الحمد لله الذي يؤمن الخائفين و ينجي الصالحين و يرفع المستضعفين و يضع المستكبرين و يهلك ملوكاً و يستخلف اخرين و الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
و الحمد لله الذ من علينا بـ محمد صلى الله عليه و آله دُون الأمم الماضية و القرون السالفة فـ صل اللهم على محمد أمينك على وحيك و نجيبك من خلقك و صفيك من عبادك إمام الرحمه و قائد الخير و مفتاح البركه و على آله الطيبين الطاهرين و عجل اللهم فرج قائمهم بـ الحق و جعلنا و إياكم من خلص أنصاره وأعوانه المقربين ، أما بعد :
قال الله عز وجل ( فإتقوآ الله مآ إستطعتِمْ ) ، هذا الخطاب الإلهي وصيه لنا و لـ من كان قبلنا من بني آدم كما قال الله تعالى ( وَ لقدَ وصِينَآ آلذيِنَ آوتَوآ آلكِتَآبَ مِنَ قبَلكُمْ وَ إيَآكُمْ أنَ آتقوآ الله ) و معنى التقوى : أن يبتعد العبد عن كل ما يغضب الله تعالى ، فـ يتقي الله فيما ينظر فلا تقع عينه على حرام ، و يتقي الله فيما يسمع فلا يستمع لـ الغيبة أو الغناء مثلاً و يتقي الله فيما يقول فلا يغتاب و لا يشتم و لا يؤذي مؤمناً .. ، و يتقي الله في أموال الناس فلا يظلمهم ، و يتقي الله في أعراض الناس فلا يهتكهم .
و في عدة روايات : ( أصل العبادة الورع ) ، ( أصل الدين الورع ) ، ( كن ورعاً تكن أعبد الناس ) .
و بدون تقوى فإن الأعمال الحسنة تتفرق كـ الغبار ، يقول الله عز و جل ( وَ قدمنَآ إلىْ مآعمِلوآ مِنَ عملٍ فجعلنَه هباءٍ منثُوراً ) .
عن الأمام الباقر عليه السلام ( ماتنال ولايتنا إلا بالعمل و الورع ) والولاية هي الحصن الحصين ( ولاية علي بن أبي طالب حصني و من دخل حصني أمن من عذابي ) و الدخول إلى هذة الولاية ليس بالكلام ، بل بالعمل و الورع .
( فـ لو أن رجلاً هاجمه أسد و أمامه حصن يمكنه الفرار إليه و لكنه هدد الأسد بـ الكلام فقط ، إعلم أيها الأسد : إن إقتربت مني سوف اهرب و يبقى في مكانه ، فإن هذا الأسد يفعل فعلته و يقوم بتمزيقه )
و إذا عاش الإنسان تقوى الله في حياته فإنه يحصل على أثار و نتائج منها :
1- العون و التأييد الإلهي : قال الله عز وجل ( إنَ الله معَ آلذيِنَ آتَقوآ ) .
جاء في الرواية : ( لو كانت السماوات والأرض على العبد رتقاً ثم اتقى الله لِـ جعلَ الله له مخرجاً ) .
2- سبب محبة الله و قبول الأعمال و العز و الكرامه عند الله : يقول الله عز وجل في مواضع مختلفة في محكم كتابة الكريم ( فإنَ الله يُحبَ آلمُتقيِنَ ) ، ( إنمَآ يتَقبَل الله منَ آلمُتقيِنَ ) ، ( إنَ أكرَمِكُمْ عندَ الله أتقآكُمْ ) .
3- سبب إفاضة نور العلم و بشارة الملآئكة و الخلاص من العذاب : قال تعالى ( وَ إتقوآ الله وَ يُعلمَكُمْ الله ) ، ( آلذيِنَ آمنَوآ وَ كآنوآ يتقونَ لَهُم البشرَىْ فِيّ آلحيَآة آلدُنيَآ ) ، ( ثمَ ننَجيَّ آلذيِنَ آتقوآ ) .
4- تكمل عمل العبد و تغفر الذنوب : قال الله عز وجل ( يآ أيهَآ آلذيِنَ آمنَوآ آتقوآ الله وَ قولوآ قولاً سديداً يصَلحَ كُمْ أعمَآلكُمْ وَ يغفرَ لَكُمْ ذنَوبِكُمْ ) ، هالله هالله أخواني الفاطميين و أخواتي الفاطميات في التوبة الحقيقية من الذنوب و تكمن أهمية التوبة في هذا الزمان من جهة أن أحد أسباب غيبة صاحب الأمر ( عجل الله فرجه الشريف ) و طولها هو ذنوبنا العظيمة و الكثيرة فأصبحت سبباً لإمتناعه عن الظهور كما ورد في التوقيع الشريف المروي في الأحتجاج حيث يقول ( عجل الله فرجه الشريف ) : ( فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه و لا نؤثره منهم ) .
و نلفت نظركم أخواني و اخواتي الفاطميات الى قصة قصيرة كانت قد حدثت على اراضي بلد البحرين الشقيق على ملأ من الناس و ذلك إن الناس هناك في زمن من الأزمنة لـ مقدار إحساسهم بالظلم و تعسف الظالمين تمنوا ظهور إمامنا و إمامهم المهدي ( عليه السلام ) بـ السيف ظهوراً عالمياً عاماً لكي يجتث أساس الظلم لا من بلادهم فحسب بل من العالم كله ، فإجتمعوا على إختيار جماعه من أعاظمهم زهداً و ورعاً و علماً فإجتمع هؤلاء و إختاروا واحداً هو أفضلهم على الأطلاق ليكون هو واسطتهم في الطلب إلى المهدي ( عج ) بالظهور .
فـ خرج هذا الشخص المختار إلى الضواحي و الصحراء و أخذ بـ التعبد و التوسل إلى الله تعالى و إلى المهدي ( عليه السلآم ) بأن يقوم بالسيف و يظهر فـ يملأ الأرض قسطاً وَ عدلاً كما ملأت ظلماً وَ جوراً و قضى بِـ ذلك ثلاثة أيام بـ لياليها .
فلما كانت الليلة الأخيرة أقبل شخص و عرفه بنفسه إنه المهدي المنتظر ( عليَه السلام ) و قد جاء إجابة لطلبه و سأله عن حاجته فأخبره الرجل بأن القواعد الشعبية و مواليه في أشد التلهف و الإنتظار إلى ظهوره و قيام نوره فأوعز إليه المهدي ( عليه السلام ) أن يبكر في غد إلى مكان عام عينه له ، و يأخذ معه عدداً من الغنم في الطابق الثاني على السطح و يعلن في الناس إن المهدي عليه السلام سيأتي في ساعه معينة ، عليهم أن يجتمعوا في أرض ذلك المكان ، و قال له المهدي ( عليه السلام ) أيضاً : ( إنني سأكون على السطح في ذلك الحين ) .
و إمتثل الرجل هذا الأمر ، وحلت الساعه الموعوده ، و كان الناس متجمهرين في المكان المعين على الأرض و كان المهدي ( عليه السلام ) مع هذا الرجل و غنمه على السطح .
و هنا ذكر المهدي ( عليه السلام ) إسم شخص و طلب من الرجل أن يطل على الجماهير و يأمره بالحضور ، فإمتثل لـ الأمر و أطل على الجميع و نادى بإسم ذلك الرجل ، فـ سمع الناس و صعد الرجل على السطح و بـ مجرد وصوله أمر المهدي ( عليه السلام ) صاحبنا أن يذبح واحداً من غنمه قرب الميزاب ، فما رأى الناس إلا الدم ينزل من الميزاب بـ غزاره ، فإعتقدوآ جازمين بإن المهدي أمر بـ ذبح هذا الرجل الذي ناداه .
ثم نادى المهدي ( عليه السلام ) بـ نفس الطريق رجلاً أخراً ، و كان أيضاً من الأخيار الورعين ، فـ صعد مضحياً بـ نفسه واضعاً بـ ذهنه الذبح أمام الميزاب ، و بعد أن وصل إلى السطح نزل الدم من الميزاب ، ثم نادى شخصاً ثالثاً و رابعاً ، وهنا أصبح الناس يرفضون الصعود بعد أن تأكدوا إن كل من يصعد سيراق دمه من الميزاب و أصبحوا يفضلون حياتهم على أمر أمامهم .
و هنا إلتفت المهدي ( عليه السلام ) إلى صاحبنا و أفهمه بإنه معذور في عدم الظهور ما داموا على هذا الحال .
و بالجهة المقابلة لـ التقوى هناك رذيلة ( الغفله ) قال الله تعالى : ( وَ لقدَ ذرأنَآ لِجهَنِمْ كَثيِراً مِنَ آلجِنَ وَ آلإنِسَ لَهُمْ قُلوبَ لا يَفقهُونَ بِهَآ وَ لأَهُمْ أعيِنَ لا يُبَصَرونَ بِهَآ وَ لَهُمْ أذآنَ لا يسَمَعُونَ بِهَآ أُولئِكَ كآلأنعَآمَ بَل هُمْ أَضَلَ أولئِكَ هُمُ آلغآفلِونَ )
فـ رذيلة آلغفلة فهي التي تنزع منا فضيلة التقوى فهي تجرنا إلى سخط الله حيث نعمل بنواهيه ونقصر في أوامره ومن أمثلة الغفلة : آلغفلة عن الله تعالى من حيثَ مراقبته لنا ( وَمَآ الله بغآفِلَ عمَآ تعمَلُونَ ) وَ من حيث الغفله عن سخط الله والعياذ بالله ، أيضاً الغفله عن النبي ( صلى الله عليه و آله وسلم ) وآله الأطهار و عن صاحب الزمان ( عجل الله فرجه ) ، أيضاً الغفلَة عن ذكر الله و النعم الألهية و الغفلة عن شكر الله ( لئِنَ شكرتُمَ لأزيدَنِكُمْ ) و الغفلة عن كتاب الله المنزل و الغفلة عن الرقباء الكرام الكاتبين الذين لا يتركون صغيرة و لا كبيرة الا احصوها ! و الغفلة عن العدو الذي يحاصرنا من ثلاث جهات اما الجهة الاولى فهو الشيطان اللعين الرجيم الذي اقسم بعزة الله على اغواء عباده هذا العدو اللدود لا يأتي عن طريق واحد و إنما من عدة طرق ( ثمَ لأتينَهُمْ مِنَ بينَ أيدِيهُمَ وَ منَ خلفهُمْ وَ عنَ أيمآنِهُمْ وَ عنَ شمآئِلهُمْ وَ لآ تِجدَ أكثَرهُمْ شآكِريِنَ ) ومن هنا ينبغي الحذر من هذا العدو ، قال الأمام الصادق عليه السلام : ( إذا كان الشيطان عدواً فالغفلة لماذا ) و الجهة الثانية : هوى النفس الأماره بالسوء ، و يلزم مجاهدة هذا العدو ، حيث ورد أنه أفضل الجهاد ، و الجهة الثالثة : الدنيا هذا العدو عجيب ، القران الكريم يحذر من الغرور بـ لمعانها و بريقها ، قال الله عز و جل ( يَآ أيهآ آلنَآسَ إنَ وعدَ الله حقَ فلآ تَغرنِكُمْ آلحيَآة آلدُنيَآ وَ لآ يَغرِنَكُمْ بالله آلغرُورَ ) و ايضاً آلغفلة عن العمر : تسبب الخيبة و الخسران و أيضاً الغفلة عن الآخرة : ( عن الموت ، القبر ، القيامة ، جهنم ، الجنة ) يكفي أن نتفكر بما يجري علينا في القبر الذي ينادي في كل يوم : ( أنا بيت الغربة ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود ، أنا القبر ، أنا روضة من ريآض الجنة أو حفرة من حفر النار ) .
إذن أحبائي الفاطميين و الفاطميات أوصيكم بـ التقوى - التقوى -التقوى و الأبتعاد عن الغفلة
لـ نقتدي بـ سيدنا و مولانا الأمام الحسين ( عليه السلام ) الذي جاد بكل ما يملك في سبيل إستقامة دين جده المصطفى ( صلى الله عليه و آله وسلم ) ، أيضاً إبن الأمام الحسين ( علي الأكبر ) أشبه الناس خُلقاً و خَلقاً برسول الله ( صلى الله عليه و آله وسلم ) إتقى الله و عمل بأوامره وَ قاتل مع إمام زمانه و رفض اللذات و الشهوات الباطلة و هذا يظهر من جواب مولانا علي الأكبر عليه السلام لأبيه الحسين (ع) : ( أبه لا نبالي وقعنا على الموت أم وقع الموت علينا ) ، و لذا كان أول من تقدم لـ الشهادة بين يدي أبيه ، قاتل روحي فداه إلى أن قُتل ، لهف نفسي لـ سيدي أبا عبدالله و هو يرى إبنه مرمل على الثرى مظلوم مقتول ، و كأني به وصل إلى مصرع ولده ، رمى بنفسه من على ظهر الجواد على مصرع ولده ، أراد أن يسمع كلمة أخيرة من ولده علي ولكن لم يحصل ذلك ، لأن علياً كان قد فارق الحياة ، وضع الأمام فمه على فم ولده و مسح الدماء عن خده ثم وضع خده على خد علي الأكبر و صاح : ( بني علي ) لم يسمع جواباً ، فلما آيس منه صاح : ( بني على الدنيا بعدك العفا أما أنت يا بني فقد إسترحت من هم الدنيا و غمها و بقي أبوك لـ همها و غمها ) .
( السلآم عليك يا أبا عبدالله ورحمة الله و بركاته )
( السلآم على الحسين و على علي بن الحسين و على أولاد الحسين و على أصحاب الحسين )
أحبائي الفاطميين و الفاطميات علينا أن نغتنم فرصة وجودنا في هذة الدنيا قبل أن ينادي فينا بالرحيل فـ نعمد إلى أعمار اخرتنا و لا يتحقق ذلك إلا بالتجارة مع الله عز و جل لـ نيل مرضاته ، يقول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم ( إنَ الله إشتَرىْ مِن آلمؤمنينَ أنفسَهُمْ وَ أموآلَهُمْ بأنَ لَهُمْ آلجنَة ) و الأنبياء ( عليهم السلام ) و الأئمه صلوآت الله وَ سلآمه عليهم هم الذين يؤمنون لنا هذة التجارة الرابحه ( هَلَ أدلِكُمْ عَلىْ تجآرَة تُنجيِكُمْ منَ عذآبَ أليِمْ ) فـ علينا أن نتاجر مع الله لأنه لا يغش و لأنه أفضل شريك ( أنا من وراء تجارة كل تاجر ) و التجارة مع الله ليست بحاجة إلى رخصة تجارية أو معاملات رسمية بل الباب مفتوح ، نقرأ في الدعاء ( الحمدلله الذي لا يغلق بابه و لا يرد سائله ) .
و هذا شهر الرحمه قد تصرم و ذهب و اليوم في أول أيام عيد الفطر المبارك - أعاده الله علينا و عليكم بصحه و عافية - كل منا يحصد حصاد أعماله و يقبض العبد جوائزه من جبار السموات و الأرض ، فإياكم العوده عن طريق الحق و التقوى والورع ، بل حافظوا على حسناتكم و جوائزكم و عطاياكم من هذا الرب الرحيم ، فلا تهجروا كتابه و إبتعدوا عن إنتهاك محارمه لـ تكونوا تجار رابحون ناجحون في الدنيا و الأخره .
و صلى الله على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين المنتجبين و عجل ياربي فرج قائمهم و إجعلنا من خلص أنصاره و أعوانه المقربين
ياالله