الفتاة، نعمة بهية
يقول حجة الإسلام حسن رحيميان : في شتاء العام 1984، رزقني الله سبحانه وتعالى ابنة جديدة. وبعد أيام معدودة، أتت بها أمها إلى منزل الإمام الخميني. بعد تأدية الأعمال المعهودة، خرجت من غرفة سماحته لآتي بالمولودة كي تتشرف وتتبارك بلقياه. بينما كنت أصعد الدرج المؤدي إلى الباحة إلى داخل المنزل، وقعت عيناي على الإمام وهو ينظر إلي بنظرات ملؤها البسمة والنشاط والحيوية، حيث أذن لي سريعاً بالدخول وقال قبل أن أتفوه بأي كلمة: (هذا ولدك؟). رددت بالإيجاب. مد الإمام يديه الكريمتين إلى المولود واحتضنها بحنان بالغ وسألني: (صبي أم بنت؟). فأجبت: هي ابنتي. احتضن سماحته المولودة من جديد ووضع وجهه على وجهها، ثم قبَّل جبينها وهو يقول: (الفتاة جيدة جداً … الفتاة جيدة جداً … الفتاة جيدة جداً). ثم تلا في أذنيها دعاءً مختصراً وسألني عن اسمها، فقلت إني تركت مسألة انتخاب الاسم لحضرته. فأجابني دون أدنى تردد: (فاطمة اسم جميل … فاطمة اسم جميل … فاطمة اسم جميل).
من نافل القول، أن إحدى الخصوصيات المعروفة التي طبعت سلوك سماحته، وبيّنت حكمته وزهده وورعه، هي التزامه جانب السكوت والصمت، والتحدث في أضيق الحدود، مراعاةً للتكليف الشرعي المطلوب. لهذا فقد كان يلاحظ في كثير من الأحيان، أن الإمام خلال مدة إقامته في النجف الأشرف، حيث كان قد خصص نصف ساعة من الزمن ـ من الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، وحتى الساعة الثالثة منه ـ لإجراء اللقاءات العامة في صالة الاستقبال الخارجية، لم يكن يتلفظ بكلمات تتجاوز عبارات (السلام عليكم، ومسّاكم الله بالخير). ويكتفي بعد ذلك بالجلوس صامتاً حتى آخر الجلسة.
طوال المدة التي قضيتها في خدمة الإمام في منطقة جماران، كنت أعمل بين يديه صباح كل يوم لمدة تتراوح بين عشرين إلى خمسين دقيقة. ولا أتذكر أبداً أنه قال ذات مرة، كلمة واحدة غير ضرورية أو بدون مغزى. الأسئلة التي كانت تطرح عليه تميزت دوماً بالدقة والوضوح. وكل من تسنى له أن يعمل مع سماحته أو أن يبني علاقة صداقة معه، يعرف جيداً أنه لا ينبغي طرح أمور غير مترابطة أو مسائل سطيحة وعابرة في محضره. إلاّ أن العديد من التساؤلات، كانت تجد جواباً لها من خلال السكوت الذي كان يبديه سماحته، أو من خلال إيماءة، أو نظرة، أو إشارة من يده، أو كلمة معينة، أو جملة مختصرة. وأحياناً، من خلال مزيج فريد من الأساليب المذكورة، مرفقة بابتسامة أو عبوس، حيث كانت كلها تعبر عن معنى دقيق قاطع، وتدل على القصد الذي يرمي إليه. إن النبع الذي استقى منه الإمام هذه المعاني السامية، ما هو إلا فيض حكمته وتعالي عرفانه وتجلي منطقة الذي يزن الأمور بميزان لا يزل. وهذا ليس بمستغرب عن إنسان رباني أوتي نصيباً وافراً من العلم الإلهي {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً}.
بقي أن نذكر في هذا المجال بعض الأمور الدالة الأخرى. وهي تنسيق لحن الصوت وإيقاع الكلمات ووقعها، لتعبر بشكل دقيق عن اعتناء سماحته بأمر معين والتأكيد عليها، أو نبذه ونفيه. وبالتالي اعتبار ذلك أسلوباً إضافياً لإبداء وجهات نظره في بعض الأحيان. على أي حال، إذا نظرنا إلى سيرة حياة الإمام من زاوية تعاطيه مع الآخرين وتحدثه معهم، واختصار الكلام والاكتفاء بأقل قدر ممكن من العبارات، ندرك أن جملة (الفتاة جيدة جداً) وجملة (فاطمة اسم جميل)، وإن وردتا تعليقاً على أمر خاص ومحدد، فإنهما تحملان طابعاً قريباً من التعميم والاطلاق، مما يجعل المخاطب من خلالهما، المجتمع بأسره وليس فرداً خاصاً. كما أن تكرار الجملة أكثر من مرة من قبل سماحته ليس أمراً عبثياً بالتأكيد، بل هو ناجم عن حسابات خاصة به، ونابع من جذور عقائدية وثقافية راسخة. ومن أجل تعميق ذلك الاعتقاد وتلك الثقافة في محيط المجتمع الإسلامي وتوسيع رقعة انتشارهما، نراه يؤكد عل حسن الفتاة لكي يدحض الرواسب الجاهلية التي تحط من قدرها، ويشدد على اسم (فاطمة)، من أجل إحياء أفضل نموذج للمرأة المسلمة المؤمنة.
اللهم صل على الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي الكريمة طرح رائع أحسنتم وبارك الله تعالى بكم
نرجو من الباري بكرمه ورحمته يسدد خطاكم مع شيعة محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
وصلى الله تعالى على نبيه الكريم محمد وآله أجمعين
والحمد لله رب العالمين