1ـ ولادتـه (عليه السلام): ولد الإمام الكاظم (ع) في يوم الأحد في السابع من شهر صفر سنة (128) هجرية في الأبواء ـ منزل بين مكة والمدينة.
اسمه الشريف موسى وكنيته المشهورة أبو الحسن وأبو إبراهيم وألقابه الكاظم والصابر والصالح والأمين ولقبه المشهور الكاظم وذلك لكثرة كظمه الغيظ وعدم دعائه حتى على أعدائه مع ما لقى منهم حتى أنهم كانوا ينصتون إليه (ع) حينما كان في السجن في الخفاء رجاء أن يسمعوا منه دعاءً عليهم إلاّ أنهم لم يسمعوا ذلك منه قطّ.
قال ابن الأثير ـ وهو من علماء العامّة ـ : «وكان يلقّب الكاظم لأنه كان يُحسن إلى مَن يُسيء إليه وكان هذا عادته أبداً». وهكذا هو ديدن المعصومين (ع) جميعاً.
أما والده فهو الإمام الصادق (ع) لا يحتاج إلى مزيد من التعريف وأما أمّه فهي التي وهبها الله لأبيه الصادق (ع)، فقد روى الشيخ الكليني وغيره أنه قيل لأبي جعفر الباقر (ع) لأي شيء لا تزوّج أبا عبدالله فقد أدرك التزويج؟ قال: وبين يديه صرّة مختومة. فقال: «أما أنّه سيجيء نخّاس من أهل بربر فينزل دار ميمون فنشتري له بهذه الصرّة جارية» قال: فأتى لذلك ما أتى فدخلنا يوماً على أبي جعفر (ع) فقال: «ألا أخبركم عن النخّاس الذي ذكرتُه لكم قد قدِم فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرّة منه جارية» قال: فأتينا النخّاس فقال: قد بعت ما كان عندي إلاّ جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الأخرى قلنا: فأخرجهما حتى ننظر إليهما فأخرجهما، فقلنا: بكم تبيعنا هذه المتماثلة؟ قال: بسبعين دينار.
قلنا: أحسن. قال: لا أنقص من سبعين ديناراً قلنا له نشتريها منك بهذه الصرّة ما بلغت ولا ندري ما فيها وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية قال: فكّوا وزنوا فقال النجاشي: لا تفكّوا فأنها إن نقصت حبّة من سبعين ديناراً لم أبايعكم فقال الشيخ: ادنوا فدنونا وفككنا الخاتم ووزنا الدنانير فإذا هي سبعون ديناراً لا تزيد ولا تنقص فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي جعفر (ع) وجعفر قائم عنده فأخبرنا أبا جعفر بما كان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لها: «ما اسمُكِ؟» قالت: حميدة. قال: «حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة.. ياجعفر خذها إليك فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر (ع)».
2ـ فضائله ومناقبه ومعاجزه (ع): لقد كان الإمام الكاظم (ع) أعبد وأعلم وأفقه وأسخى وأكرم أهل زمانه فقد روي أنّه كان يقوم الليل للتهجّد والعبادة حتى الفجر فيصلّي صلاة الفجر ويبدأ بالتعقيب إلى طلوع الشمس ثم يظلّ ساجداً إلى قبيل الزوال وكان كثيراً ما يقول: «اللّهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب» ويكرّر هذا الدعاء.
ومن دعائه (ع) أيضاً «عظُم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك».
ولذا نقرأ في بعض الصلوات الواردة عليه (ع): «الذي كان يحيي الليل بالسهر إلى السحر بمواصلة الاستغفار حليف السجدة الطويلة والدموع الغزيرة والمناجات الكثيرة».
ولذا روى الشيخ الصدوق عن عبدالله القروي أنّه قال: دخلتُ على الفضل بن الربيع وهو جالسٌ على سطح فقال لي: إدنُ فدنوت حتى حاذيته ثم قال لي: اشرف على البيت في الدار فأشرفت. فقال: ما ترى في البيت؟ قلت: ثوباً مطروحاً. فقال: إنظر حسناً. فتأمّلت ونظرت فتيقّنتُ فقلتُ: رجلاً ساجداً.
فقال لي تعرفه؟ قلت: لا، قال: هذا مولاك. قلتُ: ومَن مولاي؟ فقال: تتجاهل عليَّ؟ فقلتُ: ما أتجاهل ولكنّي لا أعرف لي مولى. فقال: هذا أبو الحسن موسى بن جعفر (ع) إنّي أتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلاّ على الحال التي أخبرك بها.
وأما معاجزه (عليه السلام) فهي كثيرة نذكر بعضها:
منها: ما رواه ابن شهرآشوب عن علي بن أبي حمزة البطائني أنّه قال: كنت مع أبي الحسن (ع) في طريق إذا استقبلنا أسد ووضع يده على كفل بغلته فوقف له أبو الحسن كالمصغي إلى همهمته ثم تنحّى الأسد إلى جانب الطريق وحوّل أبو الحسن وجهه إلى القبلة وجعل يدعو بما لم أفهمه.
ثم أومى إلى الأسد بيده أن أمضي فهمهم الأسد همهمة طويلة وأبو الحسن يقول آمين آمين وانصرف الأسد فقلت له: جُعلت فِداك عجبت من شأن هذا الأسد معك فقال: «إنّه خرج إليّ يشكو عُسر الولادة على لبوته وسألني أن أسأل الله أن يفرّج عنها ففعلتُ ذلك وأُلقي في روعي أنها تلد ذكراً فخبرتهُ بذلك» فقال لي: إمضِ في حفظ الله فلا سلّط الله عليك ولا على ذريتك ولا على أحد من شيعتك شيئاً من السباع فقلتُ: «آمين».
3ـ شهادته (عليه السلام): لقد تعرض الإمام الكاظم (ع) للسجن عدّة مرات من قبل الحكام الجائرين ولم يتركوه يمكث في سجن واحد وإنّما تنقّل في سجون عديدة والسرّ في اضطرارهم إلى نقله من سجنٍ لآخر هو إنّهم كلّما وضعوه في سجن يصبح مدير ذلك السجن بعد فترة من الزمن مريداً ومتعاطفاً للإمام (ع) إلى أن اضطروا أن يغيبوا خبر الإمام (ع) عن الناس بأن هيأوا قبّتين وجعلوه في قبة وسيروا الأخرى خالية حتى يموهوا على الناس فأمر بالقبة التي فيها الإمام (ع) إلى البصرة والأخرى إلى الكوفة ليعمي على الناس أمر الإمام (ع).
وقد لاقى ما لاقى من هذا السجن حيث سلّموه (ع) بيد عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور وهو حفيد المنصور الدوانيقي وكان شخصاً ماجناً مُعاقراً للخمر ومن عشاق الرقص والغناء وقد احضروا الإمام إلى سجن البصرة في سنة (178هـ) ثم بعد فترة أصبح السجّان محبّاً ومريداً للإمام (ع). مما اضطرّهم لنقل الإمام (ع) إلى بغداد بأمر هارون الرشيد فسلموه بيد الفضل بن الربيع وهذا الأخير وبعد فترة أصبح أيضاً من محبّي الإمام ومريديه مما اضطره أن ينقل الإمام (ع) إلى الفضل بن يحيى البرمكي وهكذا فعل الأخير.
مما أغاظ هارون أيضاً وأصبح الفضل بن يحيى من المغضوب عليهم عند هارون. إلاّ أن والده يحيى البرمكي تعهّد بأن يغسل عار ولده وذلك عن طريق إمتثال جميع أوامر هارون. فاقتنع الأخير بكلام يحيى فسلّم إليه الإمام (ع) فأخذه يحيى وسلّمه إلى سجّان آخر وهو السندي بن شاهك الذي يُقال إنه لم يكن مسلماً أصلاً وقد مرّت أشدّ الظروف وأصعبها على الإمام (ع) في سجن هذا الجلاّد حيث لم يذق الإمام بعد ذلك طعم الراحة وكان هذا الجلاد يتميّز بأنه ينفّذ كل الأوامر وما يؤمر به بدقة بالغة وقساوة عجيبة فقام بوضع الإمام في زنزانة في سرداب مظلم وقيّده بالسلاسل الحديدية الثقيلة وبدأ بالتخطيط لمحاولة القضاء عليه (ع).
إلى أن حان الوقت الذي بفي به يحيى البرمكي للظلمة هارون وأعوانه فذهب يحيى إلى السندي بن شاهك وأعطاه سمّاً فتّاكاً قد هيّأه وأمره أن يدسّه في طعام الإمام (ع) وأعطاه بقية التوجيهات والتعليمات اللازمة فقام هذا الشقي بتعبئة هذا السمّ في حبّات التمر بشكلٍ خاص وقدّمه فأكل فأكل منه الإمام وقام السندي على الفور باستدعاء العلماء والقضاة وعدول المؤمنين وكل مَن هم مورد ثقة عند الناس وجمعهم في مكانٍ ثم أخرج الإمام إليهم وقال: أيُّها الناس انظروا إلى الشيعة كيف يروّجون الإشاعات بأننا نعامل الإمام مُعاملة سيئة في السجن ونعرضه لمختلف أنواع التعذيب وهذا موسى بن جعفر إمامكم سالم تماماً ولم يحدث له أي مكروه.
وما أن أتمّ السندي كلامه حتى قال الإمام (ع) أمام الجميع: إنّه كذّاب، ولم يبقَ من عمري سوى يومين أو ثلاثة» فأفشل الإمام بهذا الكلام خطتهم ثم إنّ علي بن سويد اتصل بالإمام موسى بن جعفر (ع) وهو في طامورة السندي ابن شاهك فسأله: سيّدي متى الفرج لقد ضاقت صدورنا قال له الإمام: «الفرج قريب ياابن سويد» قال: متى سيّدي؟ قال: «يوم الجمعة ضحى على الجسر ببغداد». يقول عليّ بن سويد: جئتُ في ذلك اليوم إلى جسر الرصافة وإذا بجنازة مطروحة والمنادي يُنادي: هذا إمام الرافضة قد مات حتف أنفه فانظروا إليه فجعل الناس يتفرّسون في وجهه. يقول علي بن سويد: جئت لأنظر إليه وإذا به سيّدي ومولاي موسى بن جعفر (ع) فأخذ علي بن سويد بالبكاء والنحيب عند رأس الإمام بينما هو كذلك إذ مرّ به طبيبٌ نصراني كانت بينهما صحبة فقال له ابن سويد: أقسمت عليك بالمسيح إلا ما رأيت سبب موت هذا المسجّى قال: إكشف لي عن باطن كفّه فكشفت له عن باطن كف الإمام فأخذ ينظر فيها ويهزّ رأسه. قال ابن سويد: أخبرني ما رأيت؟ قال: ياابن سويد هل لهذا الرجل من عشيرة؟ قال: بلى هذا موسى بن جعفر سيد بني هاشم قال: ياابن سويد ابعث إلى أهله فليحضروا وليطلبوا بدمه فأنه مات مسموماً. وهكذا مضى الإمام حياته الشريفة معانياً عضّ القيود وإيذاء الظالمين كآبائه الطاهرين وأجداده المطهرين سلام الله عليهم أجمعين وسيعلم الذين ظلموا أهل بيت محمّد أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.