المؤسس الأول لديوان اخذ المظالم
أول من أسس ديوان متابعة المظالم هو الإمام علي بن أبي طالب(ع) ،وقد جاءت هذه النظرية عند الإمام من خلال شمولية الإسلام وما جاء به من تحقيق عدل وحرية ،فالإسلام جاء لرفع الحيف والظلم المتسلط على رقاب المستضعفين،لا كما نشاهده الآن بأسم الإسلام تقع المضلوميات على المسلمين وبأعذار واهية لا قيمة لها بل فهمها أمير المؤمنين بغير فهمهم وهم عن فهم الإسلام بعيدون وهذا واضح لمن عنده ابسط تأمل لما وقع على الإسلام والمسلمين بل فهم أمير المؤمنين من الإسلام هو إعطاء حقوقهم التي قد سلبها أولئك المتزمتين أو قل المترفين الذين عاثوا في الأرض الفساد والذين لا يعطون شيئا إلا وفي قِباله أشياء أو لا يعطون اصلاً، فقط يأخذون،
فلذلك أراد الإمام انه أينما حصل الإسلام وجد العدل معه والذي من طبعه منافياً كل المنافاة للظلم والحيف الذي يحصل بسبب هؤلاء الذي ديدنهم الظلم والتعسف وسلب حقوق الآخرين بدون أي بينة، وها أنتم ترون الآن كم من الجياع والفقراء وغيرهم من اخذ حقوقهم ومن أيتم الأطفال وما إلى ذلك كثير وإنا لله وإنا إليه راجعون
الهدف من تأسيس ديوان المظالم
هو النظر في الشكاوى التي يرفعها الناس ضد الولاة والحكام إذا انحرفوا عن طريق الحق وجاروا على الرعية وسلبوا حقوقهم المادية وطمس جور العمال في جباية الأموال (9)
وفي الحقيقة أنها لخطوة جبارة بحيث يتقيد الوالي والحاكم وكل من له سلطة على الشعب بأن يكون تحت رقابة عامة لا يستطيع من خلالها أن يجور على احد في أي بلد تكون فيه مثل هكذا رقابه وهذه هي قمة العدالة والإنصاف ولكن يحتاج إلى مثل هكذا ديوان أناس يخافون الله لا تأخذهم في الله لومة لائم،ولا يطمع القوي عندهم في اخذ مال الفقير0
من أهداف هذا الديوان
هو محاسبة كتاب الدواوين لأنهم الأمناء على بيوت الأموال فيما يستوفونه ويوفونه (10)
ومن أهدافه النضر في مظالم الموظفين في الدولة وكذلك رد ما غصبه الظالمون إلى المظلومين والمستضعفين وكذلك إدارة الأوقاف العامة والخاصة وكذلك تنفيذ الأحكام الصادرة من القضاة والمحتسبين للان والي الظالم أقوى يداً وأنفذ أمرا من غيرهم (11)
ولعل هذا الأمر هو السائد الآن بل هو حقيقة فان موزع الشاي الذي يكون تحت يد القاضي أو أي شخصية متنفذة وبيده كل شيء فالمراجع الذي يريد أن يراجع في أي قضية ما، فعليه أن يذهب لصاصب الشاي وهكذا في باقي الولاة عليه أن يراجعهم وتنحسم قضيته بلا منازع،ولكن إذا وجد ديوان في كل مؤسسة او مشابه ذلك لا يوجد مثل هكذا تصرف لان هذا هو الإجحاف بعينه والتسيب المتعمد0
من عدله
وليس غريباً أن يكون علي(ع) اعدل الناس إطلاقا بعد رسول الله(ص) بل الأعجب أن يكون عكسه، وأخبار علي في عدله تراث يشرف المكانة الأنسانيه بل كان ومازال شرفاً وعزتاً لكل الأمم المسلمة
لأنه لا يوجد رجل في العالم بعدل علي(ع)بعد رسول الله (ص)، ولذلك كان الإمام يأبى الترفع أو الترافع عن رعاياه في المخاصمة والمقاضاة، بل من يستقرا وصاياه إلى الولاة الذين كان سلام الله عليه يوليهم سيجد هذه الصفة ظاهرة عند أمامنا،ولاحظ ماذا يقول أمير المؤمنين لما عوتب في التسوية في العطاء وتصييرهِ الناس أسوة فيه من غير تفضيل،أولى السابقات والشرف قال: تأمروني أن اطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه ،والله لا اطو ربه ما سمر سمير وما أمّ نجم في السماء نجماً ولو كان المال لي لسوّيت بينهم، فكيف وإنما المال مال الله (12)
المقاتل على التأويل
عن الإمام الباقر(ع) قال: انقطع شسع نعل رسول الله ( ص) فدفعها إلى علي( ع) يصلحها ثم مشى في نعل واحد غُلوه أو نحوها، واقبل عليه أصحابه فقال إن منكم من يقاتل على التأويل كما قاتل معي على التنزيل ؟
فقال أبو بكر أنا ذاك يا رسول الله ؟ قال: لا، فقال عمر، فأنا يا رسول الله، قال لا، فأمسك القوم ونضر بعضهم إلى بعض، فقال رسول الله (ص)، لكنه خاصف النعل، وأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب (ع)، وأنه لمقاتل على التأويل، إذا تركت سنتي ونبذة، وحرف كتاب الله، وتكلم في الدين من ليس له ذلك، فيقاتلهم علي (ع) على إحياء دين الله عز وجل (13)،
وفي رواية أخرى جاء رجل إلى علي (ع) وهو على منبره، فقال يا أمير المؤمنين، أتأذن لي أن أتكلم بما سمعت عن عمار بن ياسر، يرويه عن رسول الله (ص) فقال أتقو الله ولا تقولوا على عمار إلا ما قاله، حتى قال ذلك ثلاث مرات ثم قال، تكلم،
قال: سمعت عماراً يقول سمعت رسول الله (ص) يقول، أنا أقاتل على التنزيل، وعليُُ، يقاتل على التأويل، فقال (ع) ، صدق عمار ورب الكعبة إن هذه عندي لفي ألف كلمة تتبع كل كلمة ألف كلمة (14)
وعن أبي ذر الغفاري، كنت مع رسول (ص) وهو ببقيع الغر قد،(وهي مقبرة أهل المدينة) فقال: والذي نفسي بيده أن فيكم رجلاً يقاتل الناس من بعدي على تأويل القران، كما قاتلت المشركين على تنزيله، وهم يشهدون أن لا اله إلا الله ، فيكبر قتلهم على الناس حتى يطغوا على ولي الله، ويسخطوا عمله، كما سخط موسى أمر السفينة وقتل الغلام وأمر الجدار وكان خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار، لله رضن وسخط ذلك موسى أراد بالرجل علي بن أبي طالب (ع) (15)
وعن انس بن مالك قال سمعت رسول الله (ص) قال: أوصياء الأنبياء الذين بعدهم بقضاء ديونهم وانجاز عداتهم، ويقاتلون على سننهم، ثم التفت إلى علي (ع) وقال: أنت وصيي وأخي في الدنيا والآخرة، تقضي ديني وتنحوا عداتي وتقاتل على سنتي، تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل (16)وهناك روايات كثيرة في هذا المضمون ولا كن نكتفي بهذا القدر
من أقوال الإمام (ع)وحكمه
1- ما قاله لمالك الاشتر ألزم الحق وكن في ذلك صابراً محتسباً واقعاً ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه فأن مغبة ذلك محمودة
2- وقال (ع) من عمل بالحق مال إليه الخلق
3- وقال ايظاً في استغلال الفرص وعدم تضيعها قائلا: إياكم وتأخير العمل ودفع الخير فان ذلك الندم
4- عليكم بتقوى الله ونضم أمركم
فنلاحظ في هذه الوصية أن الإمام جعل الدعامة الأولى والأخيرة هي تقوى الله لكل عمل وحركة من فعل وغيره،والشيء الأخر هو تنظيم الأمور لان الإنسان إن لم ينظم أموره فلا يحمد عقباه لان تراكم الأمور يجعل من الإنسان كالإنسان الآلي متى ما شاء مشغله بالتشغيل اشتغل وكذلك العكس وحينها لا يستطيع السيطرة على أموره وهذا هو الخسران إن كان دنيويا أو أخرويا لان الآخرة مقدمتها الدنيا فعلى على المرء إذاً النظم وتكون مقدمته التقوى فلا خير بنظم إن لم تكن فيه تقوى
5- ما خاب امرؤ عدل في حكمه،واطعم من قوته وذخر من دنياه لآخرته
6- أفضل على من شئت تكن أميره، وستغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن اسيره0
7- عداوة الضعفاء للأقوياء، والسفهاء للحكماء، والأشرار للأخيار، لا يستطاع تغييره0
8- العقل في القلب، والرحمة في الكبد، والتنفس في الرئة
9- احّمد من يغلظ عليك ويعظك، لا من يزكيك ويتملقك
10- اسكت واستر تسلم
11- اكبر الفخر أن لا تفخر0
12- العشق مرض ليس فيه أجلاً ولاعوض0
13- أعظم الخطايا عند الله اللسان الكذوب، وقائل كلمة الزور، ومن يمد بحملها في الإثم سواء0
14- أبعد ما يكون العبد من الله إذا كان همه بطنه وفرجه0
15- ليس في الحواس الظاهرة شيء أشرف من العين، فلا تعطوها سؤلها فتشغلكم عن ذكر الله0
16- من اتبع هواه ضل، ومن جاد ساد، وحمود الذكر من ذميم الفكر0
17- غاية الأدب أن يستحي الإنسان من نفسه0
18- ما مات من أحيا علما، ولا افتقر من ملك فهماً0
20- السفر ميزان الأخلاق
21عن سعيد بن علاقة قال سمعت أمير المؤمنين(ع) يقول:ترك نسج العنكبوت في البيت يورث الفقر،والبول في الحمام يورث الفقر، والأكل على الجنابة يورث الفقر، والتمشط من قيام يورث الفقر، وترك القمامة في البيت يورث الفقر،واليمين الفاجرة تورث الفقر، والزنا يورث الفقر، وإظهار الحرص يورث الفقر، والنوم قبل طلوع الشمس يورث الفقر، واعتياد الكذب يورث الفقر، وسماع الغناء يورث الفقر، ورد السائل الذّكر بالليل يورث الفقر، وترك التقدير في المعيشة يورث الفقر، وقطيعة الرحم تورث الفقر، ثم قال(ع) ألا أنبئكم بعد ذلك بما يزيد في الرزق، قالوا بلا يا أمير المؤمنين فقال:الجمع بين الصلاتين يزيد في الرزق، والتعقيب بعد الغداة وبعد العصر يزيد في الرزق، وصلة الرحم تزيد في الرزق، وكسح الفناء يزيد في الرزق،ومواساة الأخ في الله عز وجل يزيد في الرزق،البكور في طلب الرزق يزيد في الرزق،والاستغفار يزيد في الرزق،واستعمال الأمانة يزيد في الرزق،وقول الحق يزيد في الرزق،وإجابة المؤذن تزيد في الرزق،وترك الكلام على الخلاء يزيد في الرزق،وترك الحرص يزيد في الرزق،وشكر المنعم يزيد في الرزق،والوضوء قبل الطعام يزيد في الرزق،واكل ما يسقط من الخوان يزيد في الرزق،ومن سبح ألله كل يوم ثلاثين مرة دفع الله عنه سبعين نوعاً من البلاء،أيسرها الفقر، 13
في العلوم الطبية
ألأول- روى الكليني عن الصادق(ع)قال أمير المؤمنين(ع)لا تديموا أكل السمك فأنه يذيب الجسد،
الثاني- ايظاً قال أكل الجوز في شدة الحر يهيج الحرفي الجوف ويهيج القروح على الجسد واكله في الشتاء يسخن الكليتين ويدفع البرد
الثالث-ايظا قال أمير المؤمنين(ع) إذا ضعف المسلم فليأكل اللحم باللبن
الرابع- ايظا قال (ع) اكسروا حر الحمى بالنفسج
الخامس- قال (ع) ترك العشاء خراب البدن
السادس- قال (ع) الألوان يعظمن البطن ويخدرن الأليتين
السابع- قال(ع) ألبان البقر دواء
الثامن- قال(ع) من اصطبح بإحدى وعشرين زبيبة حمراء لم يمرض
التاسع- قال (ع) كلوا التفاح فأنه يدمغ المعدة
العاشر- قال(ع) أكل السفرجل قوة للقلب الضعيف وتطيب المعدة
الحادي عشر- قال (ع) السعتر يصير للمعدة خملاً كخمل القطيفة وكان دواءه
الثاني عشر- قال (ع) ألا لا يستلقين أحدكم في الحمام فانه يذيب شحم الكليتين ولا يدلكن رجليه بالخزف فانه يورث الجذام
الثالث عشر- قال (ع) ابدءوا بالملح في ؤول طعامكم فلو يعلم الناس ما في الملح لأختاروه على الدرياق المجرب (قضاء أمير المؤمنين ص/126)
لباس علي عليه السلام
كان لباس علي (ع) يتألف من ثلاثة أثواب
الأول.القميص إلى فوق الكعب
الثاني.الإزار إلى نصف الساق الثالث. المدرعة وهي ثوب من صوف
وكان ثمن لباسه كاملاً دينا راً وحداً
وقال الإمام (ع) والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها وقال لي قائل، ألا تنبذها فقلت له اغرب عني فعند الصباح، يحمد القوي السري وقيل، وكان راقع المدرعة ولده الحسن (ع)، وكان يرقعها بجلد تارة وبليف أخرى
وأما حذائه
فمن ليف وكان يصلحه بيده ،وقال له آخر بدل ثوبك هذا، فقال له: وأي ثوب استر منه للعورة، وقال له ثالث، مثل ذلك فأجابه الإمام هذا ابعد لي عن الكبر وأجدر أن يقتدي به المسلم0
وعن إحياء العلوم للغزالي كان علي بن أبي طالب (ع) يمتنع من بيت المال حتى يبيع سيفه ولا يكون له الا قميص واحد،ولا يجد غيره في وقت اللبس وقال علي(ع) مرة من يشتري سيفي هذا فو الذي فلق ألحبه لطالما كشفت به الكروب عن وجه رسول الله( ص) فو الله لو كان عندي ثمن أزار مابعته،وقال لأهل البصرة ماذا تنقمون مني أن هذا من غزل أهلي وأشار إلى قميصه0
وعن الإمام الباقر (ع) أن أمير المؤمنين (ع) ذهب مع قنبر إلى سوق البزازين وطلب من رجل يبيع الملابس ان يبيعه ثوبين فقال له، يا أمير المؤمنين عندي حاجتك، ولما أيقن الإمام أن الرجل يعرفه تركه ومضى، وأبى أن يشتري منه خشيته أن يتساهل معه في الثمن (18)
(وهذا طبعا درس من دروس الحياة الاجتماعية التي أراد أمير المؤمنين (ع)، أن يربي شيعته عليها)0
ثم وقف على غلام واشترى منه ثوبين احدهما بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين وبعد أن قبض الغلام الثمن جاء أبوه وعرف الإمام فقال له يا مولاي إن ابني لا يعرفك وهذان درهمان ربحهما منك فقال له ما كنت لأفعل لقد اتفقنا مع ولدك على رضى وأعطى الإمام الثوب الذي بثلاث دراهم لقنبر وأبقى الذي بدرهمين لنفسه،فقال قنبر أنت أولى به مني انك تصعد المنبر وتخطب الناس فقال له وأنت شاب ولك شره الشباب،وأنا استحي من ربي أن أتفضل عليك سمعت رسول الله يقول ألبسوهم ما تلبسون وأطعموهم بما تأكلون (19).
الحلقة السادسة تاتي ان شاء الله
هبة الله