جزيرة البحرين كانت جنة آمنة ينعم أهلها بخيراتها، وكانت بلد العلم والعلماء حيث أنجبت الكثير من العلماء والفقهاء الذين تركوا آثارهم وبصماتهم العلمية في مختلف القرون المنصرمة، أهل البحرين كانوا أهل السلم والمسالمة حيث اسلموا دون حرب، ولم يذكر التاريخ أنهم اعتدوا على احد، ولكن التاريخ نفسه سجل الكثير والكثير من وقائع وأحداث واعتداءات وقعت عليهم في عقر دارهم، ومن تلك الاعتداءات كانت وقعة كربلاء التي وقعت في جزيرة
النبيه صالح (جزيرة أكل) حيث هدم الخوارج مدرسة الشيخ داود الجزيري بالمنجنيق وقتلوا الشيخ داود ومن معه من العلماء.
مدرسة الشيخ داود البحراني أو كما تعرف لدى أهل الجزيرة (بمدرسة العلماء) هي مدرسة عرفت بتخريج الكثير من الفقهاء والعلماء وقد هدمت بالمنجنيق على طلابها بأيدي الغزاة الخوارج (العمانيين) وقتل فيها قرابة 73 عالم حتى عرفت في بعض التراجم باسم كربلاء. ومن أشهر علماء هذه المدرسة الشيخ داود بن علي البحراني والشيخ المتوج والكثير من العلماء الذين ذكرهم أصحاب التراجم والمراجع مثل كتاب شهداء الفضيلة وأمل الأمل واللؤلؤة وغيرها من الكتب، ولا تزال هذه المدرسة موجودة وأساسات جدرانها واضحة كما كان يوجد فيها بعض النخيل حتى عام 1985م إلى أن قامت البلدية ببسط الأرض وتسوية بقايا الجدران بالأرض.
ترجمة الشيخ داود الجزيري :
هو الشيخ داود بن الحسن بن يوسف بن محمد بن عيسى الجزيري البحراني، وفي رياض العلماء ورد اسمه داود بن يوسف، والصحيح ما ذكرناه.
عاش في القرن الحادي عشر الهجري، كان فقيهاً إمامياً، متكلماً،مخلصاً في محبة أهل البيت (عليهم السَّلام)، بنى مدرسة بالجزيرة، ووقف فيها ما يقرب من أربعمائة كتاب، كان كثير منها بخطّ يده، وقد صنف رسالة في تحريم التتن، وأُخرى في مسائل أُصول الدين، ورتّب كتاب «معاني الأخبار» للصدوق، ورجال الكشّي، ورجال النجاشي، وله فتاوى في الردّ على الصوفية، وفي مسألة الاجتهاد والتقليد، قال عبد اللّه الأفندي التبريزي: يظهر منها فضله وقوته في علمي الأصوليين. قال مؤلف«أنوار البدرين»: وقفت على مجلد في الطهارة والصلاة للشيخ داود البحراني والظاهر أنّه هو هذا الجزيري، لم نظفر بتاريخ وفاة المترجم، ولعلّه توفّـي في أوائل القرن الثاني عشر، وقبره بالحجرة الشمالية من ضريح النبيه صالح بالجزيرة.
في القرن الحادي عشر الهجري تعرضت جزيرة البحرين إلى الكثير من الاعتداءات الخارجية، ومن ابرز الاعتداءات اعتداء الاباضين العمانين وتسميهم بعض المصادر بالخوارج نظرا لانتمائهم إليهم، وفي هذا الهجوم هجموا على جزيرة النبي صالح فقتلوا الشيخ دواد ومعه مايقارب (40) عالما في واقعة واحدة ومن بين العلماء الأربعين 12 مجتهد، وكان الشيخ دواد هو مؤسس مدرسة العلوم الدينية حيث بناها في بيته وأوقف عليها 400 كتاب مجموعة منها بخط يده، وقد دفن الشيخ داود بمسجد النبيه صالح في الحجرة الشمالية، وحاليا مكان المدرسة ارض خالية معروفة عند أهالي المنطقة ( بوقعة كربلاء وبمدرسة العلماء ومدرسة الشيخ داود)، وقد ذكرت قصة الشيخ دواد في الكثر من المصدر ومنها: (أعلام الثقافة الإسلامية ، مخطوط ماضي البحرين وحاضرها وعقداللال في تاريخ أوال). ويذكر ان الاباضيين سرقوا آنذك العديد من المخطوطات النادرة في حوزة النبيه صالح لاتزال موجودة في المكتبة الوطنيه العمانيه.
وقد ذكر احد الأعضاء في ملتقى شهداء البحرين وضحايا التعذيب ترجمة مختصرة للشيخ داود وما قيل فيه وننقله هنا للفائدة وهو كالتالي:
قال عنه العلامة الشيخ علي البلادي في كتابه (أنوار البدرين): وكان هذا الشيخ صالحاً دّيناً، صحيح الاعتقاد مخلصاً في محبة أهل البيت (ع).
كتب رسالة حول أصول الدين وأخرى حول " تحريم التتن " –التبغ– ورتب كتاب رجال النجاشي وكذلك كتاب معاني الأخبار للشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) كتب كتباً عديدة بيده الشريفة ووقفها مع كتب كثيرة بخطه وخط غيره تقرب من أربعمائة كتاب على المدرسة التي بناها في بيته بالجزيرة المعروفة بجزيرة النبيه صالح وهي كما في (أنوار البدرين) قرية من قرى البحرين في وسط البحر ذا عيون وأنهار ونخيل وأشجار وفي طرفها الغربي مقام عظيم ينسب للنبي صالح وفيه جملة من قبور العلماء ولهذا كثيراً ما يلتجئ إليها كثير من أهل البحرين عند وقوع حادثة في البين وقد رأيتها مراراً وهي جنة من جنان الدنيا (جنات تجري من تحتها الأنهار) لولا ما فيها من الظلم والغصب والأكدار .
وللشيخ داود ثلاثة أولاد أخيار فضلاء ، الشيخ علي وهو أكبرهم والشيخ حسن والشيخ صلاح وللشيخ علي ولد أسمه الشيخ داود كان ثقة عادلاً صالحاً.
وكان الشيخ (عليه الرحمة) معاصراً للشيخ يوسف البحراني صاحب (الحدائق) بين سنوات 1107 و1186 من الهجرية النبوية ويستكشف من هذا التاريخ أن كتاب الشيخ داود البحراني حول تحريم التبغ جاء تأليفه قبل فتوى الإمام ميرزا حسن الشيرازي ضد الاستعمار البريطاني عام 1319ها / 1892م في تحريمه تبغ الشركة البريطانية الشرقية التي كانت تتخذ من الهند والبحرين بوّابة لاستعمار إيران وما بعدها، إلا أن الظروف السياسية التي كانت تحيط قيام الإمام الشيرازي لم تكن موجودة أيام الشيخ البحراني، كما أن التكتم الإعلامي على جهاد شعب البحرين وبطولات علمائها كان بمفرده من أعظم الجور الممارس بحق المظلومين في البحرين ولعل كونها جزيرة قد ساعد على ذلك.
هذا ومن الخدمات العظيمة للشيخ قيامه بتأسيس مدرسة دينية كبيرة في جزيرة النبيه صالح، حيث كانت الجزيرة آنذاك من أهم الحوزات لعلماء البحرين، أستهدف الشيخ قيامه هذا تربية حماة الدين (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله) ولا شك أن تأثير هذه المدرسة على أهل البحرين والجزيرة كان عميقاً وآثارها ظاهرة حتى اليوم .
وحيث أن الأعداء دائماً يجدون العلماء الرساليين والمدارس الدينية مصدراً لفضح مآربهم فكانوا يستهدفون إزالتهم من الوجود ليتسنى لهم ما يطمعون، لهذا قام الخوارج (سلاطين مسقط) في حدود سنة 1125هـ بأحتلال البحرين فدمروا فيها أماكن عديدة بما فيها جزيرة النبيه صالح (رحمة الله عليه)، إقتحموا مدرسة الشيخ داود وقتلوا طلابها مقتلة عظيمة في منتهى درجة من الوحشية وكانت في مكتبة المدرسة أربعمائة كتاباً من كتب التراث الإسلامي وأكثرها من مؤلفات علماء البحرين حرقوها أيضاً.
ينقل صاحب (أنوار البدرين) مقطعاً عن تاريخ المدرسة قائلاً: "هي الآن خراب ويسميها أهل تلك الجزيرة (كربلاء) لأنه قتل فيها في بعض الوقائع التي صدرت على البحرين (أربعون أو سبعون) عالماً ومتعلماً، فسميت لذلك (كربلاء) ".
وفي مكان آخر من الكتاب يقول: "ينقل أهل هذه الجزيرة أنه قتل في بعض الوقائع في تلك المدرسة أربعون أو سبعون عالماً ومشتغلاً كلهم شهداء ولهذا يسمونها الآن بكربلاء، رحم الله من قتل فيها من العلماء الصالحين".
قف بالديار وسلها عن أهاليها *** عسى أن ترد جواباً إذ تناديها
واستفهمن من لسان الحال ما فعلت *** أيدي الخطوب وماذا أبرمت فيها
فسوف تنبيك أن القوم قد رحلوا *** ولم تكن بلغت منهم أمانيها
ــــــــــــ
المصادر: رياض العلماء 2/271، لؤلؤة البحرين 403 ضمن الكشي برقم 126، مستدرك الوسائل (الخاتمة)، أنوار البدرين186 برقم 84، أعيان الشيعة 6/366، 368، طبقات أعلام الشيعة 6/248، الذريعة4/70 برقم 286، مع موسوعات رجال الشيعة 2/532.
موقع المدرسة من الجهة الجنوبية
بوابة المدخل من الجهة الغربية
موقع المدرسة من الجهة الشمالية
منقول