اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين
وكان نعم الزوجة المخلصة المتحسسة لمسؤوليتها كأم للمؤمنين. وقد عرفت أنها الزوجة الثانية للرسول وأنها وافدة على دار تضم بين جدرانها فاطمة الزهراء ريحانة النبوة والرسالة. وقد تزوج بعدها بعائشة بنت أبي بكر وكانت بنت التسع سنين على بعض الروايات. وكانت من القلائل اللاتي لا يقف طموحهن عند حد ولا تكاد تستقر أو ترتاح دون أن تبلغ القمة من المجد بأي ثمن. وكانت عصبية المزاج حادة الطبع عنيفة في سلوكها. وكانت أيضاً حادة الذكاء شديدة الغيرة تغار على قلب زوجها فلا ترضى أن يشاركها فيه أحد. وقد روي عنها أنها قالت: أستأذنت هالة بنت خويلد على رسول الله (ص) فعرف في أستئذانها استئذان خديجة فارتاع لذلك وقال: اللهم هالة. قالت فغِرت. وقلت ما تذكر من عجوز من عجايز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر وقد أبدلك الله خيراً منها؟ فتغير وجهه تغيراً ما كنت أراه إلاّ عند نزول الوحي أو عند المخيلة ينزل أرحمة هو أم عذاب؟ وقال: ما أبدلني الله خيراً منها قد آمنت بي إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله عزّ وجلّ منها الولد إذ حرمني من أولاد النساء. وكانت حريصة أيضاً على أن لا تدخل في حياة النبي امرأة تفوقها جمالاً أو تزيد عنها في إحدى الخصال. فالتاريخ يروي أن رسول الله (ص) لما أراد أن يخطب اليه أسماء بنت النعمان، وكانت من أجمل أهل زمانها، قالت السيدة عائشة: أن رسول الله (ص) قد وضع يده في الغرائب ويوشكن أن يصرفن وجهه عنا. وذهبت إليها وقالت، إن أردت أن تحظي عند رسول الله فتعوذي بالله منه فلما دخل عليها رسول الله قالت أعوذ بالله منك. فقال: عذت معاذاً ثمّ خرج وألحقها بأهلها. وكانت تقول بعد ذلك: أدعوني بالشقية. وقد ماتت كمداً، ولم يكن ليقعد بها حبها للرسول وإيثارها لها عن أن تنقاد لطموحها وقد أخرج بن سعد في طبقاته عن عائشة أنها قالت: ماغرت على امرأة إلاّ دون ما غرت على مارية، ومارية هذه بعث بها المقوقس صاحب الإسكندرية الى رسول الله في سنة سبع من الهجرة ومعها أختها وألف مثقال ذهباً وعشرين ثوباً ليناً وبغلته الدلدل وحماره غفير ومعهم خصي يقال له مابور وهو شيخ كبير. وقد بعث بهم جميعاً مع الحاطب بن أبي بلتعة. وقد عرض الحاطب بن أبي بلتعة على مارية الإسلام ورغبها فيه فأسلمت هي وأختها ثمّ تزوجها رسول الله فولدت له إبراهيم، وكان معجباً بها وقد كانت بيضاء جعدة جميلة وقد وهب رسول الله لمن بشره بولادة إبراهيم عبداً. وقد حدَّثت السيدة عائشة قالت: لما ولد إبراهيم جاء به رسول الله إلي فقال: أنظري إلى شبهه بي. قلت: ما أرى من شبه. فقال رسول الله (ص): ألا ترين الى بياضه ولحمه؟ فقلت: كل من سقي ألبان الضأن ابيضَّ وسمن. هذا كان شعور السيدة عائشة تجاه مارية حينما أحست أنها أخذت تحتل مكانة في قلب النبي صلوات الله عليه. وهكذا كان شعورها تجاه ابن رسول الله وقد حمله بيديه فرحاناً به طروباً لقدومه. ولكنها لسبب من طموحها وغيرتها أجابته بهذا الجواب، وكانت هذه الأنفعالات تدفع بها إلى مواقف وتصرفات خاصة كأن تكسر صحاف بعض زوجات النبي إذا جئن للنبي بطعام مع طعامها، وكان رسول الله يغرمها الصحفة فيدفع بصحفتها للتي كسرت صحفتها، فإنها، في سبيل تملك رسول الله (ص)، لم تكن تتوانى عن أي شيء حتى عن الطعن في بنوة ابن رسول الله، وحتى عن النيل من مقام السيدة خديجة. وقد ظلت بعد النبي وتوفيت ليلة الثلاثاء لسبع عشر خلون من شهر رمضان من السنة السابعة أو الثامنة والخمسين للهجرة.
ومن النساء اللآتي دخلن في حياة النبي صفية بنت أحي بن أخطب من سبط هارون بن عمران من بني إسرائيل، وأمها برة بنت السموأل من بني قريظة، وكان قد تزوجها سلام بن شكيم القرظي ثمّ فارقها فتزوجها كنانة بن الربيع من يهود بني النضير وقتل يوم خيبر. وأصطفناها النبي من بين الأسرى وخيَّرها بين الإسلام واللحوق بأهلها فأختارت الإسلام وأسلمت فتزوجها رسول الله. وقد ذهبت اليها عائشة متنقبة فسألها النبي: كيف وجدتها؟ فقالت: وجدتها يهودية. فقال: لا تقولي هذا فإنها أسلمت.
كما أن من النساء المسلمات اللاتي اشتركن في حياة النبي الزوجية أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية سهيل زاد الركب ابن المغيرة المغزومية وأمها عاتكة بنت عامر، وكانت قد تزوجت أبا سلمة عبد لله بن عبد الأسد المخزومي، وهاجر بها إلى الحبشة الهجرتين فولدت له هناك زينب وسلمة وعمر ووردة. وقد حضر أبو سلمة أُحُد فقتل إثر جرح. وقد تزوجها الرسول بعد ذلك وكانت سيدة صالحة كاملة وتوفيت في عهد يزيد بن معاوية بعد قتل الحسين عليه السلام.
ومن زوجاته أيضاً حفصة بنت عمر بن الخطاب، وقد ولدت قبل البعثة بخمسة سنين وتزوجها عنبس بن حذامة وهاجرت معه إلى المدينة فمات عنها بعد رجوع النبي من غزوة بدر. ثمّ تزوجها النبي وتوفيت في شعبان سنة خمس وأربعين في خلافة معاوية وقد صلى عليها مروان ودفنت في البقيع.
ومن زوجاته أيضاً بنت عمته زينب وكان قد زوجها بزيد بن حارثة ولكنها لمن تستطع أن تنسجم معه، ولم
ستطع هو أن ينسجم معها أيضاً، نظراً لاختلاف أجوائهما وتباين منزلتهما. ولكن رسول الله أراد أن يعطي في هذا درساً إسلامياً لكل من يتعالى أو يتسامى بشيء غير الإسلام، وأراد أن يفهم المسلمين أن الرجل بإسلامه ودينه وأن المسلم كفء المسلمة. ولكنه عندما رأى استحالة التوافق بينهما أشار عليهما بالطلاق (1)، وتزوجها النبي حرصاً على أن يعوضها عما صدمت فيه في زواجها الأول، وبهذا فقد أعطى رسول الله (ص) درسه، ولم يغبن حق زينب بل جعلها أم المؤمنين وزوجة رسول الله (ص)، وأخيراً فأولاء نساء عشن في حياة النبي كل منهن حسب مكانتها وكفاءتها في الحياة.
______________________________
(1) تم زواج الرسول (ص) من زينب بأمر من الله سبحانه وتشريعاً للأمة لأن العرب في الجاهلية كانت تنكر على من يتزوج من أمرأة من يتبنَّاه من غير صلبه فيصبح عندهم بحكم الولد فأراد الله أن يقضي على هذه العقيدة الوهمية التي لا ترتكز على أساس من الصحة، كما جاء في كتابه العزيز: (فلما قضى زيدّ منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولا * ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنَّة الله في الذين خلوا من قبلُ وكان أمر الله قدراً مقدوراً)الأحزاب 37-38.
تأليف:
الشهيدة بنت الهدى