اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين ..
ــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سُئل الصادق (ع) ما بال الزاني لا تسميه كافراً وتارك الصلاة تسميه كافراً وما الحجة في ذلك؟ قال: "لأن الزاني وما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة لأنها تغلبه، وتارك الصلاة لا يتركها إلاّ استخفافاً بها"[1].
عدم الاهتمام بالصلاة:
ما من شك من أن عدم الاهتمام بالصلاة ذنب عظيم، ومعرفة هذا الأمر مقدمة لاجتنابه.
1 ـ ففي رواية عن الصادق (ع) قال في تفسير الآية الواردة في ذم عدم الاهتمام بالصلاة "تأخير الصلاة عن أوّل وقتها لغير عذر" [2].
ومن الواضح أن المراد بالعذر هو الضرورة الحادثة التي لا تقبل التأخير، والعمل ليس كذلك، إذ لو كان هو المانع من الصلاة لزم تأخيره لحضور وقت الصلاة، ولا تؤخر الصلاة لأجل العمل.
2 ـ وفي رواية على الإمام علي (ع) قال: "من أحسن صلاته حين يراه الناس وأساءها حين يخلو فتلك استهانة"[3].
إن نظرة عابرة عن صلواتنا في السر والعلن تكشف لنا إن كان اهتمامنا بالصلاة أم بالناظرين الحضور.
3 ـ جاء في رواية عن الإمام (ع) قال: "ما وقر الصلاة من أخّر الطهارة لها حتى يدخل وقتها" فما من عمل يولى أهمية إلا أُعدت مقدّماته قبل حلول وقته. تُرى أي ضيافة حلّ وقتها ونحن لا نفكر في ارتداء الثياب والاستعداد لها؟!
4 ـ أليس جهلنا وغفلتنا عن معاني الألفاظ التي نردّدها عشر مرّات في اليوم من خلال الصلاة إهمالاً لها؟! فلو كان لمخاطبنا بعض الأهمية عندنا أما كنّا نعتقد بضرورة تعلم معاني حوارنا معه، ونجوانا إياه، فنقف على الفهم الصحيح لكلامنا معه؟! كيف يسوغ لنا أن نتعلّم لغة بلدٍ من خلال إقامة قصيرة فيه، ونعرف اسم ورسم الطريق بالمرور منه مرّة أو مرّتين، ونبحث لدى رؤيتنا بناء عن اسمه، واسم بانيه، وخصائصه، ثم نغفل عن هذه الأمور في الصلاة؟! أليس هذا غاية الإهمال والتجاهل لدور الصلاة؟!
كيف نرضى أن نقوم بهذه العبادات التي لا تحمل غير الإهانة لله ربّ العالمين؟! يقول الإمام الحسين (ع) مخاطباً ربه: "إلهي! من كانت محاسنه مساوي، فكيف لا تكون مساويه مساوي" إن بين المصلي الذي لا يشعر بغير ألم فراق المحبوب، ولا ينبهه لحادث حوله[4]، أو صوت قربه حيث هو غريق لذة وصال الحبيب… بين من يقيم الصلاة تحت وقع السياط مع ما في ذلك من تهديد وتعذيب ومضايقة[5]، وبين المصلي الذي يعدّ الصلاة عبئاً ثقيلاً يجب الإسراع بوضعه، والتخلص منه وحين يكون في الصلاة يعبث تارة بيده، وأخرى بلحيته ويثاءب، فرقاً واضحاً هو اهتمام أولئك، واستخفاف هؤلاء بالصلاة فقط.
5 ـ ومن علائم عدم الاهتمام بالصلاة العجلة فيها، وتحويل هذه العبادة إلى عادة يكون فيها المصلي كالآلة الطابعة تبرز منه الألفاظ وتصدر الأفعال بلا وعي لمعانيها، أو رعاية للخشوع والطمأنينة المشترطين فيها.
يروى أن رجلاً كان يصلّي مستعجلاً فأبصر به عليّ بن أبي طالب (ع) فقال: "منذ كم صلّيت بهذه الصلاة؟ فقال له الرجل: منذ كذا وكذا، فقال: مثلك عند الله مثل الغراب إذا نقر، لو متّ متّ على غير ملة أبي القاسم محمد (ص)". ثم قال علي (ع) مشبّهاً إنقاص العمل وعدم إتمامه بالسرقة: "إن أسرق الناس من سرق من صلاته"[6].
عواقب عدم الاهتمام بالصلاة:
نتعرّض في هذا القسم إلى دراسة عواقب الاستخفاف وعدم الاهتمام بالصلاة، فمما يترتب على التهاون والاستخفاف بالصلاة الأمور التالية:
1 ـ اسخاط النبي ومفارقة العترة:
فقد روي عن رسول الله (ص) أنه قال لأصحابه غاضباً: "ليس منّي من ضيع الصلاة"[7].
وعن الإمام الصادق (ع) في بيان المعيار لمعرفة من هُم على مذهبه، ويرتبطون به أنه قال:
"امتحنوا شيعتنا عند محافظتهم على الصلوات" وفي المشهور أنه (ع) عدّ التهاون بالصلاة والاستخفاف بها سبباً للحرمان من شفاعة أهل بيت العترة والطهارة يوم القيامة[8]. وفي حديث آخر عن رسول الله (ص) قال: "من استخف بصلاته لا يرد عليَّ الحوض، والله"[9].
فهذا التأكيد والتصريح المصحوب بالقسم يحكي عن مدى الفاصلة بين النبي الأكرم (ص) والمصلين الذين لا يبالون بصلاتهم.
2 ـ غضب الله:
لقد حذّر القرآن الكريم عبر انتقاداته اللاذعة، وتقريعاته المستمرّة للذين يضيّعون الصلاة[10] أو لا يهتمون لها[11] المسلمين من هذا العمل. ففي حديث عن عليّ (ع) قال:
"في تأخير الصلاة من غير علّة غضب الله"[12].
وفي رواية أنه قال:
"إذا قام العبد في الصلاة، فخفف صلاته، قال الله تعالى لملائكته أما ترون إلى عبدي كأنّه يرى أن قضاء حوائجه بيد غيري"[12].
3 ـ عدم إجابة الدعاء وحرمان دعاء الصالحين:
إن الذين لا يعبأون بالصلاة باعتبارها واجباً إلهياً، ويصغرونها، لا يعبأ لله بأدعيتهم وأعمالهم أيضاً. فعن رسول الله (ص) أنه قال ما مضمونه:
"من تهاون بصلاته… كل عمل يعمله لا يؤجر عليه ولا يرتفع دعاؤه إلى السماء"[14].
وفي فقرة أُخرى قال:
"من تهاون بصلاته… ليس له حظ في دعاء الصالحين"[15].
4 ـ الضيق والعسر:
يورث سخط الله ورسوله وغضبهما بحق الذين يصغرون شأن الصلاة أضراراً وآثاراً سيئة عليهم. وإن أمكن أن لا يدرك تاركو الصلاة والمستخفون بها هذا التأثير، فلا يلتفتوا إلى سبب انحاء الضيق والابتلاءات التي يتعرضون لها. فعن رسول الله (ص) ما مضمونه قال: "من تهاون في صلاته… يرفع الله البركة عن رزقه"[16].
كما أن الرسول الأكرم (ص) تنبّأ بالفقر والحاجة لهم حيث قال:
"الاستخفاف بالصلاة يورث الفقر"[17].
بينما يعتبر في رواية أخرى هذا العمل مانعاً من الرزق[18].
5 ـ أهوال القبر والقيامة:
ورد في حديث عن رسول الله (ص) ما مضمونه: "من تهاون بصلاته… أوكل الله به ملكاً يسحبه على وجهه، والخلايق ينظرون إليه وحوسب حساباً شديداً"[19].
وفي حديث آخر عنه في هذا الخصوص قال:
"من تهاون بصلاته يُضيَّق عليه قبره، وتكون الظلمة في قبره"[20].
وفي حديث عن الرسول الأكرم (ص) روي أنه قال ما مضمونه: "من تهاون بصلاته… كان عند موته ذليلاً جائعاً عطشاناً"[21].
6 ـ عدم قبول الصلاة المستخف بها:
لا يقبل الله سبحانه الصلاة المستخف بها والمتهاون فيها. فعن الصادق (ع) أنه قال:
"إن الله لا يقبل إلاّ الحسن فكيف يقبلُ ما يستخفُّ به".
إذ كيف يقبل الله صلاة من يأتي بها بلا حبً ولا اعتناء؟!
لقد رسمت بعض الروايات صورة للصلاة تظهر فيها الصلاة بصورة ملك يكلّم الإنسان فربما شكره، وربما عتب عليه. ففي رواية عن الصادق (ع) يقول:
"إن العبد إذا صلّى الصلاة لوقتها، وحافظ عليها، ارتفعت بيضاء نقية تقول حفظتني حفظك الله، وإذا لم يصلّها لوقتها، ولم يحافظ عليها رجعت سوداء مظلمة تقول ضيعتني ضيّعك الله"[22].
هذا؛ ويعدّ القرآن الكريم طريق تاركي الصلاة ينتهي بجهنّم حيث يقول: (ما سلككم في سقر قالوا لم نكُ من المصلين)[23].
كما يدين المصلين الذين يتركون الجماعة، ويحكم عليهم بالحسرة والندم حيث يقول:
(يوم يكشف عن ساقٍ ويدعون إلى السجود، فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم، ترهقهم ذلّة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون)[24].
بينما يعدّ الذين يصلّون جماعة بلا خشوع والتفات منهم في صلاتهم أهلاً للتوبيخ والتقريع واللوم فيقول: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون)[25] ويسم في آية أخرى هذه الفئة بالنفاق فيقول:
(إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً)[26].
ولا يثني القرآن إلاّ على الذين يقيمون الصلاة بخشوع والتفات ووعي حيث يقول في ذلك:
(قد أفلح المؤمنون الذين في صلاتهم خاشعون)[27].
روي في حديث جامع أن النبي (ص) عدّد في جوابه على سؤال الزهراء (ع) عن عاقبة تارك الصلاة، والآثار الناجمة عن ذلك فقال:
"يا فاطمة! من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة: ستّ منها في دار الدنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث في القيامة إذا خرج من قبره".
فأما اللواتي تصيبه في دار الدنيا: فالأولى: يرفع الله البركة من عمره، ويرفع الله البركة من رزقه، ويمحو الله عزّ وجلّ سيماء الصالحين من وجهه، وكل عمل يعمله لا يؤجر عليه ، ولا يرتفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة: ليس له حظّ في دعاء الصالحين.
وأما اللواتي تصيبه عند موته فأولاهن: أن يموت ذليلاً، والثانية: أن يموت جائعاً، والثالثة: أن يموت عطشاناً، فلو سقي من أنهار الدنيا لم يروِ عطشه.
وأما اللواتي تصيبه في قبره فأولاهن: يوكل الله به ملكاً يزعجه في قبره، والثاني يضيق عليه قبره، والثالثة: تكون الظلمة في قبره.
وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره فأولاهن: أن يوكل الله به ملكاً يسحبه على وجهه، والخلايق تنظر إليه، والثانية: يحاسب حساباً شديداً، والثالثة: لا ينظر الله إليه، ولا يزكيه وله عذاب أليم[28].
[1] وسائل الشيعة ج3، ص28.
[2] بحار الأنوار ج83، ص6.
[3] مستدرك الوسائل ج2، ص26.
[4] سقط ابن للإمام السجاد (ع) في البئر وهو في الصلاة فلم ينتبه إلى ما حدث رغم الصياح والعويل، فلما أنهى صلاته استخرج الطفل من البئر سالماً لم يصبه شيء.
[5] بالفارسية: كتاب خاطرات الأحرار الإيرانيين في معسكرات العراق الذي يحمل عنوان الصلاة في الأسر طبع منظمة الإعلام الإسلامي.
[6] بحار الأنوار ج84، ص242.
[7] مستدرك الوسائل ج3، ص98.
[8] بحار الأنوار ج82، ص236.
[9] بحار الأنوار ج83، ص9.
[10] (سورة مريم، الآية:56).
[11] (سورة الماعون، الآية:5).
[12] سفينة البحار ج2، ص44.
[13] المحجة البيضاء ج1، ص341.
[14] بحار الأنوار ج80، ص22.
[15] بحار الأنوار ج80، ص21.
[16] بحار الأنوار ج80، ص22.
[17] بحار الأنوار ج73، ص315.
[18] بحار الأنوار ج73، ص315.
[19] بحار الأنوار ج80، ص22.
[20] بحار الأنوار ج80، ص21.
[21] بحار الأنوار ج80، ص21.
[22] بحار الأنوار ج80، ص9.
[23] سورة المدّثر، الآية42.
[24] سورة القلم، الآية42.
[25] سورة الماعون، الآيتان: 4و5.
[26] سورة النساء، الآية:142.
[27] سورة المؤمنون، الآيتان:1 و2.
[28] بحار الأنوار ج83، ص23.