بسم الله الرحمن الرحيم
- السيّدة زينب (عليها السلام) هي شقيقة الدرب الجهادي, وحاملة الصوت الحسيني, وعقيلة بني هاشم، بنت الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام).
وأمُّها الزهراءُ البتول، بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ونسبها ينتهي برسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ إذ لا يوجد أبناء بنت إلاّ انتموا إلى أبيهم, إلاّ وُلْد فاطمة (عليه السلام) فإنّهم ينتمون إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهذه ميزة وخصوصية قد أعطاها الله لهم، فقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):
لقد وُلدتْ السيّدة زينب (عليها السلام) في بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي، وهي التي سمّاها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وجاء باسمها من السماء، وما كان ليسبق ربّ الجلالة بتسميتها، فنزل الوحي الإلهي وسُمّيَتْ زينب.
{لمّا وُلدتْ زينب (عليها السلام) جاءتْ بها الزهراء (عليها السلام) إلى أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) وقالتْ: سَمّ هذه المولودة، فقال: ما كنتُ لأسبق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكان في سفر له, ولمّا جاء النبي (صلّى الله عليه وآله) وسأله عليّ عن اسمها, فقال: ما كنتُ لأسبقَ ربّي (تعالى). فهبط جبرائيل يقرأ على النبي السلام من الله الجليل, وقال له: سَمّ هذه المولودة زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم، ثمّ أخبره بما يجري عليها من المصائب, فبكى النبي (صلّى الله عليه وآله)} .
ولقد كانت مشيئة الله تعالى أنْ تولد السيّدة زينب (عليها السلام)، المرأة الصبورة بكلّ ما تحمله كلمة الصبر من معنى، وكان صبرها جميلاً وشكراً لله تعالى لتكون أمينة على الرسالة المحمّدية، وحافظة ومدافعة للولاية العلوية, وأنْ تكون المدافعة عن الخطّ الرسالي المتمثّل بالأئمّة (عليهم السلام).
فقد لازمتْ السيدة أيّام والدها الإمام علي (عليه السلام), وكانت شاهدة على محنته وغَصْبه لحقّه، ومعركته الطويلة مع البُغاة والخارجين عن الإسلام, ولازمتْ أخاها الإمام الحسن (عليه السلام) ورأتْ كبده المقطّع إثر السم الذي دُسّ إليه، ومن بعده لازمتْ الإمام الحسين (عليه السلام) قُرّة عينها وذكراها من جدّها وأبيها وأمّها وأخيها (عليهم السلام).
فكانت مشيئة الله تعالى أنْ تكون معه؛ لتكون سنداً وعوناً له، وحتى تدافع من بعده عن الإسلام ليصل إلى ساحل الأمان؛ ولذلك بكى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته عند ولادة السيّدة زينب (عليها السلام) لأنّهم يعلمون ما سيجري عليها من مصائب وويلات بعد الحسين (عليه السلام) وسَبْيِها من بلد إلى بلد، وتفرّج الناس عليها، وذُلّها من بعد العزّ والكرامة والخدم والحشم، وهي اليوم أسيرة بين يدي أعداء قد قتلوا أهل بيتها ومن حولها اليتامى.
يُروى أنّه إذا أرادتْ الخروج لزيارة جدّها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كانت تخرج ليلاً والحسن عن يمينها والحسين عن شمالها وأمير المؤمنين أمامها (عليهم السلام أجمعين)، فإذا قربتْ القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسنُ (عليه السلام) عن ذلك. فقال (عليه السلام ):
إنّ موضوع كربلاء لم يكن غريباً على السيّدة زينب (عليها السلام)، فقد هُيّئتْ السيّدة زينب (عليها السلام) لهذا البلاء وأُعدّتْ من قِبل جدّها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد أخبرها والدُها حين حضرتْه الوفاة بالخبر، عندما سألتْه: يا أبتِ، حدّثتْني أُمّ أيمن بكذا وكذا (تقصد به حديث كربلاء) وقد أحببتُ أنْ أسمعه منك.
فقال:
فهذا عهد من أهل بيتها (عليهم السلام) إليها، وأيضاً فإنّ السيّدة زينب (عليها السلام) قد بيّنتْ ذلك من خلال حديثها مع الإمام سيّد الساجدين وزين العابدين (عليه السلام) عندما مرّوا بهم على أجساد الشهداء وهم سبايا،
فقد رُوي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال:
إنّ المرء ليجزم أنّ الله خلق السيّدة زينب (عليها السلام) لرفع راية الإمام الحسين (عليه السلام) ونصرته (إذا جعل الله مع آدم زوجته، ومع موسى أخته، ومع عيسى أُمّه، ومع النبي بنته، فقد جعل مع الحسين أخته الصدّيقة الصغرى، فهما من شجرة واحدة. الفارق في العمر بسيط ويتلاشى مع الزمن، والتربية واحدة في كنف الرسول، وفي حضن فاطمة بنت محمد، وتحت ظلال أمير المؤمنين علي، إنّها كبرى الأسباط بعد أخوَيْها الحسن والحسين، وهي إلى ذلك تجسّد شمائل أمّها بكلّ جلالها وجمالها، وتتمثّل شخصية أبيها بكلّ تقواها وعلمها، وتتناسب مع شخصية أخيها الحسن، وتكاد تتطابق مع شخصيّة أخيها الحسين..
فإذا كانت التربية أو الوراثة ذات أثر في صياغة شخصية أحد، وإذا كانت الأحداث هي التي تصنع شخصية إنسان، وإذا كانت رسالة الفرد الأساسية التي قدّرتْ له ذات أثر في بناء كيانه، فإنّ الصدّيقة زينب شاركتْ أخاها الإمام الحسين عليه السلام في كلّ ذلك..) .
لقد أرّقتْ زينب (عليها السلام) بخطاباتها النظام الأموي البغيض، وزعزعتْ أرکانه، وبدأتْ ذلك منذ خطابها الصاعقة في أهل الكوفة:
اَمَّا بَعْدُ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، يَا أَهْلَ الْخَتْلِ والْغَدْرِ، أَتَبْكُونَ؟! فَلاَ رَقَأَتِ الدَّمْعَةُ، ولَا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ، إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ.
أَلاَ وَهَلْ فِيكُمْ إِلاَّ الصَّلَفُ وَالنَّطَفُ، وَالصَّدْرُ الشَّنِفُ، وَمَلَقُ الإمَاءِ، وَغَمْزُ الأَعْدَاءِ؟! أَوْ كَمَرْعىَ عَلىَ دِمْنَةٍ، أَوْ كَفِضَّةٍ عَلىَ مَلْحُودَةٍ، أَلاَ سَاءَ مَا قَدَّمْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْكُمْ وَفِي الْعَذَابِ أَنْتُمْ خَالِدُونَ) .
لقد أسّستْ العقيلة زينب (عليها السلام) المنبر الحسيني المقدّس، ورفعتْ الشعلة التي أضرم الحسين أوارها، لقد تحوّلتْ کلمات زينب وصرخاتها في وجوه الظالمين إلى رجال ونساء يلهجون ليلاً ونهاراً بذکر الحسين الذي يقضّ مضاجع الظالمين في کلّ مكان، ويلهبون الحماسة في قلوب شيعته لذکراه العطرة ومصيبته العظمى.
(ألاَ هل من ناصر ينصرني)
شعاراً للولاء وعلامة على الإخلاص لإهل البيت (عليهم السلام).
مجلة رواسي الناطقين - ام فاطمة