ورد عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى{ليَبْلُوَكُمْ أيُّكُم أحسنُ عملاً}، قال: ليس يعني أكثَرَكُمْ عملاً، ولكنْ أصوبكُم عملاً، وإنَّما الإصابةُ خشيةُ الله، والنيةُ الصادقةُ والخَشْيَةُ، ثم قال: الإبقاءُ على العمل، حتى يَخْلُصَ أشدُّ من العمل، والعملُ الخالصُ الذي لا تريدُ أن يحمِدَكَ عليه أحدٌ إلا الله تعالى، أفضلُ من العمل، ألا وإنَّ النيَّةَ هي العملُ، ثم تلا قولَهُ عزَّ وجل:{قُلْ كلٌُ يعملُ على شاكلِتِهِ}، يعني على نيَّته.
الشرح والمقدمة
"البلاء"، هو الاختبار والتمحيص، و"الإبقاء على العمل" أي مراعاتُهُ والمحافظةُ عليه، و"الشاكلة" أي الطريقةُ والأُسلوبُ والشكل.
والغايةُ من اختبار الناس، تمحيصُ السعيدِ والشقيِّ من النفوس، ولا مجال للتفصيل بين علم الله الذاتي قبل الإيجاد، وعلمِهِ الفعلي لدى الإيجاد، حتى لا نخرجَ عن الاختصار.
الخشية من الله، والنيَّةُ الصادقة أساس قبول الأعمال
الحديث الشريف ربط صوابَ وحسنَ العملِ بأمرين شريفين:
1- الخوف والخشية من الحق تعالى.
2- النيَّةُ الصادقة الخالصةُ.
فالخوف والفزع من الله تعالى يوجبُ خشيةَ النفسِ وتقواها ويؤدي إلى قبول العمل، والعملُ بدوره سيئاً كان أو حسناً له تأثير مباشرٌ على النفس، كما تقدَّم معنا.
فالتقوى وتطهيرُ النفس من المعاصي، يُظْهرُها خاليةً من الحجب، ويساعدُ على تحقُّقِ سرِّ العبادات في ترويض الجانب المادي للإنسان، كما يقول الله تعالى{إنَّما يتقبَّلُ الله من المتقين}.
أما الأمر الثاني، وهو النيَّةُ الصادقة، فليس في العبادات شيءٌ أهمُّ منه، حيث يكون كمالُها وصحَّتُها تابعاً لها، وكلَّما كانت العبادات أصفى من الشرك في النية، كلما كانت أكمَلَ وأسمى، لأن سنبة النيَّاتِ إلى الأعمالَ كنسبةِ الأرواحِ إلى الأبدان، والنفوسِ إلى الأجساد.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه لا ملازمة بينصحة العبادة في الظاهر وقبولها في الواقع، فحتى ولو كانت النيةُ خالصةً من الرياء الظاهري، بحسب ما ذكره الفقهاء إلا أنها لا تكون صحيحةً مع الشرك الباطني في الواقع، وغير مقبولة لدى الله سبحانه.
وبتعريفٍ جامع للشرك في العبادة نقول: هو إدخالُ رضى غيرِ الحق في العبادة، فإذا كان إدخالٌ للناس، فهو شركٌ ظاهريٌ، ويُسمى رياءً في عرف الفقهاء، وأما إذا كان رضا نفسِهِ، فهو شركٌ باطني خفي، ولا تُقبلُ العبادةُ عندئذٍ لدى الحقِّ سبحانه.
قيل في هذا "إن أم الأصنام صنمُ النفس"، فيجب أن لا يكون في قلبك سوى الله تعالى كما ورد في الحديث الشريف:
"سألتُه عن قول الله عز وجل: إلا مَنْ أتى بقلب سليم، قال: القلبُ السليمُ الذي يلقى ربَّه، وليس فيه أحدٌ سواه، قال: وكلُّ قلبٍ فيه شركٌ أو شكٌ فهو ساقط، وإنَّما أراد بالزهد في الدنيا، لِتَفْرغَ قلوبُهم للآخرة" وفي هذا إشارةٌ إلى أن الهدفَ من الزهد في الدنيا، إنصرافُ القلب شيئاً فشيئاً عنها، لينصرف إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يكونُ القلبُ سليماً إلا بعد فراغه تماماً من الشرك والشك، فلا ينتبهُ إلى غيره سبحانه.
إعلمْ أيها الحبيب أن جنَّةَ اللقاء هي أعلى مراتبِ ا لجنَّة.
تعريفُ الإخلاص
قال العارف السالك الأنصاري قُدس سرُّه الشريف "الإخلاصُ تصفيةُ العملِ من كل شوب" وقيل عن الإخلاص أنه "تنزيه العملِ أن يكونَ لغير الله فيه نصيب".
وقيل "هو أن يريدَ عامِلُهُ عليه عوضاً في الدارين".
ونُقل عن الشيخ المحقق محي الدين العربي أنه قال "ألا لله الدينُ الخالصُ عن شوب الغَيْريَّة والأنانية، لأنَّك لِفَنَائِكَ فيه بالكلية، فلا ذاتَ لك، ولا صفةَ، ولا فَعْلَ، ولا دين، وإلا لَمَا خَلُصَ الدينُ بالحقيقة، فلا يكون لله".
إعلمْ: أن عبادةَ أرباب القلوب والإخلاص لا تكون بالتفكر، بل بالتجلي، فلا يوجدُ في قلوبهم سوى الله تعالى.
دوامُ الإخلاص بعد العمل
كما هو مهمٌ جداً الإتيانُ بالعمل من دون عيب أو نقصٍ أو رياء أو عجب، كذلك مهمٌ أيضاً، المحافظة على الأعمال بعد إنجازها، فالشيطان والنفسُ الأمَّارة قد يُسولان لك إظهار ذلك ولو بالإيماء والتلويح، ولا تأمنْ ذلك حتى نهايةِ حياتك.
فمن أراد أن يتحدث عن صلاة الليل، ربَّما تحدَّثَ عن جو السحر وعن أهمية المناجاة وعن تعبه أو نُعاسه... فضيَّعَ عملَه بالمكائد الشيطانية{إنَّ النفسَ لأمَّارةٌ بالسوء إلا ما رحم ربي}.
إعلم أيها الحبيب: أن إخلاص النية من جميع مراتب الشرك والرياء وغيرها، والمحافظةَ عليها، ومراقبتها، من الأمور الصعبة والمهمة جداً... فمن كان حبُّه للرئاسة والجاه طاغياً، غدا هذا الحبُّ ملكةً له، وأصبحت كلُّ أفعالِه تصدُرُ عنه وتَتْبَعُ هذه الغاية، وهكذا...
فإخلاصُ النِّيةِ عملٌ صعبٌ جداً، وفي الحديث الشريف تلميحٌ إلى هذا عندما يقول "والنيَّةُ أفضلُ منا لعمل، ألا وإنَّ النيَّة، هي العملُ".
ألا ترى معي أنَّ صلاة علي عليه السلام تُضاهي ظاهرَ صلاةِ المنافق، في أجزائها وشرائطها وشكلها الخارجي؟!
نعم!!! ألا انَّ هذا يعرج بعمله إلى الله سبحانه، وذاك يغور في جهنَّم وبئسَ المصير.
إنَّ تقديمَ أهلِ بيت العصمة عليهم السلام رغيفاً أو أقراصاً من الخبز للفقير، بعد تحمُّل جوعِ يومين أو ثلاثة، قد تفعَلُهُ أنت من دون صعوبة ومشقَّة... لكن هيهات لأمثالنا من النيَّة الخالصة الصادقة!!!
فالأشياء ليست بشكلها بل بروحها وقصدها ـ ولقد قالوا في العلوم العقلية، أن شيئيَّة الشيء بصورته لا بمادته، وهذا هو معنى الحديث المشهور "نيَّةُ المؤمنِ خيرٌ من عمله" "ألا وإنَّ النِّيةَ هي العمل" وجميعُ الأعمالِ فانيةٌ في النيَّة، ولا استقلالية لها.
إنَّ تخليص الأعمالِ من جميع مراتب الشرك والرياء... ينحصر في إصلاحِ النفس، وإلا يبقى الإنسانُ يعيشُ في البيت المظلم للنفس، ولا يكون مسافراً إلى الله تعالى، بل يبقى مُخلَّداً في الأرض.
إنَّ خُطوتِكَ الأولى نحو الله سبحانه، تبدأ بترك حبِّ النفس والوطء بقدمك على الأنانية والذاتية، فتكون فعلاً مسافراً إلى الله جلَّ وعلا{ومن يخرجْ من بيته مُهاجراً إلى الله ورسوله، ثم يُدْرِكْهُ الموتُ، فقد وقع أجرُهُ على الله}أي مَنْ يخرجْ من بيت نفسه، ويهاجرْ إلى الحقِّ سبحانه، كان أجرُهُ عليه عزَّ وجل.
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
احسنتم جزاكم الله كل الخير على الموضوع القيم
اختي الفاضلة
حفظكم الله وسدد خطاكم لكل خير
اللهم صل على محمد وآل محمد الأبرار الأخيار ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أختي الكريمــة
أحسنتِ , جزاك الله تعالى كل خير على هذا الطرح .
اللهم صل على محمد وآل محمد .
اللهم صل على الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي الكريمة أحسنتم وبارك الله تعالى بكم طرح رائع ومبارك
نسأل الله تعالى بحق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين ان يسدد خطاكم وشيعة محمد وآل محمد
وصلى الله تعالى على نبيه الكريم محمد وآله أجمعين
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
بارك الله فيكِ اختي الكريمة احزان الزهراء
الله يعطيكِ الفين عافية طرح رائع وجميل
موفقة يا رب