اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
رسائل الإمام علي عليه السلام إلى الأشعري ومعاوية
وجاء في رسالة الإمام (عليه السلام) إلى معاوية :
«من عبدالله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أمّا بعد فقد علمت : عذاري فيكم وإعراضي عنكم حتّى كان ما لابدّ منه ولا دفع له والكلام كثير وقد أدبر ما أدبر وأقبل ما أقبل فبايع من قبلك وأقبل إليّ في وفد من أصحابك . والسلام ([1039])».
وكتب الإمام (عليه السلام)إلى معاوية وإلى أبي موسى وكتب إليه أبو موسى بطاعة أهل الكوفة وبيعتهم وبيّن الكاره منهم للذي كان والراضي بالذي قد كان ومن بين ذلك حتّى كان علي(عليه السلام)على المواجهة (على معرفة) من أمر أهل الكوفة وكان سفير علي (عليه السلام)إلى أبي موسى معبد الأسلمي .
وكان رسول أمير المؤمنين إلى معاوية سبرة الجهني فقدم عليه فلم يكتب معاوية بشيء ولم يجبه وردّ رسوله وجعل كلّما تنجز جوابه لم يزد على قوله :
أدم إدامة حصن أوجدا بيدي *** حرباً ضروساً تشبّ الجزل والضرما
في جاركم وابنكم إذ كان مقتله *** شنعاء شيبت الأصداغ واللمما
أعيى المسود بها والسيدون فلم *** يوجد لها غيرنا مولى ولا حكما
وجعل الجهني كلّما تنجّز الكتاب لم يزده على هذه الأبيات حتّى إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر دعا معاوية برجل من بني عباس ثمّ أحد بني رواحة يدعى قبيصة فدفع إليه طوماراً مختوماً عنوانه من معاوية إلى علي فقال إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار ثمّ أوصاه بما يقول وسرح رسول علي وخرجا فقدما المدينة في ربيع الأول لغرّته فلمّا دخلا المدينة رفع العبسي الطومار كما أمره وخرج الناس ينظرون إليه فتفرّقوا إلى منازلهم وقد علموا أنّ معاوية معترض ومضى حتّى يدخل على علي فدفع إليه الطومار ففضّ خاتمه فلم يجد في جوفه كتابة فقال للرسول ما وراءك قال آمن أنا قال نعم إنّ الرسل آمنة لا تقتل قال ورائي إنّي تركت قوماً لا يرضون إلاّ بالقود قال ممّن قال من خيط نفسك وتركت ستّين الف شيخ يبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق 0
فقال الامام :منّي يطلبون دم عثمان ألست موتوراً ،اللهم إنّي أبرأ إليك من دم عثمان ([1040]).
وأرسل الإمام (عليه السلام)سهل بن حنيف والياً إلى الشام فلقيته خيل معاوية في تبوك فقالوا من أنت ؟
قال : أمير .
قالوا : على أي شيء ؟
قال : على الشام .
قالوا : إن كان عثمان بعثك فأهلا بك وإن كان بعثك غيره فارجع .
قال : أوما سمعتم بالذي كان ؟
قالوا : بلى ، فرجع إلى علي (عليه السلام) ([1041]).
(ومن كتاب له (عليه السلام)إلى معاوية) إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يردّ ، وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضى ، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين وولاّه الله ما تولّى ولعمري يامعاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان ، ولتعلمنّ أنّي كنت في عزلة عنه إلاّ أن تتجنّى ([1042])فتجنّ ما بدا لك والسلام .
(ومن كتاب له (عليه السلام)إليه أيضاً) «أمّا بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة ([1043])، ورسالة محبرة نمقتها بضلالك ، وأمضيتها بسوء رأيك ، وكتاب امرئ ليس له بصر يهديه ولا قائد يرشده ، قد دعاه الهوى فأجابه ، وقاده الضلال فاتّبعه فهجر لاغطاً ([1044])وضلّ خابطاً (منه) لأنّها بيعة واحدة لا يثنّى فيها النظر ([1045]) ولا يستأنف فيها الخيار . الخارج منها طاعن ، والمروي فيها مداهن ».
(ومن كتاب له (عليه السلام)إلى جرير بن عبدالله البجلي لمّا أرسله إلى معاوية) «أمّا بعد فإذا أتاك كتابي فاحمل معاوية على الفصل ([1046])، وخذه بالأمر الجزم ، ثمّ خيّره بين حرب مجلية أو سلم مخزية ، فإن اختار الحرب فانبذ إليه ، وإن اختار السلم فخذ بيعته والسلام ».(ومن كتاب له (عليه السلام)إلى معاوية) «فأراد قومنا قتل نبيّنا واجتياح أصلنا ([1047]) وهمّوا بنا الهموم وفعلوا بنا الأفاعيل ، ومنعونا العذب ، وأحلسونا الخوف ، واضطرونا إلى جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، فعزم الله لنا على الذبّ عن حوزته ([1048])، والرمي من وراء حرمته . مؤمننا يبغي بذلك الأجر ، وكافرنا يحامي عن الأصل . ومن أسلم من قريش خلّوا ممّا نحن فيه بحلف يمنعه أو عشيرة تقوم دونه ، فهو من القتل بمكان أمن ([1049])وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا احمرّ البأس ([1050])وأحجم الناس قدّم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حرّ السيوف والأسنّة . فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر ([1051])، وقتل حمزة يوم أُحد ، وقتل جعفر يوم مؤتة . وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة ([1052])، ولكن آجالهم عجّلت ومنيّته أُجّلت . فيا عجباً للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يسمع بقدمي ، ولم تكن له كسابقتي التي لا يدلي أحد بمثلها إلاّ أن يدّعي مدّع ما لا أعرفه ، ولا أظنّ الله يعرفه والحمد لله على كلّ حال وأمّا ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك فإنّي نظرت في هذا الأمر فلم أره يسعني دفعهم إليك ولا إلى غيرك ، ولعمري لئن لم تنزع عن غيّك وشقاقك لتعرفنّهم عن قليل يطلبونك ، ولا يكلّفونك طلبهم في برّ ولا بحر ولا جبل ولا سهل ، إلاّ أنّه طلب يسوءك وجدانه ، وزور لا يسرّك لقيانه والسلام لأهله ([1053])».
مطامع معاوية في الشام ومصر
قال معاوية لسفير الإمام (عليه السلام) : « اكتب إلى صاحبك أن يجعل لي الشام ومصر جباية ([1054])».وبالتالي ، فعلى الذين يتحذلقون ، ويقولون : إنّ علياً لا يعرف السياسة أن يدرسوا التاريخ ، ويذكروا هذه الحقيقة ، وينظروا إلى معاوية نظرتهم إلى ابن العاص ، لأنّ الرجلين من طينة واحدة ، وعلى مبدأ واحد ، مبدأ الكسب والمساومة ، وارتكاب الجرائم والمآثم من أجل المناصب والمراكز .
قال أحد المستشرقين :
«كان معاوية مخادعاً داهية ذا قلب خال من كلّ شفقة . كان ذلك الأُموي لا يتهيّب الإقدام على أيّة جريمة من أجل أن يضمن مركزه » ([1055]).
أمّا أمير المؤمنين فهو القائل : والله إنّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها . ما لعلي ونعيم يفنى ولذّة لا تبقى ؟!.
ــــــــــــــــــــــــــ
([1039]) نهج البلاغة ، الكتاب 75 ، البحار 32 / 365 ، 340 .
([1040]) تاريخ الطبري 3 / 463 .
([1041]) تاريخ الطبري 4 / 442 ، تاريخ ابن الأثير 2 / 309 ، البداية والنهاية 7 / 229 .
([1042]) تجنّى كتولّي ادّعى الجناية على من لم يفعلها . وتجنّ ما بدا لك أي تستره وتخفيه .
([1043]) موصلة بصيغة المفعول ملفّقة من كلام مختلف وصل بعضه ببعض على التباين ، كالثوب المرقّع ، ومحبرة أي مزيّنة . ونمقتها حسنت كتابتها وأمضيتها أنفذتها وبعثتها . وكتاب عطف على موعظة .
([1044]) هجر : هذى في كلامه ولغا . واللغط الجلبة بلا معنى .
([1045]) لا ينظر فيها ثانياً بعد النظر الأول ، ولا خيار لأحد فيها يستأنفه بعد عقدها . والمروي هو المتفكّر هل يقبلها أو ينبذها . والمداهن المنافق .
([1046]) الفصل الحكم القطعي . وحرب مجلية أي مخرجة له من وطنه . والسلم المخزية الصلح الدالّ على العجز . والخطل في الرأي الموجب للخزي . فانبذ إليه أي اطرح إليه عهد الأمان وأعلنه بالحرب . والفعل من باب ضرب .
([1047]) يحكي معاملة قريش للنبي (صلى الله عليه وآله) في أوّل البعثة . والاجتياح الاستئصال والإهلاك . وهمّوا الهموم : قصدوا نزولها . والأفاعيل : جمع أفعولة : الفعلة الرديئة والعذب هنئ العيش . وأحلسونا : ألزمونا . واضطرّونا : ألجأونا . والجبل الوعر الصعب الذي لا يرقى إليه كناية عن مضايقة قريش لشعب أبي طالب حيث جاهروهم بالعداوة وحلفوا لا يزوجونهم ولا يكلّمونهم ولا يبايعونهم ، وكتبوا على ذلك عهدهم عداوة للنبي (صلى الله عليه وآله).
([1048]) عزم الله : أراد لنا أن نذبّ عن حوزته ، والمنراد من الحوزة هنا الشريعة الحقّة . ورمى من وراء الحرمة : جعل نفسه وقاية لها يدافع السوء عنها فهو من ورائها أو هي من ورائه .
([1049]) كان المسلمون من غير آل البيت آمنين على أنفسهم إمّا بتحالفهم مع بعض القبائل أو بالاستناد إلى عشائرهم ان كانت قوية .
([1050]) احمرار البأس اشتداد القتال ، والوصف لما يسيل فيه من الدماء . وحرّ الأسنّة بفتح الحاء : شدّة وقعها .
([1051]) عبيدة ابن عمّه وحمزة عمّه وجعفر أخو الإمام . ومؤتة بضمّ الميم بلد في حدود الشام .
([1052]) من لو شئت يريد نفسه .
([1053]) نهج البلاغة ، خطب الإمام علي (عليه السلام) 3 / 7 .
([1054]) أحاديث أُمّ المؤمنين عائشة نقلا عن شرح ابن أبي الحديد ، وأعيان الشيعة نقلا عن نصر بن مزاحم .
([1055]) روح الإسلام لسيّد مير علي ص205 .
([1056]) شرح الأخبار ، القاضي المغربي 2 / 88 ، تاريخ الطبري 2 / 449 طبعة أوربا ، مختصر تاريخ دمشق 5 / 48 .
([1057]) الاستيعاب ، ابن عبدالبرّ 3 / 472 .
([1058]) الشيخان ، البلاذري 219 .
([1059]) الشيخان ، البلاذري 219 طبع مؤسسة الشراع ـ الكويت .
منقول من كتاب سيرة الإمام علي (عليه السلام) / ج 5
اضغط هنـــا على محبة فاطمة الزهراء عليها السلام