اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا هشام عليك بالرفق .
فإن الرفق يمن والخرق شؤم ، إن الرفق والبر وحسن الخلق يعمر الديار ، ويزيد في الرزق .
يا هشام قول الله : " هل جزاء الاحسان إلا الاحسان (الرحمن،60) " جرت في المؤمن والكافر والبر والفاجر .
من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به ، وليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتى ترى فضلك ، فإن صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء .
يا هشام إن مثل الدنيا مثل الحية مسها لين وفي جوفها السم القاتل ، يحذرها الرجال ذووا العقول ، ويهوي إليها الصبيان بأيديهم .
ياهشام اصبر على طاعة الله ، واصبر عن معاصي الله ، فانما الدنيا ساعة ، فما مضى منها فليس تجد له سرورا ولا حزنا ، وما لم يأت منها فليس تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت .
يا هشام مثل الدنيا مثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله .
ياهشام إياك والكبر ، فإنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر .
الكبر رداء الله ، فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار على وجهه .
يا هشام ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فإن عمل حسنا استزاد منه وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب إليه .
ياهشام تمثلت الدنيا للمسيح عليه السلام في صورة امرأة زرقاء فقال لها : كم تزوجت ؟ فقالت : كثيرا ، قال : فكل طلقك ؟ قالت : لا بل كلا قتلت ، قال المسيح عليه السلام : فويح لازواجك الباقين ، كيف لا يعتبرون بالماضين .
يا هشام إن ضوء الجسد في عينه ، فإن كان البصر مضيئا استضاء الجسد كله .
وإن ضوء الروح العقل ، فإذا كان العبد عاقلا كان عالما بربع وإذا كان عالما بربه أبصر دينه .
وإن كان جاهلا بربه لم يقم له دين ، وكما لا يقوم الجسد إلا بالنفس الحية فكذلك لا يقوم الدين إلا بالنية الصادقة ، ولا تثبت النية الصادقة إلا بالعقل .
ياهشام إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ، ولا تعمر في قلب المتكبر الجبار ، لان الله جعل التواضع آلة العقل ، وجعل التكبر من آلة الجهل ، ألم تعلم أن من شمخ إلى السقف برأسه شجه ومن خفض رأسه استظل تحت وأكنه ، وكذلك من لم يتواضع لله خفضه الله ومن تواضع لله رفعه .
ياهشام ما أقبح الفقر بعد الغنى ، وأقبح الخطيئة بعد النسك ، وأقبح من ذلك العابد لله ثم يترك عبادته .
ياهشام لا خير في العيش إلا لرجلين : لمستمع واع ، وعالم ناطق .
ياهشام ما قسم بين العباد أفضل من العقل ، نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ما بعث الله نبيا إلا عاقلا حتى يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين .
وما أدى العبد فريضة من فرائض الله حتى عقل عنه .
يا هشام قال رسول الله صلى الله عليه وآله .
" إذا رأيتم المؤمن صموتا فادنوا منه ، فانه يلقى الحكمة .
والمؤمن قليل الكلام كثير العمل والمنافق كثير الكلام قليل العمل " .
ياهشام أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام " قل لعبادي : لا تجعلوا بيني وبينهم عالما مفتونا بالدنيا فيصدهم عن ذكري ، وعن طريق محبتي ومناجاتي ، اولئك قطاع الطريق من عبادي ، إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتي ومناجاتي من قلوبهم .
يا هشام من تعظم في نفسه لعنته ملائكة السماء وملائكة الارض ، ومن تكبر على إخوانه واستطال عليهم فقد ضاد الله ومن ادعى ما ليس له فهو أعنى لغير رشده .
يا هشام أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام " يا داود حذر ، فأنذر أصحابك عن حب الشهوات ، فإن المعلقة قلوبهم شهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني " .
ياهشام إياك والكبر على أوليائي والاستطالة بعلمك فيمقتك الله ، فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك .
وكن في الدنيا كساكن دار ليست له ، إنما ينتظر الرحيل .
ياهشام مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والاخرة ، ومشاورة العاقل الناصح يمن وبركة ورشد وتوفيق من الله ، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإياك والخلاف فإن في ذلك العطب .
يا هشام إياك ومخالطة الناس والانس بهم إلا أن تجد منهم عاقلا ومأمونا فآنس به واهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية وينبغي للعاقل إذا عمل عملا أن يستحيي من الله ، وإذا تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله أحدا غيره وإذا خر بك أمر ان لا تدري أيهما خير وأصوب ، فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه ، فإن كثير الصواب في مخالفة هواك ، وإياك أن تغلب الحكمة وتضعها في الجهالة قال هشام : فقلت له : فإن وجدت رجلا طالبا له غير أن عقله لا يتسع لضبط ما القي إليه ؟ قال عليه السلام : فتلطف له في النصيحة ، فان ضاق قلبه [ ف ] لا تعرضن نفسك للفتنة ، واحذر رد المتكبرين ، فإن العلم يذل على أن يملى على من لا يفيق قلت : فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها قال عليه السلام : فاغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم من فتنة القول وعظيم فتنة الرد ، واعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ، ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده ، ولم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده ، ولم يفرج المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته .
فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد إلى من يؤذيه بأوليائه ، فكيف بمن يؤذى فيه ، وما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه ، فكيف بمن يترضاه ويختار عداوة الخلق فيه .
يا هشام من أحب الدنيا ذهب خوف الاخرة من قلبه ، وما اوتي عبد علما فازداد للدنيا حبا إلا ازداد من الله بعدا ، وازداد الله عليه غضبا .
ياهشام إن العاقل اللبيب من ترك مالا طاقة له به ، وأكثر الصواب في خلاف الهوى ، ومن طال أمله ساء عمله .
ياهشام لو رأيت مسير الاجل لالهاك عن الامل .
ياهشام إياك والطمع ، وعليك باليأس مما في أيدي الناس ، وأمت الطمع من المخلوقين ، فإن الطمع مفتاح للذل واختلاس العقل واختلاق المروات .
وتدنيس العرض ، والذهاب بالعلم وعليك بالاعتصام بربك والتوكل عليه .
وجاهد نفسك لتردها عن هواها ، فإنه واجب عليك كجهاد عدوك ، قال هشام : فقلت له : فاي الاعداء أوجبهم مجاهدة قال عليه السلام : أقربهم إليك وأعداهم لك وأضرهم بك وأعظمهم لك عداوة وأخفاهم لك شخصا مع دنوه منك ، ومن يحرض أعداءك عليك وهو إبليس الموكل بوسواس [ من ] القلوب فله فلتشتد عداوتك .
ولا يكونن أصبر على مجاهدتك لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته ، فإنه أضعف منك ركنا في قوته وأقل منك ضررا في كثرة شره .
إذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت إلى صراط مستقيم .
يا هشام من أكرمه الله بثلاث فقد لطف به : عقل يكفيه مؤونة هواه ، وعلم يكفيه مؤونة جهله ، وغنى يكفيه مخافة الفقر .
يا هشام احذر هذه الدنيا واحذر أهلها ، فإن الناس فيها على أربعة أصناف : رجل متردي معانق لهواه ، ومتعلم مقري كلما ازداد علما ازداد كبرا ، يستعلى بقراءته وعلمه على من هودونه ، وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته ، يحب أن يعظم ويوقر ، وذو بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به ، فهو عاجز أو مغلوب ولا يقدر على القيام بما يعرف [ ه ] فهو محزون مغموم بذلك ، فهو أمثل أهل زمانه وأوجههم عقلا .
ياهشام أعرف العقل وجنده ، والجهل وجنده تكن من المهتدين ، قال هشام : فقلت جعلت فداك لا نعرف إلا ما عرفتنا ؟ فقال عليه السلام : ياهشام إن الله خلق العقل وهو أول خلق خلقه الله من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له : أدبر فأدبر .
ثم قال له : أقبل فأقبل .
فقال الله عزوجل : خلقتك خلقا [ عظيما ] وكرمتك على جميع خلقي .
ثم خلق الجهل من البحر الاجاج الظلماني ، فقال له : أدبر فأدبر ، ثم قال له : أقبل ، فلم يقبل .
فقال له : استكبرت فلعنه .
ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جندا ، فلما رأى الجهل ما كرم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة فقال الجهل : يارب هذا خلق مثلي خلقته وكرمته وقويته وأنا ضده ولا قوة لي به أعطني من الجند مثل ما أعطيته ؟ فقال تبارك وتعالى : نعم ، فإن عصيتني بعد ذلك أخرجتك وجندك من جواري ومن رحمتي ، فقال : قد رضيت .
فأعطاه الله خمسة وسبعين جندا ، فكان مما أعطى العقل من الخمسة والسبعين جندا : الخير ، وهو وزير العقل .
وجعل ضده الشر ، وهو وزير الجهل .
الايمان ، الكفر .
التصديق ، التكذيب .
الاخلاص ، النفاق .
الرجاء ، القنوط .
العدل ، الجور .
الرضى ، السخط .
الشكر ، الكفران .
اليأس ، الطمع .
التوكل ، الحرص .
الرأفة ، الغلظة .
العلم ، الجهل .
العفة ، التهتك .
الزهد ، الرغبة .
الرفق ، الخرق .
الرهبة ، الجرأة .
التواضع ، الكبر .
التؤدة ، العجلة .
الحلم ، السفه .
الصمت ، الهذر .
الاستسلام ، الاستكبار .
التسليم ، التجبر .
العفو ، الحقد .
الرحمة ، القسوة .
اليقين ، الشك .
الصبر ، الجزع .
الصفح ، الانتقام .
الغنى ، الفقر .
التفكر ، السهو .
الحفظ ، النسيان .
التواصل ، القطيعة .
القناعة ، الشره .
المؤاساة ، المنع .
المودة ، العداوة .
الوفاء ، الغدر .
الطاعة ، المعصية .
الخضوع ، التطاول .
السلامة ، البلاء .
الفهم ، الغباوة .
المعرفة ، الانكار .
المداراة ، المكاشفة .
سلامة الغيب ، المماكرة .
الكتمان ، الافشاء .
البر ، العقوق .
الحقيقة ، التسويف .
المعروف ، المنكر .
التقية ، الاذاعة .
الانصاف ، الظلم .
التقى ، الحسد .
النظافة ، القذر .
الحياء ، القحة .
القصد ، الاسراف .
الراحة ، التعب .
السهولة ، الصعوبة .
العافية ، البلوى .
القوام ، المكاثرة .
الحكمة ، الهوى .
الوقار ، الخفة .
السعادة ، الشقاء .
التوبة ، الاصرار .
المحافظة ، التهاون .
الدعاء ، الاستنكاف .
النشاط ، الكسل .
الفرح ، الحزن .
الالفة ، الفرقة .
السخاء ، البخل .
الخشوع ، العجب .
صون الحديث ، النميمة
الاستغفار ، الاغترار .
الكياسة ، الحمق .
يا هشام لا تجمع هذه الخصال إلا لنبي أو وصي أو مؤمن امتحن الله قلبه للايمان .
وأما سائر ذلك من المؤمنين فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل ويتخلص من جنود الجهل .
فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الانبياء والاوصياء عليهم السلام .
وفقنا الله وإياكم لطاعته .
نسألكم براءة الذمة والدعاء
رشح المنتدى بنية تعجيل فرج أمامنا عليه السلام (عج)
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
بحار الانوار،75