أرجو أن تقرؤوا هذا البحث بتمعن فهو بحث عرفاني بحت ...
أترككم مع البحث
بسم الله الرحمن الرحيم
بحث فلسفي عرفاني
يسلط الضوء على فهم قضية عطش الحسين (ع)
من زاوية أخرى غير الفهم العرفي أو العاطفي
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيرا ,
وبعد :
قال تعالى [ ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها ] ، أن الله تعالى خلق أسماءاً سمى بها نفسه و من تلك الأسماء الرحيم و الرحمن و القادر و السميع و البصير و كما ورد في الحديث الشريف ( إن لله تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة ) ، وهذا الحديث يوحي للسامع أن الإحصاء هو حفظ هذه الأسماء ومعرفة معانيها ولكن هناك حديثاً آخر يُفهِم القارئ بمعنى أعمق من فهمه للحديث الأول وكاشف له وهو ( إن لله تسعة وتسعون خُلقاً من تخلق بها دخل الجنة ) ، وهذا اللفظ الذي يتكون من مجموعة من الحروف الذي يسمى اسم الاسم أو الاسم العيني ، و الاسم في اللغة هو السمة أي الدلالة أو العلاقة وهذه الأسماء لها حقائق عينية وهي غير حقائقها فإن الاسم غير المسمى وهذا المعنى ينطبق حتى على المخلوقات بشكل واضح فأن أسماء الأشياء هي غير الأشياء أو هي غير حقيقة الأشياء وهذا المعنى تثبته الروايات بصورة واضحة ولكي نصل بالقارئ الكريم إلى أصل البحث لا بد أن نمر بمجموعة من المقدمات تمهد له الطريق إن شاء الله تعالى .
( 1 ) الاسم غير المسمى :
أثبتت الروايات الشريفة هذا المعنى ومن تلك الروايات ما روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ( اسم الله غيره ) ، وفي حديث آخر عنه ( عليه السلام ) : ( والاسم غير المسمى فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين ومن عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد .. ولكن لله معنى يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره ) وعنه ( عليه السلام ) : ( والله يسمى بأسمائه وهو غير أسمائه و الأسماء غيره ) ، فإذا أتضح هذا المعنى وثبت للقاريء الكريم من خلال الروايات الشريفة أن هذه الأسماء غيره تعالى نحاول أن نفهم ( نحاول أن نفهم القادم لأسمائه تعالى وهي ) 000
( 2 )إن الأسماء مخلوقة له تعالى :
وهذا المعنى أيضاً تدل عليه الروايات الشريفة فقد روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ( اسم الله غيره وكل شيء وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا الله ) ، وعن الإمام الجواد ( عيه السلام ) عندما سُئل عن أسماء الله تعالى إلى إن قال : ( .. بل كان الله ولا خلق ثم خلقها – أي الأسماء – وسيلة بينه وبين خلقه يتضرعون بها إليه ويعبدونه ) ، وقد أتضح مما تقدم أن لله تعالى أسماء سمى بها نفسه وهي غيره تعالى ومخلوقة له جل جلاله وهذه الأسماء تنقسم على قسمين أسماء لفظية ( أسماء الأسماء ) وأسماء عينية ( الأسماء ) 000
أ – الأسماء اللفظية : وهي تلك الأسماء المتكونة من مجموعة من الحروف وقد خلقها الله تعالى من دون احتياج إليها لأنه تعالى الغني وجميع خلقه فقراء محتاجون إليه وقد روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : (... فليس يحتاج أن يسمي نفسه ولكنه اختار له أسماء لغيره يدعوه بها لأنه إذا لم يدعى باسمه لم يعرف ) ، لأن العقول قاصرة عن إدراك الحقائق إلا بهذا النحو فخلق الله تعالى الأسماء ليمكن للخلائق أن يعرفوه .
ب – الأسماء العينية : وهي أعيان خلقها الله تعالى وجعلها خير خلقه والوسيلة إليه وهي أول ما خلق الله تعالى وقد وردت الإخبار بما تجاوز حد التواتر ، إن هذه الأسماء هي محمد وآل محمد ( صلى الله عليهم أجمعين ) .
فقد روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) إنه سُألَ عن قوله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ، فقال ( عليه السلام ) فنحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله تعالى من عباده عملاً إلا بمعرفتها ، وعن الامام الباقر ( عليه السلام ) : ( نحن الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من عباده عملاً إلا بمعرفتها ونحن والله الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ) ، وروي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إنه قال : ( إني لأعرف بطرق السماوات من طرق الأرض نحن الاسم المخزون والمكنون ونحن الأسماء الحسنى التي إذا سأل الله عز وجل بها أجاب نحن الأسماء المكتوبة على العرش ولأجلنا خلق الله العرش و الكرسي والجنة والنار ومنا تعلمت الملائكة التسبيح والتقديس والتوحيد والتهليل والتكبير ونحن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ) ، وعن الإمام الرضا ( عليه السلام ) إنه قال : ( إذا نزلت بكم شديدة فاستعينوا بنا على الله عز وجل وهو قوله تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ) .
( 3 )تجليات الأسماء
لقد وردت الإخبار والأدعية الشريفة إن الله تعالى يتجلى بتلك الأسماء ويؤثر في الموجودات فإن الله تعالى تجلى لموسى ( عليه السلام ) لجبل الطور وهو قوله تعالى ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال ربي أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً, وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ) ، إن الله تعالى جعل تلك الأسماء العينية واسطة الفيض وأجرى الأمور بأسبابها وجعل بعضها سبباً للبعض الآخر فما تقدم منها صار علة وما تأخر عنها صار معلولاً ويمكن القول إن جميع خلقه تعالى أسماء له أنها تدل عليه كما قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه وقبله وبعده ) ، ولكن تلك الأسماء متفاوتة بالكبر والعظمة كما في الدعاء : ( أللهم إني أسألك من أسمائك بأعظمها وكل أسمائك عظيمة أللهم إني أسألك بأسمائك كلها ) ، فلما كان فنائها أكبر كانت هي أكبر وكلما قربت إليه تعالى كانت أعظم ومن الواضح إن القرب إليه تعالى ليس قرباً مكانياً أو زمانياً لأن الزمان و المكان من لوازم الجسم تنزه تعالى عن ذلك وإنما المقصود هو قرب الإفاضة والخلق والوجود ولهذا تفاوتت مراتب الأسماء وكانت الأسماء الحسنى أقرب الأسماء إليه تعالى لحسنها ويكون أعظم أسمائه مخلوقه الأول و الواسطة بينه وبين الكل فينطبق هذا المعنى ع نور نبينا محمد (ص) : ( أول ما خلق الله نوري ) ، وفي حديثه مع جابر الأنصاري : ( أول ما خلق الله نور نبيكم يا جابر ثم خلق منه كل خير ) ، وفي بعض الادعيه أنه (ص) ( الحجاب الأقرب ) ,فيكون طرف الممكن و واسطة بين الواجب وسائر الممكنات وهي متصلة مستمدة منها فمن استطاع أن يخلي نفسه وفكره من جميع الأكدار وظلم المعاصي والخيالات وكشف سائر الحجب تمكن له أن يعرف نورهم (ص) ويستمد نورانيتهم كما روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : ( خلق الإنسان ذا نفس ناطقة فإن زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها ) ، وأوائل عللها محمد وآل محمد (ص) .
( 4 )أفعال الله تعالى بأسمائه
إن جميع أفعال الله تعالى في العالم من الإبداع والخلق والرزق والحفظ وغيرها إنما قضية أسمائه وأنه تعالى جعل بعض مخلوقاته واسطة لخلق البعض الآخر وسماه أسماً لنفسه ولكنهم جميعاً علل وأسماء ثانوية ولا يمكن نسبة الفعل إليهم ذاتاً وإنما من خلق الله عز وجل : ( عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) ، وتضل صفة العبودية هذه ملازمة لهم ولا تنفك عنهم فقد روي عنهم ( عليهم السلام ) : (لا تؤلهونا وقولوا فينا ما شئتم ) أي لا تخرجونا من دائرة العبودية و الافتقار إلى الله تعالى وهذا المعنى شامل حتى لأشرف الخلق وأكمل الخلق محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، في أعلى مرتبة من مراتب الكمال التي هي قاب قوسين قال عنه تعالى : ( أوحى إلى عبده ما أوحى ) ، ولم يقل إلى نبيه أو إلى رسوله لتوضيح و إثبات هذه الصفة له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أما الأدعية التي تبين أن أفعال الله تعالى تتم من خلال أسمائه فهي كثيرة جداً وتفوق حد الإحصاء ومن تلك الأدعية : ( أللهم أسألك باسمك الذي خلقت به خلقك ورزقتهم كيف شئت وكيف شاؤا ) ، وروي عن الإمام السجاد ( عليه السلام ) كان يقول في دعائه عقب الصلاة : ( أللهم إني أسألك باسمك الذي تقوم به السماء والأرض ) ، وفي دعاء النجاح عقب الظهر : ( وأسألك باسمك الأعظم الذي به تقوم السماء والأرض وبه تحي الموتى وتزق الإحياء ) ، ( وأسألك باسمك الذي وضعته ع النهار فاستنار وأسألك باسمك الذي وضعته ع الليل فاظلم ) ، ( وبأسمائك الحسنى تبدي وتعيد ) ، وهناك العديد من الأدعية التي تثبت إن أفعال الله تعالى تتم من خلال الواسطة وتلك الواسطة هي أسمائه تعالى ويمكن لنا أن نذكر مجموعة من النقاط نحاول من خلالها اختصار تلك المقدمات التي سبق ذكرها :
1- إن لله تعالى أسماءاً تدل عليه .
2- إن هذه الأسماء غير المسمى وهي مخلوقة له تعالى .
3- إن هذه الأسماء على قسمين لفظية وعينية .
4- أن الله تعالى يتجلى بتلك الأسماء ويؤثر في الموجودات .
5- إن هذه الأسماء بعضها أعظم وأكبر من بعض .
6- إن أعظم هذه الأسماء وأكبرها هو محمد و آل محمد (ص) .
7- إن أفعال الله تعالى من الخلق و الرزق و الإبداع تتم من خلال أسمائه .
فإذا تم فهم هذه المقدمات بصورة واضحة وجيدة يمكننا الآن الدخول في أصل البحث
وتبدأ في ما رواه السيد بن طاووس ( رحمه الله ) في قنوت الإمام الحجة ( عليه السلام ) :
( اللهم وأسألك باسمك الذي تصور به خلقك في الأرحام كيف تشاء وبه تسوق إليهم أرزاقهم في أطباق الظلمات من بين الودق و العظام وأسألك باسمك الذي ألفت به بين قلوب أوليائك ) ،
إلى أن يقول: ( وأسألك باسمك الذي كونت به طعم المياه ) ، وهو محل الشاهد ومحور البحث .
ويمكن مناقشة هذا المقطع من الدعاء من عدة جهات لمحاولة إيصال القارئ الكريم إلى فهم العطش الحسيني بالمعنى الحقيقي أو الباطني بتوفيق من الله تعالى والله الموفق للصواب .
1- قوله ( عجل الله فرجه الشريف ) : (وأسألك باسمك الذي كونت به ..):
بعد التعرف على مجموعة المقدمات التي ذكرت في بداية البحث يمكننا أن نفهم بسهولة أن لله تعالى أسماً من أسمائه العينية كوّن به طعم المياه أي أنه تعالى كونه بواسطة هذا الاسم لأنه تعالى شاء أن تجري الأمور بأسبابها ووسائطها وعللها ومثال على ذلك أنه تعالى يقول في كتابه الكريم : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) ، وفي آية أخرى يقول تعالى : ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ) ، فإن الله تعالى هو الذي يتوفى الأنفس ولكن بواسطة ذلك الموجود الذي هو ملك الموت فما من وجود أو كمال وجودي إلا ويثبته الله لنفسه أولاً وبالذات ثم يثبته لغيره ثانيا ًوبالعرض أي بالواسطة ، ويقول تعالى في آية أخرى : ( إن إلينا إيابكم ثم إن علينا حسابكم ) ، وورد عن لسان المعصومين في الزيارة الجامعة الكبيرة : ( وإياب الخلق أليكم وحسابهم عليكم ) ، وهذا المعنى كثيراً ما تجده في الآيات و الروايات و الأدعية الشريفة .
2 – ( ... طعم المياه ) :
ما هو هذا الطعم الذي يتحدث عنه الإمام الحجة ( عليه السلام ) ونحن نعلم من خلال ما وصلنا من العلم المادي ( علم الكيمياء ) إن وصف الماء هو أنه ( عديم اللون و الطعم والرائحة ) ، وهو مادياً متصف بهذه الصفات ولكن هناك صفة غفل عنها الماديون وهي من أهم صفات الماء ألا وهي رفع العطش الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال رفع العطش بدونه حسب الظاهر فيمكن القول أن طعم المياه الذي ذكره الإمام ( عليه السلام ) في الدعاء وهو أن طعم المياه الذي ذكره الإمام ( عليه السلام ) في الدعاء هو خاصية رفع العطش الذي يتصف به دون غيره وليس الطعم المادي من الحموضة و الملوحة والمرورة .
3- علاقة الإمام الحسين ( عليه السلام ) بطعم المياه :
وعلمنا مما تقدم أن فعل الله تعالى يتم من خلال أسمائه التي هي محمد وآل محمد (ص) : ( نحن الأسماء الحسنى ) ، وأن من تلك الأسماء أسماً كوّن الله تعالى بواسطته طعم المياه الذي فهمنا منه أيضاً أنه رفع العطش وهنا يرد هذا السؤال وهو من هو ذلك الاسم من بين تلك الأسماء التي هي محمد وآل محمد (ص) الذي بواسطته كوّن الله تعالى طعم المياه ( رفع العطش ) – .....
ولا يخفى على القارئ الكريم إن الإنسان المؤمن الواعي الموالي لمحمد و آل محمد (ع) : بمجرد ذكر المياه و العطش يرد على ذهنه مباشرة ذكر الإمام الحسين (ع) العطشان المظلوم فهو (ع) أقرب هذه الأسماء التي هي محمد وآل محمد (ع) إلى هذا المعنى وهو (ع) المخصوص بالذكر عند شرب الماء وحسب ما أوصى به (ع) في تلك المواقف العاشورائية المؤلمة ولم يرد عن أحد المعصومين (ع) أنه قال : ( أذكروني عند شرب الماء ) ، ولم يذكر أي واحد من ولده (ع) أو أحد الأئمة من آبائه (ع) عدا ذكر الإمام الحسين في هذا المورد ونلاحظ أيضاً إن ذكر الإمام الحسين عند شرب الماء يكون بعد الشرب أي بعد الشعور بلذة رفع العطش وليس قبله بالرغم من إن الإمام الحسين تعرض إلى العديد من الابتلاءات والمصائب إلا أن الصفة الأكثر شيوعاً هي عطشه مع أنه قُتل جائعاً ولم نسمع الروايات بأنك إذا أكلت الطعام عليك أن تقول ( السلام عليك يا أبا عبد الله ) ، وأنه (ع) سُلب ردائه من على جسده الطاهر ولم نسمع الروايات أنك إذا خلعت ردائك عليك أن تقول ( السلام عليك يا أبا عبد الله ) وإن كان صاحب النظرة العميقة يمكن له أن يتذكر الإمام الحسين (ع) في كل الأحوال وفي شتى الظروف ولكن غفلة الناس درجات وصحوتهم درجات أيضاً فكلما علم الإنسان شيئاً كان ذلك دليلاً على جهله لأنك كنت جاهلاً به وغافلاً عنه وهكذا ولا أظن إن أحداً يدعي أنه يعلم كل شيء ويعضد ذلك قوله ( وعنده مفاتح الغيب ) و ( لا يطلع على غيبه أحد إلا من ....) ويكون هذا المعنى في مرتبة من مراتبه شاملاً حتى المعصومين (ع) أنفسهم ( وفوق كل ذي علم عليم ) ، فهم عليهم السلام يذكرون في عدة أحاديث ما معناه ( إننا نزداد في كل ليلة جمعة ولو لا هذه الزيادة لنفد ما عندنا ) ، ويقول الإمام الحسين (ع) في دعاء عرفة : ( أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي ) ، ولا يدخل إلى قلبك الريب من هذا القول فإنهم (ع) يقولون في هذا المعنى ففي الحديث الذي ذكره الإمام الصادق (ع) ينعت به الله تعالى أنه ( علم لا جهل فيه وحياة لا موت فيه وقدرة لا عجز فيه ) وهذا نعت لله تعالى ولا يشترك به أحد غيره .
ويمكن أن نفهم مما تقدم عدة نقاط :
1- إن لله تعالى اسماً من أسمائه كوّن به طعم المياه .
2- إن هذا الطعم الذي ذكر في الدعاء الشريف هو رفع العطش الذي هو من أهم صفات الماء .
3- إن محمداً وآل محمد (ع) هم الأسماء الحسنى التي هي واسطة الفيض الإلهي ومن خلالهم وبواسطتهم يتم الفعل الإلهي .
4- إن أقرب هذه الأسماء التي هي محمد وآل محمد (ع) عند ذكر الماء والعطش هو الإمام الحسين ( عليه السلام ) ولذلك عدة أسباب :
أ – إنه (ع) مخصوص بالذكر عند العطش أو عند شرب الماء ورفع العطش .
ب – أنه (ع) أوصى من دون بقية المعصومين (ع) بأن يُذكر عند شرب الماء .
ت – أوصى بهذا الذكر بقية المعصومين (ع) ولم يوصوا بذكر غيره (ع) عند شرب الماء .
ث – إن حالة العطش من الصفات الغالبة و المشهورة عن الإمام الحسين (ع) دون بقية المعصومين (ع) .
ج – أنهم (ع) أنفسهم كانوا يذكرون الحسين (ع) عند شرب الماء ولم يذكروا غيره (ع) فيمكن القول من خلال ما تقدم من الإيضاح إن ذلك الاسم الذي دعى به الإمام الحجة(ع) : ( وأسألك باسمك الذي كونت به طعم المياه ) ، هو الإمام الحسين (ع) ويمكن أن يسند هذا المعنى ببعض الروايات التي تشعر القارئ الكريم بهذا المعنى بصورة أكثر وضوحاً وهي من صور عاشوراء المؤلمة .
ـــ الرواية الأولى ــــ
( نادى عبد الله بن الحصين الازدي ( عليه اللعنة ) بأعلى صوته يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشانا ، فقال الإمام الحسين (ع) :
(اللهم أقتله عطشانا ولا تغفر له أبدا ), قال حميد بن مسلم والله لعدتُهُ بعد ذلك في مرضه فو الله الذي لا أله إلا هو لقد رأيته يشرب الماء حتى يبغر يقيئهُ ويصيح العطش يفعل ذلك مراراً ويتلظى عطشاً ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى ، فما زال ذلك دائه حتى هلك .
إن هذا الإنسان الكافر خاطب الإمام الحسين ( عليه السلام ) بلهجة أفصح فيها عن عمق الكفر الذي يحمله باطنه المظلم الذي أوصله إلى أن يكون خارجاً من رحمة الله وداخلاً في غضبه فإن لله تعالى صفات لا يتصف بأندادها أو نقيضها مثل العلم والقدرة وله تعالى صفات أخرى ويتصف بأضدادها أيضاً مثل الرضا والسخط فهو تعالى غفور رحيم شديد العقاب وإن الإنسان الكافر إذا وصل كفره وظلمه إلى الخروج من رحمة الله تعالى فإنه يدخل في غضبه والطرد من رحمته والعياذ بالله ، وهذا النموذج الكافر من هذا النوع فإنه بكفره واعتدائه على شخص الإمام الحسين (ع) في هذا القول الذي ترجم ما في باطنه المظلم من الفساد خرج من رحمة الله تعالى فإن الإمام الحسين (ع) هو أحد مصاديق رحمة الله تعالى فصدر خطاب الفيض الإلهي على لسان الحسين(ع) ( اللهم إقتله عطشانا ولا تغفر له أبدا ) ، فإذا رفع هذا الاسم الذي كوّن الله تعالى به طعم المياه يده عن هذا الكافر فمن المؤكد إنه يشرب هذا الماء بلا طعم أي رفع عن الماء الذي يشربه حالة رفع العطش ورفع عنه المغفرة في استعادة هذه الحالة التي هي من الرحمات الإلهية التي منّ الله تعالى علينا بهذا الوجود المقدس ووصل به الحال إلى تلك الحالة التي وصفها حميد بن مسلم حيث قال : أنه ( عليه اللعنة والعذاب ) كان يشرب الماء حتى يبغر ويصيح العطش العطش حتى هلك .
ــــ الرواية الثانية ــــ
قال الشيخ يوسف البحراني في الكشكول : ( لما منع الحسين (ع) وأصحابه ( رضي الله عنهم ) من الماء نادى فيهم من كان ضمآنا فليلجأ فأتاه رجل بعد رجل من أصحابه وهو يجعل إبهامه في راحة أحدهم فلم يزل يشرب الرجل بعد الرجل حتى ارتووا فقال بعضهم لبعض والله لقد شربت شراباً ما شربه أحد في دار الدنيا ) ,
يُفهم من هذه الرواية إن الإمام الحسين (ع) سقى أصحابه ( رضي الله عنهم ) من إبهامه الشريف أي من خارج السبب الطبيعي لرفع العطش وهو الماء ولا غرابة في ذلك فإنه (ع) هو الاسم الذي كوّن به الله تعالى طعم المياه ( رفع العطش ) وقد ذكرنا في ما سبق إن الماء ليس علة تامة في رفع العطش ولو كان علة تامة في رفع العطش لما حدثت الصورة الأولى في الرواية السابقة مع ذلك الكافر الذي شرب الماء حتى يبغر ويصيح العطش العطش حتى هلك عطشاناً وكذلك يمكن رفع العطش بدون الحاجة إلى شرب الماء فإذا وجد هذا الطعم بدون وجود الماء يمكن رفع العطش بدونه فإن هذه الحاجة لأنه يحتوي على هذا الطعم أما في حالة وجود هذا الطعم بسبب آخر فلا حاجة لشرب الماء لرفع العطش وهذا ما حصل مع أصحاب الإمام الحسين (ع) عندما ارتووا من إبهامه الشريف وهذا المعنى صحيح في ذاته ولكن الرواية ذكرت أنه (ع) جعل إبهامه في راحة الشارب وهذا يوحي بإن أصحابه شربوا شيئاً ولم يتذوقوا طعم الماء ( رفع العطش ) فقط ويقوي هذا المعنى قول بعضهم لبعض ( ... و الله لقد شربت شراباً ما شربه أحد في دار الدنيا ... ) فما هذا الشراب الذي شربه أصحاب الإمام الحسين (ع) !
ويمكن القول إن وجود مراتب الوجود كثيرة ومتعددة من النور الأول الذي هو الحقيقة المحمدية كما في الحديث : ( أول ما خلق الله نور نبيكم يا جابر ثم خلق منه كل خير ) ، ونزولاً إلى عالم الدنيا ( قوس النزول ) الذي هو أدنى مراتب الوجود في كل تفاصيله ومن الأشياء الموجودة في عالم الدنيا الماء المعروف عندنا بهذه الصورة ولكن نفس هذا الماء الموجود في عالم الدنيا أيضاً له صور متعددة حسب مراتب الوجود فهو في المرتبة التي هي أرقى من عالم الدنيا أكثر لذة وأشد رفعاً للعطش وبما إن عالم الدنيا هو أدنى مراتب الوجود فإن الماء الموجود في هذا العالم من أدنى أنواع الماء وأكثفها فكان الإمام الحسين (ع) سقى أصحابه من الماء الموجود في أحد العوالم والمراتب التي هي أرقى من عالم الدنيا ومتقدم عليه وهذا المعنى متيسر له (ع) لأنه من العلل الأولى المسيطرة عل كل ما دونها من مراتب الوجود ويستشف هذا المعنى من قولهم ( رضي الله عنهم ) : (.. ما شربه أحدٌ في دار الدنيا .. ) ، لأنه ليس من سنخ الماء الموجود في هذا العالم ولا يمكن لأحد أن يحصل على هذا الماء في دار الدنيا ما لم يطوي مراتب الوجود صعوداً ( قوس الصعود ) حتى يرجع إلى ما بدأ منه وهو قوله تعالى : ( إنا لله وأنا إليه راجعون ) ، فالإمام الحسين (ع) هو قطب عالم الامكان نزولاً وصعوداً .
ــــ الرواية الثالثة ــــــ
عن الإمام الرضا (ع) قال : ( هبط على الحسين ملك وقد اشتكى إليه أصحابه العطش فقال إن الله يقرئك السلام ويقول هل لك من حاجة فقال الحسين إن الله هو السلام ومنه السلام وقد اشتكى أصحابي ما هو أعلم به مني من العطش فأوحى الله تعالى إلى الملك قل للحسين خط لهم بإصبعك خلف ظهرك فخط الحسين باصبعة السبابة فجرى نهراً أبيض من اللبن و أحلى من العسل فشرب منه أصحابه فقال الملك يا بن رسول الله أتأذن لي أن أشرب فإنه لكم خاصة وهو الرحيق المختوم الذي ختامه مسك فقال الحسين إن كنت تشتهي إن تشرب منه فدونك ),
وفي هذا الحديث تشابهاً مع الحديث السابق وفي وسطه ونهايته تأكيد على ما قيل فيه فأنه يوحي بأن الإمام الحسين ( ع) رفع عطش أصحابه من دون الحاجة إلى الماء الموجود في عالم الدنيا وهو ما ذكرت الآية الكريمة : ( يسقون فيه من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) ، لأنه فوق تصور العقول القاصرة و المادة المظلمة وهو ليس شراباً مادياً وإلا لما طلب الملك من الإمام الحسين ( عليه السلام ) أن يشرب منه ونحن نعلم إن الملائكة لا يشربون ولا يأكلون شيئاً مما موجود في عالم الدنيا ..
ويمكن أن نفهم مما تقدم من الروايات إن الإمام الحسين (ع) رفع العطش عن أصحابه (ع) وسقاهم من الرحيق المختوم الذي هو الماء في أرقى مراتبه وأعلى بكثير من ماء عالم الدنيا فلذا لم يشرب هو (ع) وقُتل عطشاناً بأبي وأمي , ويمكن الجواب بأنه (ع) عمل بمشيئة الله تعالى في كل الأحوال والابتلاءات التي تَعرض لها فإنه (ع) ذكر أموراً شاء الله تعالى أن تحدث مثل قوله (ع) : ( شاء الله أن يراهُنّ سبايا ) ، وكذلك شاء الله تعالى أن يقتل عطشاناً وأن يضل على رمضاء كربلاء ثلاث أيام وشاء الله أن يسلب فهو (ع) صاحب التسليم المطلق بمشيئة الله تعالى حيث كان يقول : ( إلهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى ) ، وهو غاية التسليم لأمر الله تعالى فتعلقت مشيئته تعالى بأن لا يرفع عطشه (ع) إلا عن طريق السبب الطبيعي لإثبات الحجة على من حرمه شرب الماء .
وقد قال المرحوم الحاج شيخ جعفر ( قدس سره ) : ( اعلم إن للحسين (ع) في الماء حقوقاً أربعة :
1- حقه في الماء من حيث الاشتراك مع جميع الناس فإن الناس كلهم شركاء في الماء ولذا جاز الشرب من الأنهار المملوكة وإن لم يأذن صاحبها .
2- حقه في الماء من حيث الاشتراك مع جميع ذوات الأرواح فإن لكل ذات روح في الماء حقاً ولذا يلزم التيمم للصلاة مع خوف الهلاك على الحيوانات المملوكة من العطش .
3- من حيث ثبوت حق السقي له على أهل الكوفة فإنه (ع) سقاهم ثلاث مرات مرة في الكوفة في زمان الإمام علي (ع) ومرة في صفين وأخرى في القادسية حين الملاقاة مع عسكر الحر بن الرياحي .
4- له الحق في الفرات بخصوصه فإنه نحلة الله تعالى لفاطمة (ع) ومهر الزهراء ولم يرعوا ( لعنهم الله تعالى ) هذه الحقوق ومنعوه منه ومن أصحابه وعياله وأطفاله وذلك بثلاث قبل قتله .
ويمكن أن تضاف نقطة خامسة وهي :
أنه (ع) هو الاسم الذي كوّن به تعالى طعم المياه وجعله سبباً لرفع العطش ، وهذا المعنى يكشف للقارئ الكريم مدى مظلومية الإمام الحسين (ع) عندما يفهم إن هذا الوجود المقدس والاسم الأعظم به كوّن الله تعالى طعم المياه ويُقتل عطشاناً محروماً من شرب الماء ( اللهم العن قتلة الإمام الحسين) ، ولذا نجد الإمام الحسين (ع) يؤكد على ذكره (ع) عند شرب الماء والشعور برفع العطش بهذا الذكر المعروف عند شرب الماء ( السلام عليك يا أبا عبد الله ) لسببين :
السبب الأول : هو ذكر عظمة مظلومية الإمام الحسين ( عليه السلام ) وكيف إنه الاسم الذي كوّن به تعالى طعم الماء ويقتل عطشاناً .
السبب الثاني : هو شكر الله تعالى على هذه النعمة التي أودعها في الماء ورفع بها العطش ببركة ذلك الوجود المقدس .
وقد يكون السبب في عدم تصريح الإمام الحسين (ع) بهذا المعنى بسبب المستوى الذي كان فيه الناس في ذلك الزمان وقد ذكر الحديث بخصوص صورة الإخلاص عن المعصومين (ع) :
( إن الله تعالى علم إنه يكون في آخر زمان أناس متعمقون فأنول إليهم سورة الإخلاص ) ،
وبسبب التفكر الذي هو من نعم الله تعالى وحسب قانون التكامل حصل هذا الفهم لقضية عطش الامام الحسين (ع) والتي لا يمكن في زمن سابق فهمها إلا من الطريق العاطفي أو العرفي ولكن الله تعالى شاء أن يجري حكمته على لسان أضعف خلقه وأكثرهم قصوراً وتقصيراً وهو هذا العبد الذي كتب هذه السطور رغبة في أن تنال رضا الإمام الحسين (ع) وولده المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا تحت لوائه ) 00000
(( اللهم ارزقنا شفاعة الحسين ( عليه السلام يوم الورود وثبت لنا قدم صدق عندك مع الحسين ( عليه السلام ) وأصحاب الحسين ( عليه السلام ) الذين بذلوا مهجهم دون الحسين ( عليه السلام )) 000
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد آله الطيبين الطاهرين .
منقووووول
اللهم كن لوليك الفرج اللهم كن لوليك الفرج