اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ب ـ التصديق:
وصدّق العبّاس ( عليه السلام ) أخاه ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في جميع اتجاهاته ، ولم يخامره شكّ في عدالة قضيّته ، وانّه على الحق ، وان من نصب له العداوة وناجزه الحرب كان على ضلال مبين.
ج ـ الوفاء:
من الصفات الكريمة التي أضافها الاِمام الصادق ( عليه السلام ) على عمّه أبي الفضل ( عليه السلام ) ، الوفاء ، فقد وفى ما عاهد عليه الله من نصرة إمام الحق أخيه أبي عبدالله الحسين ( عليه السلام ) ، فقد وقف إلى جانبه في أحلك الظروف وأشدّها محنة وقسوة ، ولم يفارقه حتى قطعت يداه ، واستشهد في سبيله.
لقد كان الوفاء الذي هو من أميز الصفات الرفيعة عنصراً من عناصر أبي الفضل وذاتياً من ذاتياته ، فقد خُلِق للوفاء والبرّ للقريب والبعيد.
د ـ النصيحة:
وشهد الاِمام الصادق بنصيحة عمّه العبّاس لاَخيه سيّد الشهداء ( عليه السلام ) ، فقد أخلص له في النصيحة على مقارعة الباطل ، ومناجزة أئمّة الكفر والضلال ، وشاركه في تضحياته الهائلة التي لم يشاهد العالم مثلها نظيراً في جميع فترات التاريخ... ولننظر إلى بند آخر من بنود هذه الزيارة الكريمة ، يقول ( عليه السلام ) : « فجزاك الله عن رسوله ، وعن أمير المؤمنين ، وعن الحسن والحسين صلوات الله عليهم أفضل الجزاء بما صبرت ، واحتسبت ، وأعنت فنعم عقبى الدار ... ».
وحوى هذا المقطع على إكبار الاِمام الصادق ( عليه السلام ) لعمّه العبّاس وذلك لما قدّمه من الخدمات العظيمة ، والتضحيات الهائلة لسيّد شباب أهل الجنّة ، وريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الاِمام الحسين ( عليه السلام ) فقد فداه بروحه ، ووقاه بمهجته ، وصبر على ما لاقاه في سبيله من المحن والشدائد مبتغياً في ذلك الاَجر عند الله ، فجزاه الله عن نبيّه الرسول الاَعظم ( صلى الله عليه وآله ) وعن باب مدينته الاِمام أمير المؤمنين ، وعن الحسن والحسين أفضل الجزاء على عظيم تضحياته.
ويستمرّ مجدّد الاِسلام الاِمام الصادق ( عليه السلام ) في زيارته لعمّه العبّاس ، فيذكر صفاته الكريمة ، وما له من المنزلة العظيمة عند الله تعالى ، فيقول بعد السلام عليه: « أشهد ، وأُشهد الله أنّك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله ، المناصحون له في جهاد أعدائه ، المبالغون في نصرة أوليائه ، الذابّون عن أحبّائه ، فجزاك الله أفضل الجزاء وأوفى الجزاء ، وأوفى جزاء أحد ممن وفي ببيعته ، واستجاب لدعوته ، وأطاع ولاة أمره... ».
لقد شهد الاِمام الصادق العقل المفكّر والمبدع في الاِسلام ، واشهد الله تعالى على ما يقول: من أنّ عمّه أبا الفضل العبّاس ( عليه السلام ) قد مضى في جهاده مع أخيه أبي الاَحرار الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، على الخطّ الذي مضى عليه شهداء بدر الذين هم من أكرم الشهداء عند الله فهم الذين كتبوا النصر للاِسلام ، وبدمائهم الزكية ارتفعت كلمة الله عالية في الاَرض وقد استشهدوا وهم على بصيرة من أمرهم ، ويقين من عدالة قضيّتهم ، وكذلك سار أبو الفضل العبّاس على هذا الخطّ المشرق ، فقد استشهد لاِنقاذ الاِسلام من محنته الحازبة ، فقد حاول صعلوك بني أميّة حفيد أبي سفيان أن يمحو كلمة الله ، ويلف لواء الاِسلام ، ويعيد الناس لجاهليتهم الاَولى ، فثار أبو الفضل بقيادة أخيه أبي الاَحرار في وجه الطاغية السفّاك ، وتحققت بثورتهم كلمة الله العليا في نصر الاِسلام وإنزال الهزيمة الساحقة بأعدائه وخصومه.
ويستمرّ الاِمام الصادق ( عليه السلام ) في زيارته لعمّه العباس فيسجّل ما يحمله من إكبار وتعظيم ، فيقول: « أشهد أنّك قد بالغت في النصيحة ، وأعطيت غاية المجهود فبعثك الله في الشهداء ، وجعل روحك مع أرواح السعداء ، وأعطاك من جنانه أفسحها منزلاً ، وأفضلها غرفاً ، ورفع ذكرك في علّيين وحشرك مع النبّيين ، والصديقين والشهداء ، والصالحين ، وحسن أُولئك رفيقاً.
أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل ، وانّك مضيت على بصيرة من أمرك ، مقتدياً بالصالحين ، ومتبعاً للنبيّين ، فجمع الله بيننا ، وبينك وبين رسوله وأوليائه في منازل المخبتين ، فانّه أرحم الراحمين.. ».
ويلمس في هذه البنود الاَخيرة من الزيارة مدى أهميّة العبّاس ، وسموّ مكانته عند إمام الهدي الاِمام الصادق ( عليه السلام ) ، وذلك لما قام به هذا البطل العظيم من خالص النصيحة ، وعظيم التضحيّه لريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، كما دعا الاِمام له ببلوغ المنزلة السامية عند الله التي لا ينالها إلاّ الاَنبياء ، واوصيائهم ، ومن أمتحن الله قلبه للاِيمان.
3 ـ الاِمام الحجّة:
وأدلى الاِمام المصلح العظيم بقيّة الله في الاَرض قائم آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) بكلمة رائعة في حقّ عمّه العبّاس ( عليه السلام ) جاء فيها : « السلام على أبي الفضل العبّاس ابن أمير المؤمنين ، المواسي أخاه بنفسه ، الآخذ لغده من أمسه ، الفادي له ، الواقي ، الساعي إليه بمائه ، المقطوعة يداه ، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد ، وحكيم بن الطفيل الطائي.. ».
وأشاد بقيّة الله في الاَرض بالصفات الكريمة الماثلة في عمّه قمر بني هاشم وفخر عدنان ، وهي:
1 ـ مواساته لاَخيه سيّد الشهداء ( عليه السلام ) ، فقد واساه في أحلك الظروف ، وأشدّها محنة وقسوة ، وظلّت مواساته له مضرب المثل على امتداد التاريخ.
2 ـ تقديمه أفضل الزاد لآخرته ، وذلك بتقواه ، وشدّة تحرّجه في الدين ، ونصرته لاِمام الهدى.
3 ـ تقديم نفسه ، واخوته ، وولده فداءً لسيّد شباب أهل الجنّة الاِمام الحسين ( عليه السلام ) .
4 ـ وقايته لاَخيه المظلوم بمهجته.
5 ـ سعيه لاَخيه وأهل بيته بالماء حينما فرضت سلطات البغي والجور الحصار على ماء الفرات من أن تصل قطرة منه لآل النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) .
4 ـ الشعراء
وهام الاَحرار من شعراء أهل البيت : بشخصية أبي الفضل التي بلغت قمّة الشرف والمجد ، وسجّلت صفحات من النور في تاريخ الاَمّة الاِسلامية ، وقد نظموا في حقّه روائع الشعر العربي إكباراً وإعجاباً بمثله الكريمة ، فيما يلي بعضهم.
1 ـ الكُمَيْت:
أمّا شاعر الاِسلام الاَكبر الكُميت الاَسدي فقد انطبع حبّ أبي الفضل في أعماق نفسه ، وقد تعرّض لمدحه في إحدى هاشمياته الخالدة قال:
وأبو الفضل إنّ ذكرهم الحلو * شفاء النفوس من اسقام
إنّ ذكر أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) ، وسائر أهل البيت : حلو عند كل شريف لاَنّه ذكر للفضيلة والكمال المطلق ، كما أنّه شفاء للنفوس من أسقام الجهل والغرور ، وسائر الاَمراض النفسية.
2 ـ الفضل بن محمد:
من الشعراء الملهمين الذين هاموا بشخصية أبي الفضل ( عليه السلام ) هو حفيده الشاعر الكبير الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيدالله بن العباس فقد قال:
إني لاَذكــر للعبّــاس موقفه * بكربــلاء وهام القوم يختطف
يحمي الحسين ويحميه على ظمأ * ولا يـولّـي ولا يثنـي فيختلف
ولا أرى مشهـداً يوماً كمشهده * مع الحسين عليه الفضل والشرف
أكرم به مشهداً بانت فضيلته * وما أضاع له أفعاله خلف
وصوّرت هذه الاَبيات شجاعة أبي الفضل ( عليه السلام ) وما قام به من دور مشرق يدعو إلى الاعتزاز والفخر في حماية أخيه أبي الاَحرار ، ووقايته له بمهجته ، وسقايته له ولاَفراد عائلته وأطفاله بالماء ، فلم يكن هناك مشهد أفضل ولا أسمى من هذا الموقف الرائع الذي وقفه أبو الفضل مع أخيه أبي عبدالله ( عليه السلام ) ... وقد استولت مواقف أبي الفضل على حفيده الفضل فهام بها ورثاه بذوب روحه ، وكان من رثائه له هذه الاَبيات الرقيقة:
أحق النـاس أن يبكى عليه * فتى أبكى الحسين بكربـلاء
أخوه وابـن والده علــي * أبو الفضل المضرّج بالدماء
ومن واسـاه لا يثنيه شيء * وجادله على عطش بماء
نعم ان أحق الناس أن يمجد ويبكى على ما حلّ به من رزء قاصم هو أبوالفضل رمز الاِباء والفضيلة ، فقد رزأ الاِمام الحسين ( عليه السلام ) بمصرعه ، وبكاه أمرّ البكاء لاَنّه فقد بمصرعه أبرّ الاِخوان ، وأعطفهم عليه.
3 ـ السيّد راضي القزويني:
وهام الشاعر العلوي السيّد راضي القزويني بشخصية أبي الفضل ( عليه السلام ) قال:
أبا الفضل يا من أسس الفضل والاِبا * أبى الفضل إلاّ أن تكون لـه أبـا
تطلبت أسبـاب العلـى فبلغتها * وما كل ساع بالغ ما تطلبـا
ودون احتمال الضيم عزّ ومنعة * تخيرت أطراف الاَسنّة مركبا
انّ أبا الفضل من المؤسسين للفضل والاِباء في دنيا العرب والاِسلام فقد سما إلى طرق المجد ، وأسباب العلى ، فبلغ قمّتها ، وقد تخير أطراف الاَسّنة والرماح حتى لا يناله ذلّ ، ولا ضيم.
4 ـ محمد رضا الاَزري:
وأشاد الشاعر الكبير الحاج محمد رضا الاَزري في رائعته بالمثل الكريمة التي تحلّى بها قمر بني هاشم ، والتي احتلت عواطف الاَحرار ومشاعرهم يقول:
فانهض الى الذكر الجميل مشمّراً * فالذكر أبقى ما اقتنتـه كرامها
أوما أتاك حديث وقعة كربــلا * انّى وقـد بلـغ السمـاء قتامها
يوم أبو الفضل استجار به الهدى * والشمس من كدر العجاج لثامها
ودعا الاَزري بالبيت من رائعته إلى اقتناء الذكر الجميل الذي هو من أفضل المكاسب التي يظفر بها الاِنسان فانه أبقى ، وأخلد له ، ودعا بالبيت الثاني إلى التأمّل والاستفادة من واقعة كربلاء التي تفجّرت من بركان هائل من الفضائل والمآثر لآل النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، وعرج بالبيت الثالث على أبي الفضل العبّاس ( عليه السلام ) الذي استجار به سبط النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) وريحانته ، ولنستمع إلى ما قام به العبّاس من النصر والحماية لاَخيه ، يقول الاَزري:
فحمى عرينتـه ودمدم دونها * ويذب من دون الشرى ضرغامها
والبيض فوق البيض تحسب وقعها * زجل الرعود إذا اكفهرّ غمامها
من باسل يلقـى الكتيبـة باسمـاً * والشوس يرشـح بالمنية هامها
واشـم لا يحتـل دار هضيمــة * أو يستقلّ على النجـوم رغامها
أو لم تكن تـدري قريـش أنّــه * طــلاع كل ثنيـة مقدامهــا
وهذه الاَبيات منسجمة كل الانسجام مع بطولات أبي الفضل ، فقد صوّرت بسالته ، وما قام به من دور مشرف في حماية أخيه أبي الاَحرار فقد انبرى كالاَسد يذبّ عن أخيه في معركة الشرف والكرامة ، غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة التي ملاَت البيداء دفاعاً عن ذئاب البشرية ، وقد انطلق أبوالفضل باسماً في ميادين الحرب وهو يحطّم أنوف أُولئك الاَوغاد ويجرّعهم غصص الموت في سبيل كرامته وعزّة أخيه ، وقد استبان للقبائل القرشية في هذه المعركة ان أبا الفضل طلاع كل ثنية ، وانه ابن من أرغمها على الاِسلام وحطّم جاهليتها وأوثانها.
رشح المنتدى المبارك بنية تعجيل فرج أمامنا(ع)(عج)
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
عليهما السلام
رائد الكرامة والفداء في الاسلام
باقر شريف القرشي