اللهم صلّ على محمد وآل محمد
كان سيّدنا العباس ( عليه السلام ) دنيا من الفضائل والمآثر ، فما من صفة كريمة أو نزعة رفيعة إلاّ وهي
من عناصره وذاتياته ، وحسبه فخراً أنّه نجل الاِمام أمير المؤمنين الذي حوى جميع فضائل الدنيا ، وقد ورث
أبو الفضل فضائل أبيه وخصائصه ، حتى صار عند المسلمين رمزاً لكل فضيلة ، وعنواناً لجميع القيم الرفيعة ،
ونلمح ـ بإيجاز ـ لبعض صفاته.
1 ـ الشجاعة:
أمّا الشجاعة فهي من أسمى صفات الرجولة لاَنها تنمّ عن قوة الشخصية وصلابتها ، وتماسكها أمام الاَحداث ،
وقد ورث أبو الفضل هذه الصفة الكريمة من أبيه الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الذي هو أشجع إنسان
في دنيا الوجود ، كما ورث هذه الصفة من أخواله الذين تميّزوا بهذه الظاهرة ، وعرفوا بها من بين سائر الاَحياء العربية.
لقد كان أبو الفضل دنيا في البطولات ، فلم يخالج قلبه خوف ولارعب في الحروب التي خاضها مع أبيه كما يقول بعض المؤرخين ، وقد أبدى من الشجاعة يوم الطف ما صار مضرب المثل على امتداد التأريخ ، فقد كان ذلك اليوم من أعظم الملاحم التي جرت في الاِسلام ، وقد برز فيه أبوالفضل أمام تلك القوى التي ملاَت البيداء فجبَّنَ الشجعان وأرعب
قلوب عامة الجيش ، فزلزلت الاَرض تحت أقدامهم وخيّم عليهم الموت ، وراحوا يمنّونه بإعطاء القيادة العامة إن تخلّى
عن مساندة أخيه ، فهزأ منهم العبّاس ، وزاده ذلك تصلّباً في الدفاع عن عقيدته ومبادئه.
ان شجاعة أبي الفضل ( عليه السلام ) ، وما أبداه من البسالة يوم الطفّ لم تكن من أجل مغنم مادي من هذه الحياة ، وانّما كانت دفاعاً عن أقدس المبادئ الماثلة في نهضة أخيه سيّد الشهداء المدافع الاَوّل عن حقوق المظلومين والمضطهدين.
إن شجاعة أبي الفضل قد أدهشت أفذاذ الشعراء ، وصارت مضرب المثل على امتداد التأريخ ، ومما زاد في أهميتها انّها كانت لنصرة الحق والذبّ عن المثل والمبادئ التي جاء بها الاِسلام ، وانها لم تكن بأي حال من أجل مغنم مادي
من مغانم هذه الحياة.
2 ـ الاِيمان بالله:
أمّا قوّة الاِيمان بالله ، وصلابته فانها من أبرز العناصر في شخصية أبيالفضل ( عليه السلام ) ، ومن أوليات صفاته ،
فقد تربّى في حجور الاِيمان ومراكز التقوى ، ومعاهد الطاعة والعبادة لله تعالى ، فقد غذّاه أبوه زعيم الموحّدين ،
وسيّد المتّقين بجوهر الاِيمان ، وواقع التوحيد ، لقد غذّاه بالاِيمان الناشىء عن الوعي ، والتدبّر في حقائق الكون ، وأسرار الطبيعة ، ذلك الاِيمان الذي اعلنه الاِمام ( عليه السلام ) بقوله: « لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً » وقد تفاعل هذا الاِيمان العميق في أعماق قلب أبي الفضل وفي دخائل ذاته حتى صار من عمالقة المتقين والموحّدين ، وكان من عظيم إيمانه الذي لا يحد أنّه قدم نفسه واخوته وبعض أبنائه قرابين خالصة لوجه الله تعالى.
لقد جاهد العبّاس ببسالة دفاعاً عن دين الله ، وحماية لمبادىَ الاِسلام التي تعرّضت للخطر الماحق أيّام الحكم الاَموي ، ولم يبغ بذلك إلاّ وجه الله والدار الآخرة.
3 ـ الاِباء:
وصفة أخرى من أسمى صفات أبي الفضل ( عليه السلام ) ، وهي الاِباء وعزّة النفس فقد أبي أن يعيش ذليلاً في
ظلّ الحكم الاَموي الذي اتخذ مال الله دولاً ، وعباد الله خولاً ، فاندفع إلى ساحات الجهاد كما اندفع أخوه أبو الاَحرار
الذي رفع شعار العزّة والكرامة ، وأعلن أن الموت تحت ظلال الاَسنّة سعادة ، والحياة مع الظالمين برماً.
لقد مثّل أبو الفضل ( عليه السلام ) يوم الطفّ الاِباء بجميع رحابه ومفاهيمه فقد منّاه الاَمويون بإمارة الجيش ،
وإسناد القيادة العامة له أن تخلّى عن أخيه سيّد شباب أهل الجنّة ، فهزأ منهم وجعل إمارة جيشهم تحت حذائه ، واندفع بشوق وإخلاص إلى ميادين الحرب يجندل الاَبطال ويحصد الرؤوس دفاعاً عن حرّيته ودينه وكرامته.
4 ـ الصبر:
ومن خصائص أبي الفضل ( عليه السلام ) ومميّزاته الصبر على محن الزمان ، ونوائب الدهر ، فقد ألمّت به يوم
الطف من المصائب والمحن التي تذوب من هولها الجبال ، فلم يجزع ، ولم يفه بأيّ كلمة تدلّ على سخطه ،
وعدم رضاه بما جرى عليه وعلى أهل بيته ، وانّما سلّم أمره إلى الخالق العظيم ، مقتدياً بأخيه سيّد الشهداء
( عليه السلام ) الذي لو وزن صبره بالجبال الرواسي لرجح عليها.
لقد رأى أبو الفضل الكواكب المشرقة ، والممجدين الاَوفياء من أصحابه وهم مجزّرون كالاَضاحي في رمضاء كربلاء تصهرهم الشمس ، وسمع عويل الاَطفال ، وهم ينادون العطش العطش ، وسمع صراخ عقائل الوحي ، وهنّ يندبن قتلاهنّ ، ورأى وحدة أخيه سيّد الشهداء ، وقد أحاط به أنذال أهل الكوفة يبغون قتله تقرّباً لسيّدهم ابن مرجانة ،
رأى أبو الفضل كل هذه الشدائد الجسام فلم يجزع وسلّم أمره إلى الله تعالى ، مبتغياً الاَجر من عنده.
5 ـ الوفاء:
ومن خصائص أبي الفضل ( عليه السلام ) الوفاء الذي هو من أنبل الصفات وأميزها ، فقد ضرب الرقم القياسي
في هذه الصفة الكريمة وبلغ أسمى حدّ لها ، وكان من سمات وفائه ما يلي:
أ ـ الوفاء لدينه:
وكان أبو الفضل العباس ( عليه السلام ) من أوفى الناس لدينه ، ومن أشدّهم دفاعاً عنه ، فحينما تعرّض الاِسلام للخطر الماحق من قبل الطغمة الاَموية الذين تنكّروا كأشدّ ما يكون التنكّر للاِسلام ، وحاربوه في غلس الليل وفي
وضح النهار ، فانطلق أبو الفضل إلى ساحات الوغى فجاهد في سبيله جهاد المنيبين والمخلصين لترتفع كلمة الله
عالية في الاَرض ، وقد قطعت يداه ، وهوى إلى الاَرض صريعاً في سبيل مبادئه الدينية.
ب ـ الوفاء لاَمّته:
رأى سيّدنا العبّاس ( عليه السلام ) الاَمّة الاِسلامية ترزح تحت كابوس مظلم من الذلّ والعبودية قد تحكّمت في مصيرها عصابة مجرمة من الاَمويين فنهبت ثرواتها ، وتلاعبت في مقدراتها ، وكان أحد أعمدتهم السياسية يعلن بلا
حياء ولا خجل قائلاً: (إنما السواد بستان قريش) فأي استهانة بالاَمة مثل هذه الاستهانة ، ورأى أبو الفضل ( عليه السلام ) أن من الوفاء لاَمّته أن يهبّ لتحريرها وإنقاذها من واقعها المرير ، فانبرى مع أخيه أبي الاَحرار والكوكبة المشرقة من فتيان أهل البيت عليهم السلام ، ومعهم الاَحرار الممجدون من أصحابهم ، فرفعوا شعار التحرير ،
وأعلنوا الجهاد المقدّس من أجل إنقاذ المسلمين من الذلّ والعبودية ، وإعادة الحياة الحرّة الكريمة لهم ،
حتى استشهدوا من أجل هذا الهدف السامي النبيل ، فأي وفاء للاَمة يضارع مثل هذا الوفاء؟
ج ـ الوفاء لوطنه:
وغمرت الوطن الاِسلامي محن شاقّة وعسيرة أيام الحكم الاَموي ، فقد استقلاله وكرامته ، وصار بستاناً للاَمويين وسائر القوى الرأسمالية من القرشيين وغيرهم من العملاء ، وقد شاع البؤس والحرمان ، وذلّ فيه المصلحون
والاَحرار ، ولم يكن فيه أي ظلّ لحرية الفكر والرأي ، فهبّ العباس تحت قيادة أخيه سيّد الشهداء ( عليه السلام )
إلى مقاومة ذلك الحكم الاَسود وتحطيم أروقته وعروشه ، وقد تمّ ذلك بعد حين بفضل تضحياتهم ، فكان حقاً هذا
هو الوفاء للوطن الاِسلامي.
د ـ الوفاء لاَخيه:
ووفى أبو الفضل ما عاهد الله عليه من البيعة لاَخيه ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، والمنافح الاَول عن حقوق المظلومين والمضطهدين.
ولم يرَ الناس على امتداد التاريخ وفاءً مثل وفاء أبي الفضل لاَخيه الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، ومن المقطوع
به أنه ليس في سجلّ الوفاء الانساني أجمل ولا أنظر من ذلك الوفاء الذي أصبح قطباً جاذباً لكل إنسان حرّ شريف.
6 ـ قوّة الإرادة:
أمّا قوّة الاِرادة فانّها من أميز صفات العظماء الخالدين الذين كُتب لهم النجاح في أعمالهم إذ يستحيل أن يحقق من
كان خائر الاِرادة ، وضعيف الهمّة أي هدف اجتماعي ، أو يقوم بأي عمل سياسي.
لقد كان أبو الفضل ( عليه السلام ) من الطراز الاَول في قوة بأسه ، وصلابة إرادته ، فانظمّ إلى معسكر الحق ،
ولم يهن ، ولم ينكل ، وبرز على مسرح التأريخ كأعظم قائد فذّ ، ولو لم يتّصف بهذه الظاهرة لما كتب له الفخر
والخلود على امتداد الاَيّام.
7 ـ الرأفة والرحمة:
وأترعت نفس أبي الفضل بالرأفة والرحمة على المحرومين ، والمضطهدين وقد تجلّت هذه الظاهرة بأروع صورها
في كربلاء حينما احتلّت جيوش الاَمويين حوض الفرات لحرمان أهل البيت من الماء حتى يموتوا أو يستسلموا لهم ،
ولما رأى العباس ( عليه السلام ) أطفال أخيه ، وسائر الصبية من أبناء اخوته ، وقد ذبلت شفاهم ، وتغيّرت ألوانهم
من شدّة الظمأ ذاب قلبه حناناً وعطفاً عليهم ، فاقتحم الفرات ، وحمل الماء إليهم ، وسقاهم ، وفي اليوم العاشر
من المحرّم ، سمع الاَطفال ينادون العطش العطش ، فتفتت كبده رحمة ورأفة عليهم ، فأخذ القربة ، والتحم مع أعداء
الله حتى كشفهم عن نهر الفرات ، فغرف منه غرفة ليروي ظمأه فأبت رحمته أن يشرب قبل أخيه وأطفاله ، فرمى
الماء من يده.
فتّشوا في تاريخ الاَمم والشعوب فهل تجدون مثل هذه الرأفة والرحمة ، التي تحلَّى بها قمر بني هاشم وفخر عدنان.
هذه بعض عناصر أبي الفضل وصفاته ، وقد ارتقى بها إلى قمّة المجد التي ارتقى إليها أبوه !!
السلام عليك يا ساقي العطاشي
السلام عليك يا بطل العلقمي
السلام عليك يا باب الحوائج
السلام عليك يا حامي الظعينة
من كتاب
العبّاس بن علي عليهما السلام
رائد الكرامة والفداء في الإسلام
والصلاة على محمد وآل محمد
منقول