السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الكلام عن الشكر متفرع وهذه مقدمة يتبعها كلام عن كيفية الشكر في موضوع مستقل
حتى لايمل الأعزاء من طول الموضوع نسأل الله تعالى جميعا لنا التوفيق لشكر الخالق والمخلوق
النقطة المقابلة للكفران، هي شكر الإله، ومفهومها تقدير النعم بالقلب واللسان والعمل، أمّا التي بالقلب فهي معرفة الخالق والتسليم إليه والرضا بعطائه وذكر الاُمور التي تبيّن تقدير وشكر الخالق من قبل المخلوق في مقابل نعمه تبارك وتعالى، أمّا من الناحية العملية فهو وضع النعم والمواهب الإلهية في المكان اللائق والذي خلقها الله تعالى لأجله.
والشكر على نوعين:
1-شكر تكويني :وهو شكر المخلوق للمواهب والنعم التي بحوزته وتحت تسلطه، لتنمو كالشجر والورد والثمرة تكون تحت إشراف الفلاّح الخبير الذي يعرف كيف تثمر الثمار الجيدة، والكفران هو عدم ظهور أثر للمحافظة والمراقبة فيها من قبل الفلاّح.
لذلك فإنّ الذي يستعمل النعم الإلهية في طريق العصيان فقد كفرها تكوينيّاً.
2-شكر تشريعي :وهو أن يقوم الإنسان بشكر الخالق بالقلب واللسان.
الإنسان لا يستطيع أن يؤدّي شكر الخالق ونعمه، لأنّ نفس هذا التوفيق للشكر هو نعمة منه تعالى وهو نفسه يحتاج لشكر آخر، ولذلك جاء في الروايات الإسلامية أنّ أفضل شكر الإنسان هو أظهار العجز عن شكر الله في مقابل نعمه والمعذرة عن ذلك التقصير، لأنّه لا يستطيع أحد أن يؤدّي ما يستحقه الباري تعالى.
القرآن الكريم يشير إلى العين والسمع والعقل لأنهما أهمّ وسيلة للمعرفة الإنسانية فيقول عز وجل ( وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالاَْبْصَارَ وَالاَْفْئِدَةَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
والقرآن الكريم أشار في موارد عديدة لوجود هذه الفضيلة (فضيلة الشكر عند الأنبياء العظام)، وأمرهم بالشكر ومرّة يخاطب آل داوود:
يقوله تعالى:(اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ)
ويقول في مكان آخر أنّ شرط رضا الباري تعالى هو الشكر: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ عَنْكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)
الآيات حول الشكر في القرآن الكريم كثيرة وتصل إلى حوالي الـ 70 آية، والجدير بالذكر أنّ صفة الشكور نسبت لله تعالى في سورة النساء الآية 147:
(مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِراً عَلِيما)
مفهوم الآية يبيّن أنّ الشكر إذا صدر بصورة ومعنى حقيقي فإنّ العذاب الإلهي سيرتفع بالكامل، علاوة على أنّ صفة الشكور نسبت لله تعالى، فإنّ الشكر هو من الصفات المشتركة مع الباري تعالى، والفرق أن الإنسان بوضع النعمة في موضعها السليم يكون قد أدّى شكرها، وفي المقابل يكون شكر الباري تعالى بزيادة المواهب لعباده.
وجاء في بعض الآيات القرآنية أن التوجه والانتباه للنعم الإلهية هو السبب في حثّ الإنسان على الشكر ويكون هو الرادع عن الذنوب، ونقرأ في سورة الأعراف في خطابه للاقوام السابقة، الآية 74(فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الاَْرْضِ مُفْسِدِينَ)
وروي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال:
(ثَلاثٌ لا يَضُرُّ مَعَهُنَّ شَيءٌ، الدُّعـاءُ عِندَ الكَربِ، والاستِغفـارُ عِندَ الذَّنْبِ، والشُّكْرُ عِندَ النِّعمَةِ)
وفي حديث آخر عنه(عليه السلام) أيضاً، أنّ النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) كان في يوم من الأيّام راكباً ناقته وفجأة نزل وسجد خمس سجدات، وعندما قام وركب مركبه، قلت له: يا رسول الله رأيت منك اليوم أمراً لم أره من قبل، فقال: (نِعَمٌ إستَقبَلَني جِبرئِيلُ فَبَشَّرنِي بِبشـارات مِنْ اللهِ عَزَّوَجَلَّ فَسَجَدتُ للهِ شكُراً لِكُلِّ بُشرى)
ونستوحي من هذا الحديث أنّ القادة الإلهيين يؤدّون شكر كل نعمة على حدة مهما استطاعوا.
وروي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه أمر بشكر جامع وكامل فقال: (إِذا أَصبَحتَ وَأَمسَيتَ فَقُلْ عَشرَ مَرّات: اللَّهُمَّ مـا أَصبَحتْ بِي مِنْ نِعمَة أو عـافِية مِنْ دِين أو دُنيـا فَمِنكَ وَحدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الحَمدُ وَلَكَ الشُّكرُ بِهـا عَلَيَّ يـاربَّ حَتّى تَرضى وَبَعدَ الرّضا)وبعدها قال الإمام الصادق(عليه السلام): إنّك إن فعلت ذلك فتكون قد أدّيت شكر النعم التي وافتك في ذلك اليوم
قال الإمام الباقر(عليه السلام): (كَانَ رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله) عِندَ عـائِشة لَيلَتها فَقـالَتْ: يـا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَتعَب نَفسَكَ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مـا تَقَدمَ مِنْ ذَنبِكَ وَمـا تأَخرَ؟ فَقَالَ: يـا عـائِشة أَلا أَكُونَ عَبدَاً شَكُوراً؟)
ومنه يتبيّن أن الدافع لعبادة الأولياء هو الشكر، ونقلت هذه الجملة كثيراً عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) في أحاديثه المختلفة، وهي (أَفلا أَكُنْ عَبدَاً شَكُوراً) .
في حديث عن هشام بن الأحمر أنّه قال: (كُنتُ أَسِيرُ مَعَ أَبي الحَسن(عليه السلام)(الكاظم) فِي بَعضِ أَطرافِ المَدِينةِ إذ ثَنّى رِجلَهُ عَن دابَّتِهِ فَخَرَّ ساجِداً، فَأَطـالَ وَطـالَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وَرَكَبَ دابَّتَهُ فَقُلتُ: جُعلتُ فداك قَد أَطلتَ السُّجُودَ؟ فَقالَ إنّني ذَكَرتُ نِعمَةً أَنعَمَ اللهُ بِها عَلَيّ فأَحبَبتُ أَنْ أَشكُرَ رَبِّي)
ويعلم من هذه الرواية أنّ الأئمّة(عليهم السلام)، كانوا ملتزمين بأداء الشكر لكل نعمة، وكانوا يوصون مريديهم ومحبّيهم بذلك أيضاً، حيث جاء في الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: (إِذا ذَكَرَ أَحَدُكُم نِعمَةَ اللهِ عَزَّوجَلَّ فَليَضَع خَدَّهُ عَلى التُّرابِ شُكراً للهِ، فَإِنْ كانَ راكِباً فَليَنزِل فَليَضَعَ خَدَّهُ عَلَى التُّرابِ، وإِنْ لَم يَكُن يَقدَرُ عَلَى النُّزُولِ للشُّهرَةِ فَليَضَع خَدَّهُ عَلى قَربُوسِه، وإن لَم يَقدر فَليَضَع خَدَّهُ عَلى كَفِّهِ ثُمَّ لِيحمِدَ اللهَ عَلى مـا أَنعَم عَليهِ)
و في حديث عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال لأحد أصحابه واسمه أبو بصير: (إِنَّ الرَّجُلَ مِنكُم لَيشرَبَ الشِّربَةَ مِنَ الماءِ فَيُوجِبُ اللهُ لَهُ بِها الجَنَّةَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ لَيأَخُذ الإِنـاءَ فَيَضَعهُ عَلى فِيهِ فَيُسمِّي ثُمَّ يَشرَبُ فَيُنَحِّيهِ وهُوَ يَشتَهيهِ، فَيَحمدُ اللهَ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَشرَب، ثُمَّ َيُنَحِّيهِ فَيحمُدُ اللهَ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَشرَب، ثُمَّ َيُنَحِّيهِ فَيَحمُدُ الله، فَيُوجِبُ اللهُ عَزَّوَجَلَّ لَهُ بِها الجَنَّةَ)
.ــ*ــ*ــ.
الأخلاق في القرآن
نسألكم الدعاء ,,
وكل عام وانتم بصحة وعافية