بسم الله الرحمن الرحيم
فأما كلامه(عليه السلام) فهو البحر الذي لا يُساجَل..(لا يُساجَل: لا يغالب في الامتلاء وكثرة الماء.)،
والجمّ الذي لا يحافَل..(لا يحُافَل: لا يغالب في الكثرة، من قولهم: ضرع حافل: ممتلىء كثير اللبن، والمراد أن كلامه لا يقابل بكلام غيره لكثرة فضائله).[ السيد الشريف الرضي]
في موضوع
ترجمة ذاتيّة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام
طبقاً للنصوص الموثوقة (تأليف) ، نشر في مجلة علوم الحديث العدد الثامن السنة الرابعة /1421هجري
إنّ ما اكتنفَ الإمامَ أميرَ المؤمنينعليه السلام من الجهات الذاتيّة والنسبيّة، والمكوّنات التربويّة، والأعمال والفضائل والطموحات والتطلّعات الشخصيّة، والجهاد والنضال والصبر والحرمان في سبيل اللَّه والرسول والإسلام، ومجريات التاريخ، والمواجَهات والتدابير والتصريحات، والآثار والتراث والمخلّفات، والعلوم والحكم والقضايا، ومن حوله من أصحاب الآراء والأهواء والفرق والفئات، والتاريخ وما فيه من الظُلْمِ والظُلُمات، والبُعد الزمنيّ وما يعروه من التحريف والتصحيف المتعمّد والمغفول وسائر الآفات. إنّ جميع ذلك لَمِمّا يجعلُ التعرُّفَ على شخصيّة الإمامعليه السلام من المُستحيلات.
حتى عُدَّعليه السلام في صدر قائمة الذين ارتبكت الأُمم فيهم: بين الإفراط في الوِلاء إلى حدِّ الغُلُوّ، وبين التفريط في البُغض والقلى، و طائفة أعلنتْ التحيُّر وتوقّفالفكر فيهعليه السلام. وكان أيسرَ ما يستطيعُهُ عارفٌ شهد بعض زمانه - وهو الحسن البصريّ -
أنْ يقولَ:
(( إِنّ عَلِيّاً كانَ في أَمْرِهِ عَلِيّاً، فَرَحِمَ اللَّهُ عَلِيّاً و صَلَّى عليه)) (1).
وكذلك ما أعلنه الرسولُ الكريم صلى الله عليه وآله في الأحاديث الشريفة من مناقب الإمام وفضائله ومقامه عند اللَّه وعند الرسول ممّا هو مجموعٌ في ما يُسمّى بكتب المناقب والفضائل(4).
وجميع ما في هذين المصدرين العظيمين يغطّي الجانب الإلهيّ والغيبيّ من جوانب الإمامعليه السلام. فنحنُ لا نزالُ بحاجةٍ إلى ما ؟ ومَنْ ؟ يكشفُ لنا عنهُعليه السلام أبعاداً لايعرفها غيرُهُ من البشر؟.
وقد وفّقنا اللَّه للتعرُّف على طريق آخَر، هو الإمامُ نفسُه ؛ ليتحدّثَ لنا عن نفسِه، فيكونَ تعريفُه ترجمةً ذاتيّةً - في المصطلح الحديث - تُنْبِئُ عن مكامن ضميره، ونَفَثاتِ صَدْره، ومُرادات قلبه، وما انطوتْ عليه نفسُهُ الشريفةُ من أسرارٍ وحكمٍ ومعارفَ وعلومٍ، وما كان له من مفاخر ومختصّاتٍ، تلك التي لايُنكرُها عليه حتى ألدُّ أعدائه.
فإنّ الإمامَ كانَ إذا قال: « أَنَا » فيذكرُ أشرفَ أحوالِهِ والمزيّة التي يختصّ بها (5).
قال ابن قتيبة: كانت أمّ عَلِيٍعليه السلام سمّتهُ - و أَبُو طالبٍ غائبٌ حينَ ولدتْه - : «أسداً» باسم أبيها « أَسَد بن هاشم بن عبد مناف » فلمّا قَدِمَ أَبُو طالب غيّر اسمه، وسمّاه «عليّاً». وحيدرة: اسمٌ من أسماء الأسد.
ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة (1/12)و(19/127) وبحارالأنوار(2/275) ح41.
اطّلع أهل وادي اليابس على مقدم عَلِيّ بن أبي طالب وأصحابه إليهم، فخرج إليه منهم مئتا رجل، شاكين في السلاح، فلمّا رآهم عَلِيٌعليه السلام خرج اليهم في نَفَرٍ من أصحابه، فقالوا لهم: من أنتم ؟ ومن أين أقبلتم ؟ وأين تريدون؟
قالعليه السلام:
أَنَا عَلِيُّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأخوه، ورسوله إليكم،
أدعوكم إلى شهادة أن لا إلهَ إلاّ اللَّه وأنّ محمّداً عبدُهُ ورسولُهُ، ولكم إن آمنتم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين من خيرٍ وشرٍّ،فقالوا له: إيّاك أَردنا، وأنت َطلبتنا قد سمعنا مقالتك فخذْ حذرك واستعدّ للحرب.نور الثقلين (5/654-655).
أيّها الناس إنّي قد راقبتُ هؤلاء القوم كي يرعَوُوا أو يرجعوا، ووبّختهم بنكثهم، وعرّفتهم بغيهم فلم يستحيوا، وقد بعثوا إليّ أن:
« ابرز للطعان، واصبر للجلاد، وإنّما تمنّيك نفسُك أمانيَ الباطل، وتعدك الغُرور »!.
ألا هبلتهم الهبول، لقد كنتُ وما أُهدَّدُ بالحرب، ولا أرهبُ بالضرب ! ولقد أنصف القارة من راماها، فليُرعِدُوا وليُبْرِقُوا، فقد رأوني قديماً، وعرفوا نكايتي، فكيف رأوني؟! أَنَا أَبُو الحسن، الذي فللتُ حدّ المشركين، وفرّقتُ جماعتهم، وبذلك القلب ألقى عدوّي اليومَ، وإني لعلى ما وعدني ربّي من النصر والتأييد، وعلى يقينٍ من أمري، وفي غير شُبهةٍ من ديني.
أيّها الناس، إنّ الموت لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، ليس عن الموت محيد ولا محيص، من لم يُقتل مات، إن أفضل الموت القتلُ، و الذي نفسُ عَلِيٍّ بيده لأَلْفُ ضربةٍ بالسيف أهونُ من مَوْتةٍ واحدةٍ على الفراش.
اللهمّ إنّ طلحة نَكَثَ بيعتي، وأَلّبَ على عثمان حتى قَتَلَه، ثمّ عَضَهنيبه ورماني. اللهمّ فلا تُمهله. اللهمّ إنّ الزُبير قَطَعَ رحمي، ونَكَثَ بيعتي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة (1/306).
عُيُون المواعظ والحِكَم.
الفضائل لابن شاذان القُمّي (84).
عُيُون المواعظ والحِكَم.
الفضائل لابن شاذان القُمّي(ص 83).
وعن نَسَبِهِ قال الامامعليه السلام في جواب معاوية:
وَلَمَّا أَدْخَلَ اللَّه الْعَرَبَ في دِينِهِ أَفْوَاجاً، وَأَسْلَمَتْ لَهُ هذِهِ الأُمَّةُ طَوْعاً وَكَرْهاً، كُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فيالدينِ: إِمَّا رَغْبَةً وَإِمَّا رَهْبَةً، عَلَى حِينَ فَازَ أَهْلُ
السَبْقِ بِسَبْقِهِمْ، وَذَهَبَ الْمُهَاجِرُونَ الاَوَّلُونَ بِفَضْلِهِمْ. فَلاَ تَجْعَلَنَّ لِلشيْطَانِ فِيك نَصِيباً، وَلاَ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلاً، وَالسلاَمُ.)) نهج البلاغة (4 - 375) الكتاب 17.
إنّ قريشاً طلبت السعادةَ فشقيتْ، وطلبت النجاةَ فهلكتْ، وطلبت الهدى فضلّتْ، ألم يسمعوا - ويحهم - قوله تعالى: « وَ الذِينَ ءَامَنُواْوَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ...» ؟ فأين المعدل والمنزع عن ذريّة الرسولصلى الله عليه وآله الذين شيّد اللَّه بُنيانَهم فوقَ بُنيانهم، وأعلى رؤوسَهم فوق رؤوسِهم، واختارهم عليهم ؟ ألا إنّ الذريّة أفنانٌ أنا شجرتُها، ودوحةٌ أَنَا ساقُها، وإنّي من أحمد بمنزلة الضَوْءِ من الضَوْءِ، كُنّا ظِلالاً تحت العرش قبل خلق البشر، وقبل خلق الطينة التي كان منها البشر، أشباحاً عاليةً لا أجساماً ناميةً.
إنّ أمرنا صعبٌ مستصعبٌ، لا يعرف كنهه إلاّ ثلاثةٌ: ملكٌ مقرّبٌ، أو نَبِيٌّ مرسَلٌ، أو عبدٌ امتحنَ اللَّه قلبَه للإيمان، فإذا انكشفَ لكم سرٌّ أو وضحَ لكم أمرٌ فاقبلوه، وإلاّ فاسكتوا؛ تَسْلَمُوا، وردّوا علمَنا إلى اللَّه، فإنّكم في أوسع ممّا بين السماء والأرض. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة (13/105).
نور الثقلين (5/599).
يقول اللَّه عزّ و جلّ: «وَ هُوَ الذِى خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَ صِهْرًا».
معاني الأخبار للصدوق، و نور الثقلين (4/22)و(5/599).
فاطمة، التقيّة، الزكيّة، البرّة المهديّة، حبيبة حبيب اللَّه، وخير بناته، وسلالته، وريحانة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله سبطاه خير الأسباط، و ولداي خير الأولاد، هَلْ أحدٌ يُنكرُ ماأقولُ ؟ أينَ مسلمو أهل الكتاب ؟)).
نور الثقلين (5/599).
قال أمير المؤمنينعليه السلام: أَنَا أحدّثكم عنّي وعن أهل بيتي،
...، وأمّا أنا وحسين فنحن منكم و أنتم منّا.
ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (16/11).
الفضائل لابن شاذان القُمّي(ص 83).
((أَنَا أخُو جعفرُ الطيّارُ.)) عُيُون المواعظ والحِكَم.... ((في الجنة عند الملائكة.)) الفضائل لابن شاذان القُمّي(ص 83).
((أَنَا سَيَّدُ الشيْبِ، وَفيّ سُنَّةٌ مِنْ أَيُّوْبَ. ))
عن عباية الأسدي، قال: سمعت عليّاًعليه السلام يقول - : أَنَا سَيَّدُ الشِّيْبِ، وَفيَّ سُنَّةٌ مِنْ أَيُّوْبَ، وَ واللَّه لَيَجْمَعَنَّ اللَّهُ لِيْ أَهْلِيَ، كما جُمِعُوْا لِيَعْقُوْبَ.رواه المفيد، و الكشي.
((منــــذ الـــولادةُ ))
نهج البلاغة(92) الخطبة 57.
(( وأَنَا وهو صلى الله عليه وآله ساجدانِ ))
شرح نهج البلاغة (4/104).
أَنَا من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كالعَضُدِ من المِنْكَبِ، وكالذِراعِ من العَضُدِ، وكالكفِّ من الذِراعِ، ربّاني صغيراً، وآخاني كبيراً، ولقد علمتم أني كان لي منه مجلسٌ سرٌّ لا يطّلع عليه غيري، وإنّه أوصى إليَّ دونَ أصحابه وأهل بيته، ولأقولنّ ما لم أقلْه لأحدٍ قبلَ هذا اليوم: سألته مرّةً أن يدعوَ لي بالمغفرة فقال: أفعل، ثمّ قام فصلّى، فلمّا رفع يده للدعاء استمعتُ إليه، فإذا هو قائل: « اللهمّ بحقّ عَلِيٍّ عندك اغفر لِعَلِيّ »
فقلتُ: يا رسول اللَّه، ما هذا؟
فقال: أوَ أحدٌ أكرمُ منك عليه فأستشفع به إليه ؟.ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (20/315
________________________________________
1) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد (4/96) ط ابراهيم - مصر. وعنه في بحار الأنوار (34/295).
2) رواه الحافظ البُرسيّ في مشارق أنوار اليقين (ص112) طبع الشريف الرضيّ - قم 1414ه وفي بحار الأنوار (39/84) قال رسول اللَّهصلى الله عليه وآله: يا عليّ، ما عرف اللَّهَ حقَّ معرفته غيري وغيرك، وما عرفك حقّ معرفتك غير اللَّه وغيري.
3) لقد بحثنا بشكلٍ واسعٍ عن هذه الكتب ومناهجها وعدّدناها في المقدّمة الواسعة التي كتبناها لتفسير الحِبَرِيّ، فراجع.
4) لقد جمع السيّد مهدي الموسوي الخرسان، قائمةً طويلةً بهذه المؤلّفات في مقدّمته الرائعة لكتاب «ينابيع المودّة» المطبوع في المطبعة الحيدريّة في النجف.
5) شرح نهج البلاغة (12/124).