اللهم صل على محمد وآل محمد نجوم سماء المناقب وسفينة النجاة لكل راكب
السلام عليكم احبتي جميعا ورحمة الله وبركاتة
كان في زمان بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم : المجتمع البشري بصورة عامة في جميع بقاع الأرض وبالخصوص في شبه الجزيرة العربية ؛ بحاجة ماسة وضرورة قائمة لنبي كريم يقوم بأعباء الرسالة والتبليغ لأحكامه الله تعالى وتعاليمه ، ولكي يرفع الناس إلى العدل والإنصاف والإيمان بالله تعالى ويدلهم على مكارم الخلاق والصفات الحميدة ، وبصورة صحيحة ليصل بهم لسعادة الدنيا والآخرة ، وذلك بعدما ساد الجهل والظلم و انحطوا في الكفر والشرك والنفاق وتعاملوا بالخيانة والغدر والمكر والحيلة ، و بدلو أكثر الناس نعم الله كفرا ، وضلوا عن سموا معرفته وعبوديته ، وآياته الحكيمة لتربيتهم وتهذيبهم وعن أحكامه الطيبة وتعاليمه المطهرة للروح وللبدن ولكل شيء في المجتمع .
فبعث الله سبحانه وتعالى : نبي كريم في ذاته ونسبه وصفاته و شريف في جمع خصائصه وحالاته ، سيد المرسلين وخاتم للنبيين وحبيب لقلوب العالمين ، آلا وهو نبينا محمد بن عبد الله عليه وعلى آله أجمعين صلاة الله وسلامه ، وأيده بنصره بالنبوة ومعارف الكتاب والحكمة ، فأنزل عليه كلامه الكريم القرآن المجيد بعد أن نص عليه بالتوراة والإنجيل الغير محرفين ، وعرّفه الأنبياء السابقين لأممهم وبشروا به مجتمعاتهم ، فضلا عما أختص به صلى الله عليه وآله وسلم من خُلق عظيم يفوق جميع من سبقه ومن لحقه من الأولين والآخرين .
وهذه وصية لوصي النبي وخليفته بالحق : علي بن أبي طالب عليه السلام"ع" يبين حال الناس في زمان بعثة نبينا الأكرم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ويبين ضرورة بعثته وحاجة الناس إليه ، وكيف إنه مختار مصطفى على علم بإخلاصه في تبليغ دينه ، وهي تعرفنا شرفه وكرامته عند الله وتكامل هداه لكل البشر فيسعدهم تطبيقه ، ولكي لا نطيل الكلام ، نذكر كلام سيد البشر عليه السلام بعد نبينا "ص" :
قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : (( .... إِلَى أَنْ بَعَثَ اللهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله لإنجاز عِدَتِهِ وَتَمامِ نُبُوَّتِه ِ.
مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ ، مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ كَرِيماً مِيلادُهُ.
وَأهْلُ الأرض يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ ، وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ ، وَطَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ ، بَيْنَ مُشَبِّهٍ للهِِ بِخَلْقِهِ ، أَوْ مُلْحِدٍ في اسْمِهِ ، أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرهِ .
فَهَدَاهُمْ بهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ ، وَأَنْقَذَهُمْ بمَكانِهِ مِنَ الجَهَالَةِ .
ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمحَمَّدٍ صلى الله عليه لِقَاءَهُ ، وَرَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ ، فَأَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا ، وَرَغِبَ بِهَ عَنْ مُقَارَنَةِ البَلْوَى ، فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً ، وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الأنبياء في أُمَمِها ، إذْ لَم يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً ، بِغَيْر طَريقٍ واضِحٍ ، ولاَ عَلَمٍ قَائِمٍ )) . نهج البلاغة ، الخطبة الأولى .
وقال عليه السلام في خطبة أخرى له : (( وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أرْسَلَهُ بِالدِّينِ المشْهُورِ، وَالعَلَمِ المأْثُورِ ، وَالكِتَابِ المسْطُورِ ، وَالنُّورِ السَّاطِعِ ، وَالضِّيَاءِ اللاَّمِعِ ، والأمر الصَّادِعِ .
إزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ ، وَاحْتِجَاجاً بِالبَيِّنَاتِ ، وَتَحْذِيراً بِالآيَاتِ ، وَتَخْويفاً بِالمَثُلاَتِ .
وَالنَّاسُ في فِتَنٍ انْجَذَمَ ، فِيها حَبْلُ الدِّينِ ، وَتَزَعْزَعَتْ سَوَارِي ، اليَقِينِ ، وَاخْتَلَفَ النَّجْرُ ، وَتَشَتَّتَ الاََْمْرُ وَالمَصْدَرُ .
فَالهُدَى خَامِلٌ ، واَلعَمَى شَامِلٌ .
عُصِيَ الرَّحْمنُ ، وَنُصِرَ الشَّيْطَانُ ، وَخُذِلَ الإيمان ، فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ ، وَتَنكَّرَتْ مَعَالِمُهُ، وَدَرَسَتْ سُبُلُهُ ، وَعَفَتْ شُرُكُهُ ، أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ ، وَوَرَدُوا مَنَاهِلَهُ ، بِهِمْ سَارَتْ أَعْلامُهُ، وَقَامَ لِوَاؤُهُ .
في فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا ، وَوَطِئَتْهُمْ بأَظْلاَفِهَا ، وَقَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا ، فَهُمْ فِيهَا : تَائِهُونَ حَائِرونَ ، جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ ، في خَيْرِ دَارٍ ، وَشَرِّ جِيرَانٍ ، نَوْمُهُمْ سُهُودٌ ، وَكُحْلُهُمْ دُمُوعٌ ، بأَرْضٍ عَالِمُها مُلْجَمٌ ، وَجَاهِلُها مُكْرَمٌ )).
وقال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في خطبة له يصف فيها العرب قبل الإسلام :
(( إِنَّ اللهَ سُبحانَه بَعَثَ مُحَمَّداً نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ ، وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ .
وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ العَرَبِ : عَلَى شَرِّ دِينٍ ، وَفِي شَرِّ دَارٍ ، مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجارَةٍ خُشْنٍ وَحَيَّاتٍ صُمٍّ تشْرَبُونَ الكَدِرَ، وَتَأْكُلُونَ الجَشِبَ وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ، وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ ، الأصنام فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ ، والآثام بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ ))
ومن خطبة له عليه السلام في الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وبلاغ الإمام عنه وقال فيها :
(( أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الاَُْمَمِ ، وَاعْتِزَامٍ مِنَ الْفِتَنِ ، وَانْتَشَارٍ مِنَ الاَُْمُورِ ، وَتَلَظٍّ مِنَ الْحُرُوبِ ، والدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ ، ظَاهِرَةُ الْغُرُورِ ، عَلَى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا ، وَإِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا ، وَاغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا ، قَدْ دَرَسَتْ أعْلامُ الْهُدَى ، وَظَهَرَتْ أَعْلاَمُ الرِّدَى ، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لاََِهْلِهَا ، عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا ، ثَمَرُهَا الْفِتْنَةُ وَطَعَامُهَا الْجِيفَةُ وَشِعَارُهَا الْخَوْفُ ، وَدِثَارُهَا السَّيْفُ .
فَاعْتَبِرُوا عِبَادَ اللهِ ، وَاذْكُرُوا تِيكَ الَّتي آبَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ بِهَا مُرْتَهَنُونَ وَعَلَيْهَا مُحَاسَبُونَ .
وَلَعَمْرِي مَا تَقَادَمَتْ بِكُمْ وَلاَ بِهِمُ الْعُهُودُ ، وَلاَ خَلَتْ فِيَما بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم الاََحْقَابُ وَالْقُرُونُ ، وَمَا أَنْتُمُ الْيَوْمَ مِنْ يَوْمَ كُنْتُمْ فِي أَصْلاَبِهِمْ بِبَعِيدٍ )) .
والله الكريم : إنها لمعارف قيمة وحكيمة في قصر لفظها وكبير معناها ، ولترين كل تأريخ الدين وأهل في صدر الإسلام وقبله وبعده ، وتعرفنا حال عباد الله ، وترشدنا لعظمة الله في تدبير خلقه وحبه لهم ليعلمهم ما به صلاحهم وخيرهم ، حتى ليتنعموا بعبوديته وطلب الحلال من ورزقه ، والعدل والإحسان والبر بينهم ، ويتوجهوا بكلهم لطاعة الرب والكون في رضاه .
وهي بنفسها : ترينا إن التفكر يدل على الله تعالى وهداه التشريعي حتمي وإن مجتمع النبي الكريم محتاج له بأشد ضرورة ، فكان بلطف الله بعثته وإنزال تعاليمه عليه ، ونسأل الله أن يجعلنا من المهتدين به وبآله ورحم الله من قال آمين.
م :"موسوعة صحف الطيبين "
" لسماحة الشيخ حسن جليل حردان الانباري "[/align]