بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد سار الإمام الكاظم عليه السّلام على النهج الذي انتهجه أبوه الإمام جعفر الصادق عليه السّلام واعتمده في التصدّي للتيّارات المنحرفة التي غزت العالم الإسلاميّ آنذاك، سيمّا الدعوة إلى الأفكار الإلحاديّة والغلوّ التي بدأت تنشط وتبثّ سمومها في نفوس الناشئة الإسلاميّة، وقد تبنّاها أعداءُ الإسلام والحاقدون على انتصاراته العظيمة في بناء العقل والروح.
ولمّا عجز الملحدون والغلاة وفشلوا في الوقوف بوجه الزحف الإسلاميّ المتنامي، وجدوا أن لا مناص من أن يندسّوا بين المسلمين لبثّ أفكارهم السامّة للنيل منهم وتفكيك أواصرهم المترابطة، في غزو عقولهم وأفكارهم وهم في عقر دارهم.
وقد كثر الملحدون في ذلك العصر، وأشاعوا مقولاتهم، كقولهم: إنّ الله تعالى جسم كباقي الموجودات، وكان موقف الإمام الكاظم عليه السّلام من هذه الدعوات المحمومة موقفَ المتصدّي والناقد لها بالأدلّة العلمية الثابتة والمنطق الحازم، وقد بيّن فساد بعض الآراء والعقائد، وشرَحَ المراد من الأحاديث التي قد يسيء البعض فهمَهما فيرى من ظواهرها التجسيمَ أو التشبيه أو الحركة أو الانتقال، وأكّد القولَ أنّه تعالى لا جسم ولا صورة ولا تحديد، وكلّ شيءٍ سواه مخلوق، وإنّما تكون الأشياء بإرادته ومشيئته من غير كلامٍ ولا تردّدٍ في نفس ولا نطقٍ بلسان.
وقد وُجّهت المزيد من الأسئلة للإمام عليه السّلام فيما يتعلّق بذات الله تعالى وصفاته وعلمه وإرادته ومشيئته، فأجاب عليه السّلام ـ هو ومِن بعده أصحابُه ـ عن كثيرٍ من الأضاليل التي كانت شائعة بين الناس في تلك الأيام.
فعلى الرغم من المراقبة الشديدة والضغط السياسيّ، وتضييق الحكّام على الإمام عليه السّلام، إلاّ أنّه عليه السّلام لم يترك مسؤوليّته العلمية، ولم يتخلّ عن تصحيح المسار الإسلاميّ بكلّ ماحوى من علومٍ ومعارف واتّجاهات، فتصدّى هو وتلامذته لتيّارات الإلحاد والزندقة، كما تصدّى أبوه الصادق وجدُّه الباقر عليهما السّلام من قبل لتثبيت أركان التوحيد وتنقية مدارات العقيدة، وإيجاد رؤية عقائدية أصيلة تشعّ بروح التوحيد وتثبت في أعماق النفس والعقل.
وفيما يلي بعض المسائل العقائدية التي أجاب عنهما الإمام الكاظم (عليه السّلام) أو بيّنها لأصحابه:
النهي عن التشبيه والتحديد
روى الشيخ المفيد في « أماليه » بالإسناد عن سليمان بن جعفر الجعفريّ، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول لأبي: ما لي رأيتُك عند عبدالرحمان بن يعقوب ؟! قال: إنّه خالي. فقال له أبو الحسن عليه السّلام: إنَّه يقول في الله قولاً عظيماً، يصف اللهَ تعالى ويحدُّه، واللهُ لا يُوصَف، فإمّا جلستَ معه وتركتَنا، وإمّا جلستَ معنا وتركتَه.