سلطنا الضوء سابقاً في هذا الموضوع على أن الآيات تنقسم إلى قسمين: نوعاً يعتبر التعاليم الدينية بأُصولها (من عقيدة وعمل) قضايا فطرية مغروسة في جبلة البشر وخلقته، فإذا هي (أي هذه التعاليم) ليست سوى نداءات الضمير، ومحاكاة للفطرة.
ونوعاً آخر يصرح بأنّ الإيمان باللّه و التوجه إليه في الشدائد من الأُمور الفطرية التي ولدت مع الإنسان.
في هذا الموضوع نوضح النوع الأول ونترك النوع الآخر لمرة آخرى لئلا يطول الموضوع.
التعاليم الدينية أُمور فطرية:
قال اللّه تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلّدِينِ حَنِيفاً فِطْرةَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(1). ففي هذه الآية لم تجعل مسألة «معرفة اللّه والإيمان به» فقط أمراً، فطرياً بل وصف الدين بأُصوله (والتي تعني تلك الأُصول والكليات التي تؤلّف أساس الدين الإلهي) بكونه فطرياً جبلياً. (2)
ويشهد الواقع على ذلك إذ نرى أنّ كل التعاليم الّتي جاء بها الدين من عقيدة وعمل، تنطبق على مجموع الاحتياجات الفطرية سواء بسواء. (3)
والإمعان في الآية المذكورة يفيدنا أنّ الدين عجن بفطرة البشر عجناً، فإذا هو منها وإذا هي منه، وجزء من كيانه.
وحقيقة الدين ليست سوى الطريق الأفضل الذي يجب أن تسلكه البشرية للوصول إلى السعادة.
وبتعبير آخر: انّ الهدف والغاية من خلق البشر ليس إلاّ الحصول على السعادة والكمال، وقد هدى اللّه تعالى كل فرد من أفراد البشر بل وكل نوع من أنواع مخلوقاته إلى ذلك إذ جهزه بما يوصله إلى شواطئ السعادة المنشودة والكمال المطلوب بوسيلة مناسبة.
وقد أشار الكتاب العزيز بصراحة إلى هذه «الهداية التكوينية» العامة والتي لا تقتصر على بني آدم بل تشمل كل الكائنات على الإطلاق.
فقد صرح بذلك في آيات أُخرى مضافاً إلى ما سبق، إذ قال: (رَبُّنُا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)(4).
(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) (5).
هذه الآيات تفيد ـ بوضوح كامل ـ أنّ اللّه زوّد كل كائنات هذا العالم ـ بشراً وغير بشر ـ بهداية فطرية تكوينية تتبين بموجبها طريقها في الحياة فتأخذ ما يناسبها وتدع ما لا يناسبها، وتعينها تلك الهداية الفطرية على معرفة ماهو مفيد لها وما هو مضر.
وفي خصوص الهداية الفطرية التي زود بها البشر خاصة يقول القرآن الكريم: (وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (6).
(أَلَمْ نَجْعَل لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (7).
(مِنْ نُطْفَة خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبيلَ يَسَّرَهُ) (8).
كل هذه الآيات حاكية عن أنّ جميع الموجودات ـ أعم من الإنسان وغير الإنسان ـ تعيش في ظل هداية تكوينية فطرية، هداية تقودها إلى الكمال المنشود المطلوب.
والهادي للإنسان في هذا المسير إنّما هو خلقته وتكوينه. وجميع البشر سواسية في هذه الموهبة الإلهية المعنوية ونعني الهداية الفطرية فلم يفضل اللّه فيها بعضاً على آخر، ولم يعطها لفريق ويحرم منها آخرين. إنّما هي فطرة فطر عليها عامة البشر بلا استثناء إذ يقول:
(فطرة اللّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه). فلم يخلق جماعة على غريزة الإيمان، وجماعة أُخرى على غريزة الإلحاد. جماعة على الميل إلى الخير، وجماعة أُخرى على الميل إلى الشر.
كلاّ، إنّما هي فطرة واحدة فطر عليها جميع الناس دون تمييز وتفضيل. إذ لا ريب أنّه لو لم يقم مجتمع ما على أساس مشترك لما أمكن سوقه إلى هدف الخلقة (ونعني به التكامل).
فإذا كانت التعاليم الدينية بأُصولها ذات طابع فطري وصفة جبلية ، فمن الأحرى أن تكون مسألة «معرفة اللّه والإيمان به» التي تعد أساس كل التعاليم الدينية أمراً فطرياً كذلك.
_______________ 1ـ الروم : 30.
2ـ الاستدلال بالآية في المقام موقوف على كون الدين بمعنى مجموع العقيدة والشريعة لا بمعنى الطاعة كما هو الظاهر من قوله تعالى : (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البينة : 5) أي مخلصين له الطاعة.
إنّ الدين في تلك الآية وأضرابها بمعنى الطاعة.
فلو قلنا بكون الدين في هذه الآية بمعنى الطاعة ، لصارت من شواهد التوحيد في الطاعة.
غير أنّ مشاهير المفسرين قد فسروا الدين في الآية المبحوثة هنا بمجموع العقيدة والشريعة، وجعلوا العقائد الإسلامية وأُصول الشريعة وكليّاتها (لا جزئياتها وتفاصيلها) من الأُمور الفطرية.
3ـ هذا بالإضافة إلى أنّنا نجد أغلبية الناس يميلون إليها طوعاً ورغبة إذا عرضت عليهم على النحو الصحيح، وإذا هم تجرّدوا عن العصبية ـ الهادي ـ .
4 ـ طه : 50.
5 ـ الأعلى : 2 ـ 3.
6 ـ الشمس : 7 ـ 8.
7 ـ البلد : 8 ـ 10.
8 ـ عبس : 19 ـ 20.
الاستاذ جعفر السبحاني.
بسم رب الزهراء عليها السلام
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام على من نرتجيها ليوم الفزع الأكبرالسلام على بديعة الوصف والمنظر
وآسعد الله آيامنا وآيامكم بطاعة الله ورضا المولى
حبيبتي جنة المتقين آسال الله آن يوفقك لكل خير
دمتم بحب ورعاية الزهراء
اللهم أدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد
وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد
ربي يعطيكم العافية أختي جنة المتقين على الطرح القيم المبارك
الله يوفقكم ويقضي جميع حوائجكم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين رشح المنتدى لإغاثة المحتاجين والمرضى
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين و عجل فرج وليهم يا كريم ,,
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
شكرا جزيلا لك أختي الكريمة على هذا الطرح ,
موفقة لكل خير .
اللهـم صـل علـى محمـد وآل محمـد