اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المعارف التي حثّ الإسلام على تحصيلها و لا غنى عنها كثيرة نذكر أهمها فيما يلي :
معرفة الله جَلَّ جَلالُه :
إن معرفة الله سبحانه و تعالى أساس كل خير ، و هي رأس العلم ، و أعلى المعارف و أوجبها ، فأول العلم معرفة الجبار .
أما حدود ما يلزم علينا تحصيله من المعرفة بالنسبة إلى الله تعالى فهي كما بيّنها الرسول المصطفى ( صلَّى الله عليه و آله ) عندما سُئل عن ذلك كما ورد في الحديث :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه و آله ) ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : عَلِّمْنِي مِنْ غَرَائِبِ الْعِلْمِ ؟
قَالَ : " مَا صَنَعْتَ فِي رَأْسِ الْعِلْمِ حَتَّى تَسْأَلَ عَنْ غَرَائِبِهِ " ؟
قَالَ الرَّجُلُ : مَا رَأْسُ الْعِلْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ : " مَعْرِفَةُ اللَّهِ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ " .
قَالَ الْأَعْرَابِيُّ : وَ مَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ ؟
قَالَ : " تَعْرِفُهُ بِلَا مِثْلٍ ، وَ لَا شِبْهٍ ، وَ لَا نِدٍّ ، وَ أَنَّهُ وَاحِدٌ أَحَدٌ ، ظَاهِرٌ بَاطِنٌ ، أَوَّلُ آخِرُ ، لَا كُفْوَ لَهُ وَ لَا نَظِيرَ ، فَذَلِكَ حَقُّ مَعْرِفَتِه " [1] .
معرفة الكون و الطبيعة :
يقول الله العظيم في كتابه الكريم : ﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾ [2] .
و يقول تعالى أيضا : ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ﴾ [3] .
و المؤمن لا يستغني عن التفكر في خلق السماوات و الأرض لتثبيت إيمانه و ترسيخ دعائم عقيدته .
معرفة الإنسان نفسه :
هذه المعرفة أيضا من ضروريات المعارف التي أكد الله تعالى في القرآن الكريم ، و كذلك الأنبياء و الأئمة المعصومون ( عليهم السَّلام ) على تحصيلها ، و أهمية هذه المعرفة واضحة جداً ، إذ أن الجهل بالنفس يعتبر من الموانع الرئيسية التي تقف بوجه الإنسان إذا أراد معرفة ما يحيط به ، خصوصا إذا أراد معرفة الله تعالى ، فقد رُوِيَ عن النَّبِي ( صلى الله عليه و آله ) أنه قال : " مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّه " [4] ، و لقد أشار القرآن الكريم إلى أهمية معرفة النفس حيث قال :
1. ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [5] .
2. و قال تعالى أيضا : ﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [6] .
أما الأحاديث فهي كثيرة في هذا الباب ، نشير إلى نماذج منها في ما يلي :
1. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) : " معرفة النفس انفع المعارف " [7] .
2. و قال ( عليه السَّلام ) أيضا : " كيف يعرف غيره من يجهل نفسه " [8] .
3. و قال ( عليه السَّلام ) أيضا : " نال الفوز الأكبر من ظفر بمعرفة النفس " [9] .
4. و قال ( عليه السَّلام ) : أيضا " من عرف نفسه فقد انتهى إلى غاية كل معرفة و علم " [10] .
معرفة التاريخ :
إن لمعرفة التاريخ و التدبر في أدواره أهمية كبرى و دوراً هاما في اكتشاف الحقائق بهدف الاستفادة من تجارب الماضيين و تحاشي الوقوع فيما وقع فيه الماضون من أخطاء و اشتباهات و عدم تكرارها ، كما و ان معرفة التاريخ تعطينا فرصة اكتشاف إيجابيات الأمم السالفة و العمل بها اختزالا للوقت و الجهد و تجنبا للإسراف في الطاقات و الإمكانيات ، و لذا فإننا نجد القرآن الكريم يَحُثُّ على تحصيل هذه المعرفة حيث يقول :
1. ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [11] .
2. ﴿ ... فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [12] .
ثم إن من يُعرض عن تحصيل هذه المعارف سيكون محجوبا عن معرفة الله سبحانه و تعالى و سننه في الكون .
معرفة الحجة و الإمام :
نظرا لأهمية مسألة الإمامة و القيادة في الإسلام ، نجد أن هناك أحاديث كثيرة حثَّت على معرفة الإمام الذي هو حجة الله على خلقه ، و كما هو واضح فان المراد من الإمام هنا هو النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) و أوصيائه المعصومون في كل عصر أي الأئمة الأثنى عشر ( عليهم السلام ) .
رُوِيَ عن النبي المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) أنهُ قال : " مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " [13] .
و يقول الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السَّلام ) : " إِنَّ الْإِمَامَةَ زِمَامُ الدِّينِ وَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ وَ صَلَاحُ الدُّنْيَا وَ عِزُّ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ الْإِمَامَةَ أُسُّ الْإِسْلَامِ النَّامِي وَ فَرْعُهُ السَّامِي ، بِالْإِمَامِ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصِّيَامِ وَ الْحَجِّ وَ الْجِهَادِ وَ تَوْفِيرُ الْفَيْءِ وَ الصَّدَقَاتِ وَ إِمْضَاءُ الْحُدُودِ وَ الْأَحْكَامِ وَ مَنْعُ الثُّغُورِ وَ الْأَطْرَافِ … " [14] .
و عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) أنهُ قَالَ : " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ : عَلَى الصَّلَاةِ ، وَ الزَّكَاةِ ، وَ الْحَجِّ ، وَ الصَّوْمِ ، وَ الْوَلَايَةِ " .
قَالَ زُرَارَةُ فَقُلْتُ : وَ أَيُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ ؟
فَقَالَ : " الْوَلَايَةُ أَفْضَلُ ، لِأَنَّهَا مِفْتَاحُهُنَّ ، وَ الْوَالِي هُوَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِنَّ ... " [15] .
و قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) : " اللَّهُمَّ بَلَى لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً ، و إِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً ، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ و بَيِّنَاتُهُ " [16] .
و عن الشَّيْخُ الْمُفِيدُ فِي الْإِخْتِصَاصِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ ( عليه السَّلام ) قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : " مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً إِمَامٍ حَيٍّ يَعْرِفُهُ " .
قُلْتُ : لَمْ أَسْمَعْ أَبَاكَ يَذْكُرُ هَذَا يَعْنِي إِمَاماً حَيّاً .
فَقَالَ : " قَدْ واللَّهِ قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلَّى الله عليه و آله ) " .
قَالَ و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلَّى الله عليه و آله ) : " مَنْ مَاتَ و لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ يَسْمَعُ لَهُ و يُطِيعُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " [17] .
و قال الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) : " من بات ليلة لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " [18] .
إلى غيرها من الأحاديث الكثيرة .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 3 / 269 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
[2] القران الكريم : سورة يونس ( 10 ) ، الآية : 101 ، الصفحة : 220 .
[3] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 190 ، الصفحة : 75 .
[4] بحار الأنوار : 2 / 32 .
[5] القران الكريم : سورة فصلت ( 41 ) ، الآية : 53 ، الصفحة : 482 .
[6] القران الكريم : سورة الذاريات ( 51 ) ، الآية : 21 ، الصفحة : 521 .
[7] ميزان الحكمة : حديث : 11903.
[8] ميزان الحكمة : حديث : 11920 .
[9] ميزان الحكمة : حديث : 11906 .
[10] ميزان الحكمة : حديث : 11923 .
[11] القران الكريم : سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 111 ، الصفحة : 248 .
[12] القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 176 ، الصفحة : 173 .
[13] بحار الأنوار : 32 / 331 ، و قد ورد هذا الحديث في مصادر السنه بالفاظ مختلفه ، راجع : المعجم الكبير للطبراني : 19 / 388 حديث : 910 ، حلية الاولياء لابي نعيم الاصفهاني : 3 / 224 ، مجمع الزوائد لابي بكر الهيثمي : 5 / 218 ، كنز العمال للمتقي الهندي : 1 / 103 حديث : 463 و 464 .
[14] الكافي : 1/ 198 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
[15] الكافي : 2 / 18 .
[16] نهج البلاغة : 497 ، طبعة : صبحي الصالح ، بيروت / لبنان .
[17] الكافي : 1 / 377 .
[18] بحار الأنوار : 23 / 78
المصدر: مركز الاشعاع الاسلامي