تدبر القرآن الكريم من الأمور الأساسية التي دعا إليها القرآن الكريم في أكثر من مورد :
{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } ص/29
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } محمد/24
ولقد أشار الله تعالى إلى أن القرآن بيان للناس
{ هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } آل عمران/138
فالقرآن الكريم أنزله الله تعالى كي يبين للناس ما يحتاجون إليه, وما فيه صلاحهم, وفيه مواعظ وعبر, وتوجيهات تربوية, وهؤلاء الناس مخاطبون بتوجيهات القرآن وما فيه, فالخطاب القرآني موجه إليهم.
كي يفهم الناس الخطاب القرآني لابد أن يتأملوا آياته , كي يفهموا اذا يريد القرآن منهم.
قد يحتج بعضهم بأن ليس كل كلمات القرآن سهلة الفهم, وهذا وإن كان صحيحا, إلا أنه ليس القاعدة في كل الآيات القرآنية.
توجد صعوبة في فهم بعض الآيات القرآنية بسبب حاجز اللغة, والابتعاد عن الفصحى, واللجوء إلى العامية, ولكنه يمكن التغلب عاى هذه المشكلة بالرجوع إلى كتب التفسير المبسطة لفهم معنى هذه الكلمة أو تلك.
قال تعالى :{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } القمر/17
فالقرآن الكريم ليس طلاسم أو ألغاز, بل هو قابل لأن يفهم.
ولذا نجد دعوة الأئمة (عليهم السلام) جاءت داعمة للدعوة القرآنية :
قال الإمام زين العابدين (عليه السلام) : " آيات القرآن خزائن فكلما فتحت خزينة ينبغي لك أن تنظر ما فيها "
إن قراءة القرآن السطحية, وإن حققت لصاحبها بعض الأجر, إلا أن الأجر سيكون أوفر, والفائدة أكثر, في القراءة الواعية, التي يقف الإنسان فيها على معاني القرآن ومضامينه.
على المؤمن أن يفتح قلبه للقرآن كي يقف على معانيه و توجيهاته.
من معاني التدبر, الوقوف على حقائق الطبيعة التي ذكرها القرآن, والتأمل في النفس.
يقول العلامة السيد محمد تقي المدرسي, في كتابه " تفسير من هدي القرآن " :
" يزعم فريق من المسلمين ان التدبر في القرآن ، غير مسموح به الا للذي اوتي نصيبا كبيرا من العلم ويستندون - في زعمهم هذا - الى بعض الروايات المأثورة التي نهت الناس عن تفسير القرآن بالرأي .
ولكن هذا الزعم غير منطقي ابدا . اذ ان الله كان أعلم بكتابه ، و بخلقه حيث امرهم بالتدبر في آيات القرآن . بل حيث خاطب بالقرآن كل انسان وفي كل ارض وفي كل عصر .
يقول الله سبحانه في كتابه :
{ هذا بيان للناس * و هدى و موعظة للمتقين}
فهل يمكن ان يبعث الله بيانا للناس جميعا ، ثم ينهاهم عن التفهم له ، او التدبر فيه ،
إذن فما فائدة البيان ؟
ان خطابات القرآن - تهتف بالناس كافة وتقول يا أيها الناس - أو بالمؤمنين جميعا . وتقول يا أيها الذين آمنوا ، وهذا يعني ان الله يريدهم أن يسمعوا كلامه و يتفهموه . فهل نستطيع أن نزعم أنه لا يجوز التدبر فيه ؟ " انتهى.
بالتأكيد أن فهم العلماء للقرآن الكريم أعمق من فهم غيرهم, ولكنه يحصل لغير العلماء درجة من الفهم تتناسب مع مستواهم الثقافي والعقلي, وعوامل اخرى.
إن غير العلماء يمكنهم الحصول على درحة من الفهم للنص القرآني لكثير من الآيات القرآنية, نحو :
{ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
آل عمران/189
{ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ } آل عمران/193
{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } النساء/10
{ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } النساء/14
{ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } النساء/69
{ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } المائدة/74
{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ } إبراهيم/42
ونحو هذا كثير في القرآن الكريم .
ما أود أن أشير إليه, هو أنه يمكن لغير العلماء أن يفهموا جزءً من معنى الخطاب القرآني, وكلما تعمق الإنسان في أبحاث التوحيد والمعارف العقدية واللغة, تعمق فهمه للنص القرآني, ولذا نجد أن فهم العلماء الربانيين للقرآن أعمق من غيرهم, يشهد بذلك ما قدموه من أبحاث قرآنية عميقة المحتوى.
نوركم الله بنور القرآن والولاية .