قريش. ومن هنا رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتقدّم بالتفاهم معهم بعقد معاهدة تعايش سلمي ودفاع مشترك بين الاَنصار والمهاجرين، يوقّع عليها اليهود أيضاً.
وتعتبر هذه المعاهدة من أهمّ الاَعمال،ومسنداً تاريخياً قوي الدلالة، تكشف عن مدى التزام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بمبادىَ الحرية و العدالة، كما تكشف عن حنكته السياسية حيث استفاد من هذه الوسيلة من أجل إيجاد جبهة متحدة قوية في وجه الحملات الخارجية، فهي في الواقع واحدة من أكبر الانتصارات السياسية التي أحرزتها الحكومة الاِسلامية الناشئة في ذلك الوقت، بل هي أعظم معاهدة تاريخية على الاِطلاق. وهي نموذج كامل لرعاية الاِسلام وحرصه على مبدأ حرية الفكر والاعتقاد، وضرورة التعاون، وتوضيح حدود صلاحيات واختيارات القائد ومسوَولية الموقعين عليها.وقد احترم فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دين اليهود وثرواتهم في إطار شرائط معينة.
وبالاِضافة إلى التعاهد مع يهود يثرب، فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عقد مع طوائف اليهود الاَُخرى: بني قريظة ، بني النضير، وبني قينقاع، معاهدات مماثلة فيما بعد، كان من أهمّ بنودها:
ـ عدم الاعتداء على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و أصحابه، فإن فعلوا فإنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حلّ من سفك دمائهم وسبي ذراريهم ونسائهم والاستيلاء على أموالهم.
إلاّ أنّ اليهود تميّزوا بمجادلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطرح الاَسئلة العويصة عليه بغية إحراجه وزعزعة إيمان المسلمين به «صلى الله عليه وآله وسلم» ، و لكن جميع تلك المخططات باءت بالفشل، و قلّ تأثيرها في صفوف المسلمين، بل إنّها ساعدت في الواقع على إقبال بعضهم على الاِسلام، كما حدث لعبد اللّه بن سلام الذي كان من علماء اليهود و أحبارهم، أعلن إسلامه بعد سلسلة مناظرات و مجادلات مطوّلة، كما التحق بعده عالم آخر منهم هو «المخيريق».
ولم يكتف اليهود بذلك أنّهم استخدموا أُسلوب الموَامرات والدسائس مثل: «فَرِّق تسد» لاِضعاف المسلمين، وذلك باستغلال رواسب الماضي بين الاَوس والخزرج، وإثارة العداء بينهم، وإقامة العلاقات السرية مع مشركي الاَوس والخزرج والمنافقين، واشتراكهم صراحة في اعتداءات قريش على المسلمين في الحروب التي دارت بين الطرفين، فقدموا كلّدعم ومساندة للوثنيين والعمل لصالحهم، كما اشتهروا بنقض العهود والمواثيق، الاَمر الذي أدّى إلى وقوع مصادمات وحروب مستمرة بينهم و بين المسلمين، نتج عنه إنهاء الوجود اليهودي في المدينة.
وقد أقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة، منذ ربيع الاَوّل من السنة الاَُولى للهجرة إلى شهر صفر من السنة الثانية. وأسلم في هذه الفترة من تبقّى من الاَوس و الخزرج، و لم يبق دار من دور الاَنصار إلاّ أسلم أهلُها، ماعدا بعض الفروع و العوائل ممّن بقوا على شركهم، إلاّ أنّهم أسلموا بعد معركة بدر.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السيرة المحمّدية،
الشيخ جعفر السبحاني
قل للمغيّب تحت أطباق الثرى * إن كنت تسمع صرختي وندائيا
اللهم صل على محمد وآل محمد الأبرار الأخيار ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أختي الكريمــة
أحسنتِ , جزاك الله تعالى كل خير على هذا الطرح .
اللهم صل على محمد وآل محمد .
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسنتِ ع الطرح القيم جميل اسال الله العلي القدير ان يوفقك وسهل امورك
تحياتي لكِ
مسك النبي الهادي