وَعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَاهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الجِنِّ وَالاِنْسِ مِنَ ألاَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْسَّلامِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الْلَّهِ وَبَرَكَاتَةَ
نبارك لكم ميلاد سيد الشهداء، سبط رسول الله ، الإمام أبي عبد الله الحسين (عليهم السلام).
وبهذه المناسبة المباركة، نكتب لكم إحدى مقالات كتاب (الامام الحسين قدوة الصديقين) من تاليف سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي دام ظلّه.ولتساهموا في نشر الثقافة السليمة والفكر الرسالي الاصيل
الامام الحسين عليه السلام
ضمانة الهدى والفلاح
عن الحسين بن علي عليهما السلام قال: "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده اُبيُّ بن كعب فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: (مرحبا بك يا أبا عبد الله، يازين السماوات والأرض) قال له اُبيّ: وكيف يكون يا رسول الله زين السموات والأرض أحدٌ غيرك؟ فقال: (يا اُبيّ، والذي بعثني بالحق نبياً إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض، وانه لمكتوب عن يمين عرش الله "مصباح هدى، وسفينة نجاة". ([1])
ضمانة الهدى والفلاح
ان ابا عبد الله عليه السلام كما انبأنا بذلك الصادق الامين هو مصباح للهدى، وسفينة للنجاة. والانسان بحاجة في حياته الى امرين؛ الهدى والفلاح، الهدى لكي يعرف الطريق، والفلاح لكي يصل الى اهدافه وطموحاته، والامام الحسين عليه السلام يضمن لنا تحقيق هذين الامرين. وهذا يعني انه عليه السلام يمثل تلك القيم والمبادئ التي نزل بها الوحي، والتي تبصِّر الانسان بطريقه في الحياة. والحسين عليه السلام بنهجه وكلماته المضيئة، والحب الذي له في قلوب المؤمنين يمثل النجاة في الدنيا والآخرة .
واذا تدبرنا في آيات الذكر الحكيم نرى ان الهدى والفلاح هما نهاية وعاقبة المتقين، ففي بداية سورة البقرة نقرأ قوله تعالى: ]الم * ذَلِكَ الكِتَابُ لاَرَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلمُتَّقِينَ[ (البقرة:1-2)، حتى تصل إلى قوله: ]أُوْلئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ[ (البقرة:5). فالهدى هو القرآن ، والذي يدلنا على هذا الهدى هو الامام الحسين عليه السلام من خلال كلماته وافكاره، ومن خلال تجسيده للقرآن. فقد كان عليه السلام القرآن الناطق بما قام به من حركة ونهضة، ولذلك كان مصباحا للهدى ؛ اي تفسيراً وتأويلاً صحيحاً للقرآن الذي امرنا بمقارعة الطغاة والظالمين، وان لانشرك بالله احداً.
ثم ان الحسين عليه السلام هو في نفس الوقت سفينة نجاة، فالبشرية معرضة لان تبتلعها امواج الفتن، وتهددها الاخطار، وعليها اذا ما أرادت التخلص من هذه الفتن والاخطار أن تتمسك بنهج ابي عبد الله الحسين عليه السلام .
العودة الى حقيقة الدين؛ رسالة الانبياء
ولقد كان من اهم مهام الانبياء عليهم السلام وأعظم مسؤولياتهم انهم كانوا يحاولون اعادة الناس الى حقيقة الدين، ولقد بعث الله سبحانه وتعالى الانبياء والرسل والاوصياء الواحد بعد الآخر، لان الناس كانوا يحاولون افراغ الدين من محتواه، والاخذ بقشوره. فهم يصلّون ولكن صلاتهم لاتنهاهم عن الفحشاء والمنكر، ولاتدعوهم الى الله وذكره، ولاتدفعهم الى اطعام المسكين، ولا إلى اداء الواجبات وترك المحرمات، ومثل هذه الصلاة هي صلاة عمر بن سعد التي أداها في يوم عاشوراء، في حين انه قد قتل الصلاة لانه قتل ابا عبد الله الذي كان يمثل الصلاة وكل الواجبات الشرعية !
وعلى سبيل المثال، فان الحج كان من ضمن الفرائض التي كانت موجودة قبل الاسلام، ولكن المشركين كانوا قد افرغوا هذه الفريضة من محتواها، فمشركو قريش الذين كانوا سدنة البيت كانوا يوجبون على الحجاج ان لايطوفوا بثيابهم وانما عليهم ان يبدلوها ويرتدوا ثياباً جديدة يأخذونها من سدنة البيت ليحجوا بها، وهذه هي احدى البدع. فالعرب كانوا يأتون للحج ولكن المشركين كانوا يفرضون عليهم غرامة، وقد كان البعض فقراء لايستطيعون شراء تلك الثياب فكانوا يضطرون الى أن يطوفوا حول الكعبة عراة .
وقد أقام المشركون في بيت الله الحرام ما يقرب من ثلاثمائة صنم، وكانوا يطوفون حول البيت ثم يلبّون فيقولون: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلاّ شريك هو لك …"! ([2])
وبذلك كانوا يحرفون الكلم عن مواضعه، ويدّعون التوحيد وهم غارقون في الشرك!
هكذا كان دين المشركين، لقد افرغوه من محتواه، فكان حجهم وصلاتهم مكاء وتصدية، كما يقول عز وجل: ]وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً[ (الانفال:30). فالذي كان يصلي لم يكـن
يصلي لله، وانما ليصد الناس عن سبيله .
ولقد جاء نبينا الاعظم صلى الله عليه وآله ليعيد الى الدين حقيقته وجوهره، وهكذا كانت وظيفة الائمة عليهم السلام، فقد قاموا بهذا الدور أيضاً، فقد جاء الامام الحسين عليه السلام ليرى فوق منبر رسول الله صلى الله عليه وآله رجلا يفتخر بانه يشرب الخمر، ويزني بعمته، ويلاعب القرود، بالاضافة الى انه كان احد الشعراء المعروفين بالغناء والطرب ووصف الخمرة ... !
وهكذا؛ فقد كانت الخلافة موجودة، ومنبر رسول الله صلى الله عليه وآله موجوداً، وهكذا الحال بالنسبة الى المسجد. ولكننا عندما ننظر الى المحتوى نراه فسادا في فساد، وحميات وعصبيات، واختلافاً بين القبائل العربية، وبين العرب والموالي، وبالتالي عودة الجاهلية بكل قيمها الفاسدة.
وقد روي في هذا المجال ان عبد الله بن عمر قد دعي الى نصرة الحسين عليه السلام ولكنه امتنع عن ذلك طالباً من الداعين له ان يتركوه منشغلاً بالصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله بحجة ان هذا العمل أكثر ثواباً عند الله، هذا في حين ان الامة كانت تنحرف، والفساد يعم، والاسلام في خطر ، فما فائدة مثل هذه الصلاة والنبي صلى الله عليه وآله يقول: "إذا ظهرت البدعة في اُمّتي فليظهر العالم علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله"؟ ([3])، ان الصلاة التي تغطي على تقاعس الانسان وهزيمته واستسلامه انما هي مكاء وتصدية.
ترى من الذي يجب ان يقوم بمهمة ازالة هذا الانحراف الواسع العميق غير أبي عبد الله الحسين عليه السلام الذي ادخره الله سبحانه لمثل هذا اليوم ؟ ولذلك فقد اصبح عليه السلام مصباح الهدى، وسفينة النجاة، لانه هو الذي انقذ الله به البشرية كلها من الضلالة، والا لكان الدين في خبر كان ولانتهى كما انتهت الاديان السابقة.
فلقد علّم الحسين عليه السلام البشرية ان حقيقة الدين هي المهمة لا مظاهره، وهو درس لنا نحن ايضا؛ فاذا رأينا انسانا يصلي ولكنه يكذب بعد الصلاة، ويخون الامانة، فعلينا ان نقول له: ان صلاتك مردودة عليك. واذا اردنا ان نجرّب مجتمعا ما، فعلينا ان نعرفه من خلال تعامل افراده مع بعضهم البعض ؛ فهل يؤدون الامانة، ام انهم يأكلون اموالهم بينهم بالباطل ؟ ولقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تنظروا الى طول ركوع الرجل وسجوده، فإنَّ ذلك شيء اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك". ([4])
ان الامام الحسين عليه السلام جاء ليعلمنا ان الدين والايمان حقيقة. فالايمان ليس بالتظني ولا بالتمني وانما هو ما وقر في القلب، فاذا لم يوجد النور في القلب، ولم تكن للانسان القدرة على نهي النفس عن الهوى، فيؤدي الصلاة وهو يعبد الشيطان وهوى النفس، فان هذه الصلاة مردودة. فالله عز وجل لايتقبل الا من المتقين ، وهذه هي حقيقة الدين .
حقائق الدين في القرآن
ولقد اوضح لنا القرآن حقائق الدين فهو يقول مرة : ]لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ[ (البقرة: 177). فتولية الوجه انما هو من جملة الامور الظاهرية، والبر انما هو الايمان الحقيقي، والانفاق، والجهاد في سبيل الله. ثم يقول مرة اخرى: ]أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَيَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ[ (التوبة:19). فهل من الممكن ان اُصبح مؤمناً حقيقياً بمجرد ان آتي بالماء وأسقي به الحجيج في حين انني لم انه نفسي عن الهوى، ولم اخف مقام ربي، ولم اكن مع ديني ضد مصلحتي؟
وفي (سورة الانبياء) يبين لنا ربنا تبارك وتعالى بعض صفات الانبياء فيقول: ]وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ[ (مريم:54)، اي ان الدين هو الصدق في الوعد ، والكلام ، والالتزام. ثم يقول تعالى: ]وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ[ (مريم:55)، فأن ندّعي التدين ولكن لا نهتم بأولادنا ولا نأمرهم بالصلاة فان هذا ليس من الدين في شيء .
ثم يقول تعالى بشأن ادريس عليه السلام: ]وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً[ (مريم:41) فقد كانت من صفات هذا النبي العظيم انه كان صادقاً في كل حقل، وهذا هو معنى الايمان. ومن الصفات التي اشترك فيها جميع الانبياء الصفة التي يشير اليها تعالى في قولـه: ]إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّـاً[ (مريم:58)، فالحقائق الالهية كانت تعني بالنسبة اليهم الخضوع والخشوع والاخبات، ولذلك فانهم كانوا يسلمون للامر الالهي دون مناقشة .
وبعد ذلك يشير ربنا عز وجل الى الانحراف الذي ظهر بعد الانبياء قائلا: ]فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ[ (مريم:59)، ومن المعلوم ان اضاعة الصلاة ليس كتركها، فالاضاعة تعني انهم كانوا يصلون ولكن ليس تلك الصلاة التي يريدها الله تعالى، لانهم كانوا يتبعون شهواتهم لا احكام دينهم .
فرصة اصلاح النفس
اننا الان نريد ان نركب سفينة النجاة، وندخل في امان الله تعالى تحت راية ابي عبد الله الحسين عليه السلام، لذا فعلينا ان نصلح واقعنا الفاسد. واذا ما دخلنا في اي موسم ديني – كميلاد الامام الحسين وسائر المناسبات الشعبانية - ثم خرجنا منه كما دخلنا فقد ضيعنا فرصة اصلاح نفوسنا وأوضاعنا، فعلينا ان نهيئ أنفسنا للانتفاع من هذا الموسم الشريف وخصوصا فيما يتعلق بعلاقتنا مع بعضنا البعض. فاذا كان الواحد منا يحمل في قلبه - لاسمح الله - حقدا وضغينة أو سوء ظن تجاه أخيه المؤمن فعليه ان يزيله، ولاتكن مشاركتنا في إحياء هذا الشهر من أجل ان يكون موكبنا - مثلا- أفضل من مواكب الآخرين، او حسينيتنا أفضل من الحسينيات الاخرى، فمثل هذا التفكير انما هو من الحميات والعصبيات الجاهلية .
ان المهم هو العمل الذي يكون فيه مرضاة الله سبحانه وتعالى، وان لايكون هدفنا رضا الناس فقط. ثم ان مجالسنا يجب ان تكون مركزا للوحدة والتلاحم، لان راية الحسين عليه السلام هي راية الوحدة، لا راية الفرقة والاختلاف. فاذا ما تفرقنا فان الاخرين سيستشكلون علينا باننا نمتلك إماماً واحداً، ولكننا مع ذلك متفرقون عن بعضنا .
فلنوحِّد انفسنا، فان الوحدة هي حقيقة الدين، كما قال الله تعالـى: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا[ (آل عمران:103)، وحبل الله هو القرآن الكريم، والنبي محمد صلى الله عليه وآله، والائمة المعصومون عليهم السلام. ولنصلح انفسنا ولانخدعها بالمظاهر. فعندما نقف امام ابي عبد الله عليه السلام ونقول: "إني سلم لمن سالمكم وحربٌ لمن حاربكم"([5]) فان هذا يقتضي ان نحب كل من أحب الحسين عليه السلام، ونوالي كل من والاه، لا أن نختلف معه ونُكنَّ له العداوة والضغينة ، ونصبح ضحية التنافس المقيت.
فلنطهِّر انفسنا، ولنكن صادقين مع امامنا الحسين عليه السلام، وفي هذه الحالة سنركب سفينة النجاة، وسيكون الحسين عليه السلام شفيعنا في الآخرة، وسببا لنجاتنا من المشاكل والمآسي في الدنيا.
وفقكم الله وإيّانا لمراضيه
مكتب المرجع الديني آية الله العظمى المدرسي (دام ظلّه)...ولتساهموا في نشر الثقافة السليمة والفكر الرسالي الاصيل
اللهم كن لوليك الفرج اللهم كن لوليك الفرج