اللهم صل على محمد وآل محمد
في نبوة دانيال (عليه السلام)...
عن وهب بن منبه : انه لما انطلق بخت نصر بالسبي و الاسارى من بني إسرائيل وفيهم دانيال وعزير (عليه السلام) و ورد أرض بابل اتخذ بني إسرائيل خولاً ، فلبث سبع سنين ثم انه رأى رؤيا عظيما امتلأ منها رعباً ونسيها ، فجمع قومه
و قال : تخبروني بتأويل رؤياي المنسية إلى ثلاثة أيام وإلا لأصلبنكم
وبلغ دانيال ذلك من شان الرؤيا وكان في السجن فقال لصاحب السجن : انك أحسنت صحبتي
فهل لك أن تخبر الملك أن عندي علم رؤياه تأويله ؟
فخرج صاحب السجن ، وذكر لبخت نصر فدعا به .
وكان لا يقف بين يديه أحد إلا سجد له ، فلما طال قيام دانيال وهو لا يسجد له
قال للحرس : اخرجوا واتركوه ، فخرجوا فقال : يا دانيال ما منعك أن تسجد لي ؟
فقال : إن لي ربا آتاني هذا العلم على إني لا أسجد لغيره ، فلو سجدت لك انسلخ عني العلم فلم ينتفع بي ، فتركت السجود نظراً إلى ذلك .
قال بخت نصر : وفيت لإلهك فصرت آمنا مني فهل لك علم بهذه الرؤيا ؟
قال : نعم رأيت صنماً عظيماً رجلاه في الأرض ، ورأسه في السماء ، أعلاه من ذهب ووسطه من فضه وأسفله من نحاس وساقاه من حديد ورجلاه من فخار ، فبينا أنت تنظر إليه وقد أعجبك حسنه و عظمه وإحكام صنعته والاصناف التي ركبت فيها ، إذ قذفه بحجر من السماء ، فوقع على رأسه ، فدقه حتى طحنه فاختلط ذهبه وفضته ونحاسه وحديده وفخاره ، حتى خيل لك انه لو اجتمع الجن والإنس على أن يميزوا بعضه من بعض لم يقدروا ، حتى خيل لك انه لو هبت أدنى ريح لذرته لشده ما انطحن ، ثم نظرت إلى الحجر الذي قذف به يعظم فينتشر حتى ملا الأرض كلها فصرت لا ترى إلا السماء والحجر .
قال بخت نصر : صدقت ، هذه الرؤيا التي رأيتها ، فما تأويلها؟
قال دانيال (عليه السلام) : أما الصنم الذي رأيت ، فإنها أمم تكون في أول الزمان وأوسطه و آخره ، وأما الذهب فهو هذا الزمان ، وهذه الأمة التي أنت فيها وأنت ملكها ، وأما الفضة فانه يكون ابنك يليها من بعدك ، وأما النحاس فأمه الروم ، وأما الحديد فأمه فارس ، وأما الفخار فأمتان تملكهما امرأتان : أحداهما في شرقي اليمن ، وأخرى في غربي الشام ، وأما الحجر الذي قذف به الصنم فدين يفقده الله به في هذه الأمة آخر الزمان ليظهره عليها ، يبعث الله نبيا أمياً من العرب فيذل الله له الأمم والأديان ، كما رأيت الحجر ظهر على الأرض فانتشر فيها .
فقال بخت نصر : ما لأحد عندي يد أعظم من يدك ، وأنا أريد أن أجزيك
إن أحببت أن أردك إلى بلادك وأعمرها لك ، وان أحببت أن تقيم معي فأكرمك .
فقال دانيا (عليه السلام) : أما بلادي أرض كتب الله عليها الخراب إلى وقت والاقامه معك أوثق لي .
فجمع بخت نصر ولده وأهل بيته وخدمه وقال لهم : هذا رجل حكيم قد فرج الله به عنى كربه قد عجزتم عنها ، وقد وليته أمركم وأمري ، يا بني خذوا من علمه ، وان جاءكم رسولان أحدهما لي والآخر له ، فأجيبوا دانيال قبلي ، فكان لا يقطع أمراً دونه .
ولما رأى قوم بخت نصر ذلك حسدوا دانيال ، ثم اجتمعوا إليه وقالوا : كانت لك الأرض ويزعم عدونا انك أنكرت عقلك ، قال : إني استعين برأي هذا الإسرائيلي لإصلاح أمركم ، فان ربه يطلعه عليه
قالوا : نتخذ إلها يكفيك ما أهمك وتستغني عن دانيال
فقال : أنتم وذاك ، فعملوا صنماً عظيماً وصنعوا عيدا وذبحوا له ، وأوقدوا ناراً عظيمة كنار نمرود ، و دعوا الناس بالسجود لذلك الصنم ، فمن لم يسجد له أُلقي فيها .
وكان مع دانيال (عليه السلام) أربعة فتيه من بني إسرائيل : يوشال ، ويوحين ، وعيصوا و مريوس . وكانوا مخلصين موحدين ، فأتى بهم ليسجدوا للصنم ، فقالت الفتيه : هدا ليس باله ، ولكن خشبه مما عملها الرجال ، فان شئتم أن نسجد للذي خلقها فعلنا ، فكتفوهم ثم رموا بهم في النار .
فلما أصبحوا طلع عليهم بخت نصر فوق قصر ، فإذا معهم خامس وإذا بالنار قد عادت جليداً فامتلأ رعباً فدعا دانيال (عليه السلام) فسأله عنهم فقال : أما الفتيه فعلى ديني يعبدون إلهي و لذلك أجارهم ، والخامس بحر البرد أرسله الله تعالى جلت عظمته إلى هؤلاء نصره لهم ، فأمر بخت نصر فأخرجوا ، فقال لهم : كيف بتم ؟
قالوا : بتنا بأفضل ليله منذ خلقنا ، فألحقهم بدانيال ، وأكرمهم بكرامته حتى مرت بهم ثلاثون سنة
قال : ثم أن بخت نصر رأى رؤيا أهول من الرؤيا الأولى و نسيها أيضا ، فدعا علماء قومه قال : رأيت رؤيا أخشى أن يكون فيها هلاككم وهلاكي ، فما تأويلها فعجزوا وجعلوا عله عجزهم دانيال (عليه السلام) ، فأخرجهم ودعا دانيال (عليه السلام) فسأله فقال : رأيت شجرة عظيمة شديدة الخضرة فرعها في السماء عليها طير السماء ، وفي ظلها وحوش الأرض وسباعها ، فبينما أنت تنظر إليها قد أعجبك بهجتها ، إذ اقبل ملك يحمل حديده كالفأس على عنقه ، وصرخ بملك آخر في باب من أبواب السماء يقول له : كيف أمرك الله أن تفعل بالشجرة أمرك أن تجتثها من أصلها ؟ أم أمرك أن تأخذ بعضها ؟
فناداه الملك الأعلى أن الله تعالى يقول : خذ منها وابق ، فنظرت إلى الملك حتى ضرب رأسها بفأسه ، فانقطع و تفرق ما كان عليها من الطير ، وما كان تحتها من السباع والوحوش ، وبقى الجذع لا هيئه له فقال بخت نصر : فهذه الرؤيا رأيتها ، فما تأويلها ؟
قال : أنت الشجرة ، وما رأيت في رأسها من الطيور فولدك واهلك ، وأما ما رأيت في ظلها من السباع والوحوش فخولك ورعيتك وكنت قد أغضبت الله فيما تابعت قومك من عمل الصنم
فقال بخت نصر : كيف يفعل ربك بي ؟ قال : يبتليك ببدنك ، فيمسخك سبع سنين ، فإذا مضت رجعت أنساناً كما كنت أول مرة
فقعد بخت نصر يبكي سبعة أيام ، فلما فرغ من البكاء ظهر فوق بيته ، فمسخه الله عقاباً فطار ، وكان دانيال (عليه السلام) يأمر ولده وأهل مملكته أن لا يغيروا من أمره شيئاً حتى يرجع إليهم ، ثم مسخه الله في آخر عمره بعوضه ، فأقبل يطير حتى دخل بيته ، فحوله الله إنساناً فاغتسل بالماء ولبس المسوخ .
ثم أمر بالناس فجمعوا ، فقال : إني وإياكم كنا نعبد من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ، وانه قد تبين لي من قدره الله تعالى جل وعلا في نفسي انه لا إله إلا الله إله بني إسرائيل ، فمن تبعني فإنه مني وأنا وهو في الحق سواء ، ومن خالفني ضربته بسيفي حتى يحكم الله بيني و بينكم ، وإني قد أجلتكم إلى الليلة ، فإذا أصبحتم فأجيبوني ، ثم انصرف ودخل بيته وقعد على فراشه ، فقبض الله تعالى روحه .
وقص وهب قصته هذه عن ابن عباس ثم قال : ما أشبه إيمانه بإيمان السحرة
ولما توفى بخت نصر تابع الناس ابنه ، وكانت الأواني التي عملت الشياطين لسليمان بن داود (عليه السلام) من اللؤلؤ والياقوت غاص عليها الشياطين ، حتى استخرجوها من قعور الأبحر الصم التي لا تعبر فيها السفن ، وكان بخت نصر غنم كل ذلك من بيت المقدس ، وأوردها أرض بابل واستأمر فيها دانيال
فقال : إن هذه الآنية طاهرة مقدسة صنعها للنبي ابن النبي الذي يسجد لربه عز وعلا ، فلا تدنسها بلحم الخنازير وغيرها ، فان لها رباً سيعيدها حيث كانت ، فأطاعه واعتزل دانيال وأقصاه وجفاه .
وكانت له امرأة حكيمة نشأت في تأديب دانيال تعظه وتقول : إن أباك كان يستغيث بدانيال فأبي ذلك ، فعمل في كل عمل سوء حتى عجت الأرض منه إلى الله تعالى جلت عظمته فبينا هو في عيد إذا بكف ملك يكتب على الجدار ثلاثة أحرف ، ثم غابت الكف و القلم وبهتوا ، فسألوا دانيال بحق تأويل ذلك المكتوب ، وكان كتب : وزن فخف ، ووعدنا نجز ، جمع فتفرق . فقال : أما الأول - فانه عقلك وزن فخف ، فكان خفيفا في الميزا . والثاني - وعد أن يملك ، فانجزه اليوم . والثالث - فان الله تعالى كان قد جمع لك ولوالدك من قبلك ملكاً عظيماً ثم تفرق اليوم ، فلا يجتمع إلى يوم القيامة .
فقال له : ثم ماذا ؟
قال : يعذبك الله ، فأقبلت بعوضه تطير حتى دخلت في إحدى منخريه فوصلت إلى دماغه وتؤذيه ، فأحب الناس عنده من حمل مرزبه فيضرب بها رأسه ، و يزداد كل يوم ألماً إلى أربعين ليلة حتى مات وصار إلى النار
وعن ابن بابويه ، حدثنا احمد بن الحسن القطان ، حدثنا الحسن بن على السكرى ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا الجوهرى حدثنا جعفر بن محمد بن عماره ، عن جابر بن يزيد الجعفي
عن الباقر (عليه السلام) سألته عن تعبير الرؤيا عن دانيال (عليه السلام) أهو صحيح ؟
قال : نعم كان يوحى إليه ، وكان نبياَ ، وكان ممن علمه الله تأويل الأحاديث ، وكان صديقاً حكيماَ ، وكان والله يدين بمحبتنا أهل البيت
قال جابر : بمحبتكم أهل البيت ؟
قال : أي والله وما من نبي ولا ملك إلا وكان يدين بمحبتنا
وعن ابن بابويه ، عن محمد بن الحسن ، حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن على بن محمد القاسانى عن القاسم بن محمد الاصفهانى ، عن سليمان بن داود المنقرى ، عن حفص بن غياث النخعي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : من اهتم لرزقه كتب عليه خطيئه ، أن دانيال (عليه السلام) كان في زمن ملك جبار ، فأخذه فطرحه في الجب ، وطرح معه السباع لتأكله ، فلم تدن إليه .
فأوحى الله تعالى جلت عظمته إلى نبي من أنبيائه (عليه السلام) : أن ائت دانيال بطعام
قال : يا رب وأين دانيال ؟
قال : تخرج من القرية فيستقبلك ضبع فيدلك عليه ، فخرج فانتهى به الضبع إلى ذلك الجب ، فإذا بدانيال (عليه السلام) فيه
فأدلى إليه الطعام ، فقال دانيال :" الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ، والحمد لله الذي لا يخيب من دعاه ، والحمد لله الذي يجزى بالإحسان إحسانا وبالصبر نجاه "
ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) :" أبى الله أن يجعل أرزاق المتقين إلا من حيث لا يحتسبون
وأبي الله أن يقبل شهادة لأوليائه في دولة الظالمين "
قصص الأنبياء للراوندي
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين