اللهم صل على محمد وآل محمد الهداة المهديين
يواجهنا سؤال حاد من قبل بعض المسلمين حول زيارة عاشوراء، أنتم ماذا تقرؤون في زيارة عاشوراء؟ زيارة عاشوراء كلها لعن، زيارة عاشوراء مملوءة بألفاظ اللعن، ((اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلك، اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين وشايعت وبايعت وتابعت على قتله، اللهم العنهم جميعًا، اللهم العن معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وشمرًا وآل أبي سفيان وآل زياد وآل مروان إلى يوم القيامة)) زيارة عاشوراء مشحونة باللعن وبألفاظ اللعن، هنا تواجه أنت بهذا السؤال: لماذا كل هذا اللعن؟ زيارة تستغرق ربع ساعة أو ثلث ساعة كلها لعن، لماذا؟ لماذا تربى على اللعن؟ لماذا يربيك علماؤك على اللعن؟ لماذا؟ المفروض أن المسلم يكون نزيها وبعيدًا عن لعن الآخرين، المفروض عليك أن تقرأ صفحة التاريخ وما ذكر فيه عن معاوية ويزيد وغيره، لا أن تأخذ أسلوب اللعن، لماذا تتخذ أسلوب اللعن؟ علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه في يوم صفين، صار جيش معاوية يشتم الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، فجاء أصحاب علي عليه السلام إليه، قالوا: ائذن لنا أن نسبهم كما يسبوننا، ائذن لنا أن نشتمهم كما يشتموننا، قال عليه السلام: إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكن لو ذكرتم أفعالهم ووصفتم أحوالهم لكان أصوب في القول وأبلغ في العذر، هذا الإمام أمير المؤمنين يقول إني أكره لكم أن تكونوا سبابين فلماذا أنتم تصرون على قراءة زيارة عاشوراء مع ما فيها من فقرات اللعن الكثيرة ؟ لماذا؟
لابد لك من جواب عن هذا السؤال، التفت إلى الجواب جيدًا:
أولا: نعم نحن نلعن في زيارة عاشوراء إلا أن الذي علمنا على اللعن هو القرآن الكريم، القرآن الكريم هو الذي ربانا على اللعن وعلى أسلوب اللعن، فإذا كان هناك إشكال وإذا كان هناك توجيه نقد فليوجه إلى كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الكتاب الكريم هو الذي ربانا على اللعن وأدبنا على أسلوب اللعن فاقرأ القرآن الكريم، القرآن الكريم يقول: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ} ما هي الشجرة الملعونة في القرآن؟ ارجع إلى المفسرين ليصرحوا لك ويبينوا لك عن الشجرة الملعونة في القرآن، ابن عمر وابن عباس وابن مسعود يروي عنهم السيوطي والثعلبي وغيرهم من المفسرين أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله رأى في المنام أن بني أمية بشكل القرود ينزون على منبره – يعني جالسين على منبره – فتألم الرسول صلى الله عليه وآله من هذه الرؤيا ألمًا شديدًا وما رؤي بعد هذه الرؤيا ضاحكًا قط، فنزلت هذه الآية: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ} الشجرة الملعونة هم بنو أمية، لماذا أنت تعترض على زيارة عاشوراء عندما يقول الإمام في زيارة عاشوراء كما ورد عنه: "اللهم العن آل أبي سفيان" والقرآن لعنهم ؟!
ثانيًا انظر إلى آيات اللعن الكثيرة في القرآن، آيات لعن كثيرة في القرآن، لماذا يربي القرآن المسلمين على أسلوب اللعن؟ إذا كان أسلوب اللعن لا ينسجم مع المسلم ولا يتناسب مع لسان المسلم ولا يتلاءم مع أدب المسلم فلماذا القرآن يكثر اللعن في آياته؟ القرآن الكريم يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} فهل بنو أمية آذوا رسول الله أم أن بني أمية واصلوا رسول الله ؟ القرآن الكريم يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} وبنو أمية في أي كفة ؟ هل بنو أمية عملوا بقوله تعالى: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} وكانوا يفيضون حنانًا محبة ومودة لأهل البيت أم كان بنو أمية من صف المؤذين لأهل البيت والمعادين لأهل البيت ؟! هذا لا إشكال فيه، فإذا هم يدخلون تحت اللعن في الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}.
الله تبارك وتعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} الذي يكتم العلم ملعون، ورد في الحديث عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله: "إذا ظهرت البدع وجب على العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سلب منه نور الإيمان" كتمان العلم موجب للعنة، إذا كنت تعلم بشيء والآخرون محتاجون إليه يجب عليك أن تعلمهم إياه فإن كتمان العلم موجب للعنة، ((إن الله كما فرض على الجهال أن يتعلموا فرض على العلماء أن يعلموا))، القرآن الكريم يقول: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} الذي يقطع رحمه ملعون {لَعَنَهُمُ اللَّه} ولذلك في حديث الإمام زين العابدين سلام الله عليه: "يا بني خمسة لا تصادقهم ولا ترافقهم: الفاسق والبخيل والأحمق والمنافق وقاطع الرحم فإني وجدته ملعونًا في كتاب الله" قطيعة الرحم توجب اللعنة فكيف بقتل ابن بنت رسول الله وكيف بقتل وإفناء ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
القرآن الكريم يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} الإنسان عندما يقذف امرأة مؤمنة وينسب لها شيئًا لا برهان عليه ولا دليل عليه ملعون، حفاظًا على كرامة المسلم وحفاظًا على حرمة المسلم، والمسلم حرمته حيًا وحرمته ميتًا على حد سواء، إذا كان القرآن يعلمنا على اللعن يقول لنا من يكتم العلم العنوه من يقطع الرحم العنوه من يرمي المحصنات الغافلات العنوه من يؤذي الله ورسوله العنوه فكيف بمن يتعمد محو ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله ويتعمد إطفاء نور رسول الله صلى الله عليه وآله ويتبختر ويقول: لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل لأهلوا واستهلوا فرحًا ثم قالوا يا يزيد لا تشل؟
لماذا القرآن يعلمنا على اللعن؟ لاحظوا معي، أسلوب اللعن أسلوب تربوي لإبعاد الإنسان على الرذيلة، مثلا: أنا عندما أريد أن أبعد ولدي عن رذيلة الغناء، أنا عندما أريد أن أبعد ولدي عن مشاهدة الأفلام الخليعة، كيف أتصرف معه؟ هناك عدة أساليب لإبعاده، من جملة الأساليب أسلوب اللعن، ألعن المغني أمامه، ألعن الممثل في الفيلم الخليع أمامه، أسلوب اللعن يجعله ينفر من هذه الرذيلة، إذا رآني أتشدد وإذا رآني أؤكد على لعن هذا الإنسان الذي يمارس الرذيلة صار هذا أسلوبًا من أساليب إبعاده عن الرذيلة، زيارة عاشوراء تريد أن تبعدنا عن رذيلة الظلم، زيارة عاشوراء تريد أن تؤدبنا على كراهة الجور والظلم، زيارة عاشوراء تريد أن ترسخ فينا محاربة الظلم، لذلك زيارة اللعن تؤدبنا على اللعن وعلى أسلوب اللعن للظلمة والجائرين، لماذا؟ حتى ترسخ فينا كراهية الظلم وحتى ترسخ فينا الأنفة من الظلم والجور، ولذلك فقرات كثيرة في زيارة عاشوراء تؤكد على اللعن.
ثالثًا لا تشتبه، يوجد فرق بين السب وبين اللعن، السب شيء واللعن شيء آخر، لا تخلط بين الأمرين، ما الفرق بين السباب واللعن؟ السباب الذي قال عنه أمير المؤمنين عليه السلام: "إني أكره لكم أن تكونوا سبابين" السباب هو التعريض بالعرض، مثلا تقول: فلان في أمه كذا – والعياذ بالله – في أبيه كذا – والعياذ بالله – هذا يسمى سباب، هذا يجب أن يتنزه لسانك عنه، لسان المسلم يجب أن يتنزه عن التعريض بأعراض الناس وبشرفهم، هذا السباب ينهى عنه علي عليه السلام، وعندنا اللعن، اللعن دعاء أصلا، اللعن دعاء من الأدعية، تدعو بالطرد من رحمة الله، أنا عندما أقول: اللهم العن الظالم أو اللهم العن يزيد بن معاوية يعني أقول: يا رب اطرده من رحمتك، اللعن دعاء، دعاء بالطرد من رحمة الله، فرق بين اللعن وبين السب، السب يتنزه المسلم عنه، أما اللعن لا، اللعن مجرد دعاء، أنا أدعو الله بأن يطرد يزيد بن معاوية من رحمته، أنا أدعو الله بأن يطرد معاوية ويزيد أو آل زياد وآل مروان وفلان وفلان من رحمته ، وارد عندنا في أحاديث كثيرة: من أكل وحده فهو ملعون، من نام وحده فهو ملعون، من سافر وحده فهو ملعون، يعني مطرود من رحمة الله تبارك وتعالى، إذًا أنت لا تتأزم نفسيًا وتتحسس نفسيًا من اللعن في زيارة عاشوراء، لا، اللعن في زيارة عاشوراء لعن على الظالمين ودعوة لله تبارك وتعالى بطردهم من رحمته ومن تفضله فيضه جل وعلا ليس إلا، اللهم العن الظالمين لآل بيت محمد من الأولين والآخرين.